تغييرات مفاجئة في تصنيف فيفا 2025    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    برغبة أمريكية.. الجولاني يتعاهد أمنيا مع اسرائيل    موت يا حمار    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل الجسور أديب العيسي    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين بتعز برصاص مسلحين    يامال يغيب اليوم أمام نيوكاسل    إصابة 4 مواطنين بنيران العدو السعودي في صعدة    الجنوب بين شراكة فاشلة وواقع مرتقب    مفاجأة طوكيو.. نادر يخطف ذهبية 1500 متر    النصر يكرر التفوق ويكتسح استقلول بخماسية أنجيلو    واشنطن تزود أوكرانيا بالباتريوت بتمويل الحلفاء    رسالة نتنياهو بعد قصف الدوحة: التطبيع أو الاستهداف!    شركة صهيونية :دفاعاتنا الجوية المتطورة مثقوبة أمام الصواريخ اليمنية والإيرانية    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    أصبحت ملف مهمل.. الحرب المنسية في اليمن والجنوب العربي    عاجل: غارة أمريكية تستهدف ارهابيين في وادي خورة بشبوة    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    مواجهات مثيرة في نصف نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    حياة بين فكي الموت    قيادي في الانتقالي: الشراكة فشلت في مجلس القيادة الرئاسي والضرورة تقتضي إعادة هيكلة المجلس    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    تعز.. وفاة صيادان وفقدان ثالث في انقلاب قارب    واقعنا المُزري والمَرير    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    برنامج الغذاء العالمي: التصعيد الحوثي ضد عمل المنظمات أمر غير مقبول ولا يحتمل    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    الأرصاد: استمرار حالة عدم استقرار الأجواء وتوقعات بأمطار رعدية غزيرة على مناطق واسعة    الذهب يتراجع هامشياً وترقب لقرار الفيدرالي الأميركي    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    اختتام دورة تدريبية بهيئة المواصفات في مجال أسس التصنيع الغذائي    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    قمة الدوحة.. شجب واستنكار لا غير!!    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    المفوضية الأوروبية تقترح فرض عقوبات على إسرائيل بسبب غزة    فريق التوجيه والرقابة الرئاسية يطلع على أداء الادارتين القانونية وحقوق الإنسان والفكر والإرشاد بانتقالي حضرموت    الانتقالي يثمن مؤتمر الأمن البحري ويؤكد: ندعم تنفيذ مخرجاته    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    مصدر أمني: انتحار 12 فتاة في البيضاء خلال 2024    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    دوري ابطال اوروبا: ريال مدريد المنقوص يتخطى مارسيليا بثنائية    كأنما سلخ الالهة جلدي !    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    محور تعز يدشن احتفالات الثورة اليمنية بصباحية شعرية    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أستطيع الجزم أن الرئيس الراحل سالم ربيع علي أثناء حكمه كان متأثراً بسلوك السلطان حسين
الفنان محمد مرشد ناجي ل « الجمهورية »:


( الحلقة الثالثة )
في الحلقتين الماضيتين استعرض الفنان الكبير المرشدي مشوار حياته ورحلة الكفاح في الحياة, مرحلة الطفولة والشقاء، مرحلة الدراسة والأصدقاء, الزواج المبكر وإرضاء الأب وطاعته.. الأبوة المبكرة, وعدم التفكير بمسئولية الحياة.. العمل والخروج منه، السفر للخارج والعودة بدراهم قليلة وبآلام كبيرة, ولكن بحصوله على شهادة الحلم (كراني) أو كاتب بالإضافة إلى إصابته بمرض الصالحين ومكوثه عاماً كاملاً في المستشفى.. وبعد خروجه متعافياً عاف اللباس العسكري والحذاء الثقيل فرفض العودة إلى مجال التمريض في مستشفى الجيش بعدن وتفضيله للعمل مع السلاطين كبداية لحياة جديدة في ريف أبين لحاجته للراحة والهواء النقي بعيداً عن ضجيج المدينة في هذه الحلقة نستكمل المقدمة التاريخية التي كتبها المرشدي بخط يده لتكون مدخلاً للحوار الذي سينشر على حلقات ابتداء من الغد..
