شذرة عن رواية : “صنعاء مدينة مفتوحة “رواية يشير اسمها إلى واقعة تاريخية تتمثل بدخول القبائل لنهبها عام 1948م،ويشير في دلالة أخرى إلى الوعي السينمائي لمحمد عبد الولي ،فالاسم كان لفيلم إيطالي “روما مدينة مفتوحة”وهي ولوج اجتماعي على قضية الانسان اليمني ،حين كان في قرى الحجرية ،وغادرأرضها الشحيحة بالزراعة ،هربا من قسوة الضرائب ،وجهل الناس .ومن مدينة صنعاء القديمة حين انهارت حياة كاملة للصنعاني مع دخول البرابرة من القبائل مستبيحين المدينة ...هي قصة البحار الذي غادر قريته في الصلو إلى زبيد ،ثم هرب منها بعد أن شاهد بذخ العيش والخيانات الأسرية داخل قصر الحاكم والعامل ،حين يكون العامل في خريف عمره وزوجته في مقتبل الحياة....حكاية الحاج علي ،صاحب المقهى ،وكدح محمد مقبل ،الستيني ،صاحب نعمان وابن قريته ...هي قصة نعمان مع هند وفتاة الجبل ،وزينب ،موقفه من أبيه وأمه ،وأخيه سيف ،والمشعوذ الذي يستغل جهل الناس ،ويختلس أموالهم ...قصة قسوة الضرائب ،وجفاف الأمطار ،وجرف التربة الزراعية ...قصة الموت والحياة . يتميز السرد لدى محمد عبد الولي ،بالواقعية التي تستخدم الأحداث التاريخية ،لتوضح مأساة الإنسان ،وصراعه مع قسوة الحكام والمرض والجهل .هنا يصبح التاريخ سردية توظف لغة الاستعارة والخيال ،لكن الاقتراب من الواقع ،بما يجعلها أكثر واقعية من الواقع هو هدفها .لأنها تهدف إلى التحريض ،والتثوير والتغيير ... مقطع من حوار بين «زينب »و«نعمان »حين طلبت منه نسيان موت زوجته هند ،والبدءبالحب،لكننا إن جردناه من دافعه ،يصبح حواراً فلسفيأ من مومس أرادت أن تَنسى وأن تُنِسي ،وتحب : «شكرا يا عزيزتي .كل ما أريده هو أن أنسى ...لا أن أحب ..-النسيان عملية صعبة ..ولكن الحب شيء بسيط .اسمع مني إذا اردت أن تعيش فحب الناس .انسى أخطاءهم ،ومعاملتهم ..وهبهم حبك .عنئذ فقط تستطيع أن تنسى وأن تعيش »371ص مقطع آخر:«يقول الصنعاني :دائما ..إننا نهرب ..تلك هي الحقيقة .لأننا نجد فراغا قاتلا في داخلنا ..إن الزعماء ..أو الذين يقولون إنهم زعماؤهم أيضا مجرد ناس شعروا بالفراغ في داخلهم ..فأرادوا ..بأن يظهروا.ونحن لا نمانع من ظهورهم .ولكن لا على أساس العقد التي تعيش في داخلهم ..ولا على مركب النقص الذي يشعرون به .إننا يا بني نريد عملاحقيقيا ..جماعيا ..لأن تلك هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع أن نأخذ بها حقنا »346ص امرأةوروائي : «الأرض يا سلمى »مجموعة قصصية ل«جوجول »القصة اليمنية ،الذي خرج من معطفه الكثير من السرديين.فمحمد أحمد عبد الولي ،ليس مجرد قاص جاء ورحل ،بل هو حياة أدبية مستمرة فينا ،وفي الزمن ،ريادة ،وتألقا ... يبدأ محمد عبد الولي قصته «امرأة »بلغة سردية خالية من المجاز ،سوى تهيئة القارئ للمجهول السردي”كان الوقت ليلا ،وكنّا نسير بخطوات بطيئة خائفة،وننظر إلى الأمام بنظرات لا معنى فيها نبحث عن شيء مجهول ،ولم يكن لنا هدف معين”بهذه السردية الهادئة ،الممزوجة بالوصف يستمر نص«امرأة »في ولوجه إلى المرأة كوطن وحياة ومتعة عذرية ،تصل إلى درجة التلاشي ... كانوا أربعة :أحمد علي ،وهو الأكبر ،في التاسعة عشرة من عمره ،يجمع بين سمرة الوجه والعينين اللامعتين ،وإكثاره في الحديث عن النساء ،ونعمان ،والدُبّة بجسمه الضخم والأعوام الستة عشر،وأخيرا السارد الداخلي “قاسم “الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاما ،وجميعهم يبحثون عن المرأة كمجهول يشتهونها ،ويرتجفون عند رؤيتها ... الحديث عن المجهول في هذا النص،وثنائية اللون الأبيض والأسمر يتسع لدلالات كونية ،لكنها المرأة ،ليست مجرد معادل موضوعي للحياة والكون والأرض والوطن ...الخ لكنها هي هي !المغامرة في أحياء” أديس أبابا”«تثير الشكوك كثيرا»لكن الفتية لا يعجزون عن اختلاق قصة تمويهية تصرف الآخرين عن معرفة هدفهم الممثل بالمجهول /المرأة .تماما كالسياسي في الأحزاب السرية ،حين يموه على رجال الأمن والبصاصين –الهدف من حركته... البرد شديد لكن الحديث عن المرأة كفيل بالتهاب الجسد ،هنا تتداخل رعشتان متقابلتان ،رعشة البرد ،ورعشة الرغبة ...ما بين الفتية والرغبة زقاق وليل وأشباح « تغوص فيه متجهة إلى مكان مجهول قد تعرفه وقد لا تعرفه مثلنا.»وفي أول الزقاق تتبدى المرأة ك”شبح أبيض”يقترب ليتوقفوا ،وتبدأ ملامح الشبح الأبيض بالتجسد “كانت امرأة سمراء ،بلون البن ،قصيرة ممتلئة الجسم ذا شعر سودكخيوط الليل وعينين واسعتين تلمعان وسط الظلام وشفتين لا أحلى منهما .” يلتف حولهاالفتية ،وكمروضة للعواطف والأشواق ،تتفهم هجومهم وقبلاتهم بابتسامة هادئة ،هي تعرض عليهم امرأة أخرى لانشغالها بموعد آخر ،وهم لا يرضون عنها بديلا !سواه قاسم يكتفي بلذة المشاهدة خارج الحلقة المحيطة بها،مكتفيا بلذة العطرالذي ينفذ إلى أنفه من خلال الحصار،دون قدرة منه على الاقتراب أكثر ،ومشاركة رفقائه بالقبلات ... يرتجف قاسم ،وعيناه تلتهمان المرأة وعطرها يدغدغ أنفه ،وفي داخله تضطرم نار الالتصاق ...لكن المرأة تشاهد قاسم وهو خارج حلقة زملائه المحيطين بها ،قبل أن تودعهم تتساءل “لماذا لم تشاركهم ؟تقترب منه ،وتقبله على شفتيه قبلة طويلة ،ثم تطبع عدة قبل سريعة على وجهه ،وتغادر مبتسمة وهي تشاهد “النظرة البلهاء على وجهي”. ومضت المرأة ،لكن أثرها لم يمض معها “فشفتاي تحملان دفء شفتيها ،وصدري يحترق ووجنتاي تلتهبان “هكذا وصل قاسم إلى السعادة ،بعد أن أصبح يحمل “آثار امرأة لأول مرة “يبقى الأثر هو ما نستطيع الاحنفاظ به ،أما المرأة التي جاءت كشبح أبيض ،ثم غادرت فلا سبيل إلى لقائها مرة أخرى ،لأنها ستترك أثارها لأهل الأشواق،وهم كثر ،وإن تعددت الطرق والأزقة ...”تسللت في اليوم التالي إلى الحي ،ورحت أبحث عن الزقاق ،ولكن دون جدوى لتلاشي الشبح الأبيض ،وتلاشي الزقاق الذي تبدت منه المرأة ...وكلما اشتدالظلام اتسعت عيناها في المخيلة«وهما تشعان حبا وحنا...ودفئا»8-11ص-الأرض يا سلمى،وتاريخ النص 1958م الغول : نص ينتمي إلى المجموعة القصصية “الأرض يا سلمى “يستمر حضور المرأة في هذا النص كمركز سردي ،تنبثق منه إرادة المرأة في الحياة .هي هنا ليست الانثى /المتعة ،فهي امرأة «فقيرة والناس لا يهتمون كثيرا بالفقراء ،فهي قد فقدت كل ما تملكه من مال وأرض وحلي ..