صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن طريق الخروج من الظلمات
نشر في الجمهورية يوم 28 - 08 - 2012

الدين الخالص الذي امر الله عباده التمسك به و عدم التنازل عنه مهما كانت الظروف و المبررات هي قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13). و من الواضح فإنه ليس من الدين الخاص هذا اي مكون سياسي لا من قريب و لا من بعيد.
بل انه يمكن القول بان الآيات التالية قد جعل الامور السياسية و ان كان على المؤمنين اخذها بعين الاعتبار فإن ذلك لا يحتم التمسك بها بل السعي للتوافق عليها سواء بين المؤمنين او غير المؤمنين. قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (18).
و كذلك فإن الله قد شرح للانسان طبيعته و خصوصا تلك الطبيعة العميقة التي لا يستطيع الانسان ان يدركها الا في حالة التفكير العميق و البحث العلمي الدقيق. و بما نه يمكن للانسان ان يدرك ذلك فقد ترك له حرية الاخذ بما جاء في القرآن من هداية للإنسانية او ان يرفض و بالتالي يتحمل مسئولية ذلك.
و اذا كان السياسيون لا يعلمون كعلم الله و لا يقدرون كقدرة الله فإنه ليس من حقهم ان يجبروا الناس على اتباعهم. و من ثم فإنه لا يوجد في القرآن ما يقدس السياسيين او آرائهم او تصرفاتهم. و على هذا الاساس فإن شريعة اي سياسي تنبع من اقناع الناس او على الاقل غالبيتهم بما يرون من آراء. لكن في نفس الوقت فإنه لا يحق لهم ان يستخدموا اي اساليب القهر او الكذب او التضليل. و الضمانة التي وضعها القرآن لذلك انه لم يعط السياسيين أيا كانوا اي حصانة من المحاسبة. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10). ففي حال الاختلاف فإنه لا يحق لاحد ان يفرض على الطرف الاخرى رأيه او حكمه او طريقته. ففي هذه الحالة فينبغي تأجيل ذلك الى يوم القيامة. فالله سيحكم بينهم لأنه سبحانه لا يظلم و لا يجهل و لا يحابي و لا يعجز عن تنفيذ حكمه وذلك بخلاف السياسيين مهما كان عداهم او قوتهم.
و من ضمن هؤلاء الانبياء و الرسل اذا ما تولوا اي مهام سياسية ضرورية لمهامهم. مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (80).«أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون. ليس لك من الامر شيء او يتوب عليهم او يعذبهم فإنهم ظالمون».« فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين». ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا».
فمهمة السياسي حتى في اطار الدين الحق تقتصر على وظائف محددة لا ينبغي ان تجاوزها الى غيرها في اي ظرف من الظروف. «يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا قل أمر ربي بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بداكم تعودون». خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم». «واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يامر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون». «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ» (113). «ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون». «الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور». «ولا تطيعوا امر المسرفين». فلذلك فادع واستقم كما امرت ولا تتبع اهواءهم وقل امنت بما انزل الله من كتاب وامرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير. والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون.
فاذا ما تم تجاوز هذا الدور فإن القرآن قد اعتبر ذلك طاغوت مهما كان ممارسوه. «الم تر الى الذين يزعمون انهم آمنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا». «لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما». «واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يامر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون». «المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون ايديهم نسوا الله فنسيهم ان المنافقين هم الفاسقون». «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ» (99).
و هكذا نرى ان القرآن قد فصل بين الدين و السياسية فصلا ايجابيا و ليس فصلا شكليا كما يحدث في الانظمة العلمانية القائمة اليوم. فمن ناحية فإن القرآن قد حدد الدين الحق بدقة متناهية و بالتالي فإن التمسك به لا يضر بالمخالفين. و بذلك فإن القرآن قد حمى كل الاديان اي الدين الحق و الاديان الاخرى بعد ان قلص من مجالها. و في نفس الوقت فإن التشريعات و الوصايا التي وردت في القرآن لم تكن بهدف اجابر الاخرين على اعتناقه للاستفادة منها. فقد كانت كلها نابعة من طبيعة الانسان و مفيدة له حتى لأولئك الذين قد لا يرغبون في اعتناق الاسلام. فالإسلام بهذا المعنى هو رحمة للعالمين لأن القرآن يهدي للتي هي اقوم.
