تتجلى اللغة العربية الفصحى وخاصة القرآن باللسان اليمني , فتلألأ بمعانيه ثغره , وبسم بدره شفتاه , وهو الأمر الذي أعجز المفسرين للغة القرآن بلهجة الشمال . إن الظواهر اللغوية للغة اليمن واضحة للعيان وضوح الشمس , وهي التي لم يشر إليها على أنها جنوبية , وذهب المؤرخون يعددونها لهجات دُرست وبعضها نقلت عن لغة أخرى , والآخر تأولوه وهماً وآخر لم يعثر له تفسير غامض كما غمضت الحقيقة . النحو الذي لم ير النور بعد طوته لغة الجنوب , ووضع مقابله النحو التقليدي ليواروا الشمس في رابعة النهار , الممنوع من الصرف وعلله , التذكير والتأنيث , النيابة , التضمين , الإبدال , القلب , النداء ,و .و. و....إلخ . جرى القرآن مجرى لغة الجنوب في كثير من قضاياه ابتداء من التاريخ والتسمية والتركيب مرورا بالمصدرية والنحت والتركيب , ولم يغفل البعد الزمني فأبقى الأوزان والأفعال والصيغ كما هي في اللغة الأم ولم يرد من ذلك على لغة الشمال شيء يذكر . انفرد القرآن بصيغ جموع وصيغ مبالغة وصيغ أفعال وأسماء وحروف معان ومصطلحات كلها من لغة أهل اليمن , ولم يقصر مفسروها شيئا في تعليلها اجتهادا عزل القرآن عن بيئته ولسانه , وأعملوا كل ما لديهم وألزموا الناس بها وشرعوا شرعتهم عليها وهي بعيدة المراد.. هذه أبرز السمات للغة أهل اليمن , وعليها نبني دراستنا . التدوين والتاريخ اعتمد القرآن كلياً على الطريقة الجنوبية في التواريخ المدونة للوقائع والأحداث , ورخ بالأسماء المشهورة والأحداث , ولم يعتمد التقويم الجاري وقد دأب الشماليون دأبهم , وفي تاريخ العرب كثير من هذه الإشارات منها : وقد تبين لنا من دراسات نصوص المسند، أن أصحابها استعملوا جملة طرقٍ في تأريخهم للحوادث، وتثبيت زمانها، فأرّخوا بحكم الملوك، فكانوا يشيرون إلى الحادث بأنه حدث في أيام الملك فلان، من غير تعيينه بسنين، و ذلك كما في هذا المثل: “بيوم اليفع يشر ملك معنم”، أي “بيوم اليفع يشر ملك معين”، و “بيوم يذمر ملك وترال”. ومعناهما في “أيام حكم اليفع يشر ملك معين”، أو” وكان ذلك في حكم اليفع يشر ملك معين” بالنسبة للفقرة الأولى و “في أيام يذمر ملك وترايل”، أو “في حكم يذمر ملك ووتر ايل”، أو “وكان ذلك في ايام حكم يذمر ملك وترايل” بالنسبة للجملة الثانية. فلم يذكر النص السنة التي دون فيها النص، أو أرخ،فيها النص من سني حكم الملك المذكور. وهي سنون قد تكون قصيرة، وقد تكون طويلة. ولفظة “يوم” هي بمعنى: “حكم” و “أيام”. وقد يؤرخ بحكم موظف من كبار موظفي الحكومة من حملة درجة “كبر” “كبير”، مثلا، أو غيرها من الدرجات العالية في الحكومة أو في المجتمع. كما ارخوا بأيام الرؤساء والسادات وأرباب الأسر. وليس العرب الجنوبيون بدعاً في هذا الباب، فقد كان غيرهم يؤرخ بهذه الطرق. و ذلك قبل توصلهم إلى اتخاذ تقويم واحد ثابت له بداية معينة تؤرخ به. والغالب ذكر اسم الشهر مع حكم الكبير أو الرئيس أو أي انسان آخر، كما في هذا المثال: “بورخ ذ طنفت ذ كبر ايتم ذ عرقن”، ومعناها “بشهر ذو طنفت من كبارة أيتم ذو عرقن”، وبعبارة أوضح “بشهر ذو طنفت من حكم الكبير أيتم ذو عرقن”، و “ذو طنفت”، اسم شهر من الشهور. والكتابات المؤرخة بهذه الطريقة، على أنها أحسن حالاً في نظرنا من الكتابات المهملة التي لم يؤرخها أصحابها بتأريخ، إلا أننا قلما نستفيد منها فائدة تذكر. إذ كيف يستطيع مؤرخ أن يعرف زمانها بالضبط، وهو لا يعرف شيئا عن حياة الملك الذي أُرّخت به الكتابة، أو حكمه، أو زمانه، أو زمان الرجال الذين أُرخ بهم? لقد فات أصحاب هذه الكتابات أن شهرة الإنسان لا تدوم، وأن الملك فلانا، أو رب الأسرة فلانا، أو الزعيم فلانا سينسى بعد أجيال، وقد يصبح نسياً منسياً، لذلك لا يجدي التأريخ به شيئا، وذاكرة الإنسان لا تعي إلا الحوادث الجسام. لهذا السبب لم نستفد من كثير من هذه الكتابات المؤرخة على وفق هذه الطريقة، وإن استفدنا منها في أمور أخرى لا صلة لها بتثبيت تواريخها. وقد تجمعت لدينا أسماء أشخاص أرخ الناس بأيامهم لأنهم كانوا أصحاب جاه ونفوذ، لكننا لا نعرف اليوم من أمرهم شيئا، لأن النصوص لم تذكر شيئا عنهم، وعن أيامهم،منهم: “عم على” من “آل رشم” من عشيرة “قفعن”، و “موهم ذ ذرحن”، أي “موهب ذو ذرحان”. و “غوث ايل” من “آل بيحان” “بيحن”. و “شهر يجر”، و “ذران، “ذرءان”.