البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    عقلية "رشاد العليمي" نفس عقلية الماركسي "عبدالفتاح إسماعيل"    تصريحات مفاجئة لحركة حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والانخراط ضمن منظمة التحرير بشرط واحد!    تطور مهم.. أول تحرك عسكري للشرعية مع القوات الأوروبية بالبحر الأحمر    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    هيئة السلم المجتمعي بالمكلا تختتم دورة الإتصال والتواصل الاستراتيجي بنجاح    فيديو صادم: قتال شوارع وسط مدينة رداع على خلفية قضية ثأر وسط انفلات أمني كبير    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    امين عام الاشتراكي يهنئ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بنجاح مؤتمرهم العام مميز    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ العسكري لليمن 1839 - 1967م
دراسة سياسية بحثت في ارتباط نشوء وتطور المؤسسات والأنشطة العسكرية بالأوضاع والتغيرات السياسية

كتاب ضخم أوشكت صفحاته أن تعانق الألف عداً، فصوله التسعة أسفرت عن ميلاد «بانوراما» من الأحداث والوقائع، استند مؤلفه إلى بنية ثقافية تراثية ووطنية متينة، وقدم «على طبق من ذهب» التاريخ العسكري لليمن «كل اليمن» مشمولاً بالبيئة السياسية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، من خلاله انكشفت آفاق جديدة أدت بمجملها إلى مزيد من الفهم لكثير من قضايا تاريخنا وثقافتنا الوطنية.استهلال
يعرف «المؤلف» كتابه «بأنه عمل تاريخي منسق الأجزاء متكامل البناء آخذة رقاب فصوله برقاب بعض في شيء من التسلسل والوضوح».
ويقول علي ناصر محمد في تقديمه للطبعة الأولى منه: إن هذا الكتاب يمثل جانباً مشرقاً من جوانب الثقافة اليمنية؛ ذلك لأنه يتحدث عن الشعب اليمني كجيش وعن الجيش اليمني كشعب، ويتحدث بعد ذلك عن تاريخ اليمن السياسي معتمداً على الكثير من المصادر بطريقة أكاديمية حية، مما يعطي هذا الكتاب الحق في أن يكون كتاباً يدرس في الكليات العسكرية اليمنية؛ لأنه يغطي فترة من تاريخ اليمن العسكري بذل فيها من الجهد والوقت ما أثار تقديرنا.
مقدمات الاحتلال
في الفصل الأول تناول الكاتب تاريخ اليمن العسكري خلال الفترة «1839 1918» مبتدئاً بسرد المقدمات التي أدت للاحتلال البريطاني لعدن، مرجعاً اهتمامها كجزء من المنافسة التجارية الأوروبية وخاصة مع البرتغاليين والهولنديين ثم الفرنسيين مع بداية القرن الثامن عشر، لتتحول المنافسة بعد الغزو الفرنسي لمصر إلى ميدان المواصلات، وفي عام 2081م عقدت بريطانيا أول معاهدة تجارية مع السلطان العبدلي الذي كان يُسيطر على ميناء عدن آنذاك، ومن العوامل التي عجلت بتنفيذ المطامع البريطانية بعد ذلك بزمن وجود جيش محمد علي باشا يومئذ في تهامة وأواسط اليمن، بالإضافة إلى حاجة بريطانيا إلى محطة تموين.
معركة ومقاومة
استند الكاتب لبعض الوثائق البريطانية ليثبت أن غرق «داريا دولت» في يناير 1837م في ساحل عدن لم تكن السبب المباشر في الاستيلاء على عدن بل كان حادثاً مدبراً بين مالكها وقبطانها لكي يحصل المالك على أموال التأمين نتيجة غرقها، وعندما أراد هينس أن يحصل من بضاعة السفينة عذراً للحصول على عدن أعيدت له ثلث البضاعة، وتعهد السلطان بدفع الثلث المتبقي، ومع ذلك أصر هينس أن يحصل على عدن.
أتت بعد ذلك معركة الاحتلال ولم تسقط عدن إلا بعد أن أروتها دماء شهدائها، واعتبر احتلال عدن أول درة في جبين تاج الملكة فيكتوريا، وقد شهد البريطانيون ببسالة المقاومة اليمنية وقدروا أن عدد المقاتلين بلغ ألفاً، وكذكرى لمقاومة عدن الاحتلال البريطاني أهديت للملكة البريطانية ثلاثة مدافع نحاسية من المدافع اليمنية التي استخدمت في معركة صيرة، وفيما بعد وضعت تلك المدافع في برج لندن، ومن نحاسها كانت تصنع الميداليات البريطانية التي تمنح تقديراً للخدمات العسكرية الممتازة.
عدن هندية أكثر منها عربية
كوفي «هينس» بعد احتلال عدن كأول معتمد سياسي لها وقد بقى يحكمها طيلة 15عاماً، وكان يمسك بحلقة رهيبة من الجاسوسية تغطي معظم مناطق اليمن، وكان أحسن مخبريه يهود عدن الذين كان لهم أقارب في الكثير من القرى والمدن اليمنية.
وكان حينها التركيز الأعظم على بناء تحصينات المدينة، وذلك من أجل صد هجمات اليمنيين المتكررة ضد الوجود البريطاني والتي استمرت طيلة فترة حكمه.
ويذكر المؤلف أنه بعد 1846م اقتضت سياسة بريطانيا التوظيفية استجلاب العمال من الهند فأصبحت عدن هندية أكثر منها عربية، وانخفض السكان العرب إلى أقل من النصف، وأصبح الهنود يكونون 40 % من سكان المدينة، وبعدهم كان يأتي العرب، ثم الجاليتان الصومالية واليهودية، وبانعدام التجانس لم يكن لدى «هينس» أدنى خوف من انتفاضاتهم الداخلية.
وكان الخطر يداهم البريطانيين من حملات المقاومة التي قامت بها سلطنة لحج وبعض السلطنات الأخرى، وقد ذكر المؤلف تلك الحملات والتي كان أكثرها شرفاً بالانتصارات لولا الفارق الكبير من حيث التسلح والعتاد.
وكانت نهاية هينس اتهامه من قبل حكومته باختلاس أموال الدولة، وقد طرد من وظيفته ووضع في حبس بأمر من اللورد الفيستون الذي قال كلمته المشهورة بأن «هينس كان وغداً بالفعل» وقد فضل هينس الحبس على أن يدفع شيئاً وقد أطلق سراحه قبل أيام من وفاته.
ربط عدن بالهند الشرقية
بعد هينس عين الكولونيل جيمس اوترام معتمداً سياسياً لعدن، وبسبب علاقاته الوطيدة مع كبار المسئولين في لندن والهند وشهرته كأحد كبار واضعي الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط فقد استطاع أن يربط عدن ربطاً كاملاً ضمن النظام الإداري لشركة الهند الشرقية.
وبعد افتتاح قناة السويس زادت أهمية عدن وأصبحت مدينة التواهي هي الميناء الرئيس، وأصبح معظم بن الحجرية يأتي إلى عدن ليتم تصديره، مكونة ثلث جميع واردات عدن من السلع الأخرى.
