في مناسبات سابقة أوضحنا الأوجاع التي تتعرض لها مدينة ظفار التاريخية وما حولها من انتهاكات صارخة جسدتها الحفريات العشوائية التي ينشط لصوص الآثار في نبشها وبصورة مكثفة في ساعات الليل المتأخرة بحثاً عن الكنز المفقود..ويبدو أن هذه الأوجاع لا تزال تتوالى في موازاة إهمال السلطات المحلية وعدم قيامها بدورها المأمول في صد جموح هذه السرقات. فبعد فضيحة منطقة العصيبية بمديرية السدة محافظة إب التي نهبت محتوياتها الأثرية النادرة قبل سنوات معدودة وما رافقها من تواطؤ مريب أثارت العديد من الشبهات ها هي منطقة العصيبي التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار إلى الجنوب الشرقي من مدينة ظفار تفجر إشكالية جديدة من نفس الصنف السابق إلا أن المحتويات إن كان هناك محتويات أثرية فعلاً لم تمس بسوء والفضل في ذلك يعود إلى الخلاف الحاد الذي نشب في آخر لحظة بين اللصوص حول تقسيم الغنيمة المحتملة مما أدى إلى تبادل إطلاق النار فيما بينهم ومن ثم كانت إغارة قبائل القرى المجاورة على وقع خطى أزيز الرصاص الذي شق سكون ليلتهم وأقض مضجعهم والذي حدث بعد منتصف ليلة السبت 12/11/2011م وحين وصلت طلائع الأهالي إلى المكان استقبلهم اللصوص بوابل من الرصاص مما اضطرهم إلى الرد بقوة صاحبه إبلاغ الجهات الأمنية التي وصلت بدورها بعيد الفجر وتم فض الاشتباك المسلح على إثر هروب اللصوص واختفائهم في مكان مجهول. مسئولو الجهات الحكومية والسلطة المحلية أو من يمثلها انتقلوا إلى المكان واطلعوا على حفرة عميقة أقضت إلى جدار كان اللصوص يريدون إزالته للوصول إلى الكنز الذي يقع وراءه، لكن الجشع الذي ثار بينهم حول نصيب كل فرد من الغنيمة المحتملة لم يمهلهم حتى ينالوا مرادهم الدنيء...وهذا من حسن حظ الأموات قبل الأحياء...فماذا يمكننا أن نستخلص من هذه الواقعة؟!! لا يوجد أي لقى أثناء تطوافنا على مقربة من مكان الحفرة التي دفنت بإحكام التقينا المواطن توفيق سعد علي العرابي وهو من أهالي قرية العرافة وأحد المشاركين في الإغارة الليلية بعد دوي الرصاص الذي أفادنا والثقة تملأ سيماء وجهه قائلاً: أنا من أوائل من وصل إلى المنطقة ودخلت إلى قاع الحفرة التي لم نجد فيها شيئاً لا لأن اللصوص أخذوا محتوياتها أبداً فهذا لم يحصل بل لأن الحفرة لا يوجد فيها شيء أصلاً. وعلى الرغم من أن أراضي المكان ومدرجاته الزراعية تعود ملكيتها لقرية العرافة إلا أن هذا النشاط غير الشرعي لم نكن على علم به أو أحد أبناء القرية فاللصوص والغريب في الأمر أن مسلحين من قرية الأكسود قاموا في اليوم التالي مباشرة بقطع الطريق على أصحابنا باعتبار أن الخط الإسفلتي يمر من قريتهم احتجاجاً على ما أسموه اعتداء على بعض أفراد القرية وهذا كلام غريب لأنهم لم يسألوا أنفسهم ما الذي أتى بأبناء قريتهم إلى هذا المكان في منتصف الليل ولكن تم حل الإشكال من قبل بعض الوجاهات القبلية وكم نتمنى أن تقوم الجهات المختصة ومدير المديرية بدورهم في القبض على من يعبث بالآثار وتقديمهم للعدالة لتقول فيهم كلمتها الفصل. البعثة الأمريكية من جهة أكد عبدالله ثابت العثماني المعيد في قسم الآثار بكلية الآداب جامعة ذمار أن لصوص الآثار هؤلاء لم يكونوا ليركزوا على هذا المكان لولا استنادهم لمعلومات عن التنقيبات التي قامت بها بعثة أميركية في العام 2000م تقريباً في الجهة الشمالية من جبل العصبي الذي يقع إلى الجنوب من مدينة ظفار التاريخية والتي أسفرت عن اكتشاف مقبرة ملكية تم دفنها فيما بعد لعدم وجود الإمكانات اللازمة لاستثمارها كمزار وبما أن أحدهم قد سرب هذه المعلومات ولو بصورة متأخرة إلى هؤلاء فسارعوا إلى نبش هذه الحفرة في الجهة الشرقية من الجبل جبل العصبي كون الجهة الشمالية مكشوفة تماماً للرائح