إصابة 4 مواطنين بنيران العدو السعودي في صعدة    بعض الحضارم بين خيانة الأمس وتكرار المشهد اليوم    مفاجأة طوكيو.. نادر يخطف ذهبية 1500 متر    النصر يكرر التفوق ويكتسح استقلول بخماسية أنجيلو    رسالة نتنياهو بعد قصف الدوحة: التطبيع أو الاستهداف!    شركة صهيونية :دفاعاتنا الجوية المتطورة مثقوبة أمام الصواريخ اليمنية والإيرانية    واشنطن تزود أوكرانيا بالباتريوت بتمويل الحلفاء    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    أصبحت ملف مهمل.. الحرب المنسية في اليمن والجنوب العربي    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل الجسور أديب العيسي    عاجل: غارة أمريكية تستهدف ارهابيين في وادي خورة بشبوة    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    مواجهات مثيرة في نصف نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    قيادي في الانتقالي: الشراكة فشلت في مجلس القيادة الرئاسي والضرورة تقتضي إعادة هيكلة المجلس    حضرموت.. نجاة مسؤول محلي من محاولة اغتيال    حياة بين فكي الموت    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    تعز.. وفاة صيادان وفقدان ثالث في انقلاب قارب    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    واقعنا المُزري والمَرير    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    برنامج الغذاء العالمي: التصعيد الحوثي ضد عمل المنظمات أمر غير مقبول ولا يحتمل    الأرصاد: استمرار حالة عدم استقرار الأجواء وتوقعات بأمطار رعدية غزيرة على مناطق واسعة    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    بعثة منتخب الناشئين تغادر إلى قطر للمشاركة في كأس الخليج    الذهب يتراجع هامشياً وترقب لقرار الفيدرالي الأميركي    اختتام دورة تدريبية بهيئة المواصفات في مجال أسس التصنيع الغذائي    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الإبادة الإسرائيلية إلى 65 ألفا و62 شهيدا    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    قمة الدوحة.. شجب واستنكار لا غير!!    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    المفوضية الأوروبية تقترح فرض عقوبات على إسرائيل بسبب غزة    محافظ شبوة يتابع مستوى انتظام العملية التعليمية في المدارس    محاكمة سفاح الفليحي    الانتقالي يثمن مؤتمر الأمن البحري ويؤكد: ندعم تنفيذ مخرجاته    فريق التوجيه والرقابة الرئاسية يطلع على أداء الادارتين القانونية وحقوق الإنسان والفكر والإرشاد بانتقالي حضرموت    مفاجآت مدوية في ابطال اوروبا وتعادل مثير في قمة يوفنتوس ودورتموند    بسلاح مبابي.. ريال مدريد يفسد مغامرة مارسيليا في ليلة درامية    مصدر أمني: انتحار 12 فتاة في البيضاء خلال 2024    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    كأنما سلخ الالهة جلدي !    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    محور تعز يدشن احتفالات الثورة اليمنية بصباحية شعرية    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاصد العامة للإسلام: أزمة العقلية الإسلامية المعاصرة (1)
نشر في نشوان نيوز يوم 15 - 02 - 2010


أزمة العقلية الإسلامية المعاصرة:
لابد من الإشارة ابتداءً إلى أن العقلية الإسلامية الحالية تعيش أزمة علمية منهجية ومعرفية حادة.

وتتمثل هذه الأزمة العلمية في أن العقلية الإسلامية مازالت تستجر التراث الفقهي التاريخي الماضوي بسلبياته وإيجابياته عقلية ضربها الجمود والتقليد عاجزة عن امتلاك أدوات الاجتهاد والتجديد بالفهم العميق لكليات الإسلام ومقاصد الشريعة وتنزيلها على تحديات العصر الراهن ومستجداته من خلال التفاعل مع ثلاثة محاور هي:
1) الوحي المقدس قرآناً معصوماً وسنة معصومة بالقرآن.
2) التراث العلمي الفقهي التاريخي استرشاداً به لا توقفاً عنده.
3) رصيد الحكمة الموجود في الثقافة الإنسانية قاطبة (الحكمة ضالة المؤمن).