كل شيء لتهب ابنها الوحيد الحياة »زوجها مات ،وولدها يعاني سكرات الموت ،و«هند»امرأة نحيلة ،جمالها قي أمومتها ،وتفتقد للجمال الخارجي ،سواه الجمال الداخلي ،الذي جعلها تتأهب للصعود إلى الجبل ،بعد أن حلمت أن علاج ابنها ،هو قلب “الغول “والغول بكل الأساطير التي نسجهالنفسه ونسجها المنهزمون له ،قاهر للموت ،ورمز للخلود ،والتجبر ،فجأة يجد نفسه في تحد مع امرأة هزيلة ،شعر حينها بالهزيمة ،لمجرد قدرة هذه الأم الهزيلة بالصعود إليه ،والتصميم على انتزاع قلبه ،كعلاج لطفلها ،هنا سقطت الأساطير التي نسجها الضعفاء للغول وانتصرت أسطورة المرأة ،التي قهرته ،وانتزعت قلبه ليحيا طفلها ،على اندثار القهر هباء منثورا ...لقد كانت فكرة الدواء حلما «هناك في المغارة ...في الجبل حيث ينام الغول ..الدواء قلب ذلك الغول القاسي»واستطاعت «هند »الأم ،أن تحول الحلم إلى نبض حياة يسري في جسد ابنها “لقد قتلت هند الأسطورة ..لم يصدق الغول أن إنسانا ما يتجرأ أوينتهك حدود ه”حدود اسطورة القوة والجبروت ،لقد كان مصرعه حين وجد أمامه “امرأة صغيرة صفراء اللون ..ضعيفة وهزيلة تكاد من فرط ضعفها أن تسقط أرضا ...”لكن ألأم”هند “استجمعت قوتها وشجاعتها وعزيمتها ،حتى تسقط الغول صريعا تحت إرادة الحياة .لهذا ارتفع صوتها “يا غول كن من شئت فإنني أبحث عن دواء لابني ،وقد علمت أن الدواء ليس سوى قلبك ،لذلك أتيت لآخذ الدواء ،أردت أم لم ترد “وأمامها ينهزم الغول ،وتسيل دماؤه ،وترقص الجبال “رقصة شعبية على أنغام هبوب الرياح ..وصداح العصافير ..وكانت الشمس تمد يدها الذهبيةمحيية انتصار هند..” الغول –ص12 - 18 – الأرض يا سلمى أبوربية :فنان الرفض والموقف: بين سعيد الطفل الذي يدرس في مدرسة الجالية ،بالصف الخامس ،و«أبو ربية» ينشأ وعي اجتماعي وموقف ...يبدأ بانتظار سعيد أمام دكان والده بأديس أبابا،ل”أبو ربية””الذي يهمني لماذا تأخر”ثم يبدأ سعيد باسترجاع حواراته مع «أبو ربية»الذي كان يرسم صور التجار على شكل حمار وكباش ،برأس إنسان ...هنا يصبح أبو ربية مبدعا ورائدا لفن الكاريكاتير،فالنص مؤرخ بعام 1961م ،وهو يحكي قصة “أبو ربية “الذي هاجر إلى الحبشة قبل ذلك ربما بعقدين على الأقل ...الرسم لدى «أبو ربية»”يبتسم”و موقف اجتماعي من التجار .فحين سأل أبو ربية”سعيد “عن “إيش تشتهي تكون حين تكبر ؟”أجاب سعيد بسرعة “تاجر “هنا صرخ “أبو ربية فيه “حمار !ما تعرف أن التجار ناس بطالين ؟تشتهي تكون بطال ؟”وحين برر سعيد رغبته بأن يكون تاجرا من أجل مساعدة الفقراء ،أجابه أبو ربية”إيه يا ابني كلهم لما كانوا صغار مثلك كانوا يقولوا إنهم بيساعدوا الفقراء ،واليوم معاهم فلوس كثيرة ،نسوا الناس ..نسوا الفقراء .”يرسم أبو ربية بلاد اليمن ،والدمعة تنحدر من عينيه ،ويحدث سعيد عن جمال اليمن بجبالها وأشجارها وشمسها ووديانها ...وعن الجرائد يقول أبو ربية لسعيد «إيش من جرائد كلهم كذابين يا ابني لا تصدقهم ،طماعين ،يجروا وراء البيس ...»يربط أبو ربية بين سعيد وحب اليمن ،تاريخا وجغرافية ،وإنسانا ...