فاذا كانت الدولة الدينية تميل الى الممارسات الطاغوتية من خلال التحايل على مبادئ الدين العادلة او من خلال فرض رؤى المتنفذين في المؤسسات الدينة على الاخرين من خلال استخدام القوة المادية او المعنوية فإن الدولة العلمانية لا تقل طاغوتية عنها اذا لم تكن تتفوق عليها في هذا الامر.
نشأت الافكار التي مهدت لظهور ما يطلق عليه بالدولة العلمانية من خلال نقد الافكار الدينية و علاقاتها في كل من المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. و من المعروف ان الدعوة الى الافكار العلمانية انطلقت من اروبا. و بدون الدخول في كثير من التفاصيل حول الظروف التي تسببت في ذلك و التي رافقت تطور ذلك وصولا الى النجاح في اقامة الدولة العلمانية فعلا في بعض الدول الأوروبية ثم انتشار ذلك في جميع انحاء العالم فإنه من المهم الاشارة الى اهمها.
و يمكن القول بان الصراع بين رؤساء المؤسسات الدينية المسيحية و الملوك في الدول الأوروبية هو الذي اطلق هذه العملية. فقد ترتب على الجمع بين السلطات الدينية و السلطات السياسية الى صراع طويل بين المتنفذين في المؤسستين. و من خلال هذا الصراع فقد كانت الكنيسة تتنصر احيانا و الملوك ينتصرون احيانا اخرى.
لقد ترتب على هذا التبادل بين المؤسستين تطور مهم للغاية. فعلى الرغم من ان كلتا المؤسستين كانت تحاول الانتصار بالرأي العام في صراعهما فإن الرأي العام اكتشف كذبهما معا. ففي حقيقة الامر ان ما كان يؤثر على تصرفاتهما هو مصالحهما الخاصة و ليس مصالح الشعب. و في اطال سعي المؤسستين لتجنيد و حشد الانصار فقد اضطرا الى التنافس على منح حريات اوسع للمثقفين اولا و للمؤسسات الاجتماعية الاخرى.
و من خلال هذه الثغرة تمكن المثقفون من نقد كلا المؤسستين. و من الطريف في الامر ان هاتين المؤسستين لم يكتفيا في القبول بهذا النقد بل ان كلتا المؤسستين ساعدت في نشر هذا النقد بين العامة كل ينشر النقد الموجه للمؤسسة الاخرى.
و من غير ادراك اثر ذلك وجدت المؤسستان نفسيهما في خاسرتين و بالتالي قلت شعبيتهما لدى العامة. في ظل مناخ كهذا معاد لكل من المؤسستين تقدم المثقفون في هذه الدول بمشاريعهم العلمانية و التي وجدت قبولا من المجتمعات الاروبية. و فعلا فقد تمكن الساسة الجدد من اقامة مؤسسات الدولة العلمانية.
الفكر العلماني في البداية كان معاديا للفكر الديني بشكل واضح و قاطع. اما تعامل الفكر العلماني مع الفكر السياسي فقد تميز بمعاداته للديكتاتورية اي الملكية و نعت انصارها بنفس العيوب التي نعتوا بها الكنيسة. لكن في المقابل فإنه بطبيعة الحال لم ينقدوا السياسة بنفس الصرامة التي نقدوا بها الدين.
