جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع كتاب «من تاريخ التعذيب في الإسلام»
نشر في الجمهورية يوم 21 - 04 - 2014

الكتاب لهادي العلوي صادر عن دار المدى، في طبعته الثانية عام 1999م، والرابعة عام 2004م، وقد قسّمه المؤلف إلى قسمين هما “مسح زمني للتعذيب في الإسلام” ويشمل وقفات “في الاصطلاح، وأغراض التعذيب وضحاياه، والتعذيب السياسي، التعذيب لأغراض أخرى، فنون التعذيب وأبطاله، خارطة التعذيب، موقف الفقهاء، هوية الجلادين والسجانين، ملحق للمقارنة، التعذيب عند الأمم الأخرى” والقسم الثاني بعنوان “المقتربات الدينية للتعذيب” ويشمل “تذييل – الحجاج وهتلر –غراران للقمع في حضارتين”.
يتوقف المؤلف أمام مفردة “التعذيب” ويراها اشتقت حديثاً إلى ثلاثة مصطلحات قديمة “العذاب والبسط والمُثلة” وقد استعمل العذاب والبسط في العصور الإسلامية؛ بمعنى إيلام الأسير أو المتهم للانتقام، أو بغرض الحصول على اعتراف بشيء ما، والبسط يتعدّى بالجار والمجرور “عليه” وفي دارجة العراق «بسطه: أي ضربه، والمبسوط المضروب، على عكس بعض اللهجات العربية، حيث يعني المبسوط المستريح والمسرور».
أغراض التعذيب
إما سياسية أو لأغراض أخرى، الأغراض السياسية: وهي الأسبق ظهوراً في الدولة ويرتبط ذلك بظاهرة الصراع الطبقي الذي تتولّى الدولة إدارته من خلال دورها الشرقي المباشر في سيرورة الإنتاج الاجتماعي، وقد وجد أن تطبيق هذا النوع من التعذيب شكّل منهجاً يعود إلى خلافة معاوية بن أبي سفيان، فبعد أن استقل بالسلطة بعد تنازل الحسن بن علي؛ ثارت في وجهه عدة إشكالات منها “موقف جمهور المسلمين الذين اعتادوا حكم الخلفاء المقيد بالشرع، والذي تجاوزه معاوية بعد أن أقام سلطته الفردية المطلقة – موقف العرب الذين لم يتعودوا الخضوع لسلطة، لاسيما سلطة مستبدة “اللقاحية الجاهلية” - معارضة أهل العراق المتمسّكين بالولاء لعلي بن أبي طالب وأولاده، والمواقف الثلاثة مترابطة ومتداخلة، لقد اشترى معاوية ولاء العديد من الزعامات القبلية لإقليم العراق، ومع ذلك لم يستطع السيطرة على المعارضة التي تحركت خارج إطار القبيلة، لهذا استخدم في البداية المداراة، فولّى المغيرة بن شعبة فلم ينجح في تخفيف حدة المعارضة، فولّى زياد ابن أبيه بعد أن استدرجه، مستفيداً من عقدة النسب لدى ابن زياد، وعمل على نسبته إلى أبي سفيان، وقد أظهر زياد مواهب إرهابية نادرة في صدر الإسلام، وصار قدوة لمن بعده من الولاة والحكام، وشرّع لعدة أساليب قمعية سارت عليها السلطة فيما بعد، مثل منع التجول والقتل الكيفي، وكان يعرف عندهم بالقتل على التهمة، أو على الظن، وقتل البريء لإخافة المذنب، وقد طبّقه على فلاح خرج ليلاً للبحث عن بقرته الضائعة، خلافاً لقراره بمنع التجوّل ليلاً، وقتل النساء، وهو غير مألوف عند العرب.