نظام الصداقة ومقبرة الأناضول
دخل الكاتب بعد ذلك في عمق الصراع العسكري البريطاني العثماني خاصة بعد اعتلاء السلطان عبدالحميد العرش في السبعينيات من القرن التاسع عشر وإعلان ميوله نحو الدولة الألمانية وبروز مطامع تركيا في البلاد العربية ومنها الجزيرة العربية واليمن.
وقد كان أئمة صنعاء في ذلك الحين يرسلون الرسل إلى عدن يطلبون مساعدة الإنجليز من أجل استعادة تهامة من أمراء أبي عريش والأتراك وكانوا يعرضون عليهم اقتطاع ما يودون من الأراضي اليمنية مقابل مساعدتهم لهم.
عام 1872م مد الأتراك نفوذهم إلى الداخل اليمني ابتداءً من الحجرية وانتهاءً بصعدة، أما الإنجليز فقد استخدموا سياسة مرنة تتفق والوضعية الجديدة، وقد انحصرت في اتباع ما أسموه «نظام الصداقة» بحيث يدفع الإنجليز مشاهرات شهرية أو سنوية بسيطة للمشائخ والسلاطين المجاورين لعدن.
بعد ذلك أعطى المؤلف معلومات مفصلة عن تاريخ تلك السلطنات، بالإضافة إلى الخلافات الدائرة بينها وكيف عزز من وتيرتها الاحتلال.
وبظهور تركيا على الجانب الآخر بقي الخلاف على استحواذ تلك السلطنات على أوجه، وقد وقعت كثير من التحرشات، إلا أنه ما يلبث أن يعود الأمر كما كان عليه.
تناول الكاتب بعد ذلك وبلمحة موجزة وضعية القوات البريطانية خلال تلك الفترة من حيث تقسيماتهم ومراكز وجودهم وتكاليف معيشتهم «الرواتب» وتحصيناتهم الدفاعية وكيفية تنقلاتهم واستبدالاتهم، وتناول كذلك كيفية تسليحهم وأنواع تلك الأسلحة.
وبتناول بسيط عرج المؤلف على المقاومة اليمنية ضد الاحتلال التركي، مستدلاً بمقولة لأحد القادة الأتراك توضح عظمة تلك المقاومة ما رأينا مسبقاً مثل اليمن لعسكرنا كلما جهزنا إليه عسكر ذاب ذوبان الملح ولا يعود إلا الفرد النادر.. ومن ثمانين ألف من العسكر لم يبق منهم في اليمن إلا سبعة آلاف نفر».
وكانت معركة شهارة نقطة تحول في مجرى التاريخ اليمني وسميت اليمن بعدها بمقبرة الأناضول.
جندرمة حميدية
في الفصل الثاني من الكتاب عرف المؤلف بأصول القوات اليمنية المسلحة مبتدئاً بالجندرمة كأول جيش يمني في شمال اليمن، ويتكون هذا الجيش اليمني من أربع كتائب وأسسه الوالي العثماني إسماعيل باشا حقي بعد وصوله إلى اليمن عام 1878م وسماهم «حميدية» نسبة إلى السلطان عبدالحميد، وقد اعتنى بتربيتهم وتهذيب عقولهم حتى كانوا يسمون بأولاد إسماعيل، وعلى الرغم من أن السلطات التركية في القسطنطينية قد أمرت بتسريح ذلك الجيش، إلا أن الأيام أثبتت الحاجة الماسة له، ولذلك فقد تم إحياؤه من جديد وأصبحت القوات المسلحة الفاعلة.
والزي الرسمي لذلك الجيش كان عبارة عن مشدة زرقاء داكنة ومئزر وجاكت ذي أزرار فضية، إلا أن معظم الأفراد يفضلون لبس المئزر القبلي الأبيض المصنوع محلياً.
أما سلاحهم فهو نوع من بندقية «الميزر» القديمة ذات مخزن الذخيرة الذي يحمل بين ثماني وعشر رصاصات حسب حالة نابض البندقية ويطلق هذا النوع من الميزر رصاصة يعقبها دخان كثيف من مسحوق الباروت، وهذا أمر خطير معرقل في حرب الجبال.
وكانت «الجندرمة» مكونة من أنواع مختلفة من الرجال ومعظمهم أميون كبقية غالبية السكان، إلا أن بعضهم كانوا معهم عائلات محترمة، ولديهم درجة من التعليم لا بأس بها حسب المعايير المحلية.
الجيش العثماني
كانت الحامية التركية في اليمن مكونة من فرق آسيوية وكانت تتسلح بنفس الأسلحة التي مع جيش «الجندرمة».
مؤلف الكتاب تناول تفصيلاً مكونات ذلك الجيش وقدر «المنسحب» منه وكذلك التعزيزات الواصلة إليه في أكثر من مرة، وإجمالي تقديرات قوة الجيش الرابع عشر وصل في عام 1914م خمسة آلاف فرد.
وأرجع الكتاب سبب ضعف الجيش التركي في اليمن إلى تنظيمه المهلهل وماليته الضعيفة وللقلق السياسي في البلاد، وكان أفراد ذلك الجيش يكرهون الخدمة في اليمن التي كانوا يعتبرونها بلاداً غريبة عليهم، وكانوا دائماً يتمنون أن يتركوها في أقرب فرصة.
وبالنسبة للسيدات التركيات اللواتي كن يصحبن أزواجهن العسكريين أو المدنيين إلى اليمن فكن يعشن في شبه منفى إلا أن القاطنات منهم في صنعاء كن أفضل حالاً؛ لأنهن كن يستطعن أن يخرجن للتمشية في بساتين بير العزب أو يذهبن إلى أسواق المدينة وكذلك لأنهن كن يشعرن أن بعولهن الذين يحبونهن المتمركزين داخل أسوار العاصمة كانوا في مأمن من الموت الفجائي أكثر من الذين يرسلون إلى المركز الخارجية.
جيش علي سعيد باشا بلحج
مع قيام الحرب العالمية الأولى لم تعد معاهدة الحدود بين العثمانيين والإنجليز ذات أهمية، وقد تحالف الأخير مع الإدريسي في الشمال بمحاصرة الأتراك خاصة من جانب تهامة، لهذا قرر الأتراك القيام بغزو مناطق الجنوب وبالذات لحج وعدن منها.
عام 1915م تجمعت القوات التركية في ماوية، وقد انضمت إليها فرق من القبائل اليمنية المقطوعة، وكان عدد تلك القوات مجتمعة أكثر من ثمانية آلاف، تقدمت تلك القوات نحو الجنوب بعد أن سقطت الضالع والحواشب دون مقاومة، وبعد أن سقطت الدكيم تقدم علي سعيد باشا نحو الحوطة حتى أسقطها، وقد فر سلطان لحج علي بن أحمد حليف الإنجليز إلى عدن، وصلت القوات التركية بعد ذلك إلى الشيخ عثمان إلا أن الإنجليز ما لبثوا أن استردوها بعد أن وصلت قوة بريطانية من السويس، ونتيجة لذلك الغزو بلغ الذين هاجروا من لحج إلى عدن مع السلطان حوالي أربعة آلاف من السادة والأعيان ورؤساء القبائل وحاشية السلطان وأقاربه، وقد أصدر الأتراك فتوى من شيخ الإسلام بالإستانة يسمح لهم فيها بإباحة أموال هؤلاء المهاجرين؛ لأنهم فروا من بلاد المسلمين إلى بلاد النصارى.
