متعبةٌ أنا... ترهقني الهموم الوهمية التي تخلقها طبيعة الأنثى العربية داخلي.. أشتاق فجري الذي انتظرته ليالي كثار اشتاق قبلة من شفة الشمس تحرق كل وجع الانتظار لفرح بعيد... أكره هذا الخصام بين وجعي ، وحرفي الضائع دائماً....حرفي المشرد على ورق لا وجود له، فكيف أصل إليه ؟ صراخ داخلي يسكتني... يتعبني... يبعثرني ... يلقيني بقايا حب لا وجود له أهذي كثيراً وتتحمل أوراقي زرقاء اللون التي حملتها منذ عشرين عاماً وأعطيتها اللون الأزرق رمزاً لشيء لا أعرفه . مرهقةٌ أنا ... يتعبني مخاض الفجر الذي لا بد وأن يطلع ، لترحل أيامي مع مراكبه دونما رجوع... فجر بعيد انتظرته كثيراً على شرفة العمر، ليكون تخلقاً وتبدأ حياة ، لكنني مثل أية امرأة عربية لازلت أسير، وأستمر بالسير في طريق لا أعرف ملامحه، تتقاذفني الأفكار... تجدل الأيام أرجوحة من الزمن ترجع إلى الخلف... وتسير إلى الأمام ، وأحلم باني رجعت معها إلى الخلف ، وسقطت منها إلى حيث تقبع طفولتي في إحدى ثنايا الزمن المنسي ، حيث كان للأيام رائحة تشبه رائحة الفرح حين ترسله أغصان الياسمين، حيث نحلم ، ونحلم، وكنت أنا مثل فرس شاردة لا تعرف أين تقف ، ولا متى تنطلق ؟!. كنت سعيدة إلى درجة الهذيان ، وقلبي ماسيٌ لا يعرف الخدوش .. كنت أحلم بك امتداداً لبزوغ فجري الآتي لا ريب ، حيث ستكون البداية ليوم سعيد طويل طول العمر... يوم لا ليل فيه ولا سأم . كنت أحلم بك ، ولم أكن أرتشف فنجان قهوتي الصباحية بعد ... لم أكن حينها أحب لون البن الغامق المثير للضيق ، واليأس وصعوبة التنفس كان فنجان قهوتي دائماً فارغا طوال تلك السنين أنظر داخله ، وأرسم ما شئت مثل كل من هم في سني ، وأقول هكذا سأكون ، و ابدأ لم أكن شيئاً مما رسمت . ولازلت أذكر سقوط قطرة البن الأولى داخل فنجاني الفارغ .. أفزعني صوتها .. أيقظني من طفولتي الجميلة .. أصابني لونها البني بالضيق ، وأدركت أنني لم أعد طفلة ووجدتك حينها بجواري ترتشف فنجان قهوتك الصباحية شارداً كما أنت دائماً... بعيداً كما أنت دائماً... بيني وبينك مسافة عمر، وفنجان قهوة ، ويأتيني صوتك الصامت : اشربي فنجانك ، ولا تتركيه يبرد وكأن صوتك لا يخرج من حنجرتك بل ينساب من عينيك بريقاً يأمرني فأطيع ، وأشرب فنجاني ، ويترك البن في حلقي مرارة لا أحبها تذكرني بأني كبرت ، وأن الحلم لم يعد لي ، وأرتشف مثل كل مرة حتى آخر قطرة ، و تبقى الحثالة أقلبها داخل فنجاني ، وأتركها ترسم ما شاءت. وأحاول أن أحلم ما شئت وفي كل مرة يرسم فنجاني عقداً من اللؤلؤ حباته سنوات عمري بيضاء فارغة لها بريق كاذب ، وحاولت مراراً أن ادخل يدي داخل فنجاني لأنزع عقد اللؤلؤ المرسوم ، وأضعه حول عنقي. لا ادري لماذا كان ينتابني إحساس دائم بأني لو ارتديت عقد اللؤلؤ المرسوم سأحقق كل تلك الصور التي رسمتها داخل فنجاني الفارغ ذات حلم؟ كنت أشعر دائماً أن بيني وبين أحلامي البعيدة عقد لؤلؤ لا وجود له ، وكانت دائماً تبقى مجرد محاولات يائسة لحلم غير قابل لأن يكون حقيقة . وذات يوم قررت أن أحشر يدي داخل فنجاني لأنتزع ذاك العقد وامتلكني التصميم للمرة الأولى في حياتي فحاولت،وحاولت ..أغمضت عيناي وحلمت ، ولم أفق من حلمي إلا وفنجان قهوتي مكسور، ويدي تنزف ، وعقد اللؤلؤ منثور على الأرض شظايا، وبقايا حلم كان .. وكأني أرى سنوات عمري ملقية على الأرض ملطخة بدمي ، وقهوتي ، وشظايا فنجاني.. أصابني الذهول ، و أخفيت وجهي بكفي الدامية ، وأدركت أنى لازلت أنثى عربية حلماً وحقيقة .