يتساءل الكثيرون من الغيورين في هذا البلد والمتابعين والعاملين المخلصين في حقل التربية والتعليم عن السبب الذي أدّى إلى تدهور العملية التعليمية والتربوية وعن رداءة مخرجات التعليم، وكيف يمكن النهوض بالتعليم..؟!.. وتشير بعض الإحصائيات التي نشرها مركز اليمن لدرسة حقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة المستقبل لعام 2012م إلى أن أكثر من ثلث سكان اليمن في سن التعليم الأساسي محرومون من الحصول على فرصهم التعليمية بالإضافة إلى (40 %) من طلاب التعليم الأساسي يتسربون ويرتدّون إلى الأمية، وأن أكثر من نصف طلاب التعليم الثانوي هم خارج هذا التعليم، كما أن (92 %) من الطلاب في سن التعليم العالي خارج هذا التعليم، وبحسب بعض التقارير تصل نسبة الأمية إلى (50 %) وخلال سؤالنا عن فساد التعليم وتدهوره التقينا الطالب أمجد وتحدّث قائلاً: يعود السبب في فساد التعليم وتدهوره إلى وجود مدرسين غير مؤهلين وغير ملمّين بالمادة الدراسية التي يدرّسونها وغير قادرين على إيصال المعلومة، كما أن بعض المدرسين فاسدون وتجار محصلات وحق تخزين وسجارة، ويضيع وقت الحصة بكلام خارج الدرس. أما الطالب عماد فقال: الإدارة المدرسية تُنجّح الطلاب المنقطعين بمبالغ مالية؛ ولا نرى أولئك الطلاب إلا أيام الاختبارات فقط، وكما سمعنا أن إدارة التربية لا تقبل الكشوفات من إدارة المدرسة إلا إذا كانت نسبة نجاح الطلاب كبيرة فيستغل المديرون تلك النظرة للممارسة الفساد، وهناك بعض المدرّسين لا يستحقون كلمة «أستاذ» لما يقومون به من ممارسات غير أخلاقية وكلمات بذيئة..!!. الوساطة والمحسوبية وتحدّث الإداري والمربّي عبدالحكيم المهدي، مسؤول قسم المناهج في مكتب التربية «تعز» سابقاً حيث قال: إن الجانب السياسي كان له الدور الرئيس في تدهور التعليم، والوضع الاقتصادي الذي فُرض على الشعب اليمني ومن ضمنهم فئة المعلمين كان من أسباب تدهور التعليم، كما أن الاهتمام بالتعليم والمتفوقين كان من قبل الأسر التي كانت ترغب بأن يكون أبناؤها من حملة العلم وليس من حملة الشهادات وكذلك كان اهتمام الحكومة حيث كانت لا تقبل في الوظائف العامة إلا المتفوقين، أما في فترة التسعينيات فقد تم توظيف الناس على أساس الوساطة والمحسوبية والولاء الشخصي والمناطقي والحزبي والمادي، وتم استبعاد المتفوقين؛ حيث أصبحت تلك المعايير هي الضامن الأول للحصول على الوظيفة، وأضاف: “إن ذلك أدّى إلى انعكاسات سلبية على العملية التعليمية ونفسية المتعلّم والمعلّم والكادر الإداري”. الأستاذ عبدالرحمن المقطري، مسؤول في نقابة المعلمين، عرضنا عليه التساؤلات السابقة، فأجاب: التعليم كان في الماضي من أجل التعليم، وكان يتم اختيار الطلاب المتفوقين للوظائف العامة وكذلك المنح الدراسية، وأكد أن هذا بدوره كان يؤدّي بأفراد المجتمع والطلاب إلى قناعة أنه لا مجال للكسالى، وتدخُّل الوساطة والمحسوبية واستبعاد معايير التفوق والكفاءة من العوامل التي أثّرت سلبياً على التحصيل العلمي للمتعلمين وأدّى إلى إحباط التلاميذ. ألغاز وطلاسم أما الأستاذ عادل ناجي - موجّه - فيرى أن أهم الأسباب التي أدّت إلى تدهور التعليم تعود إلى