دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    مجلس وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل يناقش عدداً من القضايا المدرجة في جدول أعماله    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    صواريخ الحوثي تُبحِر نحو المجهول: ماذا تخفي طموحات زعيم الحوثيين؟...صحفي يجيب    المنخفض الجوي في اليمن يلحق الضرر ب5 آلاف أسرة نازحة جراء المنخفض الجوي باليمن    انهيار حوثي جديد: 5 من كبار الضباط يسقطون في ميدان المعركة    نائب رئيس نادي الطليعة يوضح الملصق الدعائي بباص النادي تم باتفاق مع الادارة    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    كان طفلا يرعى الغنم فانفجر به لغم حوثي.. شاهد البطل الذي رفع العلم وصور الرئيس العليمي بيديه المبتورتين يروي قصته    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    غارسيا يتحدث عن مستقبله    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاصد العامة للإسلام: أزمة العقلية الإسلامية المعاصرة (1)
نشر في نشوان نيوز يوم 15 - 02 - 2010


أزمة العقلية الإسلامية المعاصرة:
لابد من الإشارة ابتداءً إلى أن العقلية الإسلامية الحالية تعيش أزمة علمية منهجية ومعرفية حادة.

وتتمثل هذه الأزمة العلمية في أن العقلية الإسلامية مازالت تستجر التراث الفقهي التاريخي الماضوي بسلبياته وإيجابياته عقلية ضربها الجمود والتقليد عاجزة عن امتلاك أدوات الاجتهاد والتجديد بالفهم العميق لكليات الإسلام ومقاصد الشريعة وتنزيلها على تحديات العصر الراهن ومستجداته من خلال التفاعل مع ثلاثة محاور هي:
1) الوحي المقدس قرآناً معصوماً وسنة معصومة بالقرآن.
2) التراث العلمي الفقهي التاريخي استرشاداً به لا توقفاً عنده.
3) رصيد الحكمة الموجود في الثقافة الإنسانية قاطبة (الحكمة ضالة المؤمن).
ولو حاولنا سبر أغوار الأزمة العلمية التي تعاني منها العقلية الإسلامية المعاصرة لوجدنا جوهر هذه الأزمة يتمثل في أن العقلية الإسلامية لم ترتقي بعد إلى المضمون المعرفي القرآني ذي المنهجية الكلية العلمية القائمة على (فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والحياة الإنسانية) لأنها ما زالت مؤطرة بالمضمون المعرفي الفقهي التاريخي (فقه آيات وأحاديث الأحكام) هذا الفقه القائم على النظرة الجزئية منهجاً ومعرفة وعلى نمط التلقي الذي يخاطب ملكة الحفظ لا ملكة الفهم وعلى الخلط بين قداسة النصوص وفهم العلماء غير المقدس لنصوص الوحي وعلى فقه المحكمة لا على فقه الدولة والحضارة.
في حين أن المضمون المعرفي القرآني كلي لا جزئي ويحتاج إلى عقلية تفهم وتحلل لا عقلية تتلقى وتحفظ، عقلية لا تقدس العلماء وإن كانت تحترمهم ولا تأخذ منهم تقليداً وإنما استرشاداً، عقلية تقدس نصوص الوحي فقط وتفهم الوحي أولاً في نسقه الكلي الموضوعي ثم في نسقه التفصيلي الجزئي، عقلية تدرك أن جوهر الوحي (القرآن) هو فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والبشرية لا فقه آيات الأحكام، عقلية تحلل القرآن في نسقه الموضوعي أكثر مما تفسر القرآن لغوياً بمنهجية مجزأة تكاد تفصل كلمات الآية الواحدة عن سياقها الموضعي فضلاً عن السورة في سياقها الموضوعي، عقلية تبدأ بفهم أمهات المعاني القرآنية (المحكم) ثم تفهم تفصيلات القرآن (المتشابه) في ضوء أمهات المعاني (أصولها وكلياتها) (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) فدل سياق الآيتين على أن المحكم هو الأصل والكلي والمتشابه هو الفرع والتفصيل، عقلية تدرك أنه لا تصادم بين حقائق العقل وحقائق النقل وأن التدبر في كتاب الله المسطور لا يمكن أن يتناقض مع التفكر في كتاب الله المنظور (الكون).
ومفتاح الانتقال إلى هذا الوعي يبدأ بكلمات مختصرة بالتحول من فقه آيات وأحاديث الأحكام الإطار المعرفي التراثي التقليدي إلى فقه آيات الله في الآفاق والأنفس، فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والإنسانية.
هذا المضمون المعرفي أشارت إليه العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم:30).
في هذه الآية العظيمة يأتينا التوجيه الرباني بأن نقيم وجوهنا للدين أي نلتزم بتعاليم الدين وقيمه وأحكامه ثم يأتي التعليل القرآني العلمي لبيان سبب المطالبة بالالتزام بالدين قيماً وأحكاماً بقوله تعالى{ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}الروم30
أي أن تعاليم الدين الهادية الآمرة هي موافقة لقوانين الفطرة والخلق وقوانين الفطرة هي سنن ثابتة لا تتبدل (لا تبديل لخلق الله).
