بين حنين الماضي وفرحة الحاضر دائماً هناك أحلام تتبدد ومواهب تندثر.. وأمنيات تصدأ.. كل هذا نجده في مجتمعنا العربي.. وحده المجتمع العربي الذي دائماً ما يبدد مواهب الصغار الذين لطالما حلموا وعاشوا من أجل أحلامهم. تماماً كما يحدث في عالم الكمبيوتر عندما نتخلى عن بعض الملفات ونضعها في سلة المحذوفات عسى أن نستعيدها يوماً ولكن في عالمنا الواقع فإن هذه السلة سوف لن تعود كما كانت فعندما نستعيد ما بداخلها فإننا حينها سندرك أننا كبرنا و أننا لم نعد كما كنا .. فعندما نكون صغارا تنبت فينا بذرة كاتب أو رسام أو فنان أو مخترع التي تؤذن بأنه سيكون لنا يوماً صيت و سوف نقدم للعالم موهبتنا عن طريق إحدى وسائل الإعلام التي انتشرت بشكل واسع ولكن للأسف الشديد هذه البذرة تضمحل يوماً بعد يوم في غياهب العمل و البحث عن لقمة العيش .. لنصحو ولكن متأخرين و نحاول أن نستعيد ما كان بحوزتنا من مواهب وإبداعات لنرى بأن الأيام قد مرت و المواهب قد اندثرت.. فكم من كاتب ملك الكلمة وكتب آلاف المقالات و ألف مئات الروايات ولكن عندما كبر وفهم أن لديه موهبة يجب أن تنشر و تقدم للعالم أنشغل بهموم الدنيا و غرق في البحث عن لقمة العيش وكم من شاعر عشق الكلمة وجعلها تتراقص بين أصابعه و عندما حان الوقت ليقدم ما عشق تلاطمت به أمواج الفقر وأصبح الآن لا يستطيع حتى أن يلعثم ببعض أبيات وكم من رسام و كم من فنان و كم من مخترع وكم وكم... مشاكل الحياة في مجتمعنا تأخذنا منذ أن نلتحق بالجامعة و نضطر للعمل كي نقوى على شراء المراجع والكتب وحتى أن نتخرج لتبدأ معاناتنا بالبحث عن عمل و أيضاً عندما نعمل نرضى بالقليل فنضطر لأن نعمل عملا إضافيا حتى نستطيع تلبية رغبات الأسرة.. كل هذه الظروف هي من تأخذ من الوقت فننشغل عن مواهبنا وننسى أيضاً أن لدينا مواهب مزروعة في أعماقنا لنصحو ونحن في الخمسينات من العمر وقد بلغ من التعب مبلغه فنحاول دون جدوى إيقاظ تلك الموهبة التي ذهبت في سبات عميق.. إنها سياسة استخدمت ضد مجتمعنا العربي لنظل متلقين و مستخدمين و مشاهدين و متصفحين و مستمعين و قارئين لاختراعاتهم و برامجهم و كتاباتهم و كل ما يقدمون فعذراً مجتمعي..