ويخبرنا الطبري أن وكيل زياد على البصرة سمرة ابن جندب أعدم ثمانية آلاف من أهلها تطبيقاً لمبدأ زياد في القتل على التهمة، لقد تطوّرت أساليب التعذيب والقمع من زياد بن أبيه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، فخالد القسري وأخيه أسد القسري...إلخ وأصبحت في عصر العباسيين أشد فتكاً، لقد أضاف الحجاج، الصلب بعد القتل للأشخاص الذين لهم مكانة في حركة المعارضة، وقد استمرت سياسة التعذيب بعد استراحة قصيرة في خلافة عمر بن عبدالعزيز– على يد هشام بن عبدالملك في الشام، وولاته في الأقاليم، بل لقد طبّق هشام بن عبدالملك بنفسه القتل بتقطيع الأيدي والأرجل في إعدامه لغيلان بن مسلم الدمشقي بحجة القول بالقدر، والسبب الحقيقي يعود إلى ارتباط غيلان الدمشقي بالمرحلة العادلة لحكم عمر بن العزيز، وتصفية أموال الظلمة من بني أمية، فلقد كلّفه عمر ببيع أموال بني أمية، وكان غيلان ينادي ببيعها في الأسواق، قائلاً: من يشتري أموال الظلمة، وكذلك قتل عامله “خالد القسري” على العراق الجعد بن درهم ذبحاً، وصلب الناس داخل الحرم، حين كان والياً على الحجاز، رغم أن الشريعة قد حرمت “قتل الحيوان في هذا المسجد، واختلف الفقهاء فيما إذا كان يجوز قتل الأفاعي والعقارب فيه” وحين قضت الثورة العباسية على آخر خلفاء بني أمية “مروان بن الحكم” وبويع السفاح كأول خليفة عباسي “واصل العباسيون تراث أسلافهم الأمويين، وأضافوا إليه “فعدد من أعدمهم أبو مسلم الخرساني – كما يذكر الطبري – بلغ ستمائة ألف بين رجل وامرأة وغلام” وكان إبراهيم الإمام زعيم الدعوة قد كتب إليه بقتل أي غلام بلغ خمسة أشبار، إذا شك في ولائه، ومع خلافة أبوجعفر المنصور تزايدت المعارضة من الشيعة الإمامية والزيدية والخوارج والمعتزلة، ثم ظهرت بعد ذلك الشيعة الإسماعيلية، وثورة الخرمية وثورة الزنج، لقد تطوّرت أساليب القمع “لمضاهاة التصاعد في أشكال المعارضة المسلحة، ولدينا روايات في “مقاتل الطالبيين” لأبو الفرج الأصفهاني تفيد أن المنصور قتل بعض العلويين ودفنهم أحياء، وتطوّر القتل بالتقطيع للأيدي زيادة في عدد الأوصال المقطعة، فبعد أن كانت الأيدي والأرجل تقطع دفعة واحدة؛ صارت تقطع إلى عدة أوصال، ويضم إليها أجزاء أخرى من الجسم وقد أبلغها الرشيد إلى أربعة عشرة قطعة، وسارت الدويلات المنشقة على نهج الخلافة العباسية في استخدام أساليب التعذيب والقتل، وكان الأمراء المتغلّبون في المشرق، نماذج متمّمة للخليفة العباسي في التعامل مع خصومهم السياسيين.
التعذيب لأغراض أخرى
ويشمل التعذيب للاعتراف، والتعذيب للجباية، والتعذيب للعقوبة، والتعذيب للمقابلة بالمثل، وقد تشكى أبويوسف في كتاب “الخراج” من انتزاع الاعترافات من المتهم عن طريق التعذيب، ما يدل على انتشاره في الحقبة العباسية الأولى، وقد استخدمت الهراوة أو السوط كوسيلة للتعذيب لعدم مساس هذه الجرائم بأمن الدولة، والمصالح المباشرة للطبقة الحاكمة، ولم تستخدم فيها أساليب خارقة للعادة كالتي استعملت في التعذيب السياسي؛ رغم أنها عكست في ظهورها كحالة متكرّرة – قوة النزعة وشمولها.
التعذيب للجباية
وترجع الكثير من وقائع التعذيب بغرض الجباية إلى زمن الحجاج “الذي ربطت بعض الروايات بين شدّة بطشه، وتضاؤل حصيلة الخراج في أيامه” ويدخل في تعذيب الجباية تعذيب عمال الخراج الذين يتهمون بالاختلاس، وقد استخدمت لتعذيب المختلسين وسائل وأساليب يحتمل أن تكون مكرّسة لهذا الغرض، منها التنور الذي ابتكره وزير الواثق محمد بن عبدالملك الزيات، وهو عبارة عن صندوق في وسطه عمود يجلس عليه الشخص الذي يتم معاقبته، وفي جوانب الصندوق من الداخل مسامير، كلما غفا المسجون في الصندوق يقع على هذه المسامير، فيظل صاحياً دون نوم..!!.
التعذيب على سبيل العقوبة
هناك عقوبات منصوص عليها في الشريعة، وهي الجلد للسكران والزاني غير المحصن والمحكوم بالقذف، والرجم للزاني المحصن، وقطع يد السارق، وقطع أيدي وأرجل قطّاع الطرق وصلبهم؛ على أن عقوبات التعذيب لم تتحدّد بالشرع، وإنما امتدت إلى جرائم عادية أخرى رغم التشديد في النهي عن تجاوز الحدود المقرّرة، لكن تم تجاوز الحدود في القصاص السياسي، ومن أمثلته تعذيب عبدالرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب، وتعذيب الخادم الذي قتل أبا سعيد الجنابي، مؤسس الحكم القرمطي في شرقي الجزيرة العربية.
تعذيب المقابلة بالمثل
وتقر الشريعة هذا الشكل من العقوبات، وهو مبدأ موجود في التوراة وفي قانون حمورابي قبلها.
