تُعد مسألة تجديد التعليم في مختلف التخصصات الإنسانية عموماً، والتخصصات المتعلّقة بعلوم الشريعة الإسلامية خصوصاً؛ من أهمّ القضايا التي ينبغي على العلماء والمفكرين المسلمين في هذا العصر أن يولوها بالغ العناية والاهتمام؛ ذلك لأنها من الأمور التي تتوقَّف عليها القدرة على مواكبة التطورات المشهودة في المجال العلمي على المستوى العالمي، في ظل الثورة التكنولوجية الحديثة، ولا يمكن للمسلمين أن ينهضوا بواقعهم من الحالة التخلّفية التي يعيشونها اليوم إلى حالة أفضل إلا إذا نجحوا في هذه المهمّة التي نتحدّث عنها، وهي تجديد التعليم الديني وتطوير مناهجه وتحديث أساليبه وتجويد مفرداته. ومن منطلق الإحساس بهذه القضيَّة التي تُشكّل إحدى قضايا الساحة الإسلامية المعاصرة؛ فقد كان من الطبيعي أن يجتهد فيها عددٌ من العلماء والمفكرين المسلمين في تناولها بالطريقة المنهجية الرصينة، وكان من بينهم: الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو الذي يشغل منصب وزير التعاون الدولي في جمهورية غينيا؛ إذ صدر له مؤخّراً كتابٌ ضمن سلسلة “كتاب الأمَّة” الصادر عن “إدارة البحوث والدراسات الإسلامية” التابعة ل”وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية” في دولة قطر الشقيقة. الكتاب الذي جاء في العدد (160) من هذه السلسلة التي تصدر كل شهرين؛ حمل عنواناً رائعاً وجذَّاباً؛ هو: (مناهج العلوم الإسلامية والمتغيّرات العالمية”، الأمر الذي يجعلنا نقول إنه كتابٌ يُقرأ من عنوانه..!!. وقد قسَّمه المؤلِّفُ الدكتور قطب مصطفى سانو إلى خمسة فصول؛ على النحو الآتي: الفصل الأول: أهمية المسألة التعليمية وأُطر مناهج العلوم الإسلامية الفصل الثاني: مصطلحات العلوم الإسلامية والمناهج من حيث الضبط والتأويل الفصل الثالث: قضية الثبات والتغيير في مناهج العلوم الإسلامية، وثنائية القطع والظن الفصل الرابع: الأسباب الموضوعية والعلمية لإصلاح مناهج العلوم الإسلامية الفصل الخامس: مجالات ومرتكزات الإصلاح المنشود لمناهج العلوم الإسلامية في ضوء متغيِّرات الواقع وركَّز الدكتور قطب مصطفى سانو كثيراً على التوكيد بأن العملية التعليمية، بمختلف نُظُمها وشتَّى مؤسَّساتها، وجميع مناهجها؛ تمثِّل المنبع الأصيل الذي يتم من خلاله إعداد الأجيال وتأهيل النُّخب التي تكون قادرةً على تحمّل مسؤولياتها في الرقي بالأمَّة الإسلامية والنهوض بواقعها الحالي إلى الواقع المأمول، وهذا ما لا يتأتَّى إلا عن طريق التمكَّن الرصين من وسائل الترقي والتحضر والشهود، وكذلك الحذر من العوامل التي تقف وراء هذا التراجع الذي تعرّض له مسلمو العصر الحالي، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة الإفادة من الإرث العلمي الذي ورثة الأسلاف للأخلاف، لكن شريطة الغربلة والتنقيح.. ويحث المؤلِّف على إعادة النظر الثاقب الناقد في الأهداف المرسومة في مناهج العلوم الإسلامية، ومحتوياتها، وأساليب تقديمها، وطرق التقويم فيها في ضوء الواقع المعاصر، وذلك بغية التعرف على مكامن القوة والضعف والوهن في هذه العناصر الأربعة، وقصد الارتقاء بها ارتقاء يمكن الجيل الصاعد من التمييز الرشيد الواعي بين الثابت والمتغيّر، وصولاً إلى صياغة علمية ناضجة واعية للمناهج تحقق لها حضوراً فاعلاً ومؤثراً في الإصلاح المنشود للفكر والسلوك والحياة. كما تروم هذه المراجعة تمكين المناهج من إعداد جيل شاهد يتوافر على فهم سديد معتدل ومتكامل لتعاليم الدين الحنيف والواقع الراهن، ويقدر على التعامل الحضاري المنهجي الواعي مع متغيرات العصر من خلال استحضار الأصول العامة للشرع الحنيف، والارتكاز الرشيد على المقاصد السامية.. كما يدعو الكتابُ إلى التجديد في طرائق وأساليب التعليم، وكذلك حتى في المفردات والمضامين، بما يتناسب مع متغيِّرات الواقع المعيش ومستجداته وطوارئه، من خلال النظر الثاقب الناقد في مناهج العلوم الإسلامية، والعمل الجاد على تعميق أهدافها وشمولها، وتجويد محتوياتها وتحسينها، وتنوّع أساليب تقديمها وعرضها، ومعايشتها أو مسايرتها للأحداث في ضوء الواقع المعاصر، على أسسٍ من التمييز الرشيد الواعي بين الثابت والمتغيّر، وصولاً إلى صياغة علمية ناضجة واعية للمناهج تحقق لها حضوراً فاعلاً ومؤثراً في الإصلاح المنشود للفكر والسلوك والحياة.. كما أن من شأن هذه المراجعة التجديدة لمناهج العلوم الإسلامية الإسهام الفاعل في إيجادٍ جيلٍ ممَّن يتسلَّحون بالفهم السديد المعتدل والمتكامل لتعاليم الدين الحنيف من جهةٍ، والقدرة على التعامل الحضاري المنهجي الواعي مع متغيرات العصر من جهةٍ ثانيةٍ. ويشير الأستاذ عمر عبيد حسنة – مدير إدارة البحوث والدراسات، المشرف العام على السلسلة؛ إلى الأهمية العلمية الكبيرة التي يكتسبها الكتاب؛ بحكم أنه يبحث في موضوع تجديد الجانب التعليمي في علوم الشريعة، وهي التي تمثِّل المرتكز الأساس لأية عملية إحياء أو تجديد، وخطوة أساسية لاستيعاب الدور الرسالي المنوط بالأمة الإسلامية في الشهود على الناس، ولا سيَّما أن ذلك لا يمكن حدوثه إلا بتوافر عامليِّ سلامة الفهم وحسن التنزيل.. ونوَّه حسنةُ بأهمية إعادة النظر في السياسات والمواد التعليمية والمناهج ومراجعتها، في ضوء قيم الوحي، والنظر إلى مدى أدائها، من خلال الواقع، والتمييز بين الوسائل وبين المقاصد، وتطور العلوم والمعارف والتحديات من حولها وذلك في سبيل الخروج من هوة التخلف.