حقيبةٌ حمراء حذاء أحمر شال أحمر وردة حمراء في يدها شفاه حمراء، تلك فتاة تمر بجانبه، يفرك عينيه بشدة متخيلاً أن بطلة فلم إغراء تمر الآن، يهمس في نفسه بصمت عما يحدث ملتفتاً شمالاً ليَعلق نظره على مكتبة مفلسة قريبة، ويشاهد تزاحم فتية وكبار في السن أيضاً، ليس كالعادة يشترون هدايا ووروداً، حمراء ليغرق بعدها في غيبوبة تفكير كفتى قروي طيب الملامح، ببراءة ونقاء تَسكن وجهه المستدير.. يغرق في التفكير مرة أخرى، وهو ينتظر عبده، الذي سيوفر له فرصة عمل في زحد المخابز بالأجر اليومي البخس، وليُفَسر له ما يحدث في هذا اليوم المختلف عن سائر خمسة أيام فقط قضاها في المدينة، يصل عبده بعد نصف ساعة، ليَهرع اليه مسرعاً، ويبدأ باستجوابه ليصرخ عبده متذكرا سحقاً.. إنه عيد الحب.. إنه عيد الحب.. يتجه مسرعاً لشراء هدايا لزوجته، فشهر العَسل لم يكتمل بعد، ليشتري لها وروداً وفستاناً غالياً جداً، كون المرة الأولى في حياته، يدخل عليه عيد الحب، وهو في عش الزوجية، يسير بتشتت يميناً وشمالاً وبتمتمات أغنية رومانسية، يخرجُ هاتفه متصلاً ليتظاهر لها بأنهُ لا يَعرف شيئاً طالباً منها بعدم زيادة الغداء، كونهُ لن يعود ليَختفي صوتها فجاءة، ليصرخ بقهقهات فَرح بأنها غضبت وأغلقت السماعة معتقدة بأني لا أعرف بهذه المناسبة، سوف أخذها الى أرقى المطاعم وأجمل المتنزهات ويتمتم بلا إدراك، هي جميلتي التي حلمت بها منذُ طفول.. مطاردة فراشات الصيف تَمر لحَظات، وهو يمنحُ الأسفلت والأرصفة والعابرين أيضاً من أمامه ابتسامته، غير مدرك بأنها الابتسامة الاخيرة، ليرن هاتفه على صوت خشن لرجل يسأله عن معرفته بهذا الرقم يجمعُ مرتعشا بقايا صوت من حنجرته، التي جَفت ويخبره بأنها زوجته، ليطلب منه بأسف الحضور إلى المستشفى يهرع مسرعاً ليجد أمامه على سرير متهالك لمستشفى حكومي، بقايا من جسد حبيبته الجميلة ممزقاً دون ملامح سوى زجاج مكسر، تفوح منه رائحة العطر الذي يحبه كثيراً، فالمسكينة أشترته لتقدمه كهدية في عيد الحب غير مدركة بخبايا قدر، جعل من هذا العطر هويةً لتعرف عليها فقط دموع عَبده تتساقط بحرقة وبغزاره على جسدها المعدم، بحادث مروري لحظة اتصاله غير مستوعب أبداً ما حدث، ليجمع كل قواه ويقسم بإلباسها الفستان، الذي اشتراه كهديةً لها، واضعاً تحت خديها الورود الحمراء لترتشف من دم متقاطر ممزوجاً بالعطر يضمها مودعاً لتختفي بعدها خلف الثراء تاركة عبده مرمياً على ركن المقبرة ينوح ويتآوه كطفل انتزع منه شيء فاقد الذاكرة لم يعد يعرف من ملامح ومعالم المدينة والوجوه شيئاً سوى تفتيش سماعة الهاتف، ربما يجد بقايا عالقة من صوتها و احتضان قبر مبتور اليدين، لا يمنح سوى تمرغ بتراب يغطي حضن جميلة أصبحت في العالم الآخر..