تعيين إدارة تربوية ومدرسية غير مؤهّلة وغير نزيهة، ويرى أن المنهج الدراسي لا يتناسب مع قدرات التلاميذ الذهنية وما هو إلا «ألغاز وطلاسم» بحسب وصفه. أمّية الأسرة وتخلّي المجتمع عن رقابة التعليم الاستاذة م. س - سكرتيرة مدرسة - ترجع ذلك التدنّي والتدهور في التعليم إلى أسباب أسرية مثل أمّية الأبوين وأسباب اقتصادية واجتماعية مثل الفقر وعلمية ومادية وعدم كفاءة المعلّم وضعف تأهيله وعدم حصوله على حقوقه المادية وانتشار الرشوة في التعليم. بينما ترى المواطنة - منيرة - أن ذلك يعود إلى ضعف الإدارة التربوية والمدرسية وتخلّي المجتمع عن رقابة التعليم. أما الأخ - محمد - مواطن - فيعيد ذلك إلى فساد الإدارة المدرسية وتحويل بعض مديري المدارس مدارسهم إلى مراكز جباية بالإضافة إلى تحوُّل بعض المدرّسين إلى تجار محصلات ودرجات وضعف التواصل بين الأسرة والمدرسة. وعندما سألنا كل من قابلناهم عن الحلول المناسبة من وجهة نظرهم؛ أجاب الأستاذ عبدالحكيم المهدي: يجب الاهتمام بالمعلّم تدريباً وتأهيلاً وإعطاؤه حقوقه المادية والحوافز المعنوية وتفعيل مبدأ المحاسبة “العقاب والثواب” وإيجاد إدارة مدرسية وتربوية مؤهّلة ومدرّبة. أما الأستاذ عبدالرحمن المقطري فيرى من جانبه أن الحل يبدأ من إصلاح الإدارة الفاسدة وإعادة تأهيل المعلّم على المهارات القرائية والكتابية، وإلزام التلميذ بمرحلة تمهيدية قبل الصف الأول يُعلّم فيها التلميذ حروف الهجاء والشكل، ويجب تفعيل دور الإشراف الاجتماعي والأنشطة الصيفية. أما الأستاذ عادل ناجي؛ فيرى أن الحل يكمن في اختيار كادر إداري وتربوي مؤهّل ونزيه ذي خبرة طويلة، وتغيير المناهج الحالية، وإصدار قانون لحماية المعلّم، وتوفير وسائل تعليمية حديثة، وتوفير التجهيزات المدرسية الحديثة. بينما تقول الأستاذة «س.م»: إن الحل في توعية الأسرة بأهمية التعليم لمستقبل أبنائهم، وعقد دورات تدريبية للمعلمين، وتحسين الحالة المادية للمعلّم وإيجاد منهج عملي يناسب البيئة اليمنية. والطالبان أمجد وعماد أجمعا على أن الحل يكون في تقييم إدارة التربية والتعليم بالاستغناء عن المدرّسين المصابين بحالات نفسية وعصبية وأمراض كبر السن، وتعيين مدرّسين قادرين على تحمُّل أعباء التدريس، ومحاسبة الإدارة المدرسية عن أي تقصير. من جانبها ترى المواطنة منيرة أن الحل في إيجاد إدارة مدرسية حازمة منضبطة وشريفة، وتفعيل دور المجتمع في مراقبة إدارة المدرسة ممثّلاً في مجلس الآباء والأمهات، وإيجاد المعلّم الذي يعمل بإخلاص. فيما يرى محمد أن الحل يكمن بإعادة تأهيل العاملين في حقل التربية والتعليم معلّمين وإداريين، واستبعاد العناصر التي ثبت ارتباطها بالفساد، ويتم اصطفاء الذين سيعملون في حقل التربية والتعليم وفق معايير وشروط حازمة, أي لا يدخل إلى معاهد إعداد المعلّمين وكليات التربية إلا من تتوافر فيه القدوة الحسنة، وأن ينظر إلى التعليم كرسالة وليس كمهنة؛ وبالتالي فإن المؤسسة التعليمية بحاجة إلى إصلاح شامل في كل مفاصلها وإداراتها، وإعادة تأهيل كوادرها وفق معايير صارمة إذا كانت هناك نيّة من المعنيين بنهوض هذا البلد، فالتعليم هو إكسير وسر نهضة الشعوب وتقدُّمها.