ستكون رحلتنا اليوم في أعماق قصيدة (القرشي عبدالرحيم سلاّم) دلى حبيبي دلى.. وهي من ديوانه (مرايا الشوق) ..غنّى هذه الأغنية الفنان أحمد راوح.. لكنّ لحْنها- مع الأسف الشديد - كان باهتاً.. ولم يكن بمستوى سلاسة الأغنية ورشاقة ألفاظها وغنائيتها.. وعلى أية حال نأتي إلى المقطع الأول من هذه الغنائية والذي يقول:- دَلَى حبيبي .. دَلَى.. عادُه صباحك غَبَشْ عاد الذَرِي في التليمْ يافاتني ما نَبَشْ وعاد قلب المعنّى للهوى الاّ فَتَشْ يلُم زهور المحبّة من جنائن عَرَشْ وعاشقك ياهَلِيْ رويعده الاّ ابتَجَشْ فَمُدّلُهْ من لماكْ شربة تروي العَطَشْ على رسلك حبيبي.. فما زلت صغراً.. فأنت في أول الطريق وما زال في مشوارنا الطويل متسعٌ لأشياء كثيرة.. قلبي بدأ ينفتح على جمال الحياة وبدأ يرتاد الواحات الخضراء والجنان يجمع باقات الأزهار لكي تضوع وقتاً طويلاً في درب الحياة الطويل.. ويمضي الشاعر في رسم صورة زاهية فيها دفق من الجمال.. لكنه يبدأ في كسر حاجز الوقار حين يطلب - ولو على استحياء- رشفة من شفايف هي كفيلة بتبديد الظمأ الروحي والجسدي معاً.. ثم يمضي في تعداد محاسن من أحَبَّ أو صادف.. فيقول: من لمع أحلى العيون عقلي.. أمانة ارتبشْ فابجش قليل يا غزال حالي البهق والنَمَشْ أفديك وافدي الذي كُلْمَا لمسته ارتعشْ - مطلع المقطع السابق يذكّرنا بإشكالية طالما أوقعت العُشّاق في شراكها عندما يقعون أسرى للعيون النُجل والعيون النواعس..وخذ ما شئت من أوصاف العيون وفي كثير من الأغاني نجد من يطلب من المرأة أن لا تتخلّى عن النقاب حتى لا تنهب مُحيّاها الأعين المتلصّصة كالذي يقول:(صُنْ مُحيّاك بالنقاب وإلاّ نهبتهُ العقول والأبصار). عكس ما يحدث هنا عند القرشي عبدالرحيم سلام..الذي وقع فريسة سهلة ولم يعد يقوى على الإبصار من لمع العيون الجميلة..لذا فهو يريد الاستئثار بما هو أكثرمن ذلك حين يقول(فابجش), أي افتح ..لكي تظهر لوحة جمالك الحقيقية دون الحاجة إلى ما يحجب جزءاً منها.. شفرش لحُسنك عيوني واجمّشَكْ بالرّمَشْ صوتي بلحن التلاقي في السواقي اعترش أزهر سويعة وصالكْ وانتشى.. وانتعشْ ششرب من الريق هُجْمَةْ واعوّض اللي مَدَشْ واقبّلَكْ مرّتينْ في الخد واقطف وَرَشْ وسمّعكْ حِكمتي: مُشْ من تعلّى هَدَشْ.. يخرج الشاعر عمّا هو مألوف وطبيعي في الحفاوةوالاستقبال..وهوعلى استعداد لفعل المستحيل كما يظهر ذلك في(شفرش لحُسنك عيوني واجمّشك بالرمش) وتحوّلت اللقيا الى متعة إنسانية وإلى مهرجان للحُب الذي لا يطفئهُ الا الوصال والهمس والقُبلات.. وكأنّ هذه اللحظات , لحظات لقاء الحبيب بحبيبه خلاصة ينبغي أن تكون عوضاً عما فات من الحرمان.. فلا يجوز في عُرف الشاعر التفريط فيها.. الحُب معنى الحياة واللي يحب ماحوش مش كذب أو زندقة ياظبي وادي عَرَشْ - ويبدو أن (القرشي عبدالرحيم سلام) كان حريصاً على ألاّ تنتهي هذه القصيدة الغنائية الجميلة دون أن يقول لكلّ المُحبين المخلصين لأحبابهم: إن الحُب هو المعنى الحقيقي للحياة ..فبدون الحب الصادق لامعنى للحياة..الحب الحقيقي هو الحب الخالي من الكذب والنفاق والخداع والزيف ..هو المشاعرالنقية الطاهرة .. هو المعاني الإنسانية الرفيعة بكل تجلّياتها وألقها.. [email protected]