بعد 8 أشهر ستدخل المحطة الشمسية الإماراتية الخدمة    مطار بن غوريون تحت القصف الحوثي.. ماذا يعني لليمن والسعودية وحلفائها؟    توقعات باستمرار الهطول المطري على اغلب المحافظات وتحذيرات من البرد والرياح الهابطة والصواعق    تسجيل اربع هزات ارضية خلال يومين من خليج عدن    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    الإعلان عن حصيلة ضحايا العدوان على الحديدة وباجل    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    الامارات العربية تضمّد جراح عدن وتنير ظلامها    ودافة يا بن بريك    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    إيران تكشف عن حجم الخسائر الأولية لانفجار ميناء رجائي    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    إسرائيل لا تخفي أهدافها: تفكيك سوريا شرط لنهاية الحرب    طيران العدوان الأمريكي يجدد استهداف صنعاء ورأس عيسى    أعنف هجوم إسرائيلي على اليمن يدمر ميناء الحديدة    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    الحذر من استغلال العليمي مبررات (إصلاح الخدمات) في ضرب خصومه وأبرزهم الانتقالي    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    مرض الفشل الكلوي (3)    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع مذكّرات «رفعت السعيد» الجزء الأول
نشر في الجمهورية يوم 15 - 03 - 2014

«مجرد ذكريات» للدكتور رفعت السعيد، والصادرة عن دار المدى ،عام 1999م ،وهي في جزئها الأول ب356صفحة ،من القطع المتوسط .تبتدئ الذاكرة في انتقائيتها غير المحايدة ، وخلق سرديتها الموازية للأحداث ،منذ النصف الثاني من الأربعينيات ،وحتى هزيمة 1967م ،أو ما يحلو للبعض تسميتها بنكسة حزيران، ولأن المؤلف اختار تعريفاً لعلم التاريخ بأنه «علم التعرف على الأشياء الجديرة بالمعرفة التي وقعت في الماضي »12ص.فلقد كان ما هو جدير بالتعرف أساسه الموقف السياسي والاجتماعي ،والذاكرة المتحيزة والمتألمة، لهذا فالمؤلف يستدرك قائلا «ولكنني لست قديساً ،ولا أدعي البراءة المسطحة ،ولا أزعم ذلك ،ومن ثم فقد أروي ،وقطعاً سيحدث ذلك رواية ما من زاوية نظري أو تفسيري الشخصي لها.. وتلك نوازع يصعب منازعتها مهما ادعيت لنفسك البراءة والحياد»11ص.
لهذا فإن «مجرد ذكريات» ليست «مجرد» عرض عفوي للذاكرة، بل إن في مفردة «مجرد» تدل على مايتجاوزها من الإصرار على جلب كل مشهد يعزز من إرادوية المؤلف ،فهي رؤية تشكلت وفقاً لما أتيح للمؤلف من معلومات ومشاهدات، ولكيفية فهمه وتأويله لها. ميزة المذكرات أنها تطلق العنان للحكي وفق غايات مباشرة وغير مباشرة ،فالحكي فعل حياة للأحداث التي تتسع الرؤية حولها بفعل الكلام من منظورات متعددة، وإلاّ ظلت منقوصة ،أو حسب قول المؤلف» ومن هنا فإنني أورد فقط رؤيتي وما أتيح لي من معلومات.. ومن ثم فلقد يكون حكمي ناقصاً، أوحتى ظالماً في بعض الأحيان، لكن ما من مخرج آخر.. سوى أن أتكلم وأن يتكلم الآخرون. حتى تكتمل حلقة المعرفة بالحدث، أو الواقعة، لهذا فإن ما سأرويه في الصفحات القادمة ليس الحقيقة المصفاة، لا أنا أزعم ،ولا هو كذلك واقع الأمر»12ص. يبدأ المؤلف بالإطلالة على بدايات عائلته التي يتخذ لها من السنوات العديدة قبل نهاية القرن التاسع عشر في مدينة المنصورة كان مولده يوم بكت فيه مصر أمير شعرائها أحمد شوقي «11اكتوبر 1932» و«في شارع القهوجي تستقر ورشة عتيدة (هي ورشة ميكانيكية كان الفلاحون وأغنياء الريف يتراكمون فيها ليصلحوا كل ما يدور لديهم ،وابورات طحين ،ماكينات ضرب الأرز ،آلات حلج ،طلمبات ،ولعلها كانت الأقدم في هذه المدينة (عثرت فيما بعد على عقد بيع ساحةكذا ذراع في أطراف المنصورة من وقف الست عزيزة القريعي ابنة علي باشا القريعي إلى الأسطى محمد البيومي وهو أبو جدي ،ويرجع تاريخ العقد إلى عديد من السنوات قبل نهاية القرن ال«19».. وكان الجد المؤسس أسطى مرموقاً في ورشة هي الأولى في كل الدلتا أسسها أجنبي هو الخواجة موردوخ في زمن يمتد - كما يقال – إلى عصر محمد علي»18ص. المؤثرات الأولى: بسبب إعجاب المؤلف منذ الطفولة بابن خالة والده «يوسف بدير» الذي يكبره بسنوات عدة ،الذي تم اعتقاله على أساس «إنه شيوعي خطر والذراع اليمنى لهنري كورييل» كان تعلق رفعت السعيد ب«الحدث والحديث عن الشيوعية» 41ص. وكانت محاوراته المحدودة مع «عبد العليم المرسي» ثم أحمد فرج، دافعاً لتطلعه إلى المزيد ،فبعد أيام «ازداد جارنا أحمد فرج تقارباً مني ،وذكرني بأنني تحدثت أمامه يوماً عن عبد العليم المرسي ،وبعد محاورات عدة أعطاني منشوراً صادراً عن «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني –حدتو».. ثم أعطاني كتيباً مطبوعاً عنوانه «لينين .. رسائل إلى الشباب» قرأته عدة مرات ،ولم أفهم منه شيئاً. كانت التعبيرات والألفاظ غريبة، والترجمة شامية اللهجة.. والموضوع غائب عن ذهني.. وباختصار أحسست بغربة شديدة عن الكلمات لكنني – ويا للغرابة –تعلقت بها»43ص. ولعلّ موضوع التأثر في فترات الطفولة والمراهقة بكتاب يظل غامضاً ،لكنه مؤثر على خيارات المستقبل قد مرّ به الكثيرون.. يتحدث المؤلف عن انقسامات حدتو، حين اعتقل أول مرة في أواخر الأربعينيات ،وكان عمره وقتها لا يتجاوزالسادسة عشرة«كان هؤلاء المستقرون مجموعات متشرذمة من عدة انقسامات انقسمت عن حدتو ،وما أن سمعوا أننا متهمون في قضية حدتو حتى تباعدوا عنا ،فنحن انتهازيون ،ويونسيون (نسبة إلى يونس الإسم الحركي لهنري كورييل )دون أن يدركوا أن الوافدين مناضلون حسنو النية ،لم يعرفوا شيئاً عن الخلافات ،ولا الانقسامات ،والمستقرون مجموعات من البرجوازيين الصغار يقضون وقتهم كله في مناقشات يسودها التكاذب المتبادل ،أو مشاحنات تلوك عبارات من الماركسية أفرغت تماماً من مضمونها.. ونحن مادة أولية لا تصلح لمثل هذا النقاش، طلبة صغار السن ،وفلاحون ،ومن ثم فلا شيء فينا يغري بنقاش.. ومادام النقاش مفتقداً فالاهتمام مفتقد»64ص.
لقد كان اشتعال الحماس يدفع نحو التشرذم فكل منهم يعتقد أنه يمتلك مطلق الصحة ،والآخر مطلق الخطأ، يقولون وبأعلى صوت كلاماً كبيراً ،وعبارات متخمة بالترفع عن كل ما عداهم ،يتبادلون التكاذب، يترفعون، يلوكون ألفاظاً صعبة الفهم ،ويستريحون كلما كانت ألفاظهم أكثر غموضاً وأكثر استعصاء على الفهم (مارسوا هواية الانقسام حتى الثمالة ،وبرروها بألفاظ وأقاويل متقنة ،تدافعت ثوريتهم كالسيل، لكنها كانت بلا عمق حقيقي. بعد أن كبرت اكتشفت فيهم التعبير الحقيقي للبرجوازي الصغير، وظللت أتذكر دوماً محاولات أمين بك أن يشرح لي وبتبسيط شديد رؤيته لهؤلاء الرجال فقال: دي نظرية الأستك ،تشده جامد ناحية اليسار وأول ما تسيبه يندفع بسرعة نحو اليمين»69ص. يسرد المؤلف مشاهداته في «معتقل الهايكست» أواخر الأربعينيات - وهي منطقة عسكرية«فالبلد تحارب إسرائيل والمنطقة عسكرية ،سيارة وحيدة كانت تحمل تصريحاً للمرور هي سيارة الحاخام خانة اليهودية ،وهي سيارة نقل ضخمة تحضر كل يوم إلى عنبر المعتقلين الصهاينة، تحمل لهم طعاماً طازجاً وملابس وصحفاً وكل ما يحتاجون إليه (ولاحظت حتى وأنا طفل هذه المفارقة، ولاحظت أيضاً أن التصريح منح فقط