الشيخ عبدالهادي السودي من أبرز أعلام الصوفية في تعزواليمن، شهرته كعالم وأديب ملأت الآفاق، وسيرته العطرة منهل عذب للمشتغلين والمهتمين بتراث الصوفية، وتعتبر قبة مسجد الشيخ عبدالهادي من أكبر القباب في اليمن وإحدى أجمل المعالم الدينية في تعز القديمة من عصر الخلافة العثمانية. تاريخ القبة تاريخ القبة يعود إلى حقبة الدولة الطاهرية، فالذين يروون سيرة الشيخ محمد بن علي السودي المعروف في تعز باسم الشيخ عبدالهادي السودي يقولون أنه عاصر السلطان الطاهري عامر بن عبدالوهاب (1489 1517ه)، ويظهر حسب رأي إمام المسجد السابق الحاج أحمد محمد العداهي أن الشيخ عبدالهادي توفي بعد دخول المماليك إلى اليمن ودفن في المنطقة التي أقيم فيها المسجد وتسمى «أكمة النهد» شمال جبل السراجية من مدينة تعز وهو موقع المسجد القائم الآن والذي لا يبعد كثيراً عن مدرسة المعتبية. استحداثات عمرانية في كتابه «مدينة تعز غصن نظير في دوحة التاريخ العربي» ذكر الأديب المؤرخ محمد محمد المجاهد أن المبنى كان في بداية الأمر قبة صغيرة على قبر الشيخ حتى تولى أبو محمد سنان باشا (1013 1016ه) ولاية اليمن في ظل الوجود العثماني وهو صاحب إصلاحات سابقة في ولايته فبادر إلى نقض القبة الصغيرة وأقامها في ولايته بأسلوب جديد، بحيث غدت أكبر علواً واتساعاً وألحق بها مرافق متعددة مسقوفة بقباب صغيرة وحوطات داخلية وخارجية وجعل لها مهابة وعظمة، وفي الطرف الخارجي للحوطة الشرقية بنى مقهى ودكاكين أوقفت كلها على تربة الشيخ وفي الحوطة الوسطى أنشأ بركة للوضوء، وسقاية جميلة للشرب ما زالت قائمة حتى الآن. في مطلع القرن العشرين ومع نهاية الوجود العثماني الأخير كانت القبة قد تعرضت لتلف بفعل الزمن وعدم الصيانة فبادر أحد أعيان تعز وهو محمد ناصر باشا (من منطقة ماوية) بإعادة إعمار القبة على كيفيتها القائمة الآن وعلى نفقته الخاصة ولها فخامة بائنة حتى أنها وبدون مبالغة أكبر وأضخم قبة في الجمهورية اليمنية كلها وهذه ميزة محسوبة لها أيضاً.. ما دونه المجاهد اعتمد فيه أيضاً على شهادات كثير من الأحياء المعمَّرين في بداية العقد الخير من القرن العشرين والذين شهدوا عملية إعادة بناء القبة. حضرات صوفية كان مسجد اتلشيخ عبدالهادي يشهد جمعاً صوفياً سنوياً في شهر ربيع الأول تعيش فيه الحارة المجاورة المعروفة باسم حارة عبدالهادي السودي ومدينة تعز كلها احتفالات صوفية وشعبية مشهودة تستمر ثلاثة أيام إلى أن أقام الإمام أحمد حميد الدين في تعز خلال ولايته للعهد وقاد حملة عنيفة استهدفت أضرحة مشايخ الصوفية «الأولياء» حسب قول المجاهد كما استهدفت الموالد الموسمية (الاحتفالات الصوفية) فتوقف جمع الشيخ عبدالهادي السودي على أي صورة تماماً، حتى عاد بعض محبي الأولياء بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م بمحاولة إحياء الجمع وتحديداً خلال 1983 1984م وكان الجمع يتم ليلة واحدة فقط مقتصراً على ذبح الذبائح والعشاء ثم الذكر وتناول القات داخل القبة حتى وقت متأخر من الليل، ولم يرافق الحفل ما كان يرافقه فيما مضى من مظاهر الاحتفال وقيام السوق الميداني الذي كان سابقاً.. في هذا الجمع وغيره ينتظر