فبدون شك فإن العلمانية فكرة و مؤسسات و ممارسات تعادي الدين كل الدين اي دين و بدون اي تميز. و على هذا الاساس فإنه يمكن القول بان كل الدول العلمانية على اختلاف انواعها لا تقبل اي تاثر الدين عليها و على المجتمع بشكل عام. بل انه يمكن القول بأن العلمانية قد سعدت الى تنقية المجالات التالية من اي تاثير للدين مباشر او غير مباشر اي المجالات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية.
بل انه يمكن القول بأن بعض الدول العلمانية قد سعت و لا زالت تسعى الى تسفيه الاديان و اظهاراها خالية من اي قيمة او فائدة او منفعة و تصويرها على انها تقف عائقا اما التحديث و العلم و التطور و التقدم و الرخاء الاقتصادي و الانسجام الاجتماعي. في مجتمعات علمانية تتسامح مع تأثير الدين على بعض تصرفات الافراد التي لا تمس الى السياسة و الاقتصادي بأي صلة.
و من الملفت للانتباه فإن الحركة العلمانية قد نجحت في تحويل كل المجتمعات الاوروبية وغالبية المجتمعات الامريكية الى مجتمعات تدين بالعلمانية. و بذلك فإنها في حقيقة الامر هدمت الاديان السابقة واقامت بدلها دينا جديدا. و من الغريب في الامر العديد من المجتمعات الاخرى و منها المجتمعات العربية والاسلامية تتجه في الوقت الحاضر الى تبني هذا الدين الجديد.
الدين العلماني الجديد يقوم على الاسس التالية. فالمجتمع اي مجتمع قادر على ادارة نفسه من خلال العلم والعقل و الفكر الانساني وبالتالي فإنه لا يحتاج الى اي تدخل خارجي سواء كان ذلك التدخل من اله حق و دين احق او غير حق. ان ما يجعل العلمانية دينا بهذا المعنى هو ان يرفض التفريق بين الاله الحق و الدين الحق وبقية الالهة المدعاة والاديان المفترة.
و لا شك ان هذا الموقف للحركة العلمانية يتناقض مع مبررات انطلاقها الاساسية وهي مقاومة الخرافة الدينية و الاستبداد السياسية. ونتيجة لذلك فإنها تستخدم الخرافة العلمانية و استبداد الدولة لفرض هذه الخرافة. ولى هذا الاساس فإنها لا تختلف كثيرا عن دولة الكنسية ودولة الملك.
و تتضح خرافة الفكر العلماني من حقيقة انها استندت في تجريم الدين الى ممارسات بعض الاديان في فترات زمنية معينة. و من ثم فإن التعميم على كل الاديان و كل الازمان هو خرافة خالصة. فمن يقرأ ما يقوله العلمانيون على الدين فسيجد انه مستخلص من تجارب الدين المسيحي في العصور الوسطى.
صحيح ان المتنفذين في هذا الدين قد مارسوا العديد من الاخطاء سواء المجالات السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و التي في معظمها تناقض مع نتائج العلم والتجارب الانسانية القائمة على التفكير و التحليل والمقارنة او سواء في مجالات تطبيقات الدين المسيحي نفسه. فقد ترتب على هذه الممارسات اضرار فادحة لهذه المجتمعات و للإنسانية جمعاء و خصوصا في عصر الاستعمار. فقد اثر ذلك كله على كل من التعليم و حرية التفكير و حرية التعبير و حرية البحث العلمي و تطبيق مبدأ الشفافية و المساءلة.
فعلا بعد اقصاء المؤسسات الدنية المسيحية تطور التعليم بدليل تعدد الاختصاصات و كثرة الابحاث العلمية وانتشارها بين الناس و قد ترافق مع ذلك توسع كل من حريات التعبير و التفكير الامر الذي ترتب عليه اتساع مجالات ونوعيات الابداع في كل المجالات و بدون استثناء.
لكن في المقابل فقد تسببت العلمانية بظلم كبير وخصوصا فيما يخص الدين الحق اي الاسلام. فالإسلام والقرآن لا يؤمن لا بالخرافة الدينية و لا بالخرافة السياسيةومن ثم فإنه في حقيقة الامر يتفوق على كل من الدولة الدينية ذات الاطار المرجعي المسيحي و الدولة العلمانية ذات الاطار المعادي للدين.