مرحلة ريف أبين وحب السلطان والشعب
في أبين قابلت السلطان حسين بن عبدالله الفضلي نائب السلطنة الفضلية واصدر مرسوماً بتعييني مديراً لمكتبه.. وكان راتبي زهيداً حسب إمكانيات السلطنة.. وأوتيت سكناً مجاناً.. وعوضني الله بحب شعب المنطقة واستطعت في وقت قصير أن اكسب مودتهم جميعاً على اختلاف طبقاتهم بعد أن لمسوا فيّ ما يرضيهم في السلوك الإداري والعام, وكسبت في ذات الوقت حب السلطان وثقته فكان يعوضني من جيبه عند سفري إلى عدن في إجازة بعد أن لمس ضبط الإدارة وتقدمها وتنفيذ توجيهاته دونما نقصان.. وأتيحت لي لأول مرة فرصة القراءة, وفي هداة الليل ونقاء الهواء المنعش أتيحت لي أيضاً الفرصة لاستعرض أحداث حياتي الماضية كلها, كانت شريطاً طويلاً حافلاً بكل لقطات عمري صغيرها وكبيرها, أفراحها وأحزانها, وما أكثر الأحزان.. ومر عامي الأول في (أبين) حيث عقدت الأحداث معي لأول مرة, هدنة طويلة عشت فيها سعيداً بين أفراد الشعب الطيب الأصيل وقلما كنت أعود إلى مدينتي الشيخ عثمان لأن الطريق كان طويلاً وشاقاً يومها والسيارات الكبيرة الناقلة للبضائع كانت هي الوسيلة الوحيدة في المواصلات بين عدن وأبين.. وركوبها ولو في الأسبوعين مرة واحدة قد يسبب ضرراً لصحتي بسبب المطبات في الطريق الوعرة وخاصة إذا كان ساحل أبين في حالة المد.. وقضية المواصلات بين مستعمرة عدن والدويلات المجاورة أو بين الدويلات نفسها هي جزء هام من السياسة البريطانية (فرق تسد) كي لا يختلط الأخ بأخيه.. واذكر انه كان بيننا وسلطنة لحج مسافة نصف نهار بالسيارة حتى الخمسينيات عندما كنا نزورها بمناسبة مولد الولي المشهور (سفيان) وكانت موالد الأولياء في الماضي القريب مثل مهرجان كبير للفنون الشعبية بأنواعها, وكان الانجليز يشجعون هذه الموالد ويمنحون الموظفين إجازة من العمل كنوع من التنفيس للشعب.
الاستقالة من جديد
في العام (53) قررت الاستقالة من سكرتارية نائب السلطنة الفضلية, برغم شبه الاستقرار, وفيض كرم السلطان حسين بن عبدالله, وتكويني لصداقات كثيرة في أبين من أفراد الشعب والأمراء كون الوظيفة باللغة العربية إلا من بعض الشوارد إذا ما جاء الضابط السياسي الانجليزي المسئول عن المنطقة بدون مساعده الأستاذ أحمد محمد باشراحيل واسمه د. فوستر وأقوم بالترجمة البسيطة بينه والسلطان.. وعندما سنحت لي فرصة غياب الأستاذ باشراحيل لأكثر من شهر طلبني الضابط السياسي من السلطان للعمل في مكتبه على سبيل الإعارة, وحققت بعض الفائدة وطلبت منه شهادة على عملي معه, وكانت تعزيزاً لشهادة السلطان.
مدرس ومدير للنهضة
غادرت أبين وأخذت راحتي بعض الوقت وبدأت البحث عن عمل ومازالت الصعوبات قائمة في بلد يهيمن عليه الهندوك ويعطون الفرص لأبناء جنسهم, وبعد وقت عرض عليّ صديقي الأستاذ محمد سعيد مسواط الذي كان مديراً لمدرسة النهضة العربية في الشيخ عثمان أن التحق بالتدريس في المدرسة وقلت له: لا أعرف شيئاً عن التدريس فقال: لاتقلق سأعطيك ما تقرأ في هذا السبيل واتصلت بالأخوين الشهيد عثمان عبده محمد وعلي محمد عبدالله فأعطياني ما عندهما لخبرتهما الطويلة في هذا المجال.. والتحقت بالمدرسة باعتبار أنها محطة أخرى.. وطلب في وقت لاحق من الأستاذ محمد سعيد مسواط التفرغ للمؤتمر العمالي, وعينتني هيئة المدرسة مديراً بالنيابة.