ولو حاولنا سبر أغوار الأزمة العلمية التي تعاني منها العقلية الإسلامية المعاصرة لوجدنا جوهر هذه الأزمة يتمثل في أن العقلية الإسلامية لم ترتقي بعد إلى المضمون المعرفي القرآني ذي المنهجية الكلية العلمية القائمة على (فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والحياة الإنسانية) لأنها ما زالت مؤطرة بالمضمون المعرفي الفقهي التاريخي (فقه آيات وأحاديث الأحكام) هذا الفقه القائم على النظرة الجزئية منهجاً ومعرفة وعلى نمط التلقي الذي يخاطب ملكة الحفظ لا ملكة الفهم وعلى الخلط بين قداسة النصوص وفهم العلماء غير المقدس لنصوص الوحي وعلى فقه المحكمة لا على فقه الدولة والحضارة.
في حين أن المضمون المعرفي القرآني كلي لا جزئي ويحتاج إلى عقلية تفهم وتحلل لا عقلية تتلقى وتحفظ، عقلية لا تقدس العلماء وإن كانت تحترمهم ولا تأخذ منهم تقليداً وإنما استرشاداً، عقلية تقدس نصوص الوحي فقط وتفهم الوحي أولاً في نسقه الكلي الموضوعي ثم في نسقه التفصيلي الجزئي، عقلية تدرك أن جوهر الوحي (القرآن) هو فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والبشرية لا فقه آيات الأحكام، عقلية تحلل القرآن في نسقه الموضوعي أكثر مما تفسر القرآن لغوياً بمنهجية مجزأة تكاد تفصل كلمات الآية الواحدة عن سياقها الموضعي فضلاً عن السورة في سياقها الموضوعي، عقلية تبدأ بفهم أمهات المعاني القرآنية (المحكم) ثم تفهم تفصيلات القرآن (المتشابه) في ضوء أمهات المعاني (أصولها وكلياتها) (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) فدل سياق الآيتين على أن المحكم هو الأصل والكلي والمتشابه هو الفرع والتفصيل، عقلية تدرك أنه لا تصادم بين حقائق العقل وحقائق النقل وأن التدبر في كتاب الله المسطور لا يمكن أن يتناقض مع التفكر في كتاب الله المنظور (الكون).
ومفتاح الانتقال إلى هذا الوعي يبدأ بكلمات مختصرة بالتحول من فقه آيات وأحاديث الأحكام الإطار المعرفي التراثي التقليدي إلى فقه آيات الله في الآفاق والأنفس، فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والإنسانية.
هذا المضمون المعرفي أشارت إليه العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم:30).
في هذه الآية العظيمة يأتينا التوجيه الرباني بأن نقيم وجوهنا للدين أي نلتزم بتعاليم الدين وقيمه وأحكامه ثم يأتي التعليل القرآني العلمي لبيان سبب المطالبة بالالتزام بالدين قيماً وأحكاماً بقوله تعالى{ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}الروم30
أي أن تعاليم الدين الهادية الآمرة هي موافقة لقوانين الفطرة والخلق وقوانين الفطرة هي سنن ثابتة لا تتبدل (لا تبديل لخلق الله).
وبهذا البيان القرآني البديع يتبين لنا أن دين الإسلام هو المنهج العلمي الناظم للحياة الإنسانية بما يوافق قوانين فطرتها وخلقها، ومن هنا كان المنهج الإسلامي هو المنهج الأقوم والأحسن الذي به تقوم حياة المجتمعات والدول والحضارات لأنه المنهج العلمي السنني، ولكن أكثر الناس لم يرتقوا بوعيهم إلى المنهجية العلمية الصحيحة ولذلك لا يعلمون بحقيقة الدين العلمية (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
ومن هذا المنطلق أقول بأن العقلية الإسلامية المعاصرة لا يمكن لها التأسيس لمشروع نهضوي حضاري إسلامي يعمل على إخراج واقعنا العربي الإسلامي من أزمته الحضارية وإشكالية التخلف إلا بالانتقال بالعقلية الإسلامية هذه النقلة النوعية المعرفية من الإطار المعرفي الماضوي التراثي إطار (فقه آيات الأحكام) لأنها ما زالت مؤطرة به حتى يومنا (فقه المحكمة لا فقه الدولة والحضارة) إلى الإطار المعرفي القرآني (فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والحياة الإنسانية).
