صهاريج عدن أو صهاريج الطويلة في مدينة كريتر وتحديداً فيما يعرف بوادي الطويلة في امتداد خط مائل من الجهة الشمالية الغربية التي تقع أسفل هضبة عدن المرتفعة حوالي “800” قدم عن سطح البحر والتي تأخذ شكلاً شبه دائري حيث المصب عند رأس وادي الطويلة وتتصل الصهاريج بعضها ببعض بشكل سلسلة وقد شيدت في مضيق يبلغ طوله “750” قدماً تقريباً ويحيط بها جبل شمسان بشكل دائري باستثناء منفذ يتصل بمدينة كريتر. عدد من المسميات يقصدها المؤرخون وأشار عدد من المؤرخون والرحالة إلى أن كلمة “صهاريج قد تعني من المسميات التي يقصد بها مكان حفظ المياه” فقد وصفها الهمداني في كتابة “صفة الجزيرة” أثناء تناوله لتاريخ مدينة عدن بأنها “بؤرة” والبؤرة في لغة القواميس هي الحفرة. أما “ابن المجاور” فقد بين معنى صهريج في كتابه “تاريخ المستبصر” بأنها عمارة الفرس عند بئر الزعفران وقصد بها حوض المياه. فيما قال الرحالة العربي ابن بطوطة في كتابه “تحفة الأنظار” بعد زيارته لمدينة عدن بأنها صهاريج يجمع فيها الماء أيام المطر. ووضعها الرحالة والأديب اللبناني أمين الريحاني بأنها من أجمل الأعمال الهندسية في العالم، وتعد صهاريج الطويلة مآثر معمارية هندسية تبرهن على ما بلغة الإنسان اليمني القديم من رقي وتقدم في ابتكاره لما يلبي احتياجاته في العصور القديمة واستطاع الإنسان اليمني بناء الدور والمدرجات الزراعية الجبلية. اختلافات في تحديد بناء الصهاريج وللتعرف أكثر على تاريخ الصهاريج، ذلك المعلم التاريخي الشامخ الذي يذهل كل من شاهده وكيف تم بناؤه وكم هو عمر هذا المعلم قمنا بزيارة ميدانية لهذه الصهاريج وشاهدت وجود لوحة مثبتة على جدار بالقرب من صهريج “كوجلان” مكتوبٍ عليها أن المصادر التاريخية اختلفت في تحديد الزمن الذي تم فيه بناء صهاريج عدن حيث لم يجد الدارسون والباحثون الأثريون أي سند أو نقوش أو أدلة تشير إلى تاريخ بنائها، ولكن القول الغالب يؤكد أن بناءها مر بمراحل تاريخية متعددة كان أولها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد مملكة سبأ. كما شاهدنا عدة خزانات في صهاريج وادي الطويلة مجهول تاريخ بنائها بينما قدر الباحثون عدد صهاريج عدن الطويلة بنحو “55” صهريجاً معظمها مطمور تحت الأرض أو أصابه الخراب وما هو قائم فيها لا يزيد عن “18” صهريجاً تستوعب 20 مليون جالون، وتستقبل صهاريج الطويلة سنوياً عشرات الآلاف من الزوار والسياح العرب والأجانب لغرض الاطلاع على مكوناتها المدهشة وخزاناتها ومتحفها. كما وجدنا عدداً من المصادر التي تشير إلى أن الملكة بلقيس ملكة سبأ جاءت إلى عدن في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وعندما شاهدت أن مياه الأمطار لا يستفاد منها وتذهب إلى البحر أمرت ببناء السدود والخزانات لخزن مياه الأمطار وتصريفها ثم أتت دولة حمير عام “115 قبل الميلاد 225”م على أنقاض دولة سبأ فوجدت أن معظم هذه السدود قد دمرت هذه الصهاريج إلى العصر الحميري وما قبله هو الطابع المماثل للأصل الحميري في مناطق أخرى من اليمن حيث اشتهرت اليمن قديماً ببناء المنشآت المائية والسدود الضخمة وقنوات الري . وتؤكد هذه المصادر أن كثيراً من المؤرخين استعرضوا في كتاباتهم صهاريج عدن وما تؤديه من وظيفة وكذا بناؤها المعماري القديم، فقد ذكرها “الهمداني” في القرن العاشر الميلادي في مؤلفاته وكذا “كامل المقدسي” موحياً بوجودها في وقت مبكر من تاريخ المدينة والرحالة “ابن بطوطة” الذي كتب عن زيارته لعدن عام 1329م و “ابن المجاور” و”ابن الربيع” وغيرهم من مشاهير المؤرخين في القرون الماضية. وتؤكد المصادر أن حمير استمرت حتى مجيء الإسلام ومنذ تلك الفترة مروراً بالدولة الإسلامية وتعاقب الدويلات اليمنية على حكم عدن وحتى العهد البريطاني مرت الصهاريج بفترات نهوض وإهمال، ففي فترة الصليحيين «1137م / 1047م أضيفت إلى أحد الصهاريج القبة ذات الطابع الإسلامي في عهد