الإنجليز استخدموا في تلك الفترة الطيران لأول مرة لتخويف كل من الأتراك والقبائل الريفية، وفي الأخير حدث ما يشبه التعايش بين الفريقين ففتحت التجارة بين لحج وعدن ونشأت علاقة ودية طريفة بين المتحاربين، ودامت حوالي ثلاث سنوات حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى.
وتشير بعض الوثائق التركية أن سعيد باشا كان يود مخلصاً أن يرى اليمنيين يستلمون مناطق الجنوب من تركيا عند هزيمتها بدلاً من إعادتها تحت النفوذ البريطاني.
عسكرة اليمنيين
أظهرت الحرب العالمية الأولى وما أعقبها ضعف القوة العسكرية البريطانية في مستعمرة عدن، المؤلف وضع في كتابه كماً هائلاً من التبريرات الموثقة لذلك حسب عدد من القادة الإنجليز، وكذلك حسب توصيفات الرحالة العربي أمين الريحاني.
هكذا طفت فكرة «عسكرة اليمنيين» وكان الدافع الأبرز لتكوينها يعود إلى محاولة تقليد الإيطاليين في طريقة استفادتهم من الجنود اليمنيين في حروبهم في أفريقيا.
في عام 1918م تم تكوين الفرقة اليمنية الأولى، وقد كانت مكونة من حوالي أربعمائة جندي وضابط، وكان عدد الضباط العرب في تلك الفرقة ثلاثة عشر ضابطاً، وقد روعي في اختيار المجندين أن يكونوا يمثلون أكبر عدد ممكن من القبائل اليمنية في الشمال والجنوب.
وفي الأخير تكشف للسلطات البريطانية في عدن أنهم قد أخطأوا في تقديراتهم حول ولاء الفرقة اليمنية لهم، وكانت الأفواج من تلك الفرقة التي ذهبت إلى ميون وكمران هي أول من لمس أهداف الإنجليز، ولهذا قام فوج جزيرة ميون بقتل رئيسهم الإنجليزي ومنها توجهوا إلى الشمال، وهذا أدى إلى إلغائها في عام 1925م.
الإمام أحمد لم يفتح الزرانيق!!
الصراع العسكري في اليمن خلال فترة ما بين الحربين العالميتين هي الخلفيات التي تناولها مؤلف الكتاب في الفصل الثالث منه وقد سجل فيه حروب الإمام يحيى الشرسة ضد الشعب اليمني من خلال جيوشه الثلاثة «مظفرية» و«برانيه» و«دفاعية» استولى الإمام يحيى على المناطق الوسطى ثم السفلى، ولقد لاقى مقاومة شديدة ولعل مقاومة قبيلة المقاطرة وقلعتها هي الأبرز، وقد فرد المؤلف لتلك المقاومة صفحات عدة من كتابه..
وقد عمل الإمام منذ توليه الحكم على توسيع حكمه وتدعيمه بوسيلتين رئيسيتين وهما أولاً: تكوين جيش على حساب القبائل بحيث يصبح شيوخها جزءاً فيه وتحت إمرته مباشرة، وثانياً: الإبقاء عموماً على التقسيم الإداري الذي أنشأه الأتراك مع إدخال تغيرات طفيفة.
عرج المؤلف بعد ذلك على ثورات عدة قامت ضد الإمام يحيى بدءاً من تمردات قبائل صنعاء وثورة قبائل الجوف، وثورة قبائل حاشد، وبعد إخمادها تم استعادة تهامة وميناء الحديدة من الأدارسة، وبعد ذلك أتت الثورة الحقيقية لقبائل الزرانيق ويسجل كاتب مخطوطة مجهول وقائع لا توجد في الكتب الرسمية الأخرى، ويعزو فيها فتح الزرانيق إلى خطط ضابط يمني اسمه المقدم يحيى بن إسماعيل الردمي، وليس إلى سيف الإسلام أحمد، وقد قام سيف الإسلام أحمد بتعذيب الردمي بعد أن انكشف أمره أنه هو الفاتح الحقيقي.
تجميد قضية الحدود مع الإنجليز
لقد كان المهندس الرئيسي لمحميات عدن هو السير (برناده رايلي) الذي أصبح في الفترة ما بين 1925م - 1940م هو المقيم السياسي ثم الحاكم العام لعدن ومحمياتها، فهو الذي خطط وأشرف على تنفيذ سياسة الحكومة البريطانية التوسعية في المحميات والواقع أن استخدام الإنجليز الواسع للطائرات في المحميات هو الذي أدى إلى تحطيم الأساس العسكري لعزلة الأرياف السابقة وتحقيق مشاريعهم التوسعية فيها.
فبعد أن ضربت الطائرات البريطانية القوات الإمامية في المحميات وأجبرتها على الانسحاب عادت السيطرة البريطانية على معظم الإمارات والسلطنات وبقيت العواذل تحت سيطرته، وكان كثير من أفراد هذه القبيلة منخرطين في القوات المحلية كجيش الليوي وقوات البوليس، وكان الاحتكاك اليومي لهؤلاء الجنود بضباطهم الإنجليز ثم لومهم وعتابهم لعدم استطاعة حكومتهم حمايتهم من الجيش الإمامي، لقد كان ذلك باعثاً في أن تصر الحكومة البريطانية على سحب الوجود الإمامي من العواذل قبل توقيع اتفاقية عام 1934م التي قضت بتجميد قضية الحدود مدة الأربعين سنة القادمة.
وكان من أهم بنود تلك الاتفاقية اعتراف بريطانيا باستقلال شمال اليمن «جلالة ملك اليمن حضره الإمام ومملكته استقلالاً كاملاً مطلقاً في جميع الأمور مهما كان نوعها» ولعل من أبرز الأسباب التي أدت إلى توقيع تلك الاتفاقية صراع الإمام العسكري وقت ذاك مع ابن سعود في الشمال.
القردعي في شبوة
الكتاب ذكر تفاصيل التوسعات البريطانية في المحميات وهي مخالفة واضحة لمواد الاتفاقية السابقة، وكان رد الإمام على ذلك بأن أوكل إلى الشيخ علي ناصر القردعي - قاتله فيما بعد - أن يمد سيطرته إلى منطقة شبوة التي لم تكن ضمن الأراضي المحمية، وبخوف الإنجليز من تأثير ذلك على خط المواصلات، وبعد معارك طاحنة استسلم القردعي وهو ينتظر وصول الإمدادات، ولما اندلعت الحرب العالمية الثانية خفف الإنجليز مؤقتاً من سياسة «إلى الأمام» في المحميات حتى لا يدفعوا بالإمام أكثر في أحضان الإيطاليين، وقد تمكنوا من إرسال بعثات طبية وفنية إلى صنعاء استطاعت أن تقوم هناك بحملات دعائية ضد إيطاليا والفاشست وعن طريق ضغطهم الاقتصادي نجحوا في جعل الإمام يمنع تجنيد اليمنيين في جيوش إيطاليا في كل من ارتيريا والصومال.
وعموماً بقيت الحالة العسكرية هادئة بين الطرفين خلال سنوات تلك الحرب، وبعد أن زال الخطر الإيطالي عاد الإنجليز من جديد إلى اتباع سياسة الإمام في المحميات، وقد تضاعفت حوالي اثنتي عشرة مرة عما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية.