والغادي أما ذلك الموضع فمطمور تماماً ويتيح فرصة أكبر للحركة. ويبدو أن الدافع الأساسي لهؤلاء الحثالة علمهم الأكيد أن المقابر الملكية عادة لا تحتوي على العديد من النفائس والحلي والسيوف.. وغيرها وما تجربة العصبية عنها ببعيد والمتأمل في الاسمين العصبي والعصبية يتبادر إلى الذهن أنهما يكونان اسمين لشخصين من العائلة الملكية فأحدهما مذكر والآخر مؤنث والله أعلم فربما الصدفة يكون لها قول آخر. المهم أن آثارنا وتراثنا الإنساني ينهب ويدمر ونحن نتفرج سواءً كنا في السلطة أو مواطنين. تخيل معي أن القطع الأثرية النفيسة التي تم إعادتها بعد شق الأنفس مما تبقى من مقبرة العصبية لاتزال في المخزن الأرضي لمتحف ظفار ولم يتم عرضها حتى الآن حتى بكنتينات عرض مثلها مثل الآلاف غيرها. متحف ظفار بدوره على أهمية وندرة ما يحتويه إلا أنه مغلق معظم الوقت ولا يصلح حتى لمأوى للحيوانات فما بالنا بمتحف يجب أن يأخذ مكان الصدارة بين المتاحف الوطنية على مستوى اليمن والجزيرة العربية. إمكانات شحيحة.. وتجاوب أمني ضعيف وفي لقاء عابر بالأخ/ بشير عبدالمغني الأمين العام للمجلس المحلي بمديرية السدة أوضح معلقاً على الموضوع: نحن في المجلس المحلي ومع كل بلاغ يصلنا نتعامل معه بإيجابية وفي حدود الإمكانات المتاحة وفيما يخص حفرة جبل العصبي الأخيرة تواصلنا مع الجهات المعنية أبرزها الجهات الأمنية وانتقلنا إلى الموقع فوجدنا حفرة عميقة لم تمكن معها اللصوص من النفاذ إلى الجانب الآخر من الجوار الذي يستحيل التكهن بوجود أي شيء، لكن الخلاف الذي طرأ بين هؤلاء المرتزقة عديمي الضمائر حال دون وصولهم إلى ما كانوا يريدونه، إضافة إلى تعاون الشرفاء من المواطنين والآن نحن بصدد دفن الحفر بكتل أسمنتية قوية ومن سبق تورطه في هذا العمل الشاذ فإن الأجهزة الأمنية ستقوم بعملها في تعقب اللصوص حتى إلقاء القبض عليهم.. وأريد أن أوضح هنا أن المجلس المحلي بهيئته الإدارية وأعضائه لا يقصرون في القيام بواجبهم في مواجهة هذه الأعمال التخريبية وكما قلت في حدود إمكاناتنا. وفي هذا المجال يعلم الكثيرون أن المجلس لا يمتلك العوامل الفاعلة في محاربة لصوص الآثار إلى جانب أن التجاوب مع الأجهزة الأمنية والنيابة ضعيف بالرغم من أننا قمنا بتحرير كشف يضم أسماء المتهمين بسرقة القطع الأثرية والمتاجرة بها في السوق السوداء وبمبالغ مالية مغرية ولا يعلم هؤلاء الشرذمة أنهم يبيعون بذلك تاريخ وطن يعتبر ملكاً للإنسانية وليس لليمنيين فحسب وأنتهز هذه الفرصة مناشداً الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات أن تولي اهتماما أكبر حقيقيا بهذه المنطقة الأثرية المهمة وتعزيز متحف ظفار التاريخي بالإمكانيات اللازمة التي تمكنه من الظهور أمام الزائرين بالمظهر اللائق بتاريخ ظفار عاصمة الدولة الحميرية العريقة. إغراءات مادية كبيرة احد المواطنين من أبناء المنطقة الذي فضل أن يرمز لاسمه ب ن- أ- ح خوفاً من بطش اللصوص الذين يزدادون قوة ونفوذا أنه وبعض الغيورين على آثار المنطقة قاموا أكثر من مرة بإبلاغ الجهات الأمنية والنيابية بأسماء عدد من المتورطين، لكن هذه الجهات لم تحرك ساكناً ، بل العكس يشترط علينا في إدارة الأمن دفع التكاليف وتعبئة الطقم بالوقود(بترول) وكأن الأمر لا يعنيهم صدق أولا تصدق هناك الكثير من الشباب وبعض كبار السن الذين لا يزالون يحتفظون بقوتهم تركوا أعمالهم ومهنهم التقليدية وتفرغوا للبحث عن الآثار بصورة يومية وتحت جنح الظلام وبما أن بيع القطع الأثرية ثبت أن لها عائدات مالية كبيرة فهذه الفئات الاجتماعية تتوسع يوماً بعد يوم خاصة وأن مظاهر الإثراء ظهرت على أكثر من شخص نحن نعرفهم جيدا وهم لا ينكرون هذه الأعمال لكن يد العدالة ضعيفة ولن تصل إليهم.