لمعتقلي عنبر الصهاينة، بينما كان هناك يهود شيوعيون في عنابر أخرى لم يحظوا بهذا الاهتمام «ويتعامل قومندان المعتقل ، وهو ضابط صعيدي اسمه عبد الحفيظ أبو ستيت ، بغلظة مع المعتقلين، وكانت غلظته تتحول إلى أدب جم إذ يتعامل مع أوفاديا سالم المليونير وزعيم الصهيونيين في مصر ،وشاهدت بنفسي (وأنا أتردد على العيادة في عنبر«1» كيف كان أوفاديا باشا يجلس أنيقاً ومترفعاً على مكتب القومندان»70-71ص. وكيف كان يحظى بمعاملة ترفيهية خاصة ويذهب إلى منزله بسيارة القمندان نهاراً ،ويعود في المساء، فأوفاديا سالم «هو ومن يمثلهم قد دفعوا لرئيس الوزراء رشوة كبيرة لتسهيل إجراءات ترحيل العديد من اليهود المصريين إلى الخارج ،تمهيداً لإرسالهم إلى إسرائيل ،والحجة التي استخدمها رئيس الوزراء كانت تطهير مصر من اليهود»71ص. ويأتي عام 52-51 م وقد أصبحت «حدتو» منظمة قوية التكوين، ممتلكة لأدوات عمل جماهيري متسع ومتشعب»87ص. كانت القاهرة تحترق في صباح 26يناير 1952م و«كانت حملة اعتقالات واسعة تشن ضد مختلف القوى السياسية في المنصورة»88ص، وكان معتقل الماظة ،الذي جمع (خليطاً غريباً من إخوان.اشتراكيين (مصرالفتاة)نقابيين ،فدائيين ،شبيحة (وهو لفظ كان يطلق على لصوص تخصصوا في سرقة معسكرات الإنجليز في القنال ،وقد تعاون بعضهم ومنهم الأكثر شهرة واسمه «الباشا» مع الفدائيين فاستحقوا الاعتقال) وشيوعيون، وبعض الطلاب من قادة المظاهرات»89ص. حريق القاهرة، يروي رفعت السعيد حكاية الشاب النوبي محمد الزبير ،وهو من أب نوبي وأم مصرية ،حسب توصيف المؤلف،وكأن النوبة ليست مصرية! الذي انتمى في السجن لمنظمة «حدتو» بعد أن كان ينتمي لحزب مصر الفتاة ،واعتقل وهو منتم له اوأنه«كان يؤكد أنه قد استدعي إلى مقر الحزب الاشتراكي في عابدين مساء يوم 25 يناير حيث أصدر لهم مسئول من الحزب اسمه فؤاد نصحي – فيما أذكر- تعليمات بإشعال حرائق في قلب العاصمة ،ووزعت عليهم زجاجات بنزينوكرات من القماش لاستخدامها في إشعال الحريق»90ص.
حدتو وجمال عبد الناصر
لم يمض على ثورة على ثورة يوليو سوى شهرين ،وبدأ الفعل السياسي المعبر عن التناقض بين “حدتو”وما أسمته ب«حركة الجيش» وذلك من خلال عمل جبهوي داخل كلية الحقوق ،ضم الوفد والحزب الاشتراكي ورابطة الطلبة الشيوعيين – حدتو،تحت مسمى «الجبهة الوطنية الديمقراطية لطلاب حقوق جامعة إبراهيم» وبدأت التصادمات بينهم وبين طلاب ينتمون إلى هيئة التحرير، وعددهم قليل ، وكثيرون ينتمون للإخوان المسلمين ، وبدأت حملة اعتقالات ضد الطلاب وحين زار جمال عبد الناصر ، ومعه عدد من قيادة مجلس الثورة ،كلية الحقوق ،واستعد الإخوان بحشود ضخمة لتأييده، اجتمع بالمقابل حوالي مائة طالب من أعضاء حدتو وأعضاء الجبهة الوطنية الديمقراطية «فنجد رفاقنا وأصدقاءهم قد تعرضوا لمذبحة حقيقية، ونجد حسن دوح قائد الطلاب الإخوانيين ممسكاً بالميكرفون في حشد يضم آلاف الطلاب وعبد الناصر واقفاً إلى جواره هو وبعض أعضاء مجلس الثورة ،وكان حسن دوح يصرخ متحدياً:«يا رجل الثورة أعطنا حرية في العمل وساعتها سنقول للشيوعية الملحدة اخرجي من بلادنا ، ونصيح فيهم: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده. وبينما عبد الناصر والضباط يخرجون ليركبوا سياراتهم ،وجدونا نسد عليهم الطريق هاتفين.. مطالبين بالديمقراطية.. وبالدستور.. وبكل نقاط الخلاف بيننا وبين حركة الجيش.. بعد زمن طويل علمت أن خالد محيي الدين كان بين ضباط القيادة الحاضرين ، وأنه ركب السيارة مع عبد الناصر الذي التفت إليه قائلاً: برضه العيال بتوعكم جدعان»115ص.
