تشابهت الأمور، وتداخلت الأوراق، وامتزجت الأشياء، واختلط الحابل بالنابل، وأصبحت فئة كبيرة من الناس تعاني من معضلة عدم القدرة على التفريق بين الغث والسمين، بين المفيد والضار، بين الأصيل والدخيل، بين تضادات عدة لها حضور كبير في المجال الفني بالذات، حيث تشابهت بقر (اللا فن)، ولم يعد بمقدور الكثيرين التفريق بينها! وحدهم عشاق الفن الأصيل من يستطيعون إعطاء كل شيء حقه، ووحدهم من يمتلكون القدرة على (فرز) كل ما نُسب إلى الفن، فيأخذون من كل شيء أحسنه ، ويتركون لعشاق الصخب والضوضاء والجنون الفني ما تقر به أعينهم، وترتاح به أسماعهم! الفن مثلاً تجده في تأوهات المستمعين وتفاعلهم اللامحدود مع أي أغنية من أغاني سيدة الغناء العربي أم كلثوم، حيث تجد الحضور الطاغي للروح، والتواجد الكبير للإحساس، وحيث تزدهي النفس بما يرضي تلهفها، ويرفع من مستوى الذائقة الفنية للجميع، ولا تجد كل ما تحدثنا عنه آنفاً في أغنيةٍ ليس فيها ما يمت للفن بصلة، لا من ناحية الكلمات، ولا الألحان، ولا التوزيع الموسيقي، ولا الصوت الغنائي، ولا حتى تصوير (الكليب)، بل إن كل ما فيها هو دفعٌ للشباب إلى ساحات المجون، وتحريضٌ واضح على (قلة الحياء)، وتهبيط صريح للذائقة الفنية، وما يهم الفنان أو الفنانة ومنتج ومخرج العمل هو البحث عن شهرةٍ خاوية، أو عائدات مالية، حتى لو كانت عبر (بوس الواوا) أو (الشخبطة واللخبطة) وبأساليب هي أبعد ما تكون عن الفن! بين الفن واللافن تكمن متناقضات عدة، تجعل حتى مجرد المقارنة بينهما ظلمٌ وجورٌ واضحان، فهل نساهم جميعاً في ارتقاء الفن الأصيل، ابتداءً من المستمع قبل الفنان، فاختيار المستمع لما يسمع هو السبب الأبرز في انتشار العمل الفني المسموع، سواء كان ذلك العمل أصيلاً .. أم دخيلاً!!