و من حيث المبدأ فإن مبررات العلمانية بإقصاء الدين اي دين من الحياة البشرية ظلم كبير. فالدين الذي طورته الحركة العلمانية دين ميت غير قادر على الحلول حتى محل الدين الباطل ناهيك الدين الحق. ان الدين العلماني دين لا روح فيه. و لذلك فإن من الناس اختيار الدين الذي يرغبون به و لا يحق لغيرهم ان يجبرهم على التخلي عن ذلك.
و بالاضافة الى ذلك فإن الدين الحق ضروري للحياة الدنيا و كذلك الى ابعد من ذلك هو الحياة الآخرة و التي لا تدعي العلمانية انها تقدم اي شيء للانسان في هذا المجال. القرآن حل ذلك ووزن بين الدين و الدولة من خلال مفهوم الحقوق. فالدين الاسلامي وفقا للقران هو دين حقوق عادلة. و بالمثل فإن الدولة المناسبة و المفيدة لا بد و ان تكون حامية لهذه الحقوق لا مؤسسة و لا فراضة لا يشير الى الحقوق تحت اي ادعاء او تبرير.
كما ان العلمانية انطلقت بهدف اقصاء الاديان من اجل التخلص مما كان يعتقد انها تسببه من مضار على المجتمع وعلى العالم و لكننا ايضا لاحظنا انها قد فرضت تعاليمها كما كانت المؤسسات الدينة تفعل من قبل. و مما لا شك فيه انه في الواقع قد ترتب على فرض العلمانية نفس المضار التي كانت تنتج عن ممارسات المؤسسات الدينية.
و قد يقول قائل ان الدولة الدينة افضل من الدولة العلمانية لانها تنتج نفس المحاذير التي انتجتها الدولة العلمانية و مع ذلك فإن لها فوائد اضافية. فمن هذه الفوائد الاضافية اشباع الرغبة الانسانية في التدين و كذلك اعطاء قوة اضافية للقيم الانسانية و كذلك فإن بعض الاديان يمكن ان يكون لها فوائد فيما بعد الحياة. فالدولة العلمانية لا تدعي ان لها اي فوائد فيما بعد الحياة و ان فوائدها تقتصر فقط على هذه الحياة الدنيا.
لكن في المقابل فإنه يمكن القول بأن ما ترتب على الدولة العلمانية من مضار أقل بكثر مما كان يحدث في ظل الدولة الدينية. فعلى سبيل المثال فإن الدولة العلمانية لم تتحيز مع دين ضد دين كما كان يحدث في ظل الدولة الدينية. فالدولة العلمانية اما ان تحايد تجاهل كل الاديان و اما ان تعادي كل الاديان. و لا شك ان ذلك يحسب لها.
و على هذا الاساس فإن السماح بعودة الدولة الدينية من جديد سيعمل على حدوث ظلم كبير و كثير. فمن المسلم به أن الدولة اذا اقتصرت على وظائفها الحقيقة فإنها ستحقق العدل لكل المواطنين بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم او عرقهم او لغتهم او اختياراتهم. و من العدل القول بأن الدولة العلمانية قد نجحت في ذلك و بالتالي منعت او على الاقل قللت من ذلك و التي كانت سائدة في ظل الدولة الدينية. و من المؤكد ان عودة الدولة الدينية الى الظهور من جديد ستعمل على زيادة هذا النوع من المظالم عما كان عليه في السابق و ذلك نظرا لتداخل المصالح و السكان في العالم الحديث والتي تعبر عنه ظاهرة العولمة. في الماضي كانت التداخلات الدينية في اطار الدولة الدينية قليلة و العلاقات بينها و بين الدول محدودة. اما في العالم الحديث فإنه قد حدث تدخلات كبير بين السكان مع تنوع المعتقدات الدينية و كذلك فإن العلاقات التبادلية بين دول العالم كبيرة جدا. فإما ان تظل هذه العلاقات كما هي عليه الآن و بالتالي فإن المشاعر الدينية لن تقبل ذلك و اما ان يتم تقليص هذه العلاقات و لكن ذلك لن يكون سهلا.