جيش «المظفر» لم يظفر بقائد
الفصل الرابع من الكتاب تناول فيه المؤلف جيش الإمام يحيى بدءاً من تكوينه وأنواعه واستخدامه وبعثاته العسكرية وأسلحته..
وقد استعان الكاتب في تناوله لهذا الجانب بمخطوطة نادرة مجهولة الاسم والمؤلف، وقد قُدمت كمذكرة للجامعة العربية بعد سنة 1955م، وكانت البداية بتكوين الجيش المظفر «الأزكي» وكان لم يتبق من الجيوش التركية من جنود وضباط وإداريين عظيم الفائدة عند الإمام فقد استفاد منهم وهم بضع مئات بتكوين ذلك الجيش.
وقد أعلن الإمام التجنيد وألزم كل قبيلة بأعداد معينة تصل في وقت محدد، وبعد توافد القبائل كان الإجماع أن يتكون الجيش على أساس النظام التركي.
وقد استطاع «كنعان بك» قائد الجيش التركي وبقية الضباط من الأتراك واليمنيين أن يؤسسوا المدرسة الحربية «كلية التدريب العسكري» وقد جرد كنعان بعد ذلك من رتبته وحبس بقصر غمدان نتيجة لمطالبته تحسين حالة الجيش واستبدال الضباط الأميين.
ومع عام 1932م استجلب الإمام يحيى معلماً جديداً «مدرباً» للجيش من سوريا هو حسن تحسين باشا الفقير، وبعد أن قضى عدة أعوام اشتبك مع أمير الجيش الإمامي فطالب الأخير بتسفيره وتم تسفيره بالفعل.
وبعد رسالة استنجاد نتيجة للهزائم التي تعرض لها جيشه بداية الثلاثينيات طلب الإمام من تركيا مدرباً عسكرياً، فأرسلت له العقيد «تريباك» وكالعادة اصطدم بأمير الجيش السيد علي بن إبراهيم فدفعه ذلك إلى تقديم استقالته ومغادرة اليمن.
وقد قدرت أعداد الجيش النظامي، الجيش المظفر في عام1038بحوالي (25,000) جندي.
تم تكوين هذا الجيش الجديد في منتصف الثلاثينيات بعد أن أخمدت جميع التمردات القبلية تقريباً، وكان الباعث الرئيسي لإنشائه هو شعور الإمام بعجز جيشه النظامي أمام التدخلات الأجنبية التي تعرض لها حكمه في النصف الأول من الثلاثينيات.
وفكرة ذلك الجيش قائمة على فرض الخدمة الإجبارية على جميع القادرين في البلاد، وهذا بدوره قد أنزل المصائب بالناس فلم يتم حينها التفريق بين الصغار والكبار والشيوخ وأصحاب العاهات.
وتظهر كراهية المواطنين لذلك الجيش من اللقب الساخر الذي أطلق على الجندي المنتسب إليه، فقد كانوا يطلقون عليه «علي فنيلة» وذلك لأن السيف عبدالله بعد أن رأى كساد بيع الفنيلات التي كانت تنتجها المدرسة الصناعية أمر ببيعها على أفراد ذلك الجيش، وأطلق ذلك اللقب تندراً بين المعركة التي كانت تحدث بين الجندي والفانيلة عند ارتدائها وحيرته عن حل البراغيث كيف يدخل يده لحكها والفانيلة ملتصقة بلحم جلده.
وقد أمضى تحسين باشا الفقير المدرب السوري العائد حوالي عشرة أعوام، وهو يقوم بتدريب الألوف من الجنود، وكلما انقضت دورة أعقبتها أخرى، وفي كل دورة كان يدرب حوالي «1500» شخص.
الجيش البراني «ضد الرعية»
يتكون من أفراد القبائل الذين لا يرغبون في خدمة الجيش المستمرة ويشرط على المنتسب إليه شراء البندقية والعتاد لنفسه، والشيخ المنتسب إليه الجندي هو الذي يتصرف في أموره ويدير شئونه وقد بلغ عدد هذا الجيش حوالي (50,000) وكان أميره اسمه السيد محمد بن أحمد هاشم، والغرض الأول من وجود هذا الجيش هو منافسة الجيش النظامي؛ لأنه الجيش الأصيل الذي عاصر الأئمة ووقف في الحروب إلى جانبهم لذلك كانت له الاسبقية.
وقد تم انتخاب أفراده من القبائل النائية والزيدية، وقد حددت مدة بقاء الجندي فيه من سنة إلى سنتين ثم إبداله بشخص من أهله أو قرابته، وجندي ذلك الجيش أكثر حضوة عند العمال والمشايخ؛ لأنهم عندما يرسلونه في تنافيذ ومأموريات يقوم بإرهاب الرعية أكثر من غيره.
قانون الجيش ضد الجيش
تناول الكتاب بعد ذلك شئون الجيش الإمامي من حيث التغذية والراتب واستقطاعاته العجيبة وفق قانون الجيش، ومن تلك الاستقطاعات أن أي جندي في حال مرضه يقطع راتبه باعتباره غائباً عن الخدمة ويدفع قيمة العلاج وغيره من مدة نوبة المرض، وكذلك أدب الفرار وأدب المؤونة وأرش الفردة وحلق الرأس والزامل وتبدل الهواء والنقل.
وفي حال قتل الجندي في ميدان الحرب يدفع أهله ثمن ما فقده من سلاح وملابس حتى إن فقد الجندي أثناء الحرب الطلقات الفارغة فإنه يضمن ما فقد من الطلقات الصحيحة، وإذا قصر الجندي في أداء خدمته أو شاخ فإنه يُطرد دون مقابل.
بعثات وأسلحة
الكتاب تناول أيضاً قصة البعثات العسكرية وقد كانت الأولى عام 1931م وكانت مكونة من «10» أشخاص برئاسة محيي الدين العنسي، ثم تبعتها مجموعة مكونة من خمسة أشخاص برئاسة زيد عنان، ومن أبرز من تم تدريبهم في تلك البعثة السلال والعمري والجائفي والمروني.
أما البعثة الثانية فهي من العراق إلى اليمن وقد وصلت عام 1940م لتدريب الجيش اليمني وكانت مكونة من أربعة ضباط وأحد عشر ضابط صف، ومن أبرز ضباطها الرئيس «جمال جميل».
بعد ذلك سرد المؤلف استخدامات الجيش الإمامي والتي يمكن تلخيصها بثمانية أمور هي: الحروب والخطط والتنافيذ والمأمورية وحراسة الإمام وسيوف الإسلام والعمال والاستعراضات والجمارك والأعمال الأخرى المتعلقة بالسلك والبريد...إلخ.
كما سرد أيضاً أسلحة الجيش الإمامي وتقسيماتها على الجيوش الثلاثة الآنفة على النحو التالي:
1 البندقية ومن أسمائها الصابة والموزر والسبك والحميدي الطويل والقصير والجرمني.
2 المدافع ومن أسمائها المانتل والجنبر والهاون وعادي جبل وكانوا يلقبونه ب (البسباس).
3 الرشاش ومنها الخفيف والثقيل والبطيء والسريع.
وبالنسبة لمصادر التسليح كانت من مخلفات الأتراك وبعض الشركات النمساوية وألمانيا وإيطاليا.