فنون التعذيب وأبطاله
هناك عدة أساليب للتعذيب منها «التشميس» وهو يعتمد على شمس الجزيرة الحارقة، كما حدث من قبل تجار قريش وهم يعذّبون عبيدهم ومواليهم الذين أسلموا بوضعهم في الشمس بعد إلباسهم أدراعاً من الحديد أو وضع جندلة على ظهره أو صدره، ويُترك على هذا الحال ساعات غير محدّدة، وقد استخدم «التشميس» في صدر الإسلام لتعذيب الممتنعين عن دفع الخراج، ومن الفنون العديدة للتعذيب: حمل الرؤوس المقطوعة والضرب والجلد باليد أو السوط أو الهراوة أو المقرعة، وتقطيع الأوصال وسلخ الجلود “والسلخ من أشنع صنوف التعذيب، ويستدعي الإقدام عليه نزعة سادية في غاية الإفراط؛ لذلك لم يتكرّر كثيراً” والحقيقة على عكس ما ذكر هادي العلوي، فلقد تكرّر التعذيب عن طريق السلخ، فلقد استخدمه الأتراك في احتلالهم الأول لليمن حين تم القبض على “الصافية” وهو صوفي في العدين قاد معارضة مسلّحة ضد الاحتلال التركي، فتم سلخ جلده، وتصيير الجسد جسدين، بحسب وصف الموزعي في كتابه “الإحسان...”وهو من كتبة آل عثمان وشيعتهم، والإعدام حرقاً من الأساليب التي استخدمت في زمن الأمويين عن طريق “خالد القسري” حاكم العراق، وكذلك أُعدم عبدالله بن المقفع حرقاً في عهد المنصور بأمر من سفيان بن معاوية، أحد ولاة المنصور، واستخدم العباسيون “شيّ” الضحايا فوق نار هادئة وهو ما فعله المعتضد بحق محمد بن الحسن المعروف بشيلمة، أحد قادة الزنج في البصرة، وهناك تعذيب متعدّد الوسائل، بخلع الأيدي وقلع الأضراس وتقطيع أعضاء الجسد، قطعة قطعة، وعن طريق التنور، والقتل بالطشت المحمى، والتعذيب بالمقدحة والموت اختناقاً بالنورة، والنفخ بالنمل، وعن طريق الموت عطشاً، والتبريد بعد الجلد، والتكسير بالعيدان الغليظة، بعد نفخ الجسد من أسفل، وقلع الأظافر والتعذيب بنبات القصب بعد تعرية الجسد، ووضع الملح على الجسد بعد ذلك، والتعذيب الجنسي، فالحاكم بأمر الله هو من أهم حكام الدولة الفاطمية، وأعدلهم، وأزهدهم، وتشويه صورته من الأمور المفهومة بسبب حملة التصفية ضد كل ما هو فاطمي، والتي كانت بقيادة صلاح الدين الأيوبي ومن جاء بعده من الأيوبيين، وكان على مفكر كهادي العلوي أن يستدرك بوعيه النقدي في تعامله مع مرويّات غير بريئة كهذه، وهناك التعذيب الأدبي بحلق اللحية أو التشهير بإركاب المعزّر به على حمار، ويورد الجاحظ في «مفاخرة الجواري والغلمان».
آراء الغزالي في كيفية التعامل مع أهل المعاصي
الغزالي معدود من الأصوليين، وهو قبل هذا فيلسوف ومتصوّف ومفكر اجتماعي وكاتب سياسي، وقد قسّم طريقة التعامل مع أهل المعاصي إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: وهو أشدها «ما يتضرّر به الناس بالظلم والغصب وشهادة الزور والغيبة والنميمة، وهؤلاء يجب الإعراض عنهم، وترك مخالطتهم، والانقباض عن معاملتهم، لأن المعصية شديدة فيما يرجع إلى إيذاء الخلق، ثم هؤلاء ينقسمون إلى من يظلم في الدماء وإلى من يظلم في الأموال وإلى من يظلم في الأعراض. وبعضها أشد من بعض، فالاستحباب في إهانتهم والإعراض عنهم مؤكد جداً”.
والقسم الثاني: صاحب الماخور الذي يهيّئ أسباب الفساد، ويسهل طرقه على الخلق؛ فهذا لا يؤذي الخلق في دنياهم؛ ولكن يفسد بفعله دينهم، وهذا أيضاً يقتضي الإهانة والإعراض والمقاطعة، وإن كان الغزالي يرى هذا القسم أخف من الأول.