عندئذ سيدرك جميع البشر أن الإسلام والقرآن هو المنهج العلمي السنني الحق القائم على فهم القوانين العامة والحقائق الناظمة للحياة فيقع تأويل قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(فصلت:31).
ومن هنا يمكنني القول أن هذه الآية العظيمة {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}الروم30 هي المدخل المعرفي الحقيقي لفهم المضمون المعرفي القرآني ذو المنهجية العلمية الكلية التجريدية.
إن العقلية الإسلامية التاريخية انطلقت في فهم القرآن بنظرة جزئية منهجاً ومعرفة تبحث عن الأحكام التفصيلية المباشرة الناظمة لعلاقات الأفراد ولم تلتفت للقواعد والأسس الكلية المتعلقة بقيام المجتمعات والدول والحضارات فتم التركيز على أحكام المعاملات (القانون المدني) وأحكام الجنايات (القانون الجنائي) وأحكام الأسرة (قانون الأسرة) ولم يهتموا بفقه الدولة والحضارة بسبب الانحراف السياسي المبكر الذي لحق الدولة الإسلامية والهجمة الشرسة المعرفية والمنهجية التأويلية المجوسية واليهودية.
ولما تعاملت العقلية الإسلامية مع القرآن بهذه المنهجية الجزئية وكأن القرآن لائحة داخلية وليس دستوراً عاماً يضع القواعد العامة المجردة لا التفاصيل التطبيقية المجسدة لم يجد علماؤنا في القرآن من الأحكام التفصيلية المباشرة سوى خمسمائة آية والتي سميت (آيات الأحكام) ومن ثم انصرفت معظم الجهود العلمية إلى السنة النبوية لأن طبيعة السنة تفصيلية بحثاً عن أحاديث الأحكام وغدت آيات الأحكام وأحاديث الأحكام هي شروط الاجتهاد وهي الإطار المعرفي للعقلية الإسلامية.
وأنا لا أقصد بكلامي هذا التقليل من شأن التراث الفقهي التاريخي وإنما التأكيد على ضرورة الاستفادة منه وعدم التوقف عنده لأن موضوع آيات الأحكام وأحاديث الأحكام قد أشبعه تراثنا بحثاً ويجب الآن الانتقال إلى المنهجية القرآنية الكلية العلمية عندئذ سندرك أن القرآن كله أحكام وعلوم وسنن وقوانين وليس خمسمائة آية وسترتقي العقلية الإسلامية إلى المنهجية العلمية المنطلقة من القوانين العامة والسنن الناظمة للحياة الكونية والإنسانية فيكشف القرآن عن مكنونه المعرفي الحقيقي وهو الحكمة:
لأن الحكمة هي المضمون المعرفي للقرآن بدليل اقتران الحكمة مع الكتاب في العديد من آيات القرآن.
وبدليل جعل الحكمة هي الشرط الرئيسي للنجاح في عملية الدعوة والتغيير لأن الواقع يسير وفق سنن معينة ومن لا يفهمها لا ينجح في عملية التغيير.
أما الأدلة القرآنية على أن المضمون المعرفي للقرآن هو الحكمة.
* قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ}(آل عمران:48).
* قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}(آل عمران:164).
* وقوله تعالى: { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{268} يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ{269} (البقرة: 268-269).
* قوله تعالى{ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (النساء:113). والمقصود بالحكمة هنا ليس السنّة كما زعم بعض المفسرين بدليل قوله تعالى (يس{1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ{2}) فهذه الآية قطعية الدلالة في بيان أن المضمون المعرفي للقرآن هو الحكمة.
* ثم يخبرنا القرآن أن المسيح عليه السلام عند ظهوره آخر الزمان سيأتي ويكشف عن مكنون الحكمة بقوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{61} وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{62} وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{63} (الزخرف)
أما دليل جعل الحكمة أساس نجاح الدعوة وتغيير الواقع فهو قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل:125).