زيارة السلطان وحكايته
فجأة في العام 56 زارني في بيتي السلطان عبدالله بن عثمان, سلطان أهل فضل, أبين بعد فترة من خلع السلطان حسين بن عبدالله الذي سبق لي العمل معه من منصبه من قبل الحاكم العام البريطاني لعدن السير توم هيكنبوثم وعين أخوه السلطان أحمد بن عبدالله خلفاً له كنائب للسلطنة الفضلية, وأنا مازلت أدير مدرسة النهضة العربية.. وقال السلطان عبدالله: لقد عزمت على مزاولة سلطاتي كسلطان واستفسرت أهل الرأي عندنا فأجمعوا عليك لمعرفتك بالمنطقة ومشاكلها , ولمساعدتي فيما عزمت عليه, واستفسرت منه عن أشياء في إنجاح ماعزم عليه لعلمي والناس جميعاً بهيمنة الانجليز على الدويلات كلها, بموجب المعاهدات الاستشارية المبرمة بين الطرفين وان ماعزم عليه السلطان عبدالله لايمكن له أين يكون دون موافقة الانجليز عليه, وقال السلطان: رجاء بعد ذلك سنفكر معاً, والراتب ؟ قال سأدفعه لك من راتبي كما تريد وطلبت منه شهراً واحداً لتقديم استقالتي من المدرسة.. تدعونا المناسبة لنبين للقارئ العزيز باختصار شديد جداً وضعية الحكم في السلطنة الفضلية والتي كانت خلافاً لما هو سائد في السلطنات الأخرى , التي فيها السلطان هو الحاكم المطلق في سلطنته, فالسلطان عبدالله بن عثمان كان في سلطنته مجرد رمز له راتبه, وله التحية من الجنود والاحترام من المواطنين, في حين يتولى مهام الحكم في السلطنة نائب السلطنة وهو بالطبع من البيت السلطاني.. وعندما كنت اعمل في سكرتارية النائب, كما سبقت الإشارة, كنت أظن أن هذه الوضعية متفق عليها في البيت السلطاني, ولم يكن يهمني من أمرها شيء, إلا أن حادثاً خطيراً وقع على النائب السلطان حسين بن عبدالله في العام 52 تكشفت بعده بعض الأمور وأثارت انتباهي, وأكدت أن ماهو قائم في هيكل الحكم قد فرضته الإدارة البريطانية وأكرهت السلطان عبدالله بن عثمان على القبول به, وما قيل من أسباب في ذلك لا يعقله عاقل ويطول شرحه.. والأهم هو أن خلق منصب نائب للسلطنة, وليس نائباً للسلطان سحب كل سلطات السلطان إلى النائب, وبقي السلطان عبدالله بن عثمان الملقب ب(الأمر) أي صاحب الأمر, لا أمر له من شئون السلطنة صغيرها وكبيرها.
والحادث: أنني تلقيت إشارة من قرية (الوضيع) بأن أحد المواطنين ويدعى (الأحمدي) وهذا ما أذكر من اسمه , رفض تنفيذ حكم المحكمة القاضي بتسوية حدود الأرض بينه وبين جاره.. وعندما قرأت الخبر لنائب السلطان حسين غضب أشد الغضب ونادى الضابط (عوض سرور) وكان شجاعاً وشديداً, وذهبا معاً إلى موقع الأرض الذي يبعد كثيراً عن العاصمة, ووجد السلطان المواطن الرافض لحكم المحكمة, كما روى لي عوض سرور ضابط الأمن, واقفاً على الأرض ويرجو من السلطان حسين أن ينصفه من الظلم الذي وقع عليه من المحكمة وان لديه الحجج التي تثبت حقه في الأرض, وقال له السلطان: عليك بتنفيذ الحكم أولاً ثم استأنف ولكن المواطن, الأحمدي, ظل يجادل ويكرر ظلامته, فصفعه السلطان على وجهه, وعندما استدار ليصدر أمره باعتقاله, امتشق المواطن (الجنبية) من جرابها وطعنه في ظهره حتى كاد يقضي عليه لولا أن بادره الضابط (عوض سرور) بطلقة من بندقيته, ونقل السلطان حسين إلى مستشفى عدن لإسعافه, ونقل المواطن إلى مستشفى (المخزن) القريب من مدينة (جعار) وبعد أن أفاق السلطان في عدن طلبني بالمجيء إليه.. وبعدها اجتمع مجلس الدولة المكون من عقال القبائل الفضلية واتخذ قراراً بإعدام المواطن الذي يرقد في المستشفى وأبرق السلطان حسين بالقرار.. وقرأت له البرقية فقال: يا مرشد المجلس هذا منافق وما كان من حقي أن أصفع الرجل أمام الناس وهذا رجل قبيلي له كرامته وكان من الممكن حبسه ولكن تملكني الغضب لحاجته في تنفيذ القانون.. فأبرق على التو إلى المجلس بوقف تنفيذ القرار إلى حين وصوله إن شاء الله إلى أبين.. وسافر السلطان إلى لندن لاستكمال علاجه من الإصابة القاتلة, وظل يعاني الطعنة حتى بعد شفائه.. وعند عودته علمت أنه لم يتخذ أي إجراء ضد المواطن الذي كانت إصابته خطيرة, وأمر بصرف راتب له, ولم أدر بعد ذلك كيف كانت نهايته, ولأن عملي مرتبط بالسلطان حسين بقيت في عدن حتى عودته, وأفاجأ برسالة منه من لندن قال فيها ما معناه: أنه وصلته رسائل تشير بأن السلطان, يقصد السلطان عبدالله بن عثمان, يتآمر عليه, ويطلب مني أن اكتب له بالتفصيل عن حقيقة هذه المؤامرة.. الخ.. وكنت قبل وصول رسالته قد تلقيت رسالة من أبين من ابن أخيه الأمير الشاب ناصر صالح عبدالله ومما جاء فيها: (أن الوالي هيكنبوثم جاء إلى مدينة (شقرة) حيث يقيم السلطان عبدالله بن عثمان, و التقاه ونصحه بخلع النائب حسين, وكذلك جردوا أصحاب النائب من السلاح, وقال: والله إنه انقلاب له أثر كبير في نفوسنا , ويطلبني أن أصل لمراقبة الموقف.