في عام 1954م نظمت حدتو اعتصاماً في كليةالحقوق ، وتم اعتقال عدد من الطلاب بتهمة الشروع في مؤامرة لاغتيال عبد الناصر ، منهم فؤاد قنديل ويحيى عبد الرشيد ، ومحمد توكل ،إلاّ أنه تم تلفيق مؤامرة الاغتيال ، وينفي رفعت السعيد هذه المؤامرة وأنها من اختلاقات المباحث ،فالماركسيون رفضوا حسب قوله الإرهاب الفردي، ولقد عذبوا في السجن الحربي«تعذيباً يليق بمتهمين بمحاولة اغتيال عبد الناصر»118ص.وصمدوا، ورفضوا الاعتراف بالتهمة الموجهة إليهم ،بل واجهوا المحكمة بما تعرضوا له من تعذيب، على عكس الإخوان المسلمين الذين كانوا يتعرضون للتعذيب «لكنهم أبداً لم يعلنوا ذلك أثناء المحاكمات ، أملاً في العفو، أوتخفيض العقوبة ، أو حتى تجنباً لتعذيب أشد»118ص. ينتقد رفعت السعيد بعد فترة،انفرد بها بنفسه داخل السجن هذا الأسلوب الصاخب والمتحدي في العمل السري ، من كتابة على الجدران ووصول بيانات إلى اجتماعات مجلس قيادة الثورة بصورة مستفزة «لنمر هو مستفز بطبعه.. وقد ظل هذا السؤال يحلق في مخيلتي طويلاً، وبعد سنوات عديدة أمكن لي أن أقارن بين أسلوبنا وبين أسلوب أحزاب أخرى، أسلوبنا الذي نندفع فيه نحو التصادم كخيول جامحة ،تظل مندفعة حتى نتساقط جميعاً – سقوط أوراق الخريف الحتمي –في ايدي الخصم ، ولا يبقى من حدتو سوى بعض الذكرى ، وبعض القواعد المتناثرة ،ثم تأتي فترات هدوء،أو فترات تصالح ، فلا تجد من يتصالح ،ولا من ينشط في فترة الهدؤ»128ص. ولهذا ينتقد رفعت أسلوب خالد بكداش والحزب الشيوعي السوري ، حين واجهوا الضغط الناصري بتجميد نشاطهم في الداخل ،والاقتصار على العلاقات الشخصية والعائلية بين الرفاق ، والاعتماد على العمل الإعلامي من خارج البلاد ،والمؤلف يعتقد أن ثمة إمكانية للمزج بين الطريقتين بدلاً من المغامرة الجامحة ، أو التجميد الكلي محلياً ،والاقتصار على الصوت العالي من الخارج. لقد كان صيف عام 1953م ساخنا «وربما أكثر مما يجب. فالتصادم بين حدتو ،وحركة الجيش بلغ مداه ،وربما كانت حدته نابعة من أن التصادم بين أصدقاء سابقين كل منه يعرف الآخر جيداً ،وربما كان عبد الناصر يتحسب ويخشى من وجود نفوذ ،أو بقايا نفوذ لحدتو في الجيش»135ص.لهذا السبب يرى المؤلف أن عبدالناصر «ركز هجومه على حدتو.. دون غيرها من المنظمات الشيوعية، التي كانت هي الأخرى تهاجمه، وربما بألفاظ أكثر جسامة مما تفعل حدتو»136ص.