يتعالى شأن الوظيفة «الإضافية» لدى العاملين فيها إلى درجة تفوق بمراحل ما تحظى به الوظيفة «الرسمية».. فعديد موظفين يرون أن «الراتب لا يكفي» وهذا بحد ذاته يعد السبب «الأبرز» وراء لجوء كم هائل من هؤلاء للبحث عن عمل إضافي ثانٍ.. أضف إلى ذلك أسباباً ثانوية «أخرى».. وفي المقابل ثمة من ينادي وبقوة «مكانني عطلان».. وفي خضم ذاك التهافت برزت إلى السطح عديد اختلالات أثرت بمجملها على المسيرة التنموية للوطن برمته.. على اعتبار أن هؤلاء.. «باحثون عن فرص تقصير» لا أكثر.. ! زيادة الخير خير يعترف ياسر القادري بأنه مُقصر في أدائه في وظيفته الحكومية.. «وزيادة الخير خير».. كما يصف.. ياسر يعمل في الصباح بالوظيفة الرسمية «مدرس».. وفي المساء ينهمك في العمل في أحد المكاتب الدعائية في التصميم والإخراج الفني، وراتبه من هذه الوظيفة أقل من راتبه الحكومي، ورغم ذلك يشعر أن اهتمامه بالوظيفة الإضافية يفوق اهتمامه بالوظيفة الرسمية التي هي أصلاً من وجهة نظره” مضمونة “ وراتبها ماشي بشكل آلي ولا تحتاج منه سوى الدوام في المواعيد المحددة وشرح المادة العلمية للطلاب يضاف إلى ذلك احترام مديره وزملائه في العمل. - يضيف ياسر: بينما الوظيفة الإضافية تحتاج إلى ما هو أكبر من ذلك من أجل المحافظة عليها والاستمرار فيها، وأهم شيء هو ابتكار الأفكار الجديدة في فنيات المهنة والإبداع في تنفيذها على الدوام والسرعة في إنجاز المهمات حتى أحظى بتقديرات ممتازة من مديري في العمل.. كما لا ينسى أن يذكرنا بأن «صاحب الشغلتين كذاب.. والثلاث منافق.. والأربع....» وهو مثل مصري «متداول» لا يؤبه له..!! لها طعم عبد الرحمن سلطان استطاع بجهود ذاتية وقليل من «السُلف» شراء باص صغير «عكبار» كما هي تسميته الشائعة.. عبد الرحمن قال إنه ليس الوحيد فهناك كثيرون من زملائه في عمله الحكومي وغيره اتخذوا نفس طريقته مع اختلاف الوسائل طبعاً إلا أن شراء الباص أو التاكسي هو الأكثر حضوراً.. - عبد الرحمن أكد ذلك أن الفلوس التي يجنيها من «العكبار» لها طعم يحس بقيمتها يومياً، بها استطاع أن يبني منزلاً ويخلص من الإيجار كما جعل مصاريف أولاده «الخمسة» المدرسية تسير بانتظام وهو يوفر حالياً مبلغاً من المال كي يشتري «حافلة» بعد أن يبيع «العكبار». خصوصية يمنية فكرة «الدوام الثاني أو العمل التجاري الحُر» وجدت ترحيباً؛ كونها تجسد رغبة الفرد في إثبات ذاته وتحسين دخله، والأهم من ذلك حسب المهندس سعيد العريقي أن المواطن اليمني مكافح بطبعه يعشق العمل ويتحمل متاعبه بتفانٍ وإصرار.. وفي المقابل ثمة عوامل كثيرة عملت على نمو هذه الظاهرة أهمها أن الموظف العادي لم يعد قادراً على تلبية متطلباته وأسرته من أعباء معيشية تتزايد يوماً بعد يوم في أكثر من صورة.. كما أن ضعف الراتب ساهم بشكل كبير في تنامي وتيرة هذه الظاهرة، إضافة إلى أن كثيرين لجأوا لاستحداث مشاريعهم الخاصة، لتدر عليهم أموالاً يؤمنون بها متطلبات حياتهم، كما