رسائل الأمراء
لم أهتم في الحقيقة برسالة الأمير الشاب ولكن رسالة السلطان حسين دفعتني إلى التحرك إلى أبين وقمت بمراقبة الأمر فلم أر ما يوحي بأن هناك مؤامرة لأن مسكني يقع في قلب قيادة الأمن.. وكتبت للسلطان حسين على الفور بأن شيئاً مما ذكر عار من الصحة تماماً, ومن هنا بدأت أغوص في البحث مع أصدقائي من الأمراء عن وضعية الحكم وفهمت أن السلطان عبدالله (الأمر) يشعر بالظلم من هذه الوضعية, وأن كل محاولاته مع الإدارة البريطانية لتصحيح وضعه باءت بالفشل.. ومن هذا كله ومن فهمي لسوء العلاقة بين السلطان حسين والانجليز من وقت طويل وتأكدي من زيارة الحاكم العام البريطاني للسلطان عبدالله في (شقرة) استنتجت بأن الانجليز توصلوا إلى اقتناع لإقالة السلطان حسين من منصبه في وقت معين.. وقد تم ذلك كما بينا من قبل الحاكم العام هيكنبوثم في مكان سابق, إلا أنهم رأوا في غياب السلطان حسين في لندن فرصة سانحة لزرع الفتنة بين الأسرة السلطانية لغرض يعلمه الله ولكن السلطان عبدالله تنبه إلى القصد وطرح على الحاكم العام ممارسة سلطاته كسلطان في شئون بلده قبل أي شيء وأنه الجهة التي تعين نائبه إذا ما أراد نائباً له وليس نائباً للسلطنة.
وبعد ذلك سيمتثل لنصائحهم في كل الأمور.. وجدير ذكره أن السلطان والنائب أبناء عم وبينهما مصاهرة, والحقيقة لو شئت أن أتحدث عن السلطان حسين بن عبدالله فإن ذلك يحتاج إلى كتاب مفصل لأنه فريد من نوعه سواء في أسرته أو سلاطين المنطقة بأسرها, فقد كان للحق حاكماً عادلاً ووطنياً وصاحب شخصية مهابة في بلده ولدى أسرته والمواطنين جميعاً, أسس دولة على نمط الإدارة في مستعمرة عدن بشكل عام, مبنية على التخطيط في تقديم الحياة الاجتماعية وهو أول من أقام مدرسة للبنات في المنطقة بأسرها.. وعلى توريد موارد السلطنة المالية من مختلف الجهات إلى إدارة المالية, والتفتيش على أموال الدولة.. ولا وجود لمخصصات مالية لأفراد الأسرة السلطانية لمن لا يعمل وان وجدت فهي قليلة لا تستحق الذكر ومن يعمل منهم يتساوى راتبه مع المواطنين.. وكان يحرص أشد الحرص على سيادة القانون, ومحاربة الرشوة والفساد الإداري ومنع دخول القات إلى السلطنة, وحكاية المواطن (الأحمدي) الذي فرضها سياق الأحداث واحدة من مائة حكاية, وإنني لأعذر القارئ إذا لم يصدقها لكون صاحبها سلطاناً.
عدالة السلاطين
ويدفعني السياق لأروي حكاية واحدة من مائة أو أكثر, غيرها وهي أن السلطان حسين كما اشرنا سن قانوناً يحرم تعاطي القات في السلطنة الفضلية ومن يتعاطى القات يكن عرضة للغرامة المقدرة من قبل قاضي المحكمة المدنية, وكان قاضي المحكمة يومئذ سلطاناً, وفي أبين ينعت الأمراء بالسلاطين والقاضي بالحاكم وكان هذا السلطان الحاكم, من المولعين (بالقات) ويتعاطاه سراً يومياً في بيته, وذات يوم بعد شهر من صدور القانون جاء إلى السلطان حسين من اسر إليه بخبر الحاكم واستشاط غضباً وانتظر حتى دنا المغرب واصطحب احد الجنود وعند سور بيت الحاكم الخلفي استعان بظهر الجندي ومن فوقه قفز إلى داخل البيت, لأن الحاكم كان من أسرته, وعندما رآه الحاكم واقفاً أمامه تجمد الدم في عروقه وكان متلبساً, فقال له : أراك في مكتبي صباح الغد.. وعلمت العاصمة بالخبر, وجاء السلطان (الحاكم) إلى السكرتارية مبكراً وكان شاحب الوجه كأنه لم ينم ليلتها, وحضر السلطان حسين فنهض الحاكم ليسلم عليه فلم يلتفت إليه, ودق الجرس يطلبني كالعادة, أدخل لي فلاناً, ودخل الحاكم متجهاً إلى السلطان ليسلم عليه فنهره قائلاً: قف هناك كمجرم, والتفت عليّ وقال: اكتب عبارة, من أين لك هذا؟ ومضى يسأله عن ممتلكاته من قبل أن يتسلم منصبه وبعده.. وفي النهاية قال له: إن ممتلكاتك بعد الوظيفة سأدرسها واتخذ القرار بشأنها لاحقاً.. أما الآن فأنت متوقف عن العمل.. وقال لي: اطلب من كاتب المحكمة كشفاً بالغرامات التي أصدرها هذا الحاكم على المواطنين الذين وقعوا تحت طائلة القانون, وعليه أن يدفع المبلغ الإجمالي لهذه الغرامات كلها, ولأن هذا السلطان (الحاكم) قريبه فقد تدخل الأمراء بعد أن هدأت ثورته للتخفيف عليه فيما يتعلق بممتلكاته التي كان ينوي مصادرتها.