لقد احتاج رفعت السعيد إلى سنوات عديدة كي يتلقن «من بين فنون العمل السياسي ألاّ تشاغب في السياسة ،وألاّ تفعل ما يستثير في الخصم ما لا تحتمل» وما أحوج الإخوان المسلمين في هذه الأيام لمثل هذا الدرس المستخلص من تجربة جامحة ومندفعة ،وإن كانت ملتزمة بأدوات العمل السري من كتابات على الجدران ،وتلطيخ صور ،وليس مواجهة بالسلاح والعنف! مشاهدات من السجن: البرنس محمود ناموق: «أرستوقراطي ضخم ،يفوح منه عطر يملأ حوش السجن ، مطلق السراح دوماً،بلا قيود ولا حواجز، ربما السبب ما يغدق ،أو بتعليمات عليا.هو آخر بقايا مستحقي العرش في الأسرة المالكة ،رجل واسع الثراء ،وثرواته منطلقة في أرجاء عدة من العالم ، تركيا، فرنسا، أسبانيا، وقصوره وخدمه وحاشيته كذلك ،لكن مقره الرسمي جنيف ،يعيش حياة لاهية ، لا يتوقف عن إمتاع نفسه بكل ما يريد ،وكل ما تريد»154-155، وبسبب حديث صحفي لأحد أمراء الأسرة المالكة الهاربين في الخارج ردد إسم البرنس باعتباره الوريث الشرعي للعرش المصري ،لم يسمع ناموق بالتصريح ، واضطرت طائرته للهبوط في مطار لم يكن مقرراً لها أن تهبط فيه مما جعله يقع في يد المخابرات المصرية ، نسي البرنس حسب رواية رفعت السعيد كان على موعد غرامي مع عشيقة له في تايلاند ،لكن سنوات السجن تمضي«دون أن يفارق البرنس قامته المهيبة،وثقافته الموسوعية مخيلتي .,وأحزن – ولم أزل – إذ أتذكر أنه مات في السجن دون أن يحقق حلمه الأخير ، أن يخرج من السجن بأي ثمن ،لتتم رحلته إلى تايلاند ،ويحقق لقاءه المنشود بفتاة تايلاندية ضرب لها موعداً غرامياً»15ص.
الدكتور راشد البراوي
كان أثيراً لدى رجال الثورة «تصور البعض ،أو حاول هو أن يصور للناس أنه المفكر والمدبر لهؤلاء الشباب العسكريين ، وما لبث العسكريون أن انقضوا عليه ،عبثاً حاولت أن أخدش وعاء معلوماته ، أو حتى أعرف سر هذا الانقضاض ،لكن المسكين كان مذعوراً ،وكان ذعره مستديماً،يخيم عليه في كل لحظة،وفي كل تصرف ،ينسى أي شيء إلاّ الخوف ،لم ينطق بحرف ،ولم يتفوه بلفظ ،وكان يتصور أن خلف كل حائط ميكرفوناً للتسجيل ،وأن كل رجل هو بالضرورة جاسوس للحكام» الغريمان الشهيران يوسف رشاد ومصطفى كمال صدقي: كان رشاد نافورة من المعلومات المثيرة للدهشة» عن الملك وعن الضباط ،وكان يتحدث عنهم بأسمائهم المجردة ،وأحياناً بتهكم واضح ،ويروي عنهم ما يثير السخرية منهم دون تحفظ أو خوف ،وكان أغلب حديثه منصباً على أنور السادات ،وعلاقتهما المشتركة ،ودهشته كيف أستطاع “أنور”أن يركب الجوادين معاً، وحتى آخر لحظة. والعلاقة بين الغريمين الشهيرين تظل حميمية في الظاهر، ويتبادلان الطعنات من الخلف دوماً ، أما الأكثر شهرة منهما معاً.. ناهد رشاد فكانت تحضر يومياً تقريباً لتقسيم الوقت المخصص للزيارة بينهما ،لكنها قسمة غير عادلة فلمصطفى النصيب الأكبر دوماً»157ص.