وبهذا البيان القرآني البديع يتبين لنا أن دين الإسلام هو المنهج العلمي الناظم للحياة الإنسانية بما يوافق قوانين فطرتها وخلقها، ومن هنا كان المنهج الإسلامي هو المنهج الأقوم والأحسن الذي به تقوم حياة المجتمعات والدول والحضارات لأنه المنهج العلمي السنني، ولكن أكثر الناس لم يرتقوا بوعيهم إلى المنهجية العلمية الصحيحة ولذلك لا يعلمون بحقيقة الدين العلمية (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
ومن هذا المنطلق أقول بأن العقلية الإسلامية المعاصرة لا يمكن لها التأسيس لمشروع نهضوي حضاري إسلامي يعمل على إخراج واقعنا العربي الإسلامي من أزمته الحضارية وإشكالية التخلف إلا بالانتقال بالعقلية الإسلامية هذه النقلة النوعية المعرفية من الإطار المعرفي الماضوي التراثي إطار (فقه آيات الأحكام) لأنها ما زالت مؤطرة به حتى يومنا (فقه المحكمة لا فقه الدولة والحضارة) إلى الإطار المعرفي القرآني (فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والحياة الإنسانية).
عندئذ سيدرك جميع البشر أن الإسلام والقرآن هو المنهج العلمي السنني الحق القائم على فهم القوانين العامة والحقائق الناظمة للحياة فيقع تأويل قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(فصلت:31).
ومن هنا يمكنني القول أن هذه الآية العظيمة {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}الروم30 هي المدخل المعرفي الحقيقي لفهم المضمون المعرفي القرآني ذو المنهجية العلمية الكلية التجريدية.
إن العقلية الإسلامية التاريخية انطلقت في فهم القرآن بنظرة جزئية منهجاً ومعرفة تبحث عن الأحكام التفصيلية المباشرة الناظمة لعلاقات الأفراد ولم تلتفت للقواعد والأسس الكلية المتعلقة بقيام المجتمعات والدول والحضارات فتم التركيز على أحكام المعاملات (القانون المدني) وأحكام الجنايات (القانون الجنائي) وأحكام الأسرة (قانون الأسرة) ولم يهتموا بفقه الدولة والحضارة بسبب الانحراف السياسي المبكر الذي لحق الدولة الإسلامية والهجمة الشرسة المعرفية والمنهجية التأويلية المجوسية واليهودية.
ولما تعاملت العقلية الإسلامية مع القرآن بهذه المنهجية الجزئية وكأن القرآن لائحة داخلية وليس دستوراً عاماً يضع القواعد العامة المجردة لا التفاصيل التطبيقية المجسدة لم يجد علماؤنا في القرآن من الأحكام التفصيلية المباشرة سوى خمسمائة آية والتي سميت (آيات الأحكام) ومن ثم انصرفت معظم الجهود العلمية إلى السنة النبوية لأن طبيعة السنة تفصيلية بحثاً عن أحاديث الأحكام وغدت آيات الأحكام وأحاديث الأحكام هي شروط الاجتهاد وهي الإطار المعرفي للعقلية الإسلامية.
وأنا لا أقصد بكلامي هذا التقليل من شأن التراث الفقهي التاريخي وإنما التأكيد على ضرورة الاستفادة منه وعدم التوقف عنده لأن موضوع آيات الأحكام وأحاديث الأحكام قد أشبعه تراثنا بحثاً ويجب الآن الانتقال إلى المنهجية القرآنية الكلية العلمية عندئذ سندرك أن القرآن كله أحكام وعلوم وسنن وقوانين وليس خمسمائة آية وسترتقي العقلية الإسلامية إلى المنهجية العلمية المنطلقة من القوانين العامة والسنن الناظمة للحياة الكونية والإنسانية فيكشف القرآن عن مكنونه المعرفي الحقيقي وهو الحكمة:
لأن الحكمة هي المضمون المعرفي للقرآن بدليل اقتران الحكمة مع الكتاب في العديد من آيات القرآن.
وبدليل جعل الحكمة هي الشرط الرئيسي للنجاح في عملية الدعوة والتغيير لأن الواقع يسير وفق سنن معينة ومن لا يفهمها لا ينجح في عملية التغيير.
أما الأدلة القرآنية على أن المضمون المعرفي للقرآن هو الحكمة.
* قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ}(آل عمران:48).
* قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}(آل عمران:164).
* وقوله تعالى: { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{268} يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ{269} (البقرة: 268-269).
* قوله تعالى{ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (النساء:113). والمقصود بالحكمة هنا ليس السنّة كما زعم بعض المفسرين بدليل قوله تعالى (يس{1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ{2}) فهذه الآية قطعية الدلالة في بيان أن المضمون المعرفي للقرآن هو الحكمة.