الرئيس ربيع والسلطان حسين
إن القارئ العزيز, مرة أخرى قد يأخذه الاستغراب عندما يقرأ هذا ولكن حكايات العدل والانضباط الإداري عند هذا السلطان قد تستغرق الكتاب بأكمله, كما نوهت وليس معنى ذلك أن السلاطين في المنطقة الجنوبية كانوا على شاكلته إطلاقاً كان هو الفريد في هذا السلوك العجيب والغريب.. وما كان لديه إلا راتبه, ودخل أرضه التي لا يمكن مقارنتها في كبر رقعتها مع السلاطين الآخرين, في المناطق الأخرى, وأستطيع أن أجزم أن الرئيس سالم ربيع علي أثناء حكمه كان متأثراً كل التأثر بسلوك هذا السلطان في الحكم على مختلف المجالات باستثناء المزايدات الإيديولوجية التي كان يتداولها مع رفاقه, وأقول هذا على مسئوليتي.. أما ما يتعلق بإقالة السلطان حسين بن عبدالله من منصبه من قبل الحاكم العام البريطاني بعد مفارقتي أبين فلم يكن موضع استغرابي كما سبق التنويه.. وبعد أشهر وصلني نبأ انقلاب سيارته وهي في عودتها من سهرة في مدينة جعار, ومات فيها, والسؤال: أين قضى سهرته, وسبب انقلاب سيارته؟ وعلم ذلك عنده, أو عند البعض الذين هرعوا لمعاينة الحادث, ووقفوا على السبب.. وأعود على عرض السلطان عبدالله بن عثمان سلطان أهل فضل الذي قدمه لي للالتحاق بسكرتاريته, كما قدمت, وكنت على يقين بأن قضيته في غاية التعقيد ولكن في ذات الوقت استشعر أن عزيمته في ممارسة حقوقه كسلطان في بلده وحماسته في إقناعي بالعمل في هذا السبيل, لاشك لم تأت من فراغ ويحكمها أمران: إما أنه حصل على موافقة الانجليز فيما عزم عليه, أو أنه رأى أو رأى غيره أن تعيين السلطان أحمد بن عبدالله خلفاً لأخيه الحسين فرصة تتيح له استرداد حقوقه كسلطان ولاسيما أن السلطان أحمد قليل الخبرة في إدارة السلطنة, وعديم الشعبية في آن.
وعود كاذبة
التحقت بسكرتارية السلطان عبدالله تقديراً لثقته بي, وفرصة أن ابتعد من الارهاقات الفنية, وأعطاني السلطان بيتاً في مدينة (زنجبار) العاصمة نقلت أسرتي إليه, واجتمعنا فقال: إن النائب أحمد بن عبدالله وعده ببناء مكتب خاص به في القريب العاجل.. وقلت هذا هراء من الممكن أن نحتل بعض الغرف الفاضية في السكرتارية مؤقتاً ،حيث إن بناء مكتب يتطلب أكثر من عام ومن غير المعقول أن نبقى في بيوتنا لا نعمل إلى ما بعد عام, وحرضته للقاء النائب في الغد, بعد أن أعددت ورقة له بطلبات المكتب من لوازم بشرية وأثاث.. الخ.. بغرض أن أصل إلى معرفة نوع العلاقة بينه وبين النائب, ومدى جدية السلطان فيما عزم عليه.