يستمر المؤلف في سرد فساد القضاء العسكري ،وما يملى عليهم من أحكام يتلونها جاهزة دون تغيير «وكنا نقترب من زمن المحاكمة ،والقاضي هو المستشار «م .ع» عرف الجميع عنه أنه يتلقى قائمة الأحكام من الأمن .ويجلس في الجلسات غيرمنصت ،ثم يتلو ما تلقاه من أحكام »162ص.يستمر المؤلف بسرده الذي لا تنقصه سعة الخيال، وتوازيه مع الأحداث مقترباً من الحقائق أحياناً، ومنحازاً لنزعته الروائية في الوصف وحركة الأحداث حيناً آخر. يكتب عن تجربة سجنه في معتقل صحراوي اسمه«جناح» والذي حكم بالسجن فيه لمدة خمس سنوات من عام 1955،ليخرج منه عام 1958،وخروجه إلى السجن الأكبر ،المراقب فيه بشكل يومي من الغروب إلى الشروق لمدة خمس سنوات أخرى ،يظل فيها تحت المراقبة. وبلغة سياسي محترف، وروائي يجيد السرد المتخيل الممزوج بواقعية الأحداث ،يروي عن العمل التنظيمي السري ،واعتقالات رفقائه عام 1958م وخطاب عبد الناصر شديد اللهجة ضد الشيوعيين ،وما أعقبه من حملة اعتقالات واسعة ،طيلة الصفحات من 178إلى 204. بل وفي صفحات أخرى كثيرة في الكتاب لقد تنقل رفعت السعيد في طفولته ومراهقته في المنصورة ما بين شعبة الإخوان وناديهم الرياضي ،وبين مصر الفتاة ،علّه يجد ما يشبع اهتماماته ،والإجابة على الأسئلة التي تلح عليه ،حتى وجدها في «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني – حدتو» وتحدث في مذكراته هذه عن الناصرية كبنية نظام حاكم ،دون التفريق بين أخطاء وتجاوزات المباحث وشمس بدران وعبدالحكيم عامر ، وجمال عبد الناصر ،ومع أنه يسرد ما يدل على كراهية بعض الضباط الذين كانوا يقومون بعمليات التعذيب بعدوانية للناصرية كحكم ،وتلفظهم بعبارات ضد النظام الذي كان يصفونه بأنه يعمل بدون قانون وتسلطي ،وفي نفس الوقت يعملون أدوات قمعية له! ومع ذلك مثل هذه المرويات لا تجعل رفعت السعيد يتأمل فيها ،كونها تضرب النظام من الداخل بمقتل أشد من معارضة سرية للشيوعيين ،ومع ذلك لا يتوقف السعيد أمام هذه الظواهر بالتحليل ،وإنما يستشهد بها على ديكتاتورية عبد الناصر ،والنظام الناصري ،والناصرية حسب وصفه !
الإخوان المسلمون وطبيعة معارضتهم
لقد كان رد الفعل الإخواني على العدوان الثلاثي عام 1956م غريباً !ففي حين كان الشيوعيون يرفعون شعار «الدفاع عن الوطن» رفع الإخوان شعار «لا عدوان إلاّ على الظالمين » يتحول السياسي ،إذ يطلق شعاراته إلى ممثل يتلبسه الدور المسرحي ،فيفعل المستحيل كي يتقن أداء الدور،ومن هنا...فأنت قد ترفع شعاراً سياسياً لا يلبث أن يتلبسك فيستبد بك»172ص. لهذا كانت عاطفة الشيوعيين مشدودة إلى الوطن ،ومواجهة العدو،وكان الإخوان المسلمون بين منشق ،وأكثرهم ضباط سابقون في الجيش في الجيش» فؤاد جاسر –حسين حمودة – جمال ربيع » أوجعتهم عقيدتهم العسكرية إذ وجدوا قيادتهم الإخوانية تمتلىء سروراً بالعدوان على جيشهم ووطنهم »172ص.وانقسم الإخوان إلى جماعة ترى نفسها «جماعة المسلمين”وأخرى ترى نفسها “جماعة من المسلمين»،وفسّر شيخ الجماعة «شريت» مناماً يبشر فيه بسقوط عبد الناصر في عدوان 1956م. التعبير الطبقي لجماعة الإخوان:
