يعيش الإنسان صاحب المسئولية والهدف في الحياة كثيراً من الهموم، وربما كان تكاثر الهموم سبباً لتشتيت القلب عن أهدافه، ولصرف الهمة إلى مشاغل أهل الفوضى والعبث أو إلى الذين يعيشون حياة أكثر من عادية واهتماماتهم فتزول الميزة وينعدم التميز وتختلط الموازين بعد أن تنتكس المفاهيم. ومما لا شك فيه أن الحياة الدنيا دار ابتلى الله عزّ وجل أهلها بكثير من مصاعبها وهمومها، وما يعتمل فيها من أمور تستدعي أن نتعامل معها بكثير من الصبر والتأني مع عدم اليأس الذي قد يأخذ بنا إلى كثير من المسالك التي لا تحمد عقباها. ويطيب لي أن أشد ذهن القارئ إلى أمر مهم هو أن الحياة أبداً ما كان العيش فيها سهلاً، معنى يقرره الله في قوله تعالى: «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه»، يقول بعض المفسرين في تفسيرها: أن المؤمن يكدح وإلى الجنة والكافر يكدح وإلى النار، وفي الآية إشارة إلى أن ننظر للحياة من منظور مختلف يجعلنا نهجر الراحة والدعة وطلب الرفاهية. يُحكى أن فتاة اشتكت لأبيها مصاعب الحياة، فقد أتعبتها المشاكل، ذلك أنه ما أن تحل مشكلة إلا وتظهر مشكلة أخرى، فاصطحبها أبوها إلى المطبخ وكان يعمل طباخاً، وملأ ثلاثة أوانٍ بالماء ووضعها على نار ساخنة سرعان ما أخذت تغلي في الأواني الثلاثة. وضع الأب في الإناء الأول جزراً، وفي الثاني بيضة، وبعض حبات القهوة المحمصة والمطحونة (البن) في الإناء الثالث. انتظر الأب بضع دقائق ثم أطفأ النار ثم أخذ الجزر ووضعه في وعاء وأخذ البيضة ووضعها في وعاءٍ ثانٍ وأخذ القهوة المغلية ووضعها في وعاءٍ ثالث، ثم نظر إلى ابنته وقال: ياعزيزتي، ماذا ترين؟ جزر وبيضة وبن؛ أجابت الابنة، ولكنه طلب منها أن تتحسس الجزر فلاحظت أنه صار ناضجاً وطرياً ورخواً! ثم طلب منها أن تنزع قشرة البيضة، فلاحظت أن البيضة باتت صلبة!، ثم طلب منها أن ترتشف بعض القهوة، فابتسمت الفتاة عندما ذاقت نكهة القهوة الغنية!. سألت الفتاة: ولكن ماذا يعني هذا يا أبي؟، فقال: اعلمي أن كلاً من الجزر والبيضة والبن واجه الخصم نفسه، وهو المياه المغلية لكن كلاً منها تفاعل معها على نحو مختلف، لقد كان الجزر قوياً وصلباً ولكنه ما لبث أن تراخى وضعف، بعد تعرضه للمياه المغلية، أما البيضة فقد كانت قشرتها الخارجية تحمي سائلها الداخلي، لكن هذا الداخل مالبث أن تصلّب عند تعرضه لحرارة المياه المغلية، أما القهوة المطحونة فقد كان ردة فعلها فريدة إذ إنها تمكنت من تغيير الماء نفسه!!. ثم التفت إلى ابنته وسألها: وماذا عنكِ؟ هل أنتِ جزرة أم بيضة أم حبة قهوة مطحونة؟. إننا مطالبون أن نعيد كثيراً من مسلماتنا وقناعاتنا حول الحياة وما يعتمل فيها حتى تسير بنا على نحو يرضاه الله عنا ونرضى به عن أنفسنا، وعن حديثي عن مصاعب الحياة دائماً ما أتذكر قول الشاعر: بحرُ المآسي بهذا الكونِ مُضطرِبُ والمرءُ فيه, لهذا الأمرِ مُكتَئِبُ إنّا الحيارى, خيارٌ بات يقلقُنا فالوضعُ قاسٍ متى أدركنا ما السّببُ إنّ النفوسَ بدتْ في سوءِ حالتِها غابَ الهدوءُ الذي يحتاجُهُ الطلبُ بحرٌ عميقٌ, سريعُ الموجِ يجرفُنا والموجُ يضربُ ما فينا, فننتحبُ لسنا ومهما عن الأهوالِ يفصلُنا شيءٌ, سننفذُ مِن هذا كما يجبُ فالبحرُ يقذفُ مِنْ جوفِ الأذى قدراً والموجُ يجنحُ صوبَ النفسِ, يقتربُ! إنّ المؤمّلَ و المأمولَ مِنْ قدرٍ ألاّ تغوصَ بهِ, في وحلِهِ الرُّكَبُ هذا المقَدّرُ والمكتوبُ للبشرِ لن ينفعَ الوضعَ إنْ لاموا و إنْ غضِبوا هذي المصاعبُ والأخطارُ يلزمُها صبرٌ و جرأةُ إقدامٍ ومحتَسَبُ