وعاد السلطان بوعود من النائب وفطنت أنها كاذبة.. وقلت له يا سلطان أصدقني القول, ما الذي جعلك تفكر الآن في حقوقك كسلطان بعد سنوات طويلة؟ قال فكرت, أليس من حقي أن أفعل؟! قلت: من حقك فعلاً.. ولكن كيف؟! قال: كيف هذه أنت تعرفها.. قلت: لا يا سلطان يا طيب , لو سألتني, كيف عندما شرفتني بالزيارة لأجبتك عليها وهي سهلة, ورغم ذلك استفسرتك عن موقف الانجليز من الأمر, وجوابك ستفكر بعد ذلك أعطاني انطباعاً بالتفاؤل, أو أن هناك شيئاً آخر أعطاك الأمل في تحقيق ما تريد وأنا أعاونك فيه, فقل لي الحقيقة رجاء فقال: ليس هناك اتصال بيني وبين الانجليز في هذا الشأن, وإنما هناك تفاهم بيني وبين النائب ووعد ببناء المكتب قلت: ليست القضية بناء مكتب, وإنما قضية مضمون, والمضمون سأكشفه لك الآن وكتبت رسالة إلى النائب وقعها السلطان تتضمن موافاة السلطان بمعلومات عن الحالة العامة في السلطنة من وجوه عدة, ونسخة من التصميم لبناء مكتب السلطان بمعلومات عن الحالة العامة في السلطنة من وجوه عدة, ونسخة من التصميم لبناء مكتب السلطان, والموعد المحدد لإنزال المناقصة للمقاولين وتبعت ذلك بتظلمات بعض المواطنين وطلب من النائب الرد لإنزال المناقصة للمقاولين وتبعت ذلك بتظلمات بعض المواطنين وطلب من النائب الرد تفصيلاً حول الإجراءات التي اتخذها بشأنها.. الخ.. ومضى أكثر من شهر ولم يرد النائب عليها.. وطلبني السلطان إلى (شقرة) ونزلت في دار الضيافة, والتقيت السلطان وقلت له: لقد أهمل النائب كل رسائلك فما أنت فاعل؟! طبعاً لاشيء لأنك لم تتفاهم معه على المضمون والشرعية بيده من الانجليز وليست بيدك فإما أن تجري اتصالاً بالانجليز أو تتفاهم مع النائب في الصلاحيات المخولة لك في شئون إدارة الحكم, وهو بدوره بالطبع سينقلها إلى الانجليز لدراستها وموافقتهم عليها أو رفضها.. فقال سأتصل بالنائب وقلت: بالمناسبة أراني مشفقاً عليك لتحمل راتبي من راتبك الضئيل وهذا.. لعلمي.. يرهقك!! لذلك بعد موافقتك سأكتب رسالة إلى النائب أحمد, وتوقعها ليكون راتبي من السلطنة وكان رد النائب أحمد بالإيجاب, وهي الرسالة الوحيدة, التي رد عليها, وطلبني إلى بيته للسمر في ليلة رمضانية وقال: الراتب أنا عملته من أجلك, أو بالأحرى لخدماتك المخلصة السابقة معنا ومحبتك الكبيرة في أسرتنا جميعاً ولست أفهم كيف قبلت وضعاً كهذا وأنت أعرف بأوضاعنا.. الأهم أنت ممكن تأخذ راتبك مقدماً لأشهر وتذهب إلى عدن وتعود لتأخذ غيرها وأن شئت البقاء عندنا فهذه بلدك إلى أن نبني مكتب السلطان.
العودة إلى عدن وبساطة السلطان
وعدت إلى عدن لأبحث عن عمل واحتفظت ببيتي في أبين لأن لي فيه ذكريات جميلة وأحباء ولم أدر الا والسلطان عبدالله يفاجئني بزيارة وكان بيت أبي المتآكل المتهالك مفتوحاً (للمقيل) للأصدقاء بعد أن انتقلت منه مع أسرتي إلى بيت مجاور متطور.. وانتفضت قائماً عندما رأيت السلطان الكبير وأجلسته في مكاني وناديت الولد ليأتي بفرش ولكنه اقسم أن لا يكون وقدمته للحاضرين: هذا الوالد السلطان عبدالله بن عثمان, سلطان أهل فضل, ودهش الحاضرون من المفاجأة ولم ينبس أحدهم ببنت شفة, وهمس السلطان في أذني قائلاً: أحرجوني أصحابك افهمهم؟ وقلت : يا إخواني خذوا راحتكم في الكلام, أنتم مستغربون أن يجلس معنا سلطان أهل فضل في هذا المكان الخراب؟ ولكن هذه طبيعة أهل فضل, سلطاناً أو غيره, وأضاف السلطان: اعتبروني واحداً منكم وعضواً في المبرز, ولكن السلطان عبدالله من المولعين (بالقات) وهو الوحيد المسموح له بتعاطيه في (شقرة) العاصمة القديمة للسلطنة, وسبق التنويه إلى أن القات كان ممنوعاً وملخص الحديث بيني والسلطان في هذه الجلسة, أنه ظن أني هربت وأنه سبب لي أذى حين خسرت وظيفة المدرسة من أجله بدون فائدة, وقال: أنت تعرف أنا (بوحسين) وقاطعته: حاشى لله, وسردت له ما حدث في لقائي مع النائب, وأنني تحت أمره في أي وقت إذا ما رأى تقدماً في الموقف, وقال بعد (المقيل) لابد أن تصحبني إلى (شقرة) وهكذا ظللت بين (شقرة) زنجبار, عدن) بدون فائدة.