والقسم الثالث: الذي يشرب الخمر أو يقارف محظور يخصّه، فالأمر أخف، والأفضل مع هذا القسم النصح والزجر باللطف، والغزالي في الأقسام الثلاثة لا يذكر عقوبة مستحقة ضد هذه الأقسام من المعاصي، ويقتصر على طريقة تعامل المجتمع معهم، فالحكم العام عند الفقهاء “أن حقوق العباد مبناها على الشح، وحقوق الله مبناها على السعة”وحقوق الله أفعال الفرد لنفسه كشرب الخمر وترك الصلاة والزنا وما أشبه؛ والحساب على هذه يسير لأن ضررها لا يصل إلى الناس، بل إن الغزالي اعتبر أن البغاء من أفعال النفس ولا يتعدّى ضررها إلى الغير كونها قائمة على التراضي بين الطرفين ويُدفع فيها أجر، فالأجر فيه شبهه بالمهر، وهناك التراضي كعقد بين طرفين.
هوية الجلادين والسجانين
اعتمد الأمويون على جلادين من الأتراك، فاللقاحية الجاهلية يصعب ترويضها وتحويلها إلى رعايا خانعين للأمويين إلاّ بالاستعانة «بعناصر أجنبية سلموها أمر السجون ومهمة الجلادين، لاسيما بعد أن تعذّر عليهم تأمين ما يكفي لهذه المهام من الأفراد العرب».
مسؤولية الجلاد
اختلف الفقهاء في مسؤولية الجلاد، فبعضهم برأهم لأنهم مأمورون، والقوا بالمسؤولية على الآمر، وبعضهم أشركهم في الإثم الشيعة يقولون بتجريم الجلاد الذي يعذب السجناء ويحكمون عليهم بالسجن الأبدي – التخليد في السجن، ولما تولّى عمر بن عبدالعزيز الخلافة لم يعاقب الجلاد الذي كان يعمل للخلفاء قبله واكتفى بعزله “ولم يكن يولّي أحداً ممن عمل مع الحجاج، أمر من أمور الدولة، ولو عمل مع الحجاج شيئاً يسيراً”.
ملحق للمقارنة مع الأمم الأخرى
لقد استخدمت أساليب التعذيب، مثل الخوزقة والتقطيع عند الآشوريين، الذين عُرفوا بوحشية استثنائية بين الشعوب السامية الأخرى، فقد كانوا يقتلون أسراهم بإجلاس الأسير على خازوق، وقطع يديه ورجليه، وفي العصور الإسلامية استخدم العثمانيون الخازوق كوسيلة رسمية لتنفيذ حكم الإعدام ضد المعارضين والمتمرّدين عليهم، وهناك الإعدام حرقاً، وقد استخدمت في أوروبا في القرون الوسطى ضد الفلاسفة، واستخدمته محاكم التفتيش الإسبانية التي أحرقت عام 1483م ألفي رجل، وأعدمت جان دارك بالحرق على يد الإنجليز، والإعدام شيّاً استخدم في هنغاريا في «حرب الفلاحين» حيث تم شيّ “دوشا” قائد فلاحي هنغاريا عام 1514م، وفرض على أتباعه إما أن يأكلوا من لحمه أو شيّهم على طريقته، وفي ألمانيا ربط القائد الفلاحي جاكلين رورباخ، وأحيط بنار هادئة، حتى مات شيّاً، وهناك سلخ الجلود الذي استخدم في التبت ضد الأقنان، واستمر حتى تحرير ذلك الإقليم عام 1951م، والصلب والجدع والسمل استعمله الإقطاعيون الأوروبيون ضد فلاحيهم، واستخدموا قنطرة النار، وهو أن توضع قنطرة من نحاس تلامس الجمر حتى تسخن فوق حفرة واسعة مليئة بالجمر، ويطلب من الضحية أن يسير فوقها حافياً، فإن عجز ألقى بنفسه في الحفرة المليئة بالجمر، وقد استخدم الإنجليز التعذيب للجباية في الهند ضد العاجزين عن دفع الضرائب، واستخدموا إدخال قطط صغار في صدور الفلاحات، يقول أنجلز في رسالة كتبها إلى ماركس، في 1 كانون الأول – ديسمبر 1865م حول أعمال الإنجليز في جامايكا: إن كل بريد يحمل أخباراً أبعث على الذهول عن الأفعال الدنيئة المقترفة في جامايكا، ورسائل الضباط الإنكليز عن مآثرهم البطولية ضد العبيد العزّل لا تقدّر بثمن، إن روح الجيش البريطاني قد ظهرت أخيراً في كل عريها دون حياء البتة، وهناك «الهابدة» أي القتل الجماعي استخدمه الإمبراطور «تشين شي هوانغ» في القرن الثالث ق.م في الصين والمهابدة مسلك أوروبي شائع، ولم يقتصر على أهالي المستعمرات والأمريكيتين، وأستراليا بل طبق في الداخل، وقد أمر هنري السابع بإعدام اثنين وسبعين ألف متشرد للتخلص منهم فقط “وقد أشار أنجلز في رسائله إلى ماركس إن الجنود البريطانيين كانوا يتخذون من التعذيب وسيلة للتمتع..!!.