فمن المؤكد ان عودة الدولة الدينة كما كانت في العصر الحديث امر مكلف جدا و بالتالي فإنه من غير الممكن السماح بتحمل ذلك و اذا ما سمح بذلك فإن ذلك سيمثل كارثة انسانية كبيرة لا تحمد عقباها و خصوصا في ظل تطور الاسلحة بشكل عام و اسلحة الدمار الشامل بشكل خاص. فلن يتم النجاح في اعادة الدولة الدينية الا من خلال الحروب. لكن الحروب في هذه الحالة لن تكون محدودة و انما ستكون شاملة و مدمرة بشكل يفوق بكثير ما حدث في الحروب العالمية السابقة. و الدليل على ذلك ان محاولة اعادة الدولة الدينية من قبل الحركات المتطرفة قد ترتب عليها دخول العالم في حروب مكلفة نتيجة لما يطلق عليه الحرب ضد الارهاب. فمن يتبنى الأساليب الارهابية عدد محدود من الحركات الدينية و ينتمي اليه عدد قليل من السكان. فكيف سيكون الحال لو كان عكس ذلك هو الصحيح.
هذا من ناحية و من ناحية اخرى فإن التطورات الكبيرة في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية قد جعلت من المستحيل ان يتفق اتباع اي دين حولها ناهيك ان تتفق حولها كل الاديان او الغالبية العظمى منها. فالمذهبية الدينية قد انتشرت في كل الاديان ووصلت في العديد منها ان اصبح كل مذهب يمثل دينا مستقلا بحد ذاته. و الاكثر الاهمية من ذلك ان العداء بين هذه المذاهب لأسباب تاريخية و مصلحية اكبر بكثير من العداء بينها و بين الاديان او المذاهب الاخرى.
و وفقا لهذا التحليل فإن اعادة الدولة الدينية من جديد يتحتم تقسيم الكيانات السياسية بحسب الغالبية المذهبية. و من الواضح ان ذلك سيحتم تقسيم العالم من جديد بطريقة لا يمكن التنبؤ بها. و لا شك ان ذلك سوف يتسبب ليس فقط في اطلاق حروب عالمية مدمرة و ان الى اطلاق حروب اهلية لا تعد و لا تحصى. و لا شك ان ذلك سيهدد الامن العالمي والمحلي على حد سواء.
و على الرغم من الدعوات العديدة و المحاولات المتكررة و التبشير الكبير بحتمية و ضرورة قيام الدولة الدينية. و العجيب في الامر ان بعض الحركات الدينية تبشر بقيام الدولة الدينية بالقريب العاجل مستندة الى خرافات واساطير قديمة. لكن في الواقع فإننا نلاحظ ان هذه الحركات تستخدم خطابها هذا من اجل الحفاظ على نفسها ليس الا. والدليل على ذلك ان من يحاول ان يستعجل ذلك يصاب التدمير والهلاك.
و على هذا الاساس فإنه يمكن القول بأن العديد من هذه الحركات تعاني من تناقض في خطاباتها و ممارساتها. فمن حيث الخطاب فإنها لا تكل و لا تمل عن استدعاء كل الظروف المناخات التي قد تساعدها في تحقيق هذا الهدف بل انها تحاول تطويع كل نصوصها الدينية في هذا الاتجاه. و لكن من حيث الواقع فإنها تتصرف كأي حزب سياسي لا يهمل التوازنات القائمة و المصالح المتبادلة.