ويوضح له أن الغربة عجز ،وعيب”عيب يتفرجوا علينا ويقولوا :شوف هذا اليمني ثيابه مقطعة لكن إيش نسوي ،إذا كان الله أعطى الأغنياء قلوباً من حجر .”لم يكن سعيد يعرف عن «أبو ربية»سوى أنه يمني ،وكان هو يرد على سؤال سعيد”أين يعيش وكيف وكلما سألته كان يجيب: يا شيخ أرض الله واسعة –لكنك قلت الناس أخذوا أرض الله –طيب لا تزعل أرض الحكومة واسعة”. ليس ل«أبو ربية »من عمل سوى الرسم”الرسم أحسن شغل في الدنيا”يرد عليه سعيد «أيوه لكن هذا الشغل ما يؤكل أحد . -ومن يشتهي يأكل ؟المهم الناس يكونوا مبسوطين لما يشوفوا الرسم حقي ...الناس يشتهوا يقولوا لهذا التاجر ولا ذاك إنه حمار أو كلب مايقدرو أما أنا أرسم ما أريده ولا حد يقدر يفعل لي حاجة «ومع ذلك استطاع التجار فعل تلك الحاجة ،وتزفيره من الحبشة إلى اليمن على أنه مجنون!...»كان أبو ربية في الخامسة والثلاثين من عمره ،أسمرالوجه غائر العينين ،ذو ابتسامة غامضة تسخر من كل الناس “. بعد خمس سنوات يغادر سعيد أديس أباباإلى عدن ،وفي ضجيج مقهى من مقاهي الشيخ عثمان ،لمح أبو ربية ،الاّ أنه غاب سريعا في الزحام “كان في ملابس ممزقة وقدمين حافيتين وفي وجهه آثار بؤس.قال لي صاحب المقهى : -من فين تعرفه ..اسمه المجنون ..جالس كل يوم يشخطط على الجدران صورا للناس مثل الكلاب.« الأرض يا سلمى-أبو ربية ص28-34 مقطع من نص»شيء اسمه الحنين”: “...ضحكت وقلت :لاتخف ستصل سليما إلى الحديدة ،ولكن هل تخليت فعلا عن كل شيء ،الوطن ،الحرية ،المستقبل ،الضمير ،كل شيء هكذا فجأة . ضحك باستهزاء .. كلمات يا عزيزي كلمات ،لا معنى لها ،إن كل ما قلت الآن يباع في كل مكان بالمجان ..الذين علمونا الحرية هم أول من طعنها ،الضمير لا وجود له لأنه عملة زائفة أما الوطن فأين هو ؟هذا الذي حولنا لا تملك منه شيئا ..الوطن هو ذلك الذي تستطيع أن تغير فيه .أن تستنبت فيه أشجارا جديدة ،أن تمنحه ويمنحك الحب ،الوطن ليس هنا لقد كنت مخطئا إنه هناك حيث تعمل ،وتكدح ،وتفكر .هناك كنت يساريا فعلا ،كنت أناضل مع الطلبة ،كانت قضية ما تربطني بالجميع أما هنا ،فنحن نعيش في داخل أنفسنا ما نفكر فيه لا نستطيع أن نقوله بصوت مرتفع ،الكذب غذاؤنا اليومي ،هل تعرف عندما عدت من هناك كنت أفكر في حزب ،في عمل جماهيري ،في الالتحام والذوبان ،والابداع ،والتضحية ،وعندما دخلت مع مجموعة ،اكتشفت أنني أعيش وأعمل وسط مجموعة من المجانين .اليساريون عندهم كلمات لا يعرفون تفسير معناها .تصور واحد منهم يلعن أباه لأنه برجوازي عفن ,والأب صاحب صندقة لبيع السجائر !هكذا تقسم التقدميين مجموعة من البلهاء والصعاليك وأصبحوا يسار هنا ،لأنهم لا يملكون فكرا أو فهما لا شيء لا شيء مطلقا . لقد صدق الذي قال يوما ما «بأن الوطنية ملاذ للوغد» قلت :ولكن كل هذا ليس مبررا لليأس ،أن تفشل مرة أو مرتين أو عشر لا يعني أن تتخلى ،أن تهرب. ضحك مرة أخرى . -لن أهرب ولن أتخلى،ولكن ببساطة سأعود إلى جذوري إلى هناك ،لعلني هناك أستطيع عمل شيء.263ص-شيء اسمه الحنين-الأعمال الكاملة –محمد أحمد عبدالولي –ط2-2012م. الأعمال الكاملة –محمد أحمد عبد الولي –الهيئة العامة للكتاب–ط2-2012م.