كان السجن صورة مصغرة للمواقف الطبقية لكلا التيارين السياسيين ،الشيوعيين والإخوان المسلمين ، ففي حين كان الشيوعيون في مأكلهم وعلاقتهم قائمة على إلغاء التمايزات بينهم ،ليس انعكاساً لتنظير وإنما حالة فطرية طبيعية تفرضها ظروف السجن – كان الإخوان يبنون مجتمعاً طبقياً داخل السجن. فرأس المال الذي كان يأتي إلى السجناء الشيوعيين من أهاليهم كان يجري تأميمه «ليس قسراً ،ولا إعمالاً لما في الكتب من نصوص ،وإنما لنوازع فطرية/ففي مكان كهذا هل يطاوعك قلبك أن تنزوي في ركن خيمة يعيش فيها عشرة أشخاص لتأكل منفرداً ،أو تشرب شاي وحدك ، أو تدخن سيجارة دون غيرك»180ص.لكن الإخوان في الطرف الآخر ، استندوا إلى فهمهم الخاص للحلال والحرام ،وخصصوا زكاة للجماعة وليس للفقراء ، أقاموا مجتمعاً غريباً أساسه التمايز بين الأغنياء والفقراء، وسادة وخدماً نفقد وصل المر بالأستاذ حامد أبو النصر ،المرشد العام للإخوان فيما بعد «بأن اكترى خادماً من بين إخوته السجناء، ألبسه طربوشاً أحمر ،وحزاماً أحمر وأوقفه بباب خيمته،ليلبي كل ما يأمر به (أليس هذا حلال في الإسلام ؟) ونبت في داخل المجتمع الجديد (مجتمع «الإخوان» شوك مستسلم يعمل في كل المهن المفترضة وغير المفترضة ،حتى من يغسل الملابس بأجر وآخر يكويها ،وثالث يعد الطعام للسادة.. باختصار أقام الإخوان متسلحين بمنطق الحلال والحرام مجتمعاً طبقياً وحشياً.. وقد ساد منطق الحلال والحرام افتقدت بعض التصرفات إمكانية التلاؤم حتى مع القيم. فواحد من قادتهم زارته زوجته ،وبجوار غرفة المأمور، أي بجوارنا جميعاً أقاموا خيمة مستعجلة، وأوقفوا أمامها حارساً كي يختلي الرجل بزوجته، أليس هذا حلالاً؟.. وككل المجتمعات الطبقية احتاج الأمر إلى جهاز أمن ورجال الجهاز السري لجماعة الإخوان جاهزون ،يراقبون الحاجز الممتد بيننا وبينهم»181ص.وبسبب الخلاف حول موضوع: هل هم جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين، فقد قام جهاز الأمن الذي شكلوه داخل السجن بتنفيذ الحد على الشيخ فارس ،وهو من مؤسسي الجماعة ،ولأنه يقول برأي «إنهم جماعة من المسلمين» فلقد «تولى الأخ مهدي عاكف (أحد قادة الجهاز السري ،ولم يزل قائداً في صفوف الجماعة حتى الآن ) إقامة الحد. لا يوجد سيف كي يضرب بحده، فانتزع من الأرض وتداً من ذلك الذي يثبتون فيها الخيام ، وشج به رأس المارق الشيخ فارس»183ص. لقد كان العدوان الثلاثي مؤلماً على الشيوعيين خوفاً على الوطن ،فقرروا المشاركة الوجدانية، ولو بأسلحة من خشب ،مع تمارين يومية داخل السجن ، أما الإخوان باستثناء من شق عصا الطاعة وخرج عن الجماعة فقد« كانوا يعولون بهتافات مدوية كلما استمعوا عبر الراديو(الذي يملكونه سراً مثلنا)ما يفيد بانتصار العدو، وكانوا سعداء بهزيمة الوطن ،ويهتفون من أعماقهم في سرور فاضح «الله أكبر ،ولا عدون إلاّ على الظالمين» وهذا الفعل الفاضح ضد الوطن كان إيذاناً بانقسامهم إلى مؤيدين ومعارضين «تذكرت هذا الفعل الفاضح عندما قرر متأسلم آخر في حديث تلفزيزني ،ودون خجل أنه سجد لله شكراً عند سماعه هزيمة عبد الناصر في 1967م)»183ص. عبد الناصر وموقف السعيد منه:
لم يكن موقف والد رفعت السعيد من ثورة يوليو إيجابياً، وكان يراها انقلاباً عسكرياً ، على الفترة الذهبية للعصر الملكي ،وكانت ورشته تدر أرباحاً عالية، فجاء عهد الثورة لتنمو كائنات الفساد ،التي رفض الأب أن يتعامل معه بأعمال مزيفة غرضها سرقة المال العام ،من خلال شراء قطع غيار على الورق وليس في الواقع ،ومع ذلك استمر الأب ميسور الحال ،بل أحد أغنياء الطبقة الوسطى ،ولم يكن موقف الابن «رفعت السعيد» من ثورة يوليو طيلة المذكرات سوى أنها «حركة الجيش، وديكتاتورية لجمال عبد الناصر ،وان التحولات الاجتماعية كانت شكلية ،ومجرد أرقام يضخها الإعلام دون سند من الواقع! لهذا يورد السعيد كل قصة، سواء عن المعتقلات أو الصحافة،أو