، و “اب على بن شحز”، أي “أبو على” من قبيلة “شحر”. وكل هؤلاء الذين أرخ بهم هم من قتبان. ومن الاسر التي أرخ بأيامها اسرة “نبط”و “مبحظ” و “حظفرم كبر خلل” “حزفر كبير خليل” و “حذمت” و “فضحم”. كما تجمعت لدينا أسماء عدد من الأشهر في اللهجات العربية الجنوبية المختلفة، تحتاج إلى دراسة لمعرفة ترتيبها بالنسبة للمواسم والسنة. ويظهر أنهم كانوا يستعملون أحيانا مع التقويم الذي يؤرخ بحكم الرجال، تقويما آخر هو التقويم الحكومي، وتختلف اسماء شهور هذا التقويم عن أسماء شهور التقاويم التي تؤرخ بالرجال. “يسرم يهنعم”وابنه “شمر يهرعش”. وآخر هذه النصوص المؤرخة، هو النص الموسوم بCIH 525، وتاريخه سنة - “669” من التأريخ الحميري، وهو يقابل سنة “554” للميلاد. ويمكن أن نقول أن هذا النص هو آخر نص مؤرخ عثر عليه لا في المسند وحده، بل في كل اللهجات العربية الأخرى، وهو أقرب تلك أويراد بها معنى “شهر”، و ذلك كما في هذه العبارة: “ورخس ذو سحر..”، أي “في شهر ذو سحر..”، و “بورخ ذو خرف..”، أي “بشهر ذو الخريف 00”، أو “بورخ ذ معن”، أي “بشهر في معان..” “بشهر ذي معين”، “بشهر ذي معون”، وهناك كتابات مؤرخة استعملت لفظة “ورخهو” بمعنى “وتأريخه”. كما في هذه الجملة: “ورخهو ذ لثني وسثي وسث ماثم”، أي “وتاريخه لسنة اثنين وستين وست مئة”، وبعبارة أوضح: “وتأريخه لسنة اثنين وستين وست مئة”.. فاستعملت لفظة “ورخهو” اذن،، بالمعنى العلمي الذي نستعمله اليوم حين نؤرخ عهودنا ووثائقنا، فتقول: “أرخت ب..” أو “تأريخها..” وترد لفظة “خرفن”، أي سنة قبل عدد السنن في بعض النصوص، مثل: “خرفن ذ لثلئت واربعي وخمس ماتم”، ومعناها: “السنة الثالثة والأربعين بعد الخمس مئة، وقد تلحق لفظة “خرفتم”، بعد عدد السنين. كما في هذا المثال: “ورخهو ذ حجتن ذل اربعي وسث ماتم خرفتم”. ومعناه: “تأريخه أو شهره ذو الحجة لأربع وستمائة سنة”. وتقابل هذه السنة سنة “489” أو “495” للميلاد.ويلاحظ أن النصوص السبئية المؤرخة قد أُرّخت بتقويمين: تقويم عرف ب “خريفتم بن خريف نبط”، “خرفتم بن خرف نبط”، أي ب “سنين من سنة نبط”، ومعناه أن هذه السنين المذكورة، هي وفق للتقويم الجاري على سني “نبط”، أو تقويم “نبط”، وتقويم آخر قدرت السنين فيه وفقا لسني “مبحض بن ابحض”، “ذ بخرفن ذل بن خرف مبحض بن ابحظ”، ويشير ذلك إلى وجود مبدأين للتأريخ عن السبئين: التأريخ بتقويم “نبط”، والتاريخ بتقويم “مبحض بن أبحض”. و ذلك في الكتابات التي تعود إلى القرن الثالث ونهايته لما بعد الميلاد. كالكتابات التي تعود إلى أيام “ياسر يهنعم” و “شمر يهرعش”، أما الكتابات المتأخرة، فقد اختفت منها هاتان التسميتان، ويظن انهم اخلوا بالتأريخ بتقويم “مبحض” ولذلك اهملوا الاشارة إلى الاسم. لأنه كان معلوما عندهم. ويرى “بيستين” أن الفرق بين التقويمين هو قرابة نصف قرن أو ثلالة أرباع قرن. وأسلوب التوريخ في النصوص السبئية المتأخرة هو أن تذكر لفظة “ورخن” أولا، لكتابات عهدا بالإسلام. وكان أهل مكة يؤرخون بما يقع عندهم من أحداث جسيمة، فإذا أرخوا بحادث ومضى عهد عليه، ووقع لهم حادث آخر أكثر أهمية وشعبية منه، أرخوا به. فتوالت لهم عدة تواريخ، نسخت بعضها بعضا، فأرّخوا كما يذكر أهل الأخبار بعام رئاسة عمرو بن ربيعة المعروف بعمرو بن لحي، وهو الذي يقال انه بدل دين إبراهيم، وحمل من مدينة البلقاء صنم هبل.، وعمل اسافأ ونائلة، و ذلك كما يقال في زمن “سابور ذي الأكتاف”. وأرخوا بعام موت كعب بن لؤي إلى عام الغدر.