جيش «الليوي» والحرس القبلي
في الفصل الخامس من الكتاب يعرفنا المؤلف على جيوش محمية عدن بشكل عام، وقد حاول أن يجعله موازياً للفصل السابق حول القوات الإمامية، وكانت البداية مع جيش محمية عدن «الليوي» الذي تم إنشاؤه من العناصر نفسها التي كانت تؤلف الكتيبة اليمنية الأولى التي سبق وأن ذكرناها؛ وذلك في عام 1928م بعد أن تم استثناء العناصر الشمالية عموماً من هذه المؤسسة العسكرية الجديدة، ومنذ بدايته كان هذا الجيش جزءاً من سلاح الطيران الملكي البريطاني، وكبديل لفرق المشاة البريطانية والهندية التي غادرت عدن 1929م، وقد كان هناك نوع من التفاهم بين جنود هذا الجيش وأصحاب الانتفاضات القبلية في الأرياف.
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى النوع الثاني من جيوش محمية عدن وهو الحرس القبلي الذي جاء تأسيسه عن رغبة الإنجليز، بعد أن وقعوا اتفاقية صنعاء مع الإمام في التدخل الفعلي في شئون المحميات وضرب القبائل وإخضاعها تماماً لسلطة السلاطين والأمراء الذين سيكونون بدورهم خاضعين لسلطة الانجليز.
واختيار الحرس القبلي كان بالطبع من الأقارب أو الموالين للأمير أو السلطان وكان الإنجليز هم الذين يتحملون الصرف على هذه القوات.
الحرس الحكومي والنظامي اللحجي
انتقلت مسئولية إدارة عدن من الهند إلى وزارة المستعمرات في الأول من أبريل 1937م، وظهرت سياسة إلى الأمام، وقسمت المحميات إلى «شرقية» و«غربية».
وقد أنشئ الحرس الحكومي عام 1928م وكان الهدف الأول المباشر من إنشائها هو من أجل مرافقة الضباط السياسيين وحمايتهم أثناء تجوالهم في المحميات لإقرار تلك السياسة الآنفة، وكانت هذه القوة في بدايتها تتكون من مائة جندي وضابط.
المؤلف بعد ذلك عرّف بالجيش النظامي اللحجي وهو قوة مكونة من بضع مئات من الرجال مسلحة تسليحاً جيداً ويرأسه أخو السلطان الأمير أحمد بن فضل «القمندان» والواقع أن كلاً من سلطتي لحج والقعيطي كانتا الوحيدتين اللتين تمتلكان قوات نظامية لابأس بها.
قام الإنجليز بإعادة تنظيم وتدريب الجيش النظامي اللحجي منذ منتصف الثلاثينيات، وقد اشترك بعد ذلك بقيادة «هاملتون» في قمع تمرد قبائل المنصوري في الصبيحة.
مجزرة المكلا الرهيبة
تناول المؤلف بعد ذلك وبشيء من الإيجاز جيش المكلا النظامي الذي كان يتبع الأسس الهندية في تنظيم الجيوش حتى تمت إعادة تنظيمه في 1936م على يد الإنجليز وفي أواخر عام 1950م قام ذلك الجيش بأوامر من الانجليز بمجزرة المكلا الرهيبة التي ذهب ضحيتها عشرات من القتلى والجرحى.
بعد أن تناول المؤلف تلك القصة انتقل للتعريف بالشرطة القعيطية المسلحة «الجندرمة» وبعدها الشرطة الكثيرية المسلحة وأخيراً جيش البادية الحضرمي وهو يشبه الحرس الحكومي، ومع مرور الزمن أصبح هذا الجيش هو القوة الرئيسية في منطقتي حضرموت المهرة بل القوة المتميزة ذات الخصائص الفريدة فقد ارتبطت بنشوئه مؤسسات تربوية خاصة بالقبائل والبدو الرحل وأصبحت أعماله تضم حفظ الأمن في كل المحمية الشرقية والمرابطة في مراكز الحدود ومسئولية الدفاع عنها ثم الاتصالات السياسية مع البدو الرحل.
نهب صنعاء
الصراع العسكري في اليمن خلال فترة 1948 1962م عنوان الفصل السادس من الكتاب، وفيه أرجع المؤلف أن سياسة الأئمة أنفسهم كانت هي السبب في خلق وتعميق الطائفية في البلاد، بالإضافة إلى أسباب أخرى أدت إلى تنامي حركة المعارضة بين صفوف المواطنين في الداخل والخارج.
بدأت في الأسبوع الأول لثورة 48 الحرب الأهلية تبرق وترعد وأحمد يزجي سحبها بتهويل مقتل أبيه، وأنها مؤامرة نصرانية كفرية يراد بها بيع اليمن من الكفار الذين سيمحون الإسلام على حد وصفه.
الكتاب سرد تفصيلاً ثورة 48م وتناول أحداثها من عدة زوايا بتسلسل تاريخي متقن وبالاستناد إلى أكثر من مرجع وبرقية وصولاً إلى النقطة الحاسمة «استباحة صنعاء» ويقدر الشماخي وهو أحد المؤرخين التاريخيين الذي استعان بشهادته المؤلف بأن قرابة ربع مليون من القبائل دخلوا صنعاء، لا هدف لهم إلا نهب وتدمير العمران.. واندفعت تلك الجيوش تهاجم البيوت والمتاجر والأكواخ والمساجد ملتهمة كل ما فيها متناحرة فيما بينها واستمرت همجيتها السبت وسبعة أيام حسوماً ذاقت فيها صنعاء الهول».
اللعب بالطريقة العربية
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الصراع الإمامي الإنجليزي في نفس الفترة واستمرار سياسة «إلى الأمام» البريطانية التوسعية التي هي أصلاً السبب في تنامي وتيرة ذلك الصراع، ولم يكن الصراع في غالبه مواجهة مباشرة بين جيشي النظامين وإنما تشجيعاً للتمردات والانتفاضات القبلية هنا وهناك بالمال والسلاح.
بعد ذلك حدث انقلاب 1955م الذي قاده الثلايا وبسببه توقفت موقتاً الحوادث العسكرية في المحميات، خاصة أن الإمام انشغل في معالجة أوضاعه الداخلية المتردية.
وبعد سلسلة من أحداث المقاومة العنيفة ضد الاحتلال لجأ الإنجليز لاتباع سياسة «فك الارتباط» كما لجأوا أيضاً إلى ما أسموها «بسياسة اللعب بالطريقة العربية» وهي تقضي بأن يوكل لبعض السلاطين والأمراء القيام «بفركشة» الانتفاضات والتمردات القبلية بوسائلهم الخاصة.
أما الإمام أحمد فقد لجأ إلى تمتين علاقاته مع المعسكر الاشتراكي ومصر والسعودية التي كانت في نزاع مع بريطانيا وقت ذاك حول واحة البريمي.
في فبراير 1957 صعدت العمليات الحربية وتفجر الصراع هذه المرة على الحدود مع الضالع، وقام الجيش الإمامي بأكثر من خمسين حادثة هناك، وكان ذلك تمهيداً لحركات أكبر وأوسع في بقية المحميات، وحاول الإنجليز أن يلجأوا إلى الديبلوماسية بعد تكاثر الحوادث، فدعوا البدر إلى لندن لمناقشة مشاكل الحدود وبعد محادثات استمرت عشرة أيام لم يتم التوصل إلى نتيجة.