يوفر لهم نوعاً من الأمان والاطمئنان. مشروع خاص وهناك أيضاً مواطنون لا يعملون دواماً آخر من أجل الراتب فقط، بل لتحقيق رغبة في مهنة أو هواية يحبونها.. سامي عبد اللطيف ظروفه وحالته المالية ميسرة، إلا أنه بعد الدوام الحكومي يُحب استغلال وقت الفراغ، وكونه لا يمضغ القات، بدأ بالبحث عن مشروع ناجح يشغل به أوقات فراغه. - يقول سامي: طريقة التفكير تغيرت وأصبح الشباب أكثر وعياً بأهمية الوقت وأهمية التخطيط السليم للمستقبل بتحقيق نجاح مشروعه، حيث يُعطيه من وقته وجهده في سبيل تحقيق وضع رفيع يسعى له ويحبه في نفس الوقت.. وللنساء نصيب - في الجانب الآخر تبدو فرص النساء في العمل في وظائف إضافية قليلة نوعاً ما؛ نظراً للعادات الاجتماعية المحافظة التي تشدد على عدم عمل المرأة ليلاً بيد أن هذه العادات لم تمنع سوسن حمود من العمل ليلاً. - تقول سوسن: عملي في مستشفى حكومي صباحاً أهلني للعمل في مستشفى خاص في الفترة المسائية في مهنة ممرضة من أجل مساعدة زوجي الرافض لهذا العمل.. موضحة أن «لكل أسرة حساباتها الخاصة فنحن مازلنا نعيش في منزل للإيجار، ونحلم بامتلاك منزل في الوقت القريب العاجل وهذا يتطلب منا مضاعفة الجهود من أجل تأمين مبلغ لبدء البناء خاصة ونحن قد وفقنا بشراء أرضية متواضعة، وراتب زوجي في القطاع الخاص الذي يأخذ معظم وقته لا يكفي المعيشة. كفاح مُر عدد كبير من الطلاب الجامعيين يتهافتون على البحث عن عمل في الفترة المسائية، إلى جانب دراستهم صباحاً، مما يوفر عليهم ولو قدراً يسيراً من تكاليف متطلبات الحياة الدراسية الباهظة.. - قلة هم من يوفقون، ومثال على أولئك الشباب المكافحين محمد عبد الجليل الحاج الطالب في كلية التجارة جامعة تعز فبعد بحث مضنٍ وفق في الحصول على عمل مسائي في أحد الفنادق.. - يقول محمد: ما يجبرك على المر إلا الأمر منه وأنا أكافح بصعوبة من أجل التوفيق بين العملين.. - محمد لا ينكر أنه يضحي بكثير من المحاضرات الجامعية، كما لا ينكر أنه يحصل باستمرار على توبيخات من صاحب الفندق، ولا حل أمامه إلاّ الصبر والكفاح المستمر.. مستشهدا بشعر المتنبي : تريدين لقيان المعالي رخيصة ولابد دون الشهد من إبر النحل - على عكسه لم يوفق رفيق علي سعيد الطالب بكلية الحقوق بنفس الجامعة، في الحصول على عمل مسائي، وكم قد تعب “ من البحث والدوار”.. رفيق قال إن حلمه في أن يجد ذلك العمل الإضافي؛ لأنه سيريحه من الهم وسيخفف عليه وعلى والده في توفير مصاريف الدراسة. خالية من «الكولسترول» - قد لا يكون عدد الذين يجمعون بين الوظيفة الحكومية والعمل الحر كبيراً بالنسبة لغيرهم من الملتزمين بأعمالهم والمتفرغين لها، وربما يكون عددهم أكبر مما نتوقع، والذي يهمنا هنا هو مدى التأثير السلبي للجمع بين الوظيفة الحكومية وبين العمل الحر، على الموظف نفسه وعلى مستوى أدائه في عمله الرسمي الذي يحصل من ورائه على مرتب، كما أنه من المؤكد أن يكون لهذا الجمع تأثير سلبي على