يختتم هادي العلوي هذا القسم بتعليق اقتبسه ماركس من كتاب وليم هويت: “إن الانتهاكات الهمجية الشنيعة التي يقترفها الرس المسمّى مسيحياً في أية بقعة من الدنيا وضد أي شعب تمكّنوا من إخضاعه لا نظير لها عند رس آخر، مهما بلغت فظاظته ومهما كانت جهالته، ومهما بلغ استخفافه بالرحمة والحياء، في أي عصر من عصور الأرض «وكتاب وليم هويت كما يعلق هادي العلوي» وثيقة تاريخية مريعة عن الفظائع الأوروبية، تبدأ مع بداية الاستعمار على أيدي الاسبان في أواخر القرن الخامس عشر، وتنتهي حتى تاريخ صدور الكتاب عام 1838م، والكتاب يعتبر اليوم في حكم المخطوطات لعدم إعادة طباعته..!!.
القسم الثاني «المقتربات الدينية للتعذيب»:
التجارب المستفادة من الأديان تجعلنا نستنتج – حسب قول هادي العلوي – قابلية العوامل المكوّنة للسلوك الديني لتكوين شخصية دموية فاشية المزاج المعادي للإنسان، وهو على عكس التدين الشعبي الخاضع للفطرة، فالوازع الديني يقوم على الخوف والتخويف، ورجل الدين مهمّته تحذير المؤمنين من غضب الآلهة، ويسهم في آن في تطبيق الغضب الإلهي على رعاياه، وللأديان أدوار مشتركة في هذا المضمار تتفاقم في الحالات التي تجتمع فيها سلطتان متكاملتان دينية وزمنية، حيث تتداخل عوامل الخوف الروحي من القوى الخارقة، مع الإرهاب الحكومي – الاكليروسي، يستعرض الكاتب قانون العقوبات في الأديان السماوية “اليهودية والمسيحية والإسلام” بشكل موجز، مقارناً بين تمسك المؤسسة الإسلامية بالقول إن التعذيب وسيلة خاصة بالخالق، واعتبار الكنيسة الأوروبية التعذيب منسكاً مقدّساً لإحراق المفكرين والفلاسفة “وقد ظلت الكنيسة طوال العصور الوسطى وشطراً من النهضة مصدر الإرهاب الوحيد تقريباً في أوروبا، وكانت كوادر الإرهاب تتألف في العادة من الأكليروس الذين كانوا يديرون هيئات التحقيق ومحاكم التفتيش بأنفسهم، وينفذون أحكامها بأيديهم”.
لقد استمرت إجراءات التعذيب إلى عهد “كالف” الذي أشرف على إجراءات التعذيب في جنيف، ثم بدأ التعذيب في التقلّص، مع تقلص نفوذ الكنيسة، وظهور الدولة العلمانية التي فصلت الدولة عن سيطرة الكنيسة التي استمرت سلطتها عبر محاكم التفتيش في اسبانيا الكاثوليكية المتعصّبة حتى أوائل القرن التاسع عشر عندما أغلقها نهائياً الامبراطور العلماني نابليون بونابرت، وينبغي التنبيه إلى أن القمع المسيحي اقتصر على الكنيسة الأوروبية، أما الكنيسة الشرقية التي تألفت رئيسياً من نصارى العرب والسريان فلم تتورّط في هذه الأدوار، وقد يكون الفضل في هذا لعدم وصولها إلى السلطة، ولم تصبح ديناً سائداً في الشرق قبل الإسلام، لهذا قامت بدور أقرب إلى روح المسيح – لاسيما في الجهات التي لم تتمركز فيها سلطة بيزنطة – وقامت بوظائف مختلفة تماماً عن وظائف قرينتها في أوروبا: رعاية الفقراء من المؤمنين وتعهّد الثقافة الهيللينية حتى تسلمها العرب – الإسلاميون منها.
