في تيار الهواء البارد، وبين الأوراق التي يحرص عليها من التطاير، يعيش الهم مغموراً لأيام يلخص ويفكر ويترجم أحياناً.. يُسقط على واقعه ما استطاع من النظريات والخطوات.. فيجده واقعاً عشوائياً لا يناسب أية نظرية أو فكرة لتطبيقها عليه، إنه أشبه ببدائية عصور قديمة، وما يقرأه علم مجرد غير مرتبط بالواقع.. ما ذنبه إن حدد مجاله ورغبته في شرب المحلى بالعسل أو السكر وهم يجرعونه العلقم بعينه.. نظام أشبه بسلطة الديكتاتور الذي كان يقرأ عنه في كتب التاريخ وضاع اسمه من الذاكرة.. لا شيء يقطع استمراره في التفكير سوى رنين الهاتف .. فيغضب قليلا ،لكن لا يسعه إلا الرد ،يجد ابنته في الطرف الآخر ..كيف حالك بابا؟..هي الإجابة المعتادة يتبعها سؤال متى ستأتي إلينا؟..لا يستطع تحديد موعد.. يكيل لها مواعيد مفتوحة ملحقة ب”إن شاء الله “. ينتظره أهله بفارغ الصبر.. وهو مقتول شوقاً إليهم.. يزيده شوقاً تلك العيون الفارغة التي تطارده الباحثة لها عن نصيب على حساب أسرة بكاملها عيون نائبة عن الشيطان الذي يبحث في أدق التفاصيل. ما ذنبه إن كان القدر أبعده لأيام، وما ذنبهم إن وقف الحظ العاثر في الطريق.. التقرب لله خير من التقرب لشخص مغلق القلب واللسان..لا يتكلم إلا بالقلم.. عاد من جولة التفكير مع هدوء تيار الهواء الذي أذهب نصف أوراقه وترك نصفها.. مع معاودة اتصال نصفه الآخر هذه المرة.