الجمهور المتعامل معه. - وهنا يتساءل توفيق احمد إبراهيم - وهو مدير إدارة في مكتب الخدمة المدنية- وهي تساؤلات خالية من «الكولسترول» كما أسماها.. كيف يستطيع من يجمع بين وظيفتين أن يوفق بينهما أم أنه يُقسم نفسه إلى أجزاء..؟! - يضيف توفيق: إن الإنسان إذا أخذ الأجر على وظيفة ما، فإنه سوف يقف بين يد الله ويسأله عن أداء الأمانة، وهل أدى تلك الوظيفة على الوجه المطلوب منه.. كما يذكر صاحب الوظيفتين بأن هناك من هو محتاج لأحدهما ويطلب منه أن يتخيل نفسه ذلك العاطل عن العمل.. ويطلب من «صاحب الوظيفتين» أن يراجع نفسه مراراً وتكراراً عسى الله أن يدله لطريق الخير والصواب. تقصير لابد منه بعض الذين مرت بهم تجربة الجمع بين العمل الحكومي والعمل التجاري الشخصي أو العمل الإضافي، وبعد مرور سنوات توصلوا إلى نتيجة واحدة مشتركة بينهم، وهي أنه لا يمكن الجمع بينهما دون الإخلال بحقوق وواجبات أحد العملين. - ذلك ما توصل إليه الباحث عبد السلام جهلان في رسالته الموسومة بذات الجانب.. يضيف جهلان: إن صاحب التجارة ومن لديه عشق لها، وألزمته الظروف على الالتزام بوظيفة حكومية، لم يتمكن من العدل بينهما رغم محاولاته الكثيرة للتوصل إلى حل وسط، ولولا أنه كان يعتمد في أعماله التجارية على مساعدين مخلصين ومؤتمنين، لخسر تجارته ولولا أنه كان يخشى الله ويحاول تحليل راتبه لكان من المقصرين في وظيفته الحكومية. عين الظلم - كما أن الذين مرت بهم تجربة الجمع بين الوظيفة الحكومية صباحاً، والعمل في مؤسسة خاصة مساء، يجد نفسه بين خيارين إما أن يجمع بينهما ولا يعطي كل ذي حق حقه، أو أنه لا يعدل بينهما، فيهمل أحدهما ويخلص للأخرى، وهذا باعتقاد جهلان عين الظلم.. ومثل على ذلك بمن يعمل في سلك التعليم، المطالب بتحضير الدروس وإعداد الواجبات وتصحيحها، وإعداد أسئلة الاختبارات الشهرية والنهائية، وغيرها من المهام التي تناط به، وهو بذلك مخير بين أمرين كلاهما مر إما أن يعلم طلابه، ولا يؤدي لهم حقوقهم من الإعداد الجيد والعرض الشيق والمعاملة الحسنة، وإما أن يقصر في العمل الإضافي الذي يأخذ عليه مقابلاً وله حقوقه أيضاً.. حقوق متبادلة هذه القضية لابد وأنها شغلت بال المسئولين في الجهات الرسمية ذات الصلة ولابد أنها قد أشبعت نقاشاً وأشبعت حلولاً مقترحة، ويمكن أن تكون قد صدرت بصددها قرارات وأنظمة توضح حدود المسموح به والممنوع للموظف الحكومي، وربما لا يزال لها وجود على مكاتب المسئولين في الجهات المختصة، وهي قضية تستحق الاهتمام والدراسة والبحث عن حلول مناسبة لا تهضم حقوق العمل الحكومي، ولا تظلم الموظف المحتاج إلى العمل الإضافي، إن كان صاحب حاجة فعلية له. - وبدون أدنى شك فإن للدولة على موظفيها حقوقاً كثيرة، طالما أنهم يتلقون في نهاية كل شهر راتباً متفقاً عليه من حيث المبدأ، ويعرفه الموظفون كما تعرفه الدولة، كما أن للموظف حقوقاً أخرى على الدولة باعتباره مواطناً يعيش تحت رايتها.. ورعايتها..!