سفر السلطان ورحلة العمل
وفجأة وبدون مقدمات, وأنا في الشيخ عثمان أسمع بسفر السلطان عبدالله بن عثمان إلى أوروبا والشرق الأوسط في مكالمة تلفونية من بيت السلطان في (كرتير) وكان المتكلم السلطان أحمد بن عبدالله نائب السلطنة يقول لي :( تعال الآن إلى بيت السلطان ووجدت معظم السلاطين لتوديعه, وكانت مفاجأة أخرى أن أسمع بأنني وولده المهذب الأمير عثمان بن عبدالله سنلحق به بعد أسبوع على الطائرة, وسلموني المبالغ الخاصة بتذاكر السفر والملابس.. وودع السلطان في اليوم التالي توديعاً مهيباً من قبل المسئولين الانجليز على رصيف الميناء ما الذي حدث؟ سألت نفسي, أعرف أن السلطان ليس في جيبه حتى قيمة تذكرة الطائرة لنفسه لأني أعرف أحواله المالية, فكيف بالزيارة الكبيرة هذه مع أربعة أفراد معه اثنان من أصدقائه وابنه وأنا؟ أحسست أن السلطان أحمد بن عبدالله قد لعب هذا الدور مع الإدارة البريطانية لسببين هما: أن الرحلة سوف تنسيه مطالبه في السلطة ولاسيما وأنه لم يسافر قط في حياته خارج بلده إلا إلى أم القرى للحج, ومن ناحية أخرى أن الرحلة ستشعره بأنه بالفعل سلطان بلده.. وبالفعل شاهدت ترتيبات هائلة للسلطان في لندن حيث أنزلونا في فندق فخم, وفي زياراتنا لمعالم لندن كان هناك اهتمام واضح من المسئولين بقدومنا في كل مكان وكذلك في زيارة مدينة برمنجهام ومعالمها، وعندما ذهبنا إلى الريف البريطاني كان في استقبالنا رئيس البلدية ، وكانت ترافقنا دائماً امرأة في المجلس البريطاني ، وظلت معنا في زياراتنا للعاصمة الفرنسية، والنمسا، ويوغسلافيا واليونان، وتركيا وبعدها قفلت المرأة راجعة إلى لندن، وواصلنا الرحلة عبر القطار إلى حلب، فبيروت وبحراً إلى الإسكندرية ثم القاهرة، كنا نمكث يوماً وليلة في المدن الأوروبية، أما بيروت والقاهرة، وأسمرة فقد مكثنا في كل منها أياماً وأخيراً، العودة إلى عدن على الطائرة التي يركبها السلطان لأول مرة وكان يقرأ القرآن طوال الرحلة.
وأخيراً الاستقرار في شركة شل
رحلة ما كنت أحلم بها قط،وشاء المولى عز وجل أن يعوضني عن عناء مشوار الحياة فأرسل السلطان عبدالله بن عثمان يطلبني للعمل معه، حيث لا عمل له يذكر، من أجل هذه الرحلة الجميلة التي لو شاء ثري أن يقطعها لاحتاج الآلاف المؤلفة من الجنيهات الإسترلينية.. وعند العودة ظللت أتردد بين أبين وعدن، وكان السلطان عبدالله هادئاً، ولم تعد هناك مطالب سلطوية، وأخيراً سمعت بوجود وظيفة شاغرة في شركة الزيت البريطانية BPفي “التواهي” من السيد محمد باهارون، وكان مسئول القوى العاملة في الشركة، وآل باهارون الأفاضل كانت تربطني بهم علاقة حميمة وكان السيد زين باهارون رئيس الوزراء في عهد الإدارة البريطانية إذا ما التقى بي بعد الاستقلال الوطني في عدن يقول لي: أنه في صدره أسرار يريد البوح بها لي مع الوثائق وتواعدنا إلى شهر رمضان وقبل الموعد قبضه الله إليه،ودفنت أسراره معه،وتقدمت بطلبي للوظيفة مع شهادات العمل للسيد محمد باهارون الذي بدوره قدمها لمسئول التوظيف الانجليزي، وأحسست من مقابلة المسئول أن السيد باهارون قدمني إليه تقديماً جميلاً..وسألني بعد محادثة قصيرة، هل تجيد الطباعة؟وبدون تردد أجبت.