لم يكن يدرك المهندس الألماني غوتليب ديملر والذي قام باختراع الدراجة النارية في عام 1885م لغرض النقل والاستخدام الشخصي بأنه قد صنع للبشرية آلة للموت والخراب فقد تحولت الدراجة النارية في اليمن وخصوصا في مدينة تعز من وسيلة نقل إلى آلة قتل وانتحار سريع وأصبحت تمثل خطراً متنقلاً في الطرقات لركابها وللمشاة على حد سواء وكنا نعتقد ان ارتفاع عدد ضحايا الدراجات النارية سيحد منها ويجعل الجهات ذات العلاقة تبحث عن حلول للحد منها او على الأقل تنظيمها ووضع لوائح وأنظمة خاصة تنظم سيرها وتقلل من أخطارها . لكن يبدوا ان هنالك متنفذين في هذا البلد لديهم مصالح شخصية من استيرادها بتلك الأعداد الكبيرة خصوصا مع دخول الصين الشعبية في صناعة الدراجات النارية بشكل سريع ورخيص . فقد وصل عدد الدراجات النارية في مدينة تعز الى أكثر من 10800دراجة مرقمة تعمل داخل المدينة وأكثر من هذا العدد يعمل بدون ترخيص وترقيم خصوصا وان عملية الحصول عليها وقيادتها تتم بيسر وسهولة فقد وجد فيها الكثير من الشباب فرصتهم الوحيدة في الحصول على العمل مع ارتفاع البطالة وانعدام فرص العمل في كثير من القطاعات العامة والخاصة . بالإضافة الى رخص أجرتها وسرعة التوصيل في ظل زحمة السير الشديد التي تشهدها شوارع مدينة تعز ويبرز مع هذا العدد الهائل من الدراجات النارية الإزعاج الشديد والمتواصل خاصة مع فتح كاتم الصوت والذي يسبب إزعاجا مروعا للجميع لا يمكن احتماله أو السكوت عليه عزز ذلك ضيق شوارع مدينة تعز وشدة تضرسها وانحدارها فضلا عن تلوث الهواء بتلك الغازات والأدخنة المنبعثة منها والتي تعمل على إلقاء كميات كبيرة من تلك العوادم الضارة بما فيها معدن الرصاص المسبب لمرض السرطان ، ولذلك تعد عوادم الدراجات النارية بالغة الخطورة فهي تفوق أضعاف انبعاث السيارة من تلك العوادم ، وتشير الدراسات إلى إن 40 % من الوقود الذي تستخدمه هذه الدراجات لا يتعرض للاحتراق الكامل مؤديا الى ضخ كميات كبيرة من الغازات المكونة من اكاسيد النتروجين والكبريت والغبار الدقيق . كما تطلق أبخرة دخانية في الهواء تحتوي على مركبات شديدة السمية مثل مركبات الزرنيخ والفسفور والسلينوم بالإضافة الى بعض المعادن الثقيلة كالزئبق والرصاص والتي تبقى على هيئة ضباب أو رذاذ عالقة في الجو والتي تسبب حدوث مجموعة من الأمراض التي تصيب السكان ، ناهيك عن التلوث الضوضائي الذي تحدثه الدراجات النارية والتي تنبعث منها أصوات مزعجة تصل الى 100 ديسبل ولا يسهل السيطرة عليها نتيجة لحركتها المستمرة في كل شوارع وأزقة وحارات المدينة فتأثيرها يصل الينا في المكاتب والمنازل وفي المدارس وحتى في غرف النوم . وتعتبر الدراجات النارية من أهم مصادر الضوضاء السائدة في المدينة مما يجعل الحياة غير محتملة بسبب الضجيج فقد تم رصد 9842 دراجة نارية خلال 12 ساعة في جولة حوض الأشراف بحيث كانت تلتقي أكثر من عشر دراجة نارية في نفس التقاطع ونفس الوقت ولنا ان نتخيل حجم الكارثة من خلال ما تحدثه من ضوضاء وشدة تفوق شدة السيارة بثلاثين مرة وتقل عن شدة طائرة نفاثة بخمسين