السفراء أو التحولات الاجتماعية لترتد على جمال عبد الناصر كنموذج على ديكتاتوريته وتنكره لأقرب الناس إليه. ففي قصة السجين «علي حنيطر» الذي كان عبد الناصر يقضي إجازته الأسبوعية عندهم ،حين كان في القاهرة طالباً في الكلية الحربية، فأبوه صديق لعبد الناصر حسين ،أبو جمال، ويعمل مديراً لمكتب بريد، وكانت أم علي حنيطر ، ألست أم علي تعامله كأحد أبنائها ،وحين أصبح جمال ضابطاً تنكر لهذه الأسرة حسب رواية السعيد ،وعندما اعتقل ابنها علي حنيطر، حاولت الأم الاتصال بمكتب الرئاسة ،لتخبر الرئيس جمال عبد الناصر بقضية ابنها ،لكن الرد من مكتب الرئاسة كان صداً لها ، ولم تجد أذناً صاغية! يتساءل رفعت السعيد وهو يورد أساليب التعذيب والقمع قائلاً «هل كان عبد الناصر أو الناصرية بحاجة إلى ذلك بينما كان التفاف الناس حولهما كافياً.. وموحياً ، وقادراً على القيام بهذه التنقية؟ إن وجد أحد من خبراء الناصرية أو أنصارها أو خصومها إجابة ممكنة الفهم سأكون ممتناً له» وكان الأجدر به أن تتسع رؤيته ليستقرىء نماذج الحكم اليسارية في الوطن العربي، ناهيك عن الدول الاشتراكية الأخرى ،وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي، ليحلل مشكلة الديمقراطية لدى أحزاب اليسار بشكل عام. هل كانوا بحاجة إلى سلوك طريق الخصي والإقصاء للمختلف معهم طالما أن التحولات الاجتماعية التي تبنوها قد أوجدت لهم جمهوراً مستفيداً من هذه التحولات أم بناء هذه التحولات ،والمخاطر الخارجية قد دفعت الأنظمة اليسارية أن تشدد من قبضتها الحديدية لتلغي حق الناس بالحرية الذي لا يقل عن حقهم برغيف الخبز؟.
عن هيكل ورفعت السعيد
بعد خروج الشيوعيين من السجن عام 1964م كان عبد الناصر في قمة مجده ،بدأوا في الانخراط بالاتحاد الاشتراكي، والحزب الطليعي الذي أسسه جمال عبد الناصر ، ليكون أداة التغيير الاشتراكي ،وتعاطياً مع شكواه بأنه يقيم تجربة اشتراكية بدون اشتراكيين، كان اندفاعهم من السجن إلى الاتحاد الاشتراكي والحزب الطليعي ،والصحف الرسمية ،ومع ذلك فرفعت السعيد يرى مجد عبد الناصر مبنياً على «متاهات من التسلط العلوي ،والعمل الشكلي ،والعيون المتلصصة على كل حركة»280ص. وعن تجربة السعيد الصحفية في مؤسسة أخبار اليوم ،مديراً لمكتب خالد محيي الدين ،رئيس مجلس الإدارة يستطرد السعيد في سرد القصص التي تصف محمد حسنين هيكل كواشٍ يسعى عند جمال عبد الناصر لإفشال مؤسسة أخبار اليوم ،وضمها على إدارته ،وتم ضم أخبار اليوم إلى جوار مؤسسة الأهرام برئاسة هيكل، وأُبعد رفعت السعيد إلى المؤسسة المصرية للكتاب بسبب عدم تعاونه مع هيكل ،ثم أعاده هيكل قبل أن يترك أخبار اليوم لمحمود أمين العالم ،إلاّ أن العالم رفض كذلك قرار الإعادة، ويميل السعيد إلى سوء الظن بهيكل ،ومحاولته إعادته إلى أخبار اليوم بغرض إحراج محمود أمين العالم،وبالرغم من التصرف الودود من هيكل تجاه السعيد ، وإصداره قرار في ذات اليوم بتعيين السعيد في «مجلة الطليعة» مع ذلك يورد تفسيراً ينسبه للبعض ،دون إشارة إلى من هم هذا البعض؟ على أن قرار هيكل كان «رسالة ساخنة لليسار كله إن لم تكن لصالح هيكل، فهي ضد محمود، لكنني فضلت أن أعتبر الأمر أكثر نقاءً من ذلك ،وأن الرغبة الحسنة هي الدافع. وأنا على اية حال لم أعد أمثل بالنسبة له سوى شخص مظلوم يتعين رفع الظلم عنه، فضلاً عن أن علاقة هيكل بخالد قد تحسنت وعادت إلى صفائها المعتاد والممتد.»336ص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.