رمضان شهر الخيرات والمغفرة والرحمة والعتق من النار، وميدان التنافس الواسع بين المتنافسين في كل ساح و مجال للخير والإحسان. و القنوات الفضائية لها باع طويل في هذا المجال؛ فهي المتنافسة في عرض كل جديد ومميز ومشوق من البرامج و المسلسلات والبرامج التفاعلية ... وهي السباقة في عرض أبواب الخير وفتح ميادينها أمام المتسابقين ورجال الخير و البر؛ رغبة منها في جذب المشاهد حينا، وإدراكا لواجبها الاجتماعي الإنساني حينا، وتكفيرا عن ذنوب العام حينا آخر ... وفي أي حال فهذا عمل جليل وجهد مشكور. غير أن ما دعاني إلى كتابة هذا المقال شيء سرني وأزعجني في الوقت عينه؛ فبرنامج (بسمة أمل) الذي تعرضه قناة السعيدة في بث مباشر يوميا، والذي يسعى لجمع التبرعات لإنشاء مستشفى الأمل في محافظة عدن الحبيبة هو دليل على ارتفاع نسبة الاحتياج والوعي الإنساني لدى المواطن والإنسان اليمني بأهمية إنشاء المرافق الصحية المتخصصة، التي تقدم خدمات متكاملة بأقل جهد وتكلفة على المواطن اليمني المسكين الذي أنهكته النكبات من كل جانب، فتخفف من مصابه وخسارته المادية والمعنوية، لكن .... !!! وآه من لكن عندما تدخل في الحديث، يبدو أننا نعشق أنصاف الحلول و المشاريع هنا في اليمن؛ فبدلا من استكمال ما هو موجود أصلا ليقدم خدماته بشكل أفضل نقوم بالقفز إلى مشروع جديد دون مراعاة الأولويات، وكأن العبرة في إنشاء الهياكل والأضرحة وإظهار المسميات لمشاريع يغطى بها على الواقع ويذر بها الرماد في العيون! وأعني تحديدا ما يتعلق بمركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية في محافظة تعز .. هذا المركز الحيوي في موقعه الجغرافي وخدماته التشخيصية .. والذي مازال يناضل منذ إنشائه في تغطية الاحتياجات المتزايدة للأعداد المتضخمة من المرضى، والذي ما يزال حتى الآن غير قادر على تقديم بعض الخدمات الأساسية لمرتاديه من المرضى؛ لعدم استكمال الأجهزة فيضطر المريض أن يتحمل مشقة السفر إلى صنعاء بشكل مركزي للحصول على الفحوصات و الخدمات العلاجية المطلوبة التي تخفف من معاناته ليس إلا .. أنا لا أعترض على إنشاء مستشفى عدن وحاشا لله ألف مليون مرة أن أكون كذلك فالاحتياج بكل حال قائم هنا و هناك، والوجع مشترك، غير أن تساؤلي: لماذا لا ننجز عملا متقنا متكاملا ولو لمرة واحدة في مشروع إنساني وحيوي كهذا المشروع!؟ .. لماذا لا يتم جمع الدعم من الخيرين والمحسنين طالما والحكومة غير قادرة على تنفيذ المشروع دون مساعدة بخطين متوازيين في ذات الوقت!؟ لماذا يتم تسليط الضوء على الجزء وإهمال الكل!؟ لماذا لا يتم إعادة تقييم جهود المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بحيث تحدد أولوياتها الحقيقية بالفعل!؟ واستكمال ما هو موجود حقا قبل البدء بمشاريع جديدة تكون ناقصة منقوصة ... ويظل المريض متنقلا بين الفروع والمحافظات يشكو إلى الله أمره ووجعه و وطنه و مؤسسته الوطنية!؟ ليس الهدف التباهي بتوفير المسميات لمشاريع هي هياكل خاوية على عروشها لا تستطيع تقديم خدمة حقيقية متكاملة في مكان واحد يجنب المريض مذلة الحاجة ومشقة التنقل وقهر الحرمان، بل الهدف هو إيجاد مكان حقيقي يجمع خدمات طبية متكاملة تحت سقف واحد .. يكون لمسة أمل لمرض لا يعرف معنى الألم الذي يمنحه لمصابيه بكل سخاء .. رسالة إلى برنامج بسمة أمل و القائمين عليه ... أنا لا أنكر جهودكم المبذولة وبارك الله فيها ... ولست أطلب الكثير فقط نريد تخصيص حلقات مما تبقى من هذا الشهر الفضيل لاستكمال الأجهزة في مركز الأمل في محافظة تعز .. لنتمكن بعون الله من تقديم خدمة أفضل والتخفيف من معاناة أكثر .. بينما يتم بناء وتجهيز مشروع مستشفى عدن الذي سيخفف كثيرا من الضغط الحاصل في مركزي صنعاءوتعز .. هذا المشروع الذي مازال في طور التكوين حاليا، بينما نملك هنا كيانا وليدا هو أحوج ما يكون إلى العناية والاهتمام.. بضع حلقات فقط من عرض البرنامج .. تشكل فارقا حقيقيا ملموسا وسريعا في حياة أطفال ونساء ورجال أضناهم التعب وهدّ قواهم المرض والحاجة والفقر ...و الله من وراء القصد!!