والآلية المعتمدة للوصول إلى هذا المضمون المعرفي القرآني (الحكمة) هو فقه السنن والقوانين العامة للحياة الكونية والإنسانية لا فقه آيات الأحكام لأن العلم منه الثابت ومنه المتغير والعلم الثابت الذي هو الحق هو السنن العامة والقوانين العامة التي لا تتبدل وهذه السنن والقوانين مكنونة في القرآن كتاب الله المسطور كما هي مكنونة في الكون كتاب الله المنظور وهذه السنن هي التي فصلها القرآن ولذلك اتسم بالعموم والتجريد أما العلم المتغير المتعلق بالتفاصيل المرتبطة بالجوانب التطبيقية المجسدة فقد ترك للسنة ثم لإجتهاد العقل البشري على ضوء القواعد العامة السننية وهديها لأن جزئيات كل عصر متغيرة وليست ثابتة.
- فقه آيات الأحكام هو الحد الأدنى من العلم الذي لا ينبغي جهله وفقه آيات الله في الآفاق والأنفس فقه السنن الثابتة التي لا تتبدل هي الحد الأعلى الذي يقود إلى الحكمة وإلى السقف المعرفي القرآني النهائي وهو الوعي الموضوعي المعادل لحقائق الكون والحياة البشرية بشموله واتساعه.
والدليل على كلامي هو حجم آيات الأحكام في القرآن من حجم آيات الله في الآفاق والأنفس.
ولو تأملنا في الآثار السلبية للمنهجية المعرفية التي اتسمت بها العقلية الإسلامية التاريخية لوجدنا أنه حصل نوع من الفصل بين الدين والدنيا وتم تفسير الإسلام بشكل عام وكأنه جاء لإصلاح آخرة الإنسان لا آخرته ودنياه ولم يتم إبراز الإسلام كمنهج شامل لإصلاح حياتنا في الدنيا والآخرة مما ساهم في تكريس واقع التخلف (سلبية الإنسان إزاء المجتمع والطبيعة) وعدم تحفيزه للفعل الحضاري مع أن القرآن أوضح لنا أنه منهج لإصلاح الحياة الدنيا والآخرة وإقامة جنات وفراديس أرضية وسماوية.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الأعراف الآية 32.
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} سبأ:15.
وحصل فصل بين علوم الشريعة وعلوم الطبيعة ولا فصل بينهما لأن علوم الطبيعة هي آيات الآفاق وهي مادة الإيمان لأنها الأثر الدال على المؤثر (البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا تدل على اللطيف الخبير)، ومن زاوية أخرى كل ما في الطبيعة والكون سخّره الله لمصلحة الإنسان فالكون فطرةً خاضع لقانون التسخير وقابل هذه السنة الفطرية سنة تشريعية دينية وهي قانون الإعمار.
لقوله تعالى (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}لقمان20
وقوله (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}هود61
كما حصل في تراثنا الفقهي نوع من الفصل بين العقيدة والشريعة وتم إبراز عقيدة التوحيد وكأنها لا علاقة لها بإصلاح حياتنا الدنيا وحصرت الشريعة في الأحكام التفصيلية الناظمة لعلاقات الأفراد في المجتمع والدولة المسلمة (فقه المحكمة) ولم يلتفت فقهاؤنا لأسس ومقاصد بناء الدولة والمجتمع (فقه الدولة).
حتى المقاصد العامة التي تكلم عنها علماء التراث الكليات الخمس (حفظ الدين –حفظ المال – حفظ العقل - حفظ النفس- حفظ العرض... الخ) جاءت من زاوية جزئية، صحيح أنها مقاصد عامة لكنها متعلقة بحقوق الأفراد وهي مقاصد استنبطها الفقهاء استنباطاً من خلال تتبع الآثار والنتائج التي تقود إليها آيات وأحاديث الأحكام.
وبالمقابل غفل تراثنا الفقهي التاريخي عن مقاصد وأسس بناء الدولة رغم أنها كليات وردت في القرآن بنصوص صريحة من ذلك:
(الحرية والشورى- الوحدة- العدل- السلام - الإصلاح وعدم الفساد) هذه هي مقاصد وأسس الدولة والحضارة في القرآن (فقه الدولة) ولا تجد لها في كتب الفقه أبواب ثابتة وشروح وتفاصيل وسأقوم بشرحها بإيجاز وأبين مدى ارتباطها بالعقيدة وأن فقه العقيدة هو فقه الدولة.
*مسؤول التخطيط السياسي سابقاً في التجمع اليمني للإصلاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.