ومنذ قيام اتحاد الإمارات عام 1959م وحتى انفجار ثورة 26سبتمبر تقريباً خفت حدة الصراع العسكري بين الجانبين.
وفي آخر هذا الفصل ركز المؤلف على البوادر التي أدت إلى قيام الثورة سارداً عديداً من الوقائع كانت هي أيضاً سبباً لتدني الصراع الآنف كما نقل حالة الجيش ليلة الثورة بكل حيادية بعيداً عن أي غموض.
عبد المغني «المحرك الأول»
المؤلف رجع في هذا الموضوع بالذات إلى روايات بعض الكتاب الأجانب، ورجّح أنه قبل قيام الثورة كانت هناك أربع مجموعات مختلفة تعمل على الإطاحة الفعلية بالعرش الإمامي اثنتان منها تخصان حاشد وبكيل والآخريان تخصان الجيش ومنظمة الضباط الأحرار «التي قامت بالثورة فعلاً» وكان المحرك الفعلي لها هو الضباط الشاب علي عبدالمغني.
تفاصيل تلك الليلة أستقاها المؤلف من كتاب «اليمن .. الحرب المجهولة» ل (دانا شميت) الذي أخذ معلوماته من الجانبين الملكي والجمهوري.
وقد كان السلال قبل قصف مقر البشائر بساعة في اجتماع مع الإمام البدر ومعه القاضي الارياني والشيخ محمد علي عثمان، وعندما كان خارجاً من القصر متجهاً صوب بيته لم يكن يدري أن الوحدات المصفحة ستقوم بضرب قصر البشائر بقيادة الملازم علي عبدالمغني الذي استطاع وزملاؤه الضباط الأحرار أن يستخدم ست دبابات من طراز 43وأربع سيارات مصفحة لضرب قصر البشائر.
بقية الثوار استولوا على دار الإذاعة والمطار وفي الوقت ذاته أرسل أحد الضباط الأحرار وهو غالب الشراعي إلى بيت السلال في سيارة مصفحة ليطلب منه سلاحاً والانضمام إليهم كزعيم للثورة.
حدث لا يقارن
في الفصل السابع عرج المؤلف على مرحلة الحرب بين الجمهوريين والملكيين منذ قيام الثورة وحتى حصار صنعاء، وقد رسم فيه صورة موجزة وموضوعة لسير ذلك الصراع العسكري الذي دار على الساحة اليمنية من أجل تثبيت الجمهورية وانعكاسات ذلك الصراع على النواحي الداخلية بين صفوف وتطور القوات الجمهورية في نفس الفترة.
ابتدأ المؤلف ذلك الفصل بقوله: إن حدث 26 سبتمبر 1962م لا يقارنه أي حدث آخر في تاريخ اليمن قديمه وحديثه، فقد استطاعت هذه الثورة المجيدة أن تحرر الشعب اليمني من الحكم الفردي الاتوقراطي المتخلف والمستبد الذي استمر أكثر من ألف عام، كما أن هذه الثورة تعرضت للمؤامرات واعتداءات داخلية وخارجية وحرب أهلية استمرت عدة سنوات بين قوى التقدم والتخلف، وذهب ضحيتها مئات الآلاف من اليمنيين وإخوانهم العرب من المصريين الذين ذهبوا لنجدة الثورة والجمهورية.
في الأيام الأولى من الثورة تم إعدام العشرات من مناوئي النظام وصودرت أموال وممتلكات كثيرة من العائلات الحاكمة بجانب العائلة المالكة التي كانت تمتلك وحدها حوالي ثلث الأراضي الخصبة في البلاد، وقد أصبح السلال هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وأنابه البيضاني في هذه الوظائف الثلاث، ومن الناحية العسكرية فإن الشخصين اللذين تبادلا قيادة القوات المسلحة في بداية الثورة كانا هما الجائفي وجزيلان، وقد تم تأسيس مجلس للدفاع الوطني ليشرف على الشئون الدفاعية واتخذت الإجراءات لإنشاء قوة من الحرس الوطني الثوري، وقد انخرط فيه آلاف العائدين من جنوب الوطن والعائدين من المهجر، وقد أخذت هذه القوة الجديدة مكان جيش الدفاع «أو ميليشيا الإمام».
الملكيون يجمعون قواهم
نقلنا المؤلف بعد ذلك إلى الجانب الآخر حيث عقد البدر مؤتمره الصحفي قرب الحدود السعودية، وادعى من خلاله أن أنصاره يسيطرون على معظم أجزاء اليمن، بينما لم يكن حينها يجرؤ على الاقتراب من مدينة صعدة التي هي في أقصى شمال البلاد والتي أعلنت حاميتها العسكرية ولاءها للنظام الجمهوري مباشرة بعد الثورة.
إلا أنه بازياد تدفق المال والسلاح وهما الشيئان اللذان يسيل لهما لعاب القبائل بدأ الملكيون يتمكنون من إنشاء قيادات لأنفسهم في الكهوف والأماكن الحصينة الواقعة في أطراف البلاد، ونتيجة لهذه الوضعية التآمرية المحيطة بالثورة بدأت الكثير من القبائل تغير مواقفها مرة مع هذا الجانب ومرة مع ذاك حسب من يدفع أكثر.
قوت بذلك شوكة الإماميين وسيطروا على مأرب وحزم الجوف، وبعد الاستيلاء على صرواح اتجهوا صوب صنعاء، إلا أن قوات الثورة كانت لهم بالمرصاد.
عامر في صعدة
في أواخر يناير 1963م وصل المشير عبدالحكيم عامر إلى صنعاء وبقي فيها حتى نهاية مارس، وخلال تلك الفترة قام شخصياً بعدة عمليات ناجحة وسعت كثيراً من سيطرة الجمهوريين على البلاد وأطلق عليها (حملات رمضان) وتم خلالها استعادة مأرب والاستيلاء على حريب، وبذلك أوقفوا الإمدادات الملكية التي كانت تصلهم عن طريق بيحان.
وقبل ذلك دخل عامر مدينة صعدة دخول المنتصرين بعد أن لجأ الملكيين إلى الفرار للشعاب والكهوف..
القوة الثالثة
في أبريل 1964م زار عبدالناصر اليمن ليطلع على الأمور بنفسه، وفي صنعاء ألقى خطاباً اعتبره مؤلف الكتاب نقطة تحول هامة في تاريخ حرب اليمن؛ لأن هذا الخطاب كان مولد حرب جديدة في جنوب الجزيرة أو ظهور عملية صلاح الدين «في مدينة تعز لتحرير الجنوب».
وفي أوخر عام 1964م كانت هناك محاولات من زعماء عرب كالرئيسين عارف وبن بيلا لحل المشكلة، وقد عملا كوسيطين بين أطراف النزاع في الداخل والخارج، ولكنها باءت بالفشل.