بعد استعراض المؤلف تاريخ صدر الإسلام وعلاقة التديُّن والتعذيب؛ يصل بعد ذلك إلى مؤسّس الاستبداد الأموي معاوية ورديفه مروان بن الحكم وتدين الاثنين، فينقل عن اليلاذري أنهما كانا يقولان إذا سمعا الأذان “مرحباً بالقائلين عدلاً وبالصلاة مرحباً وأهلها” وعن مروان أنه كان يقوم الليل كله أحياناً، وينبغي ألا تحمل هذه الرواية على محمل الإعلام السنّي الذي تخصص في الدفاع عن الأمويين ضد الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية المعارضة للاستبداد الأموي، فقد كانت قريش متدينة قبل الإسلام، وكانوا يلقّبون بالحُمس، أي المتشدّدين في الدين، لهذا يفهم من قيام مروان بن الحكم، الليل، أنه امتداد لهذا التديّن القرشي، وليس مجرد دعاية سنّية له، كان الحجاج «بطل الإرهاب في الإسلام» حين خيّر بين معلم مسلم وآخر نصراني من أجل تأديب ولده – فقد اختار المعلم المسلم، وقال له “ألا ترى يا هذا أنا قد دُللنا على نصراني قد ذكروا أنه أعلم منك غير أني كرهت أن أضم إلى ولدي من لا ينبهّهم للصلاة عند وقتها، ولا يدلّهم على شرائع الإسلام ومعالمه” وكذلك تتحدّث المصادر عن مسلم بن عقبة المري، وهو من قواد يزيد بن معاوية، وقد أباح المدينة في موقعة الحرة، ثلاثة أيام قتلاً ونهباً واغتصاباً للنساء، ويروى أن المغتصبات ناهزن السبعة آلاف أحصين على أساس الولادات غير الشرعية، التي حصلت في المدينة بعد تلك الحادثة، ويستدل من هذا الرقم على فظاعة ما جرى حينذاك، ولو أننا لا نستطيع أخذه على علاته، وكان عقبة يقول في آخر أيامه - وقد توفي في طريقه إلى مكة، من أجل القضاء على حركة بن الزبير- «اللهم إنك تعلم أني لم أشاق خليفة ولم أفارق جماعة ولم أغش إماماً سراً ولا علانية، ولم أعمل بعد الإيمان بالله ورسوله عملاً أحب إليّ، ولا أرجى عندي من قتل أهل الحرة» لقد قام بهذا الفعل من منطلق التدين ومات وهو مقتنع بنوال رضا الله وغفرانه، ولو كان في فعله خرق للقانون الإسلامي، حين فتك بأهل المدينة الذين تمرّدوا على خليفة ظالم، يجوز خلعه بموجب تعاليم الشريعة، وحين يأتي المؤلف إلى العباسيين يجد أكثرهم دموية هم المهدي وابنه هارون الرشيد، وقد عرف عنهم التشدّد في الدين، فالمهدي خاض في دماء المثقّفين، وقتل بيده صالح بن عبدالقدوس، شاعر الحكمة والزهد، وقيل إنه شطره نصفين بضربة واحدة على هامته، وكان صالح قد شاخ وأدركه العمى، وأعدم المهدي أيضاً بشار بن برد جلداً، وقد نيف على السبعين، ففي عهده تم ما يسمّى ب«ملاحقة المهدي للزنادقة، وسجنهم وتشريدهم وتعذيبهم وقتلهم» مع الأخذ في الحسبان أن ملاحقة “الزنادقة” تمّت لأسباب سياسية “لأنهم كانوا ضمن فئات المعارضة للعباسيين الأوائل” أما الرشيد فقد عُرف بكثرة الحج، فكان كما يقال: يقال سنة ويغزو سنة، ولديه ولع بالمواعظ، وكان يستدعي أبا العتاهية ليتلو عليه من زهدياته حتى يبكيه، ويصلّي كما يقول ابن الأثير - كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، ومن بين آخر أعمال الرشيد إعدامه أحد الخارجين عليه في المشرق، ويدعى بشير بن الليث، وتبعاً لرواية الطبري في تاريخه، كانت طريقة إعدام هذا الرجل تعكس روح العذاب الأخروي، ونزعة القربنة، فقد استدعي الرشيد جزاراً وأمره ألا يشحذ مديته، ثم أحضروا الضحية، فأخذا الجزار يقطع أوصاله بمديته الكليلة حتى فصله 14 قطعة، يلاحظ أن أقل الخلفاء العباسيين تديناً وأبعدهم عن السلفية كالمأمون – كان أقلّهم إرهاباً، لقد مارس المأمون طغيانه كغيره من حكّام العصور القدية، لكنه مارسه بطريقة دنيوية مقنّنة بالحفاظ على مصالح دولته، ولم يصدر عنه نهم بالدم أو نزعة قربنة تتلذّذ بالتعذيب، وكانت عقلانيته المعتزلية تسلكه في عداد جيل التنوير الإسلامي الذي كان قد بدأ تألقه قبل زمانه بوقت طويل، لقد كان طاغية في حدوده التاريخية كإمبراطور يحكم رقعة تزيد مساحتها على عشرين مليون كيلومتر مربع، ويأتي المعتضد كنموذج لمن مارسوا التعذيب دون نزعة تديُّن، لكنه “اتخذ الإرهاب وسيلة للسيطرة على المتغلبين الذين اتبعوا نفس الأسلوب مع أسلافه من الخلفاء المستضعفين” الذين سامهم قادة الجيش من الأتراك سوء العذاب، أي ضد الحاشية والجيش والإدارة القريبة من ديوان الخلافة.
