من كلمات الأخوين رحباني وألحان الفنان الكبير فيلمون وهبي ، غنت فيروز : (يا دارة دوري فينا ظلي دوري فينا تاينسوا أساميهن وننسى أسامينا ) تستحق هذه الأغنية أن تصنف ضمن أجمل أغاني فيروز، وكل أغاني فيروز لا تخلو من ملمح جمالي، لأنها أعمال متعوب عليها، تظهر الأغنية الفيروزية كمحصلة لكلمات مهدفة جدا، ومحكمة البناء والصياغة، وألحان دقيقة المناسبة للكلمة والصوت. هل يستطيع الإنسان أن يختبئ من عداد الزمن ، ليظل محافظاً على طفولته ؟!!.. يمثل هذا التساؤل شعرية مميزة يكتسي بها نص هذه الأغنية الجميلة: ( تعا تانتخبا من درب الأعمار وإذا هنّ كبروا نحنا بقينا صغار وسألونا وين كنتوا وليش ما كبرتوا انتوا منقلن نسينا ) بإمكاننا أن نسلط شيئاً من الإضاءة على واحدة من الجزئيات الجمالية، في كلمات هذه الأغنية، تكررت المفردات الدالة على النسيان، وكان تكرارها بشكل فني ، لا يخفى جماله ، فعل النسيان ينتقل من الرغبة في نسيان الشادي لاسمه: ( تاينسوا أساميهن ) وكذلك: ( وننسى أسامينا ) وفي مجازية محببة ومثيرة يأتي الجواب على سؤال افتراضي عن سبب بقائنا صغاراً ( منقلن نسينا ) نسينا أن نكبر ، وكذلك من نادى الناس ليكبروا : ( ونسي ينادينا ) ، ثم تأتي مفردة النسيان الأخيرة : (نسيوني ع المينا ) . أن ينسى الإنسان أن يكبر، فكرة شبيهة جدا بما قاله البردوني حين نسي أن يموت: ( تمتصني أمواج هذا الليل في شره صموت وتعيد ما بدأت … وتنوي أن تفوت ولا تفوت فتثير أوجاعي وترغمني على وجع السكوت وتقول لي : مت أيها الذواي … فأنسى أن أموت )..