الناس عدة شهور وتفد إليه الجموع والسلع من كل مكان إلى جانب احتشاد المهرجين و أصحاب لعب الأطفال مثل المراجيح والذين كان وجودهم يضفي على المناسبة الكثير من النشوة حسب الذاكرة الشعبية، وهو ما احتفظت به الاحتفالات والموالد لأتباع الطرق الصوفية في بلدان إسلامية أبرزها جمهورية مصر العربية، لكن المحاولتين لإحياء الجمع فشلتا ولم يبادر أحد بمحاولة جديدة بعدها. سيرة عطرة الآن حين تقف متفرجاً على قبة الشيخ عبدالهادي من أعلى نقطة في قلعة القاهرة تجدها أكثر معالم المدينة القديمة بهاءً وجاذبية، صحيح هناك جامعا المظفر والأشرفية بنمطيهما المعماري البديع وقبة الحسينية و...إلخ إلا أن الاعتناء بقبة عبد الهادي وموقعها لا يأسر الأبصار فقط لونها الأبيض بل يأسر البصائر، حيث تتفتح في داخل الناظر عيون تشع أسئلة تشق طريقها في الذهن لتصلك بمنابع الحب الذي عُمرت به قلوب الناس عبر السنين لرجال صالحين عرفوا وتعرفوا على سيرهم وحفظوا أقوالهم وأشعارهم وأخذوا عنهم علوماً نقلوها من جيل إلى جيل وبنوا لهم قباباً ووسعوها ورمموها وأوقفوا لها الأوقاف، بل إن صوراً أجمل وأروع ترتسم في الذهن عن فضائل أناس ما ورثوا ديناراً ولا درهماً رغم أن بعضهم كان وارثاً أو متاجراً، ولم يبق من تاريخ الأثر المادي المعماري الجميل وإنما يتنامى أثر السيرة العطرة والأدب الجم والعلم والقدوة الحسنة بمن عرف أقصر الطرق للوصول إلى نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرب من الله. رعاية مآثره وعندما تدخل محيط المسجد تنثال أسئلة من نوع آخر كل بحسب المشهد، فهناك قبور لأناس من عائلات كبيرة في حوطة المسجد لكن القبة باسم الشيخ عبدالهادي فقط، على القبور حفر تشبه الصحن وضعت للمياه كي تشرب الحمائم كصدقة كان يحرص أهل الموتى ويوصونهم قبل موسم بمثلها من الصدقات الجارية.. لكن زوار المسجد اليوم يحرص بعضهم على رمي أعقاب السجائر في هذه الصحون، بل إنك لا ترى طائر حمام واحد. في داخل القبة تلمس عناية بالنظافة وهدوءاً تاماً وتجد أناساً على درجة عالية من الوعي والثقافة يبحثون عن لحظة من السكينة ويمارسون صمتاً تُعلي من شأنه تأملات، وقد تسال أحدهم عن معرفة سابقة ماذا تعرف عن صاحب القبة؟ فيقول: كان رجلاً صالحاً ولا أريد أن أختلف مع أحد فيما يختلف عليه بلا نبل في المقصد أو غاية سامية تذكر. وتلحظ أناساً يبدون محلقين في فضاء الله منهم من يتأمل ومنهم من يغشاه النعاس، وتشاهد أيضاً من يتفرس في القادمين رغبة في وصف الأزمة في البلد وجديدها ويطلق دفعة تلو أخرى من الدعاء بأن يمنّ الله على اليمنيين بالفرج ويعين القادرين على إصلاح الشأن أن يتذكروا فضائل ذوي الفضل وقصر الحياة الدنيا والنظر على أن كل الناس عيال الله ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح وأن من أحبه الله أحبه الناس وحببهم فيه. في القبة قد لا يشغلك جمال المبنى والتابوت وكسوته عن سماع أصوات خافتة وتمتمات أفراد هنا أو هناك بطونهم في ظهورهم وعليهم جبال من الهموم أو أعباء لا يعنيك تصنيفها منهم من يتكوم ليبدو ككرة بشرية.. مثل هؤلاء قد تراهم كلما دخلت المسجد ربما هم في سلام. من يدري..؟