الملكة أروى ويقال إنها كانت تستخدم ذلك الصهريج كمستحم خاص بها هي وحاشيتها. صهاريج تتسع ل4 ملايين جالون وخلال الاحتلال البريطاني لعدن في 1839م فكر الانجليز في الاستفادة من هذه الصهاريج لحاجة الجيش البريطاني للمياه حيث يواجه مقاومة على طرق قوافل الماء بين الحين والآخر من القبائل فقام بترميمها على أن تكون مصدر ماء يعول عليه تلبية لاحتياجاتهم واحتياجات المدينة. وأوكل البر جدير “كوجلان” المقيم السياسي البريطاني مهمة ترميم الصهاريج لمساعدة الكابتن بليفر، وهذا ما جعل البعض يدعي بأنه مكتشفها وامتدت فترة الترميمات من “1854 حتى فبراير 1899م” وتم خلالها ترميم وإبراز “18” صهريجاً. وأثناء عمليات الترميم عدل المهندسون البريطانيون في المخطط الأصلي لشبكة المصارف “القناة” وذلك لغرض خزن أكبر كمية ممكنة من المياه مما عطل هدفها فتحولت من مصارف خزانات للماء وأكبر هذه الصهاريج اتساعاً ما يسمى ب«بليفر» ويقع خارج سور المجموعة ويتسع لأربعة ملايين جالون تقريباً ومنه ينحدر الماء إلى السائلة الرئيسية ومنها إلى البحر، يليه من حيث السعة صهريج “كوجلان” ويقع وسط المنظومة وتبلغ سعته ثلاثة ملايين ونصف مليون جالون تقريباً ويوجد في قاع هذا الصهريج منحران في اتجاه كوكب الزهرة لذبح القرابين للآلهة في مناسبات الجذب والجفاف كما يقال: صهاريج صامدة تؤدي وظيفتها أما بقية الصهاريج فتختلف في أحجامها ما بين المتوسط والصغير ويبلغ إجمالي سعتها عشرين مليون جالون وعلى الرغم من العمر الطويل لصهاريج عدن منذ العصر الحميري وما قبله، إلا أنها مازالت صامدة وتؤدي وظيفتها إلى يومنا هذا ويعود ذلك إلى صلابة صخورها البركانية وإلى المادة المستخدمة في البناء والتي اكسبتها من القوة والصلابة ما ساعدها على مقاومة عوامل الطبيعة وتقوم الصهاريج بحماية المدينة من قبضات السيول الموسمية وذلك تلقيها من أعمال الهضبة وتخفيف اندفاعاتها وإضرارها على منازل المدينة بالإضافة إلى وظيفتها التقليدية وهي خزن وحفظ الماء وتصريف ما فاض منه إلى البحر كما تقوم الصهاريج بتغذية الآبار الجوفية للمدينة من خلال فتحات خاصة صممت في قاع كل صهريج لذلك الغرض وبالتالي فإن المياه المقدمة لمدينة عدن بعد أن كان اعتمادها في الماء على الآبار الجوفية ومخزون الصهاريج من مياه الأمطار تحولت إلى جلب المياه من أماكن تقطير وتحلية مياه البحر بالمدينة وتعرف بالمياه اليمنية. جهود محلية لإعادة تأهيل الصهاريج خلال تجوالنا في صهاريج عدن علمت من القائمين على هذه الصهاريج بوجود جهود محلية لإعادة تأهيلها وبما يمكنها من استعادة دورها كمعلم تاريخي أثري ذي أبعاد سياحية وكأداة وظيفية لخزن وتصريف مياه السيول والأمطار. كما تقوم السلطة المحلية في المحافظة بأعمال الترميمات والصيانة لهذه الصهاريج المتمثلة بالخزانات والممرات الداخلية بالإضافة تقوية الإنارة وتوفير الخدمات السياحية الأساسية التي يفتقر إليها هذا الصرح. كما عملت الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية على تنظيف قنوات تصريف المياه التي تمتد من الصهاريج مروراً بوسط المدينة وانتهاءً بساحل البحر من الأتربة والاحجار ومخلفات السيول التي تراكمت وبلغت تكاليف هذا العمل بما يقارب مليون ريال كما تم رفع عشرة آلاف طن من المخلفات التي تراكمت منذ عشرات السنين بتكلفة تقدر ب”120” ألف دولار تقريباً. كما قامت الهيئة مؤخراً باستيراد “15” جهازاً من أجهزة القياس الجوي المتطور التي ستعمل على رصد تراكم السحب الممطرة ومعدلات هطولها وكميات المياه الناتجة عنها وبالتالي إعداد الصهاريج وتشغيلها بناء على أرقام ومعلومات دقيقة. وتسير أعمال تأهيل صهاريج الطويلة في إطار برنامج عمل ميداني أعده خبراء من منظمة اليونسكو والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة كجزء من حملة دولية تهدف إلى إعادة تأهيل المستودعات للاستفادة منها وظيفياً وسياحياً.