و اذا ما اخذنا ذلك بعين الاعتبار و كذلك اذا ما حاول ان نستوضح حقيقة الأمر من القرآن الكريم فإننا سنجد ان كل من يحاول ان يعيد الدولة الدنية في الماضي القريب قد فشل و ان من يسعى لذلك ليس جادا. و من معجزات القرآن أنه و على خلاف كل النصوص الدينية الاخرى قد قال باستحالة حدوث ذلك قبل اكثر من اربعة عشر قرنا.
ان الاعتقاد بإمكانية ظهور معجزات تعمل على اعادة الدولة الدينية امر ينفيه القرآن. رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166).« من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا». فقد توقفت هذه المعجزات لأنها مرتبطة بإرسال الله مرسلين. اذا لم يتم ارسال اي مرسل فإن الله لن يعذب الأمم بنفس الطريقة المعجزة التي كان يحدثها الله لنصر رسله.
فقد اوضح الله انه لن يرسل اي رسول بعد النبي محمد صلى الله عليه و سلم و بالتالي فإنه لن ينزل اي كتاب بعد نزول القرآن. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16). «الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون». «قل يا أيها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السماوات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون». «هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون». «وما ارسلناك الا رحمة للعالمين».
لكن هل يعني هذا ان الدولة العلمانية هي نهاية التاريخ و انه لا يوجد اي خيار اخر غيرها.
فكما ان الدولة الدينية لا يمكن ان تعود تحت اي ظرف من الظروف و حتى و ان عادت فإنها كما اوضحنا فلن تكون قادرة على التعامل مع المستجدات الحديثة. و في نفس الوقت فإنه يمكن القول بان الدولة العلمانية و ان كانت قد نجحت في حل المشاكل التي كانت مرتبطة بالدولة الدينية التي سبقتها فإنه في نفس الوقت فإنها لم تنجح في ايجاد حلول للبعض الاخرى. و بالاضافة الى ذلك فإنها قد خلقت المشاكل الخاص بها.
فإذا كان الامر على هذا النحو فما هو الحل؟ اقول جازما ان الحل في القرآن. و الاكثر من ذلك اني اقول متأكدا ان الحل الذي في القرآن ليس حلا خاصا بالعالم العربي و الاسلامي فقط و انما هو حل لمشاكل العالم بأسره.
قد يقول قائل ما الفرق بين ما تقول و بين ما تقوله الحركات الاسلامية حتى المتطرفة منها؟ اقول ان الفرق بين ما اقول و ما يقول هؤلاء او غيرهم اني اقول ان الحل هو في القرآن و ليس في الاسلام. فهذه الجماعات ترفع شعار الحل في الاسلام اما إنا فأقول فإن الحل في القرآن.
و لا شك ان هناك فرقا بين كل من القرآن و الاسلام. فالقرآن هو كلام الله الذي انزله على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم بلغة عربية مبينة واضحة لا عوج فيها. اما الاسلام هو فهم الغرب و غيرهم من المسلمين للقران. و بالتالي فإن الاسلام قد تأثر بثقافة هؤلاء و تجاربهم التاريخية. و الدليل على ذلك ان هذه الحركات تطالب في الوقت الحاضر بضرورة تحكيم شرع الله و لو بالقوة. انهم لا يدركون ان ذلك يعني فرض اجتهاد المسلمين بل فرض اجتهادات بعض المسلمين و خصوصا المتقدمين منهم.
و لا شك ان ذلك يعني في حقيقة الأمر اعادة دولة الخلافة و التي كانت دولة دينية و بالتالي فإنها تدعو الى اعادة الدولة الدينية مهما كانت نتائج ذلك و مهما كان الثمن على اعتبار ان ذلك واجب الهي غير قابل للنقاش او التعديل او التجديد.
آما العودة الى القرآن فإنها من وجهة نظري تختلف تماما عما ينادي به هؤلاء. فالقرآن هو كلام الله و هو الذي تكفل بحفظه و فعلا فقد ثبت ذلك و بدون ادنى شك. و على هذا الاساس فإن كلام الله يفسر نفسه بنفسه و من ثم فإنه يتجاوز الزمنُ و المكان. فلا يحتاج الى من يؤوله او يؤضحه. فقط انه يحتاج الى من يتدبره.