مرة فكيف لو تحركت عشر دراجات في نفس الوقت وفي نفس الشارع مما يجعلنا ندرك حجم المشكلة الناجمة عن التلوث الضوضائي الشديد في المدينة بفعل الدراجات النارية . يؤكد الخبراء إن التعرض لضوضاء تزيد عن 65ديسبل يؤدي الى ظهور الكثير من الأمراض النفسية والفسيولوجية المصحوبة بالتقلبات المزاجية والتي تؤدي الى اضطراب الجهاز الهضمي وارتفاع نسبة الكلسترول في الدم كما تؤدي الى انقباض في الأوعية الدموية في المخ وارتفاع ضغط الدم وظهور مشكلات نفسية واختلالات في الوظيفة الجنسية ، ويصاب كثير من الناس بالإجهاد الذهني والتوتر العصبي والاكتئاب النفسي وفقد السيطرة على التوازن مما يؤدي إلى ظهور الكثير من حوادث العنف بين الناس . فضلا عن حوداث السير التي تتسبب فيها الدراجات النارية والتي يكون سائق الدراجة النارية هو المتسبب في وقوعها بحيث ارتفعت أعداد ضحايا تلك الحوادث المرعبة والتي أودت بحياة الكثير من ركابها ونقلت البعض الآخر الى العجز التام او العاهات المستديمة وهم لا يزالون في ربيع العمر وريعان الشباب وذلك بسبب السرعة الزائدة والتهور الشديد والتجاوز الخاطئ، فنسبة عالية من الدراجات النارية في يد مراهقين وصغار السن ناهيك عن انعدام وسائل الحماية فيها وخصوصا الملابس الجلدية لحماية الجسم والخوذة لحماية الرأس كما هو معمول به في كثير من الدول كما أنها لا تلتزم بأنظمة المرور متجاوزة السرعة المطلوبة وتسير عكس اتجاه بقية المركبات مما يؤدي الى اصطدامها بالمارة وعلى الجهات المسئولة وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة والمتنامية وأستغرب من بعض الآباء وأولياء الأمور كيف يقبل بشراء دراجة نارية لأبنائهم تختصر أمامهم طريق الانتحار السريع او تتسبب في إصابتهم بعاهة مستديمة ونحن ندرك ان غالبيتهم ما زالوا في سن المراهقة غير مؤهلين للتعامل مع وسيلة نقل خطيرة في طرق ضيقة ومنحدرة ومزدحمة . ولقد ظهرت في الآونة الأخيرة موجة الاغتيالات لعدد من الأفراد على أيدي مسلحين مجهولين يستقلون دراجات نارية ويلوذون بالفرار في وضح النهار وكنت اعتقد ان تلك الجوانب السلبية للدراجات النارية ستقلل منها او يحد من سيرها لكن ما حدث هو العكس فقد زادت أعدادها وامتلأت بها معارض بيعها في المدينة بشكل لافت للانتباه ويثير الكثير من التساؤلات من هو صاحب المصلحة الحقيقة من تلك الأعداد الكبيرة منها ولماذا لم تتحرك الجهات المعنية ممثلة بوزارة الداخلية وإدارة مرور المدينة والمجالس المحلية للحد منها وإعادة النظر في قانون المرور ولائحته وإفراد قسم خاص بالدراجات النارية وإصدار قرارات صارمة تنظم عملها وحركتها وتقلل منها واستيراد دراجات نارية ذات معايير ومواصفات فنية صديقة للبيئة ومأمونة السلامة وإلزام مالكي الدراجات بالتقيد بأنظمة السير ولوائح المرور وعلى الحكومة وضع خطة مزمنة ومعالجات فورية للحد منها واستبدالها بوسائل نقل كبيرة واستيعاب الشباب والذين يعملون بها في قطاعات وأنشطة اقتصادية أخرى تعود بالخير والنفع على الجميع . * جمعية أصدقاء البيئة وتنمية المجتمع . تعز