عند تحدثنا عن الثورة تذهب المخيلة إلىرجال الثورة الأول كالنعمان والزبيري وعبدالوهاب الشامي، ومحمد عبده غانم، علي محمد لقمان، محمد محمود الزبيري والموشكي، وأحمد الشامي والبردوني وغيرهم من الشعراء والأدباء ممن سلكوا فجاً وسلك الإمام فجاً آخر، أما فج هؤلاء الشعراء والأدباء فقد تحدث عن ظلم الإمام وإرهابه وتعسفه وما أبلغ الزبيري حين يقول: ما لليمانيين في نظراتهم بؤسٌ وفي كلماتهم آلامُ جهلٌ وأمراض وظلم فادح ومخافة ومجاعة وإمامُ والناس بين مكبل في رجله قيد وفي فمه البليغ لجام ونترك للقارئ هنا تفصيل هذه الأبيات الثلاث فقط إلى مجلد.. وما بالك بقوله: ونأبى الحياة إذا دنست بعسف الطغاة وإرهابها ونحتقر الحادثات الكبار إذا اعترضتنا بأتعابها ستعلم أمتنا أننا ركبنا الخطوب حناناً بها فمن أجل الشعب ثار الزبيري، وسجن وقيد وعُذب وركب الخطوب والمصائب وشاهد أنامل الموت لكنه أبى واستحقر كل المصائب، والمصاعب، والحوادث العظام أبى أن تنحني هامته للظلم وأصحاب الظلم آنذاك بل ظل ثائراً وشاعراً وطنياً أممياً ، شمُ الأنف، أسدُ الغابة، شهيد الأمة، أبو الأحرار ،نبراس القضاة.. انظر إليه وهو يقول: يا حامل الشعب الكبير بقلبه الشعب في طيات قلبك يخفقُ وملكت شعباً لا يحطم أنفه رمي يصيب ولا قذائف ترشقُ لا تكاد تخلو لفظة من قصيدة إلا والشعب فيها، همه الأكبر الشعب كل الشعب.. فكان الوطن وأبناء الوطن نصب عينيه، حلماً يؤرقه، هماً يحمله حتى لفظ أنفاسه الأخيرة قائلاً: بحثت عن هبةٍ أحبوك يا وطني فلم أجد لك إلا قلبي الدامي ناهيك عن الشعر الخطابي الذي وجهه زيد الموشكي لأبناء شعبه المضطهدين والنائمين عن الظلم الإمامي: يا بني شعبنا نهوظاً فقد طال ثواكم بين ازدراءٍ وبؤسِ فانهضوا كلكم بقلب امرئ لا يرهب الموت أو نزول الخميسِ وتعافون الظيم شرباً ولو كان شراباً فيه قوام النفوسِ يا بني شعبنا أفيكم فتى يغضب حقاً لربه القدوسِ تجد زيد الموشكي هنا قد أصابه القهر، والغيظ، وحمسته الحرية، والخطابة، والاستنكار والاستغراب في نفس الوقت. فنادى نداء المحرق، وايقظ الشعب النائم والراضي لما يتلقاه من قبل الإماميين.. فالموشكي من طراز الشعراء والثوار مما يدل على ذلك سمة الخطابة التي غلبت على نصه في إيقاظ الجماهير وتحفيزهم للخروج ضد الإمامة وكأنه هو الذي دعا وقاد ثورة 26 سبتمبر الخالدة. أما علي محمد لقمان فيصف الجوع ويصور الوهن، ويعاني الضعف والهزال وغياب العقل ويشخص صورة الواقع الاقتصادي لبعض المواطنين في العهد الإمامي فيقول: نحن الجياع فأين العقل يشبعنا نحن العراة غزانا الفقر والوهن انما لنضعف من جوع ومن ظمأ وغيرنا سمنوا حتى اشتكى السمنُ كأنما نحن أمواتٌ ملابسنا ما يلبس الميت التحنيط والكفنُ أما أحمد محمد الشامي فقد خفف عن معاناته بالتأوه والتوجع التي تريح الإنسان، وتخفف من معاناته فيقول: أواه ها أنا في الظلام أنوح محترق الشعور ودمي يضج من الهموم ومهجتي الحرى تفور ومشاعري مكفوفة الرغبات تخبط كالضرير وخواطري تهفو وراء أماني القلب الكسير لقد قال الشامي قصيدته في الأربعينيات في لحظة حسرته وقهره وألمه وحزنه لكثرة معاناته بسبب الظروف السياسية والأسرية الإمامية.. تأمل البردوني ما الذي يقف وراء نصه حين يقول: أيا صنعاء متى تأتين من تابوتك العفنِ أتسألني؟ أتدري فات قبل مجيئه زمني متى أتى؟ ألا تدري إلى أين انتهت سفني؟ لقد عادت من الآتي إلا تاريخه الوثني فظيعٌ جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري إنه أعمى.. لكنه يبصر كثيراً مما لا يبصره المبصرون، وهو الآخر الذي تعرض لسجن العميان بسبب نقده للأوضاع وتمرده على الأئمة، فنلحظ عملية سؤالية حوارية بينه وبين صنعاء، فكلاهما يتكلم عن مأساته، قامت الحركات ونجحت الثورات وزال الأئمة والفاسدين الطغاة وأشرق وسيشرق الفجر المبين.