فالتدبر هنا يختلف عن التفسير او التأويل. انه يعني فقط فهم معانيه وفقا للواقع و التجارب التاريخية. فالله هو الذي يعلم القرآن «الرحمن علم القرآن». و لقد يسرناه للذكر فهل من مدكر.
«شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون». «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا». «يا ايها الذين امنوا لا تسالوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم وان تسالوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم». «قل اي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم واوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ ائنكم لتشهدون ان مع الله الهة اخرى قل لا اشهد قل انما هو اله واحد وانني بريء مما تشركون». «واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون. «واذا تتلى عليهم اياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقران غير هذا او بدله قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ان اتبع الا ما يوحى الي اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم». «وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين. الر تلك ايات الكتاب وقران مبين». «ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا». «ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا». «وقرآنا فرقناه لتقراه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا». «ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان اكثر شيء جدلا». «ما انزلنا عليك القرآن لتشقى». «وكذلك انزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون او يحدث لهم ذكرا». «فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه وقل رب زدني علما». «وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا». «وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا». «وانك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم». «ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون». «قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون». «وكذلك اوحينا اليك قرآنا عربيا لتنذر ام القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير». «واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين».« افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها».« لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون». »قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا. «سنقرؤك فلا تنسى». اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5).
و ليسمح لي القارئ الكريم على طول هذه الايات التي اقتبستها. و ما هي في الحقيقة الا غيض من فيض مما جاء في القرآن من التعريف بالقرآن. فما من سورة من سوره الا و ذكر فيها بشكل مباشر اي صريح او غير مباشر من خلال استخدام ضميره او الاشارة اليه.
و مع ذلك فإن واقع تعامل المسلمين مع القرآن لا يعكس هذه الاهمية. بل انه يمكن القول و للأسف الشديد ان المسلمين قد هجروه الى اقوال فقهائهم و كلام محدثيهم و قوانين الغرب و الشرق و كل ما هو على هذه الشاكلة. فمن يقرأ القرآن فإنه يقرأه للتبرك او على الموتى او في افتتاح الانشطة.
للأسف الشديد لم يعد القرآن لدى غالبية المسلمين ذلك الكتاب الذي يحتوي كل خير و يحذر من كل شر و هو الحكم فيما يختلف فيه و هو المرشد لكل ما يجتهد فيه و هو الثابت الذي لا يتغير و هو الذي يفيد كل الناس و ليس امة لوحده أو اتباع دين ذاته او اصحاب ثقافة معينة.
للأسف الشديد فإن عادات و تقاليد العرب تقدمت عليه وصورت انها منه بل ان من لا يقبلها و قد يكون له مبرر لذلك فقد اعتبر و كانه لا يقبل الاسلام. لا لقد صور القرآن و كانه يبرر للظالمين ظلمهم. و قد صور القرآن و كانه يبرؤ العرب والمسلمين من اي احتمال للضلال و انه يزكيهم فكل ما يصدر عنه هو صادر عن القرآن و بالتالي فهو حق مثله. و كل ما يصدر عن غيره فهو مناقض له و بالتالي فإنه اثم كله.
الرجوع الى القرآن هو فهمه و تدبره كما هو و بالتالي القبول بما فيه كما هو سواء اتفق ذلك مع تصرف المسلمين او غير المسلمين او اختلف مع ذلك. فنبقل بذلك و تغير مما تقوم به و لا يتفق معه و نقبل ما يتفق معه حتى لو كان من يدعو الى ذلك هم غير المسلمين و غير العرب.
فقط في هذه الحالة سنكون نحكم القرآن و ليس الشريعة و فقط في هذه الحالة سنخرج من الظلمات. فقط في هذه الحالة يمكن ان نساعد غيرنا اي العالم كله بالخروج من الظلمات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.