وقد برزت حينها انشقاقات بين صفوف الجمهوريين وشكل (تنظيم الشباب اليمني) الذي دعا إلى سحب القوات المصرية من اليمن، وبعد تلك الانحسارات في المواقع الجمهورية اجتمع المشايخ في النصف الأول من عام 1965، وبعد الاجتماع طالب اتحاد «حاشد وبكيل» في بيان مشترك سحب القوات المصرية من اليمن، ومنذ ذلك الوقت بدأت ماسميت ب «القوة الثالثة» بقيادة الزبيري الذي أسس «حزب الله» وكان يهدف إلى حل سلمي للحرب الأهلية في البلاد.
قُتل الزبيري وقد أثار مقتله موجة عارمة من النقمة في البلاد، وقد هددت حاشد وبكيل وبعض القبائل بأنها ستزحف إلى صنعاء مالم ينصب زميله في القوة الثالثة أحمد النعمان رئيساً للوزراء.
الجمهوريون يختلفون
منذ تعيين النعمان كرئيس للوزراء ساءت العلاقة بينه وبين السلال والمصريين؛ وذلك بسبب دعمه المطالبة بسحب القوات المصرية، وبحدوث التوافق بين عبدالناصر والملك فيصل نهاية 1965م عادت القضية إلى طاولة المفاوضات دون نتائج تذكر.
وقد سحب كل من حاشد وبكيل دعمها لحكومة السلال وبالمكشوف أصبحت مناطقهم ملجأ للجمهوريين المنشقين من سياسيين وعسكريين، إلا أن شيخ حاشد استطاع أن يحتفظ في الوقت نفسه باتصالات سرية مع القوات المصرية.
وقد بدأت حينها بعض الصدامات المسلحة المحدودة تنفجر في صنعاء وبعض المدن اليمنية.
عزل السلال
مع استعدادات مصر لمحاربة إسرائيل عام 1967م بدأت في سحب بعض قواتها من اليمن، وقد أدى حدوث النكسة مؤقتاً على الأقل حتى رأب الصدع داخل صفوف الجمهوريين، وقد أعلنت كل من حاشد وبكيل ولاءها للجمهورية، وهبطت على صنعاء قوة قبلية مسلحة بقيادة ابن الأحمر مكونه من (52,0000) مقاتل، وأعلنت دعمها لعبدالناصر.
اقترحت القاهرة لحل القضية اليمنية إحياء اتفاقية جدة لعام 1965م في مؤتمر الخارجية العرب المنعقد في الخرطوم أغسطس 67م، وأعلن السلال بأن الشعب اليمني سيرفض تلك الاتفاقية؛ لأنه لا يريد للجمهورية بديلاً.
وعلى إثر ذهاب السلال إلى موسكو لدعم موقفه قامت القيادة العليا للجيش اليمني بالإعلان عن عزل السلال دون إطلاق رصاصة واحدة وقد تم تعيين مجلس جمهوري مكون من ثلاثة أعضاء «الإرياني النعمان محمد علي عثمان » وتشكل مجلس الوزراء برئاسة العيني.
ملاحم أخوية
في يناير 1968م دخل الصراع العسكري مرحلته العنيفة وفي هذه المعركة الكبيرة بين الجمهوريين والملكيين اختلط الحابل بالنابل وتبادل فيه المتحاربون المواقع أكثر من مرة، وقد قدرت الإصابات بين الجانبين بحوالي «3000» إصابة بين قتيل وجريح..
وفي فبراير تجسدت المشاركة الأخوية بين عدن وصنعاء عندما قامت قوة من الجيش الجنوبي والمليشيا الشعبية مع قوة الجيش الجمهوري بصنعاء بالهجوم على القبائل الموالية للملكيين في المناطق الشرقية وحرر ومدينة حريب، كما قامت الجبهة القومية بمعركة مسورة من أجل تطهيرها من القوى المعادية، كما مدت المقاومة الشعبية بالمؤن والأسلحة.
الجمهورية تنتصر
برفع الحصار عن صنعاء ازداد الجمهوريون قوة وبمساعدة الاتحاد السوفيتي تطور الجيش الجمهوري كثيراً من حيث الأعداد والعتاد والتدريب فقد ارتفع عدده إلى حوالي 10.000رجل وعادت القبائل الجمهورية المنشقة إلى حظيرة الجمهوريين.
أما الملكيون لم تقم لهم قائمة، وقد بدأ امراؤهم يفرون من مخابئهم في اليمن إلى الخارج، وقد اضطر بعض الملكيين من غير الأمراء أن يعودوا أيضاً إلى حظيرة الجمهوريين.
جيش وطني قوي
عن تكون الجيش الجمهوري وتطوره خلال تلك الفترة أورد المؤلف معلومات جمة، مرجعاً تكوين ذلك الجيش إلى مصدرين: قسم تم تكوينه من المنخرطين الجدد، وهو ما عرف بالحرس الوطني، والقسم الآخر من الجيش الملكي الذي بقي مع الجمهوريين، وقد بلغ عدد الجيش في عام 1965م حوالي 7000 رجل، وكان يحتفظ بتسمية اللواء الوطني كمصطلح عام للجيش ككل.
بالنسبة للأسلحة فقد كانت سوفيتية، وكان بعض منها قد صنع حديثاً، وكانت مصر هي التي توفر الملابس والمعدات الشخصية للضباط والجنود.
وتدريب ذلك الجيش كان يتم في صنعاء وتعز وكان بعض الرجال والوحدات ترسل في دورات تدريبية إلى كل من الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفيتي.
الكتاب عرّف أيضاً بجيش الملكيين خلال تلك الفترة ووصفها بأنها جيوش قبلية تتراوح أعدادها بين عشرة آلاف وألف رجل، وكانت منظمة تنظيماً مفككاً، وقيادته وهمية، وكان المرتزقة من الخبراء العسكريين والسياسيين الأجانب هم عموده الفقري.
الكفاح المسلح
في الفصل الثامن من الكتاب ركز المؤلف على ثلاثة مواضيع رئيسة أولاً: خلفية الكفاح المسلح، أكتوب1963م نوفمبر 1997م ثانياً: سير المعارك الرئيسة والنشاط العسكري خلال هذه الفترة في ردفان وجبهة عدن، ثم ثالثاً في جبهات الريف.
بالنسبة لخلفية الكفاح المسلح فقد استعان المؤلف بشهادة عبدالفتاح إسماعيل الأمين العام للتنظيم السياسي للجبهة القومية التي أرجع غزو أفكار الكفاح المسلح بعض التنظيمات السياسية إلى البداية الأولى للستينيات، مقيماً ذلك أنه لن يتم قبل إسقاط النظام الإمامي الكهنوتي في صنعاء وهو التقييم الصحيح المجسد بعد ثورة سبتمبر، وبعد اجتماعات في صنعاء عام 1963 تم تشكيل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل على أساس الأخذ بالكفاح المسلح.
ثم نقل العمل الفدائي بعد ذلك إلى مستعمرة عدن بأقصى درجة من السرية والكتمان، وقد تحول العمل الفدائي إلى ظروف المجابهة المباشرة أواخر سنة 66 وبداية 67م، وتحول الجانب المحتل إلى مواقع الدفاع، وتمت بعدها السيطرة الكاملة على مدينة كريتر وتحملت الجبهة مسئولية إدارتها، وعن ذلك قال عبدالفتاح: ولم يكن في مخططنا الاستمرار في السيطرة على المدينة؛ لأننا حققنا النصر السياسي الذي كنا نريده.