تكملة
للإرهاب الديني حضور في لغة السجال “التي يستعملها السلفيون من شتى الفرق والطوائف، ويمتد هذا الإرهاب إلى عناوين الكتب التي تؤلف للرد على مخالفيهم، مثل “الصواعق المحرقة على أهل البدع والضلال والزندقة” لابن حجر الهيتمي – العاشر الهجري، و“سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد” لابن عصفور - الثاني عشر الهجري - في الرد على شارح نهج البلاغة لأنه صوب خلافة الراشدين خلافاً لمذهب الشيعة و“الصارم الحديد في عنق صاحب سلاسل الحديد” لمحمد أمين السويدي – متأخر – في الرد على الكتاب السابق، ويقتبس هادي العلوي من شعر الخُصيبي النصيري في المهدي المنتظر:
«إمام يرث الأرض
ويمضي حكمه فرضاً على الخلق
يقضي ويفني الشك والشركا،
ويفني الروم والتركا،
وأهل الهند والإفكا ،
ويعطي الخزرج الهلكا
فلا يبقي لهم ملكا»
يبدو أن الوجدان القمعي في المجتمعات العربية سببه عدم وجود تغير جذري في الأنساق الاجتماعية وتركيبها الطبقي ،الموروث.
الحجاج وهتلر:
لقد كان الحجاج بن يوسف بن الحَكم من قبيلة ثقيف الحجازية ،التي استوطنت الطائف في العصر الجاهلي، أي من القبائل التي هجرت البداوة واشتغلت في الزراعة. ومن ثقيف “الحارث بن كلدة” طبيب العرب الأول، وقد برزت من ثقيف شخصيات قيادية من أمثال المغيرة بن شعبة والمختار بن عبيد الله الثقفي، قائد العبيد والموالي، ومحمد بن القاسم الثقفي ،الذي أدمج السند في الإمبراطورية الإسلامية “في مجتمع الإسلام الجديد” والحجاج بن يوسف الثقفي، ويوسف بن عمر الثقفي “وكان الأخير طبق الأول في دمويته المنفلته، لكنه انكسف في ظل ابن عمه فلم يذكره التاريخ “,ولد الحجاج في الطائف عام 40هجرية، ونشأ فيها، ثم انتقل إلى الشام في خلافة عبد الملك. وأظهر ولاءه للدولة الأموية قبل أن يكون في خدمتها. يقول بن عساكر في ترجمة الحجاج، من تاريخ دمشق «إنه مرّ يوماً بقاص يحدث الناس عن سيرة أبو بكر وعمر بن الخطاب، فاستاء وقال «ما يفسد الناس على أمير المؤمنين إلاّ هذا وأشباهه ،يقعدون ويقعد إليهم أحداث الناس، ويذكرون سيرة أبو بكر وعمر فيخرجون(يثورون)على أمير المؤمنين » وهو ما يوضح الأمر الذي أصدره عبدالملك بن مروان بمنع الكلام عن سيرة أبو بكر وعمر، واستمر الأمر ساري المفعول حتى خلافة عمر بن العزيز «الذي رتب بنفسه قصاصاً يحدثون الناس عن هذه السيرة» ثم التحق الحجاج شرطياً بإمرة رَوح بن زنباع، الذي كان بمثابة وزير لعبد الملك بن مروان. وعهد إليه عبد الملك بقيادة جيش جرار إلى الحجاز للقضاء على حركة عبد الله بن الزبير، ومما يدل على المعية الحجاج وعدم خضوع أدائه السياسي للوساوس العقدية، هو أنه حين نزلت صاعقة على جيش الشام، وقتلت عدداً منهم ،خاف الشاميّون، واعتبروا ذلك رداً إلهياً على قصفهم الكعبة، فوضح لهم الحجاج قائلاً «أنا ابن تهامة وهذه صواعقها» وطلب منهم التريث، حتى أصابت صاعقة جيش بن الزبير، وقتلت عدداً منهم، استطاع بعدها أن يتجاوز هذه الأزمة في معسكره “ليس من العلوم ما إذا كان الحجاج ينطوي على نزعة دموية أو أنه قنن القمع تبعاً لمطالب أمن الدولة الاستبدادية» فابن زياد لديه سلوك مرضي كونه ابناً غير شرعي، وهو الذي استغله واستفاد منه معاوية بن أبي سفيان، حين نسب زياد لأبي سفيان، فلقد كان زياد كما تقول الروايات يتلذذ بالقتل، لكن تلذذ الحجاج بالقتل غير ثابت في سلوكه اليومي مع الناس، رغم ورود بعض الحكايات. لقد جمع الحجاج في خطابه الأول على منبر الكوفة، يوم استلم ولاية العراق بين الأديب المبدع والجلاد المتفرد في قوله «إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها» وقد سأل الحجاج الصحابي أنس بن مالك