نعم وأنا لم ألمس المطبعة قط ولا أعرف حتى كيفية إدخال الورقة فيها، وقال الانجليزي وكأنه صدقني : ستعمل ضارباً على الآلة الكاتبة في قسم الملاحة،وناولني أوراق الكشف الطبي، وأنا أقول في نفسي حمداً لك يارب فقد تحقق الحلم، وفي مقر طبيب الشركة التقيت مساعده ورجوته أن “يمطط” في إجراءات الفحص لأسبوعين لأسباب خاصة واستجاب للرجاء وذهبت في الحال لأشتري مطبعة مستعملة، مع كتاب التعليم وفي خلال الإجراءات الصحية استطعت أن أصل إلى مستوى لا بأس به في الطباعة، وباشرت العمل، وبالتمرين المستمر للطباعة خلال ساعات العمل وفي البيت أصبحت أطبع عشرين كلمة في الدقيقة، وتمكنت من الحصول على التأييد في الوظيفة، وبعد سنوات التحقت بشركة”شل” البريطانية وتمكنت من الحصول على دورتين تدريبيتين في شئون الإدارة، واستقررت فيها من كافة الوجوه حتى قرب موعد الاستقلال الوطني..إلى هنا وتنتهي معركتي مع الوظيفة الكتابية، وكان التحدي هو الذي حقق انتصاري عليها رغم حرماني من التعليم ورغم الفقر المدقع والصحة المفقودة.. وهذا الانتصار يعد انتصاراً على السياسة الاستعمارية في التعليم وسقوط الكثيرين من أبناء الفقراء المتفوقين في الطريق، ولو لم أسلك طريق التحدي معتمداً على مواهب توافرت في أكثر من مجال وصمودي أمام الفقر المخيف لكنت أي شيء على هامش الحياة.. ومما لا شك فيه أن يستغرب القارئ اليوم مما حدث إزاء الحصول على وظيفة كاتب أي “كراني” بتسمية زمان، وقد ذكرها بامخرمة في كتابة «تاريخ ثغر عدن» وهي كلمة فارسية والحصول على هذه الوظيفة اليوم هي من السهولة بمكان، لأنها في الدوائر الحكومية تعتمد على معرفة اللغة العربية والحساب وليست معرفة اللغة الإنجليزية مطلوبة، والشهادة المدرسية متوافرة، وإن لم تكن متوافرة فمعرفة المتقدم بالعربية كافية”..وعلى كل حال، أقول إن التحدي في كل الأحوال وفي كل مكان، وزمان مطلوب من كل شاب يود تحقيق طموحاته، مهما اعترضت هذه الطموحات من الصعاب والمتحدي دائماً وأبداً هو المنتصر والشاب الذي يستكين للصعوبات في بلوغ أمانيه، شاب لا يستحق الحياة مهما كانت المبررات التي يطرحها لنفسه وللناس وكان عليه أن يقبل التحدي في مواجهة الصعوبات التي في طريقه، وفي النهاية لابد أن يصل إلى ما يطمح إليه..وقد كان التفوق شعاراً دائماً في أي مجال أخوضه، أو فرض عليّ خوضه، وسيرى القارئ مشواري مع فن الموسيقى الذي فرضته الظروف عليّ وما اتخذته من قرارات بشأنه ألزمت نفسي بها،وهي قرارات تخالف المبادئ العامة لفن الموسيقى، كان من نتائجها مواجهة متاعب لا حصر لها ولكنه التحدي الذي واجهت به حرماني من التعليم، وواجهت به الجوع والحرمان، وانتصاري في النهاية بالتفوق في كل المجالات التي عملت فيها..وما كان زملائي في الأعمال يعلمون أنني لا أحمل إلا شهادة الابتدائية..وهذا الرصيد الضخم في التحدي، هو الذي جعلني أقاوم التحديات في فن الغناء، وأقاوم الإغراءات والعذابات بأشكالها المختلفة لإسقاط القرارات المبدئية خلال ممارستي للغناء الذي ما كان لي فيه ناقة ولا جمل..وأعلن أنه ما كان في تخطيطي على الإطلاق أن أمتهن الغناء..ان مزاولتي مهنة الغناء في صغري عند الحاجة، أبانت لي أشياء مقززة للنفس ومهدرة للكرامة..دعك من المظهريات التي يراها الناس في الشخصيات الفنية، ولذلك صرفت النظر عن هذه المهنة وكنت في صغري أمتلك كل أدواتها، وربما لو مارستها لهونت عليّ الكثير من المتاعب التي صادفتها في التعليم والحياة،وربما خففت عن كاهل أبي الفقير المعدم بعض التبعات والمسئوليات، ولكني مضطر ، كنت أمارس الغناء عند الحاجة الشديدة وكانت هذه الحاجة نفقات التعليم...وعندما بدأت العمل في التمريض صرفت النظر عنها نهائياً لولا أن ما حدث حدث.
يتبع الحلقة القادمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.