* ثم يخبرنا القرآن أن المسيح عليه السلام عند ظهوره آخر الزمان سيأتي ويكشف عن مكنون الحكمة بقوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{61} وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{62} وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{63} (الزخرف)
أما دليل جعل الحكمة أساس نجاح الدعوة وتغيير الواقع فهو قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل:125).
والآلية المعتمدة للوصول إلى هذا المضمون المعرفي القرآني (الحكمة) هو فقه السنن والقوانين العامة للحياة الكونية والإنسانية لا فقه آيات الأحكام لأن العلم منه الثابت ومنه المتغير والعلم الثابت الذي هو الحق هو السنن العامة والقوانين العامة التي لا تتبدل وهذه السنن والقوانين مكنونة في القرآن كتاب الله المسطور كما هي مكنونة في الكون كتاب الله المنظور وهذه السنن هي التي فصلها القرآن ولذلك اتسم بالعموم والتجريد أما العلم المتغير المتعلق بالتفاصيل المرتبطة بالجوانب التطبيقية المجسدة فقد ترك للسنة ثم لإجتهاد العقل البشري على ضوء القواعد العامة السننية وهديها لأن جزئيات كل عصر متغيرة وليست ثابتة.
- فقه آيات الأحكام هو الحد الأدنى من العلم الذي لا ينبغي جهله وفقه آيات الله في الآفاق والأنفس فقه السنن الثابتة التي لا تتبدل هي الحد الأعلى الذي يقود إلى الحكمة وإلى السقف المعرفي القرآني النهائي وهو الوعي الموضوعي المعادل لحقائق الكون والحياة البشرية بشموله واتساعه.
والدليل على كلامي هو حجم آيات الأحكام في القرآن من حجم آيات الله في الآفاق والأنفس.
ولو تأملنا في الآثار السلبية للمنهجية المعرفية التي اتسمت بها العقلية الإسلامية التاريخية لوجدنا أنه حصل نوع من الفصل بين الدين والدنيا وتم تفسير الإسلام بشكل عام وكأنه جاء لإصلاح آخرة الإنسان لا آخرته ودنياه ولم يتم إبراز الإسلام كمنهج شامل لإصلاح حياتنا في الدنيا والآخرة مما ساهم في تكريس واقع التخلف (سلبية الإنسان إزاء المجتمع والطبيعة) وعدم تحفيزه للفعل الحضاري مع أن القرآن أوضح لنا أنه منهج لإصلاح الحياة الدنيا والآخرة وإقامة جنات وفراديس أرضية وسماوية.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الأعراف الآية 32.
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} سبأ:15.
وحصل فصل بين علوم الشريعة وعلوم الطبيعة ولا فصل بينهما لأن علوم الطبيعة هي آيات الآفاق وهي مادة الإيمان لأنها الأثر الدال على المؤثر (البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا تدل على اللطيف الخبير)، ومن زاوية أخرى كل ما في الطبيعة والكون سخّره الله لمصلحة الإنسان فالكون فطرةً خاضع لقانون التسخير وقابل هذه السنة الفطرية سنة تشريعية دينية وهي قانون الإعمار.
لقوله تعالى (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}لقمان20
وقوله (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}هود61
كما حصل في تراثنا الفقهي نوع من الفصل بين العقيدة والشريعة وتم إبراز عقيدة التوحيد وكأنها لا علاقة لها بإصلاح حياتنا الدنيا وحصرت الشريعة في الأحكام التفصيلية الناظمة لعلاقات الأفراد في المجتمع والدولة المسلمة (فقه المحكمة) ولم يلتفت فقهاؤنا لأسس ومقاصد بناء الدولة والمجتمع (فقه الدولة).
حتى المقاصد العامة التي تكلم عنها علماء التراث الكليات الخمس (حفظ الدين –حفظ المال – حفظ العقل - حفظ النفس- حفظ العرض... الخ) جاءت من زاوية جزئية، صحيح أنها مقاصد عامة لكنها متعلقة بحقوق الأفراد وهي مقاصد استنبطها الفقهاء استنباطاً من خلال تتبع الآثار والنتائج التي تقود إليها آيات وأحاديث الأحكام.
وبالمقابل غفل تراثنا الفقهي التاريخي عن مقاصد وأسس بناء الدولة رغم أنها كليات وردت في القرآن بنصوص صريحة من ذلك:
(الحرية والشورى- الوحدة- العدل- السلام - الإصلاح وعدم الفساد) هذه هي مقاصد وأسس الدولة والحضارة في القرآن (فقه الدولة) ولا تجد لها في كتب الفقه أبواب ثابتة وشروح وتفاصيل وسأقوم بشرحها بإيجاز وأبين مدى ارتباطها بالعقيدة وأن فقه العقيدة هو فقه الدولة.
*مسؤول التخطيط السياسي سابقاً في التجمع اليمني للإصلاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.