عن أقصى عقوبة عاقب بها النبي، فحدثه أنس، فصعد الحجاج المنبر وقال «تزعمون أني شديد العقوبة وهذا أنس حدثني عن رسول الله أنه قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل أعينهم» قال أنس «فوددت أني مت قبل أن أحدثه» وكان أنس يداري الحجاج وغيره من أهل السلطان، لتمشية أموره المعيشية «وطريقة الحجاج بالإعدام قطع الرأس بالسيف والذبح من الرقبة أو القفا في حالات. وطبق التعذيب للاستجواب بالضرب والجلد، واستخدم نبات القصب المشقوق، وردده على جسد الضحية فوق القصب، واقتدى بزياد بن أبيه في إعدام النساء، وقد نشطن في صفوف الخوارج، واستخدم السخرة التي استخدمها معاوية «فكانت معظم منشآته ومشاريعه تبنى بتسخير الفلاحين النبط» وأعادهم إلى قراهم للزراعة بالقوة.. وقد عقد ابن عبدربه في «العقد الفريد» فصلاً بعنوان “من قال أن الحجاج كان كافراً” استوفى أقوال الفقهاء وغيرهم في تكفير الحجاج، والتكفير هنا لازم عن السياسة لا عن عقيدته. لكن الفكر الديني تحرج في إدانة الحجاج ونبه رجال الدين إلى تدينه وإيمانه الصادق. وعند أهل الدين أن المسلم إذا لم يكن من أهل الأهواء (خارجي)أو معتزلي أو باطني، فهو مستحق للغفران، ولا يجوز لذلك الحكم عليه بشيء من أفعاله. لأن الإيمان لا يضر معه شيء”.
أدولف هتلر:
أدولف بن ألويس (Alois)ولد أبوه نغلا فاتخذ لقب أمه، إذ لم يكن يعرف أباه، وترددت أقوال عن يهودية الفاعل...وهذا يعني أن هتلر، وهو لقب اختاره لنفسه – كان يحمل عقدة زياد بن أبيه، وكان يهوى الرسم، وقد أخفق في دخول أكاديمية الفنون الجميلة.. عاش في مأوى البلدية متنقلاً من مأوى إلى مأوى آخر .وأظهر نزعة عدم التسامح مبكراً، وفي ثقافته السياسية نزع إلى كراهية الشعوب غير الجرمانية ،وكان يمقت العالم البرجوازي لدوافع طبقية ،ويمقت الماركسيين بسبب أمميتهم ورفضهم للشوفينية الألمانية، والعنصرية الجرمانية “تقول الموسوعة الأمريكية أن أدولف هتلر كان غير سوي جنسياً، فقد عشق ابنة لأخته غير الشقيقة، وعاشرها كعشيقة، لكنها انتحرت فيما بعد» الثقافة الرئيسية لأدولف هتلر هي ثقافة العنف، وقد “ظهرت قدرات أدولف هتلر كبلطجي مع تشكيل «عصابة الذراع المتين» التي خصصت لحماية اجتماعات الحزب. وقد استطاع الهيمنة على العصابة ووجهها لمهاجمة الاشتراكيين والشيوعيين “كان فشل الحكومة الألمانية داخلياً وخارجياً فرصة لنمو شعبية الحزب النازي، استفاد هتلر منها لدفع الحزب إلى المقدمة.
تهيأت لهتلر وسائل تعذيب وتنكيل لم تتوفر للحجاج بسبب التقدم الصناعي والتكنولوجي، ومارس القتل الجماعي، وأفران الغاز لإبادة اليهود والخصوم السياسيين والأيديولوجيين.
لقد وفرت الثقافة الأدبية للحجاج رادعاً في تخلص بعض ضحاياه من القتل، في حين أن ضحايا هتلر كانوا يُقتلون فرادى وجماعات دون أن يلتقيهم أو يعرفهم بشكل شخصي! وكانت ثقافته ومعارفه تقتصر على السياسات والعسكريات “لهتلر رافد من الأيديولوجيا الألمانية المتمرسة بمبدأ القوة والدولة، كما تناوب على إشباعها وتأريثها فيخته ونيتشه وهيغل وشوبنهاور وغيرهم. وهو على عدم عنايته بالفلسفة مريد تاريخي لنيتشه” لم يقدم نموذج الحجاج وهتلر للمجتمعات الإنسانية حضارة وإن قدموا منجزات في الزراعة والصناعة “فلا مجال بالطبع للكلام عن منجز حضاري قدمه أي من الغرارين الدمويين. فهما مفلسان أخلاقياً: المدنية يساهم فيها الجلادون. أما الحضارة فإنشاء معرفي اجتماعي يتكامل فيه جهد الثقافة مع الفعل الشعبي كنقيض للسلطة وكمروّج من جهته للقيم الأخلاقية التي تدخل في المنظومات المعرفية لأهل الفكر. ولا شغل للسلطة هنا.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.