قدم الشيخ علي عبدربه العواضي عضو المؤتمر الوطني للحوار عضو فريق القضية الجنوبية من قائمة الرئيس “مستقل” ورقة حول جذور القضية الجنوبية فيما يلي نصها. إن كلمة الجذور هي كلمة تعبيرية تعني الامتداد وبإضافة كلمة القضية، فهي تعني الامتداد التاريخي للمعطيات التي وصلت في الأخير إلى مصطلح قضية وإن تحديد تلك القضية بكلمة الجنوبية لاتعني انحصار البحث عن الجذور في منطقة جغرافية أو سكانية فقط .. وإن كانت الجذور في الأغلب هي في تلك المنطقة الجغرافية والسكانية .. فإن من الممكن أن بذرتها جاءت من مكان آخر .. ولهذا يجب البدء بلمحة تاريخية بسيطة. «لمحة تاريخية» اليمن الحالي كان موحداً منذ عهد الدولة الحميرية وملكها شمر يهرعش الذي وحد اليمن من أقصاه إلى أقصاه. - الدولة الصليحية كانت تحكم عدن برغم أن مركزها جبلة وكانت أيضاً تحكم صنعاء. - الدولة الطاهرية كانت تحكم عدن برغم أن مركزها المقرانة في رداع. وهكذا كانت كل الدول اليمنية الوطنية المتعاقبة، حتى جاء الاستعمار البريطاني واحتل عدن ثم تدرج في بقية المناطق في الجنوب بشكل مباشر أو غير مباشر. أولاً: الجانب السياسي أنني أعيد جذور القضية الجنوبية إلى سببين رئيسيين. السبب الأول: هو الظلم بمفهومه العام الذي يتمثل في إقصاء الآخرين من الشراكة الحقيقية من السلطة في جنوباليمن سواء كان ذلك في ظل النظام الحاكم في جنوب الوطن اليمني قبل الوحده أو الحاصل فيما بعد قيام الوحدة وبعد حرب صيف 94م والمتمثل في إقصاء أبناء المحافظات الجنوبية من قبل حكم مناطقي قبلي اسري في صنعاء قبل الثورة الشعبية الشبابية السلمية وإلحاقهم بمن أقصوا من قبل من أبناء المحافظات الشمالية وكذلك نجد الفساد المالي والإداري والعبث بالثروات ونهب الأرض والتمايز المناطقي وترسيخ النعرات المناطقية والقبلية والفئوية في عموم اليمن وما صاحب ذلك من عدم معالجة آثار حرب صيف 94م من إعطاء الحقوق لأهلها وتهميش القيادات المدنية والعسكرية الفاعلة وتسريحهم قسراً من وظائفهم. السبب الثاني: فشل النظام في صنعاء بعد الوحدة في إقامة دولة المؤسسات والنظام والقانون وانشغال السلطة بالصراعات الحزبية والمكابدات السياسية وتصفية طرف لآخر كما حصل لقيادات الحزب الاشتراكي ومن ثم إخراجه نهائياً من السلطة. - وقد كان من المفترض عقب قيام الثورتين في جنوب الوطن اليمني وشماله أن تصبح الوحدة تلقائية لما كان من التعاون بين الثورتين .. ولكن ذلك لم يحدث وماحدث كان عبارة عن صراعات داخل الجزء الجنوبي والشمالي من الوطن وفي المنظومة الحاكمة بذات وكذلك الصراعات بين حكومتي الشطرين تحت مسميات عديدة. - بعد انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء الحرب الباردة أتت الظروف الدافعة للوحدة .. عام 1990م. - فكان الاتفاق بين النظامين اللذين يحكمان في ما كان يسمى باليمنالجنوبيواليمن الشمالي.. إن ما حصل من اتفاق بينهما على الوحدة الاندماجية الكاملة وبشكل سريع وفوري وبأسلوب غير علمي وغير واضح الملامح لمستقبل أبناء الشطرين .. كان ذلك هو الخطأ الأول والأكبر الذي تسبب في إثارة القضايا، وخاصة القضية الجنوبية من قبل الطرفين الحاكمين في ذلك الوقت. - إن الديمقراطية الكاذبة والتعددية السياسية الزائفة التي حصلت بعد قيام الوحدة والتي كانت في حقيقة أمرها ما هي إلا مكايدات للإقصاء والتفرد بالسلطة والحكم والسيطرة على اليمن بأكمله حتى وصلت تلك المكايدات إلى ذروة ما يمكن