ورقة الدفاع البيضاء
كان اندلاع الثورة بردفان بقيادة الجبهة القومية هو البداية لمرحلة الكفاح المسلح إلى أن انتهى بالاستقلال، وكانت تلك المعارك أكبر معارك بريطانيا خلال حرب التحرير؛ فقد اشترك فيها آلاف الجنود واستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة.
المؤلف سجل بدايات تلك الثورة وفقاً لتقارير المخابرات البريطانية حيث كان يتم تسجيل الأحداث بشكل يومي، ومن ثم إرسالها تلغرافاً إلى وزير المستعمرات، ومجمل ما تم تسجيله يفصح عن ثورة كبيرة مسلحة بدءاً من 14 أكتوبر 63 التي أثقلت كاهل الاحتلال وكلفته خسائر جسيمة.
تم بعد ذلك نقل الكفاح المسلح من ردفان إلى المدينة وجعل تاريخ زيارة وزير المستعمرات البريطاني «أنتوني جرينود» إلى عدن نوفمبر 64م بداية تلك المرحلة من الكفاح المسلح، وأدت في النهاية إلى الاستقلال.. وقد لجأت الحكومة البريطانية حينها إلى إصدار قانون الطوارئ في يونيو 1965م وحضرت بموجبه نشاط الجبهة القومية واعتبرتها حركة إرهابية، كما قامت في إحدى المرات بتسفير «245» شمالياً بغرض إرهاب المواطنين الذين أصبحوا باختلاف مناطقهم وأوضاعهم يلتفون حول الثورة ويدعمون الكفاح ضد المستعمر.. أخطرت بريطانيا بعد فشل إجراءاتها الاحترازية في مجالي المخابرات والأمن في مقر الثورة، إلى أن تعلن في ورقة «الدفاع البيضاء» بأنها ستسحب قواتها من قاعدة عدن عام 68م، وبالطبع فقد كان هدف بريطانيا هو تسليم الاستقلال لحكومة الاتحاد.
يوميات المقاومة
اكتسب الثوار خلال تلك الفترة الخبرة العسكرية وزاد نشاطهم كماً وكيفاً وتطورت وتنوعت أسلحتهم، الكتاب تناول عدداً من العمليات التي قاموا بها ورصد نتائجها اقتباساً من وثائق بريطانية فمثلاً خلال عام 1966م بلغ عدد الحوادث في مدينة عدن «480» حادثة تسببت في «573» إصابة بين قتيل وجريح.
كما حصل خلال نفس العام حالة دمج قسري بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وبسببه حدث ركود جزئي للنشاط المسلح، وبعد استقلالية الجبهة القومية بانعقاد مؤتمرها نهاية نفس العام حدث تحول حاسم في مسار الكفاح المسلح، وقد بلغت الحوادث خلال عام 67 وحتى بداية شهر أكتوبر فقط «20908» حوادث تسببت في «1248» إصابة بين قتيل وجريح، وبالطبع هذه الأرقام التي توردها الوثائق البريطانية لا تمثل إلا جزءاً من الحقيقة.
بعد ذلك تناول المؤلف يوميات المقاومة حتى إعلان الجلاء، وكانت أبرز الهجمات المكثفة خلال الفترة يوليو سبتمبر 67م، وقد كانت في منطقتي الشيخ عثمان والمنصورة.
إحدى عشرة جبهة في الريف
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى جبهات القتال في الريف والتي كانت أصلاً نابعة عن قيادة سياسية مركزية واحدة وتكمل بعضها الأخرى، وقد رصد المؤلف بخط مواز سير المعارك في ردفان وغيرها حتى سقوط الإمارات والسلطنات بيد الجبهة القومية في النصف الأخير من عام 1967، وكانت تلك الجبهة مرتكزاً هاماً للكفاح المسلح وبناء جيش التحرير، كما كانت هي أيضاً هامة في حسم الاقتتال الأهلي في جبهة المدينة لصالح الجبهة القومية.
كان هناك في أواخر 1965إحدى عشرة جبهة في الأرياف هي: جبهة ردفان والضالع والحواشب والمنطقة الوسطى والشعيب وحالمين ولحج والصبيحة وبيحان والواحدي والعوالق.
قام المؤلف بإجراء ترجمة حرفية لبعض فقرات تقارير المخابرات السرية تغطي فقط فترة الأسبوعين الواقعة بين 02 - 5 يونيو/ 67م، وقد أعطى بذلك صورة عن تصعيد الكفاح خلال تلك الفترة في الأرياف والمدينة ومدى التلاحم بين الثورتين المصرية واليمنية.
رحيل مخزٍ
إن انسحاب بريطانيا وجيوشها من الأرياف أولاً ثم من عدن بعدها يوم 30نوفمبر قد تم بطريقة لا مثيل لها في تاريخ مستعمراتها السابقة، فلم تجر الاستعراضات أو تؤد التحية وتصافح الأيدي كما هي العادة عند تسليم الاستقلال.. والذي جاء بالأساس بعد حرب طويلة وشرسة في شوارع عدن تركت جنودهم كأعجاز نخل خاوية وأخرى في جبال ردفان وبقية الأرياف خلطت رصاصها لحمهم مع عظامهم، وأجبرت بقيتهم على الفرار مختلطاً فيه حابلهم بنابلهم.
جيش الاتحاد
يعتبر الفصل التاسع من الكتاب مكملاً للفصل الخامس الموسوم ب «جيوش محمية عدن» وفيه يسجل المؤلف تطور القوات المسلحة في الجنوب اليمني منذ قيام (إتحاد الإمارات العربية) عام 1959وحتى سقوط الإتحاد العربي عام 1967فقد شهدت تلك الفترة تدرجاً في لملمة مختلف: جيوش محمية عدن «في جيش وتنظيم واحد بحيث لم يشارف عام 1967م على الانتهاء إلا وقد أصبح «جيش الجنوب العربي» هو الخلف والقوة الرئيسة لكل التنظيمات العسكرية في المحميات الشرقية والغربية.
وقد ركز المؤلف على الأهداف والسياسات التي كانت وراء تطور هذه القوات المسلحة من حيث توسعها وإعادة تنظيمها وتوحيدها وتسليحها ومراجعات مرتباتها وشروط خدمتها والصرفيات الهائلة عليها، إلى آخر ذلك من الأمور الهامة الأخرى ذات العلاقة بتطور أية قوة مسلحة عند التاريخ لها عموماً..
وقد ظهر في هذا الفصل بوضوح تأثير كل من الثورة المسلحة وإعلان بريطانيا في فبراير 1966عن قرارها في إغلاق القاعدة وسحب قواتها من شرق السويس؛ حيث كان لهذين العاملين تأثير على إعادة تنظيم وترتيب أمور الجيش الاتحادي.
وقد اعتمد المؤلف في هذا الفصل كما في غيره على سجلات ووثائق بريطانية سرية جرت العادة أن لا توضع أمام العلماء والباحثين الا بعد مضي ثلاثين عاماً من تواريخ تدوينها.
الصور والوثائق نالت حيزاً كبيراً من فصول الكتاب التسعة كما اعتمد المؤلف على مئات المراجع والمصادر، وقد اكتفى بذكر ما هو أساسي وأكثر أهمية، ولعل أبرزها المخطوطات المعرفة أو المجهولة المؤلف والوثائق السرية التي لم يسبق نشرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.