لم يكتفِ الفساد في اليمن بنهب الثروات وإعاقة شكل الحياة العامة، بل إنه تحول إلى سد منيع في وجه مساعدات الخارج. فمجتمع المانحين يطالبون اليمن باتخاذ خطوات جدية أكثر لتجفيف منابع الفساد خوفاً من أن تواجه المنح والمساعدات نفس مصير الضياع السابق الذي تتعرض له المساعدات في اليمن، والذي أدى إلى (تدني مستوى المساعدات المقدمة لبلادنا بأكثر من خمس عشر مرة مقارنةً بالدول المماثلة لأوضاع اليمن) حسب المهندس عبدالغني ناجي مستشار وزارة المياه. ورغم أن اليمن دخلت في حالة انكشاف جديدة تعرت خلالها الكثير من الحقائق بعد نجاح ثورة الشباب السلمية للتغيير، إلا أن البلاد بحسب بعض المراقبين لم تحدث كثيراً من التغيير على صعيد مكافحة الفساد، ولازالت المؤشرات الدولية تمنح اليمن مراتب متدنية في عملية مكافحة الفساد، وبما لا يعكس انطباعاً حسناً لدى مجتمع المانحين، فمنذ مؤتمري الرياض ونيويورك في سبتمبر 2012 والتي تعهد خلالها المانحون بتقديم 7,9 مليار دولار لإنقاذ اليمن من أوضاعه الحرجة، إلا أن اليمن لم يحصل حتى الآن سوى على 25 % من إجمالي تلك المساعدات، حيث يرجع السبب الرئيسي في تأخر تلك المساعدات إلى مطالبات المانحين بتحسين قدرة اليمن الاستيعابية لتلك المنح من خلال مجموعة من الإجراءات تتصدرها مسألة مكافحة الفساد. وكان آخر تلك المطالبات تصريحات وزير التنمية الدولية البريطاني ألن دنكن خلال زيارته لليمن مؤخراً والتي دعا فيها الحكومة إلى تكثيف جهودها في مجال مكافحة الإرهاب والفساد إلى جانب حذف الموظفين الوهميين ورفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية. وقد علق بعض المتابعين على مطالبة دنكن برفع الدعم عن المشتقات النفطية بالقول: إن الحكومة قامت بتقليص دعمها كثيراً عن المشتقات النفطية دون أن يحدث ذلك أي تحسن يذكر سواء في اتجاه رفع المستوى المعيشي للمواطن، أو تحقيق مكاسب اقتصادية للحكومة، بل على العكس ازداد الوضع المعيشي للمواطن بسبب قدرة الفساد على ابتلاع تلك الإجراءات وتحويلها إلى مكاسب لصالح الفاسدين في ظل الأداء المتراخي للدولة في مكافحة الفساد) في حين يرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن الدعم الحكومي للمشتقات النفطية من الميزانية العامة للدولة لا يتجاوز 25 30 % وهي نسبة لا تغطي حجم العجز في الاحتياجات التي تتطلبها اليمن في الوقت الراهن. وكان وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي أبدى في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط نهاية سبتمبر الماضي عدم رضا الحكومة عن الوتيرة التي يتعامل بها المانحون في توزيع المنح ودعم المشاريع المحددة. ومؤخراً تم تدشين العمل رسمياً بالجهاز التنفيذي لاستيعاب وتسريع المنح، الذي تعثر تفعيله منذ مارس الماضي بسبب ما كشف عنه وزير الخارجية القربي من وجود سوء تفاهم بين المانحين ووزارة التخطيط حول كيفية تكوين الجهاز التنفيذي وكيفية اختيار رئيسه وكيفية توفير الإمكانات لهذا الجهاز، بينما يرى البعض أن خطوة تدشين العمل في جهاز استيعاب المساعدات جاءت متأخرة نظراً للمرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد والتي كانت تستدعي من الحكومة الإسراع في توفير الإجراءات المطلوبة لاسيعاب المنح، والاستفادة من حالة التعاطف الدولي مع اليمن، بدلاً من تكرار الأسطوانة المشروخة عن حجم وفداحة الاحتياجات الإنسانية الطارئة لليمن، والتي يمكن أن يعتاد عليها المجتمع الدولي عبر وضع اليمن في خانة الدول المستجدية على الدوام، وليس باعتبار أن اليمن يمر بظرف استثنائي يمكن التعافي منه بالقليل من المساندة.