أن تصل إليه وهي حرب صيف 94 التي أثبتت أن الأربع السنوات الأولى من عمر الوحدة لم تكن إلا مكايدات للإقصاء. - بعد حرب صيف 94 تفرد نظام واحد مستغلاً حب الشعب للوحدة .. من أجل أن يتم بسط نفوذه وسيطرته على كل أرجاء الوطن اليمني من اجل إقصاء الآخرين كما احكم قبضته على القوة الضاربة وقام بضم المؤسسة العسكرية الامنية في الجنوب واستخدمها لقمع وتهديد معارضيه أو بقية معارضيه إن صح التعبير. - إن ما ذكرناه في الأسباب السابقة للقضية الجنوبية جعل النظام المتفرد بالسلطة يضيق الدائرة شيئاً فشيئاً بعد أن تأكد من انه احكم قبضته على الوطن ودون منازع ... وأخذ بتنفيذ مخططه بنهب وسلب ممتلكات الوطن وبالأخص في الجنوب .. وأخذ بترويع وتجويع الشعب في الشمال والجنوب مما أدى إلى الاحتقان والتذمر لدى الشعب وخاصة في المناطق الجنوبية التي اخذ الناس فيها يعيدون حساباتهم إلى ما قبل الوحدة وأخذوا يطالبون بالانفصال والعودة إلى الوراء. ثانياً: الجانب الاقتصادي أن الصراعات التي ظلت تدور رحاها في الجزء الجنوبي كانت تسير في خط متوازٍ مع الجانب الاقتصادي الذي غدا متأثراً بالقرارات السياسية التي كان يرى المنتصر في النزاع أنه لابد أن يكون الجانب الاقتصادي مكملاً لنظريته السياسية من اجل النجاح. ومن أهم تلك القرارات التي أثرت على الجانب الاقتصادي في الجزء الجنوبي هي قرارات التأميم التي جعلت الجزء الجنوبي في انعزال تام عن الدول المجاورة في المنطقة. - وأن التسرع في دمج نظامين مختلفين اختلافاً كاملاً من الناحية الاقتصادية فقد كان الشعب في الجنوب يعتمد على الدولة في صرف المواد والسلع الاساسية للمواطنين بعد تعرضهم للتأميم ودولة الوحدة اعتمدت النظام الحر مما اخل بالتساوي في الوضع الاقتصادي للمواطن في الجنوب والذي كان يحتاج إلى فترة متدرجة لإلغاء التزامات ألدولة نحو المواطن إن كان ولابد. - لم يعمل الجانب المنتصر في صيف 94 للحفاظ على المؤسسات القائمة في الجنوب التي تمس حياة المواطن والموظفين المحسوبين عليها وقام بتسريحهم بالآلآف. - سياسة الإفقار التي عمت الشمال والجنوب لغرض إلهاء الشعب عن الأهداف السامية مثل رفع الظلم والجور والفساد والتفرغ للبحث عن لقمة العيش. - صرف الأراضي والأملاك والمنشآت العامة للمقربين والموالين باسم الاستثمار وعدم مراعاة أن المالكين قبل التأميم هم الأحق بتلك الأملاك. ثالثاً: الجانب الثقافي والاجتماعي - محاولة نظام صنعاء تشويه العمق الثقافي للمجتمع القبلي اليمني وتقديمه بأن هذه ثقافة القبيلة. مثل التساهل في ظاهرة حمل السلاح في المدن مما أدى الى استفزاز وتحسس مشاعر الآخرين. - تشجيع السماح بإنشاء أسواق القات داخل المدن وما ترتب على ذلك من مشاكل اجتماعية. - لم يحافظ النظام في صنعاء على الايجابيات في المحافظات الجنوبية مثل مدنية احتكام المواطنين للقانون بل شجع على سيادة الأعراف بين الناس لغرض إرباك المجتمع. - عمل النظام على إثارة النزاعات المناطقية لغرض خلق أقطاب يضرب بعضها ببعض تحت نظرية فرق تسد. - إبقاء الفساد المالي والإداري ليلوم المجتمع بعضه بعضاً. - المركزية في الدوائر الحكومية والمعاملات التي تمس حياة المواطن في الجنوب مما يؤدي إلى جهد كبير من اجل متابعة ابسط المعاملات في العاصمة صنعاء. - لم يكن هناك استجابة لمطالب الجنوبيين في بداية الحراك السلمي لتحاشي تطور الوضع إلى صدامات وسقوط ضحايا مع القوات الحكومية. انتهى بعون الله.