المعتقل السابق مانع سليمان يكشف عن تعذيب وانتهاكات جسيمة تعرض لها في سجون مأرب    عدن.. البنك المركزي يوقف ويسحب تراخيص منشآت وشركات صرافة    استمرار الحملات الميدانية لضبط الأسعار في مديريات العاصمة عدن تنفيذاً لتوجيهات المحافظ لملس    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    ابوعبيدة يوافق على ادخال طعام للاسرى الصهاينة بشروط!    تدشين مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء والمفقودين في الجعفرية    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    اجتماع للجنتي الدفاع والأمن والخدمات مع ممثلي الجانب الحكومي    بدلا من التحقيق في الفساد الذي كشفته الوثائق .. إحالة موظفة في هيئة المواصفات بصنعاء إلى التحقيق    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس بحجة    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    مونديال السباحة.. الجوادي يُتوّج بالذهبية الثانية    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    العسكرية الثانية بالمكلا تؤكد دعمها للحقوق المشروعة وتتوعد المخربين    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    اكتشاف مدينة غامضة تسبق الأهرامات بآلاف السنين    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    أمين عام الإصلاح يعزي عضو مجلس شورى الحزب صالح البيل في وفاة والده    خيرة عليك اطلب الله    مليشيا الحوثي الإرهابية تختطف نحو 17 مدنياً من أبناء محافظة البيضاء اليمنية    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    صحيفة أمريكية: اليمن فضح عجز القوى الغربية    شركات هائل سعيد حقد دفين على شعب الجنوب العربي والإصرار على تجويعه    الشيخ الجفري: قيادتنا الحكيمة تحقق نجاحات اقتصادية ملموسة    طعم وبلعناه وسلامتكم.. الخديعة الكبرى.. حقيقة نزول الصرف    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    لم يتغيّر منذ أكثر من أربعين عامًا    العنيد يعود من جديد لواجهة الإنتصارات عقب تخطي الرشيد بهدف نظيف    غزة في المحرقة.. من (تفاهة الشر) إلى وعي الإبادة    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    وداعاً زياد الرحباني    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاصد العامة للإسلام: أزمة العقلية الإسلامية المعاصرة (1)
نشر في نشوان نيوز يوم 15 - 02 - 2010


أزمة العقلية الإسلامية المعاصرة:
لابد من الإشارة ابتداءً إلى أن العقلية الإسلامية الحالية تعيش أزمة علمية منهجية ومعرفية حادة.

وتتمثل هذه الأزمة العلمية في أن العقلية الإسلامية مازالت تستجر التراث الفقهي التاريخي الماضوي بسلبياته وإيجابياته عقلية ضربها الجمود والتقليد عاجزة عن امتلاك أدوات الاجتهاد والتجديد بالفهم العميق لكليات الإسلام ومقاصد الشريعة وتنزيلها على تحديات العصر الراهن ومستجداته من خلال التفاعل مع ثلاثة محاور هي:
1) الوحي المقدس قرآناً معصوماً وسنة معصومة بالقرآن.
2) التراث العلمي الفقهي التاريخي استرشاداً به لا توقفاً عنده.
3) رصيد الحكمة الموجود في الثقافة الإنسانية قاطبة (الحكمة ضالة المؤمن).
ولو حاولنا سبر أغوار الأزمة العلمية التي تعاني منها العقلية الإسلامية المعاصرة لوجدنا جوهر هذه الأزمة يتمثل في أن العقلية الإسلامية لم ترتقي بعد إلى المضمون المعرفي القرآني ذي المنهجية الكلية العلمية القائمة على (فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والحياة الإنسانية) لأنها ما زالت مؤطرة بالمضمون المعرفي الفقهي التاريخي (فقه آيات وأحاديث الأحكام) هذا الفقه القائم على النظرة الجزئية منهجاً ومعرفة وعلى نمط التلقي الذي يخاطب ملكة الحفظ لا ملكة الفهم وعلى الخلط بين قداسة النصوص وفهم العلماء غير المقدس لنصوص الوحي وعلى فقه المحكمة لا على فقه الدولة والحضارة.
في حين أن المضمون المعرفي القرآني كلي لا جزئي ويحتاج إلى عقلية تفهم وتحلل لا عقلية تتلقى وتحفظ، عقلية لا تقدس العلماء وإن كانت تحترمهم ولا تأخذ منهم تقليداً وإنما استرشاداً، عقلية تقدس نصوص الوحي فقط وتفهم الوحي أولاً في نسقه الكلي الموضوعي ثم في نسقه التفصيلي الجزئي، عقلية تدرك أن جوهر الوحي (القرآن) هو فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والبشرية لا فقه آيات الأحكام، عقلية تحلل القرآن في نسقه الموضوعي أكثر مما تفسر القرآن لغوياً بمنهجية مجزأة تكاد تفصل كلمات الآية الواحدة عن سياقها الموضعي فضلاً عن السورة في سياقها الموضوعي، عقلية تبدأ بفهم أمهات المعاني القرآنية (المحكم) ثم تفهم تفصيلات القرآن (المتشابه) في ضوء أمهات المعاني (أصولها وكلياتها) (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) فدل سياق الآيتين على أن المحكم هو الأصل والكلي والمتشابه هو الفرع والتفصيل، عقلية تدرك أنه لا تصادم بين حقائق العقل وحقائق النقل وأن التدبر في كتاب الله المسطور لا يمكن أن يتناقض مع التفكر في كتاب الله المنظور (الكون).
ومفتاح الانتقال إلى هذا الوعي يبدأ بكلمات مختصرة بالتحول من فقه آيات وأحاديث الأحكام الإطار المعرفي التراثي التقليدي إلى فقه آيات الله في الآفاق والأنفس، فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والإنسانية.
هذا المضمون المعرفي أشارت إليه العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم:30).
في هذه الآية العظيمة يأتينا التوجيه الرباني بأن نقيم وجوهنا للدين أي نلتزم بتعاليم الدين وقيمه وأحكامه ثم يأتي التعليل القرآني العلمي لبيان سبب المطالبة بالالتزام بالدين قيماً وأحكاماً بقوله تعالى{ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}الروم30
أي أن تعاليم الدين الهادية الآمرة هي موافقة لقوانين الفطرة والخلق وقوانين الفطرة هي سنن ثابتة لا تتبدل (لا تبديل لخلق الله).
وبهذا البيان القرآني البديع يتبين لنا أن دين الإسلام هو المنهج العلمي الناظم للحياة الإنسانية بما يوافق قوانين فطرتها وخلقها، ومن هنا كان المنهج الإسلامي هو المنهج الأقوم والأحسن الذي به تقوم حياة المجتمعات والدول والحضارات لأنه المنهج العلمي السنني، ولكن أكثر الناس لم يرتقوا بوعيهم إلى المنهجية العلمية الصحيحة ولذلك لا يعلمون بحقيقة الدين العلمية (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
ومن هذا المنطلق أقول بأن العقلية الإسلامية المعاصرة لا يمكن لها التأسيس لمشروع نهضوي حضاري إسلامي يعمل على إخراج واقعنا العربي الإسلامي من أزمته الحضارية وإشكالية التخلف إلا بالانتقال بالعقلية الإسلامية هذه النقلة النوعية المعرفية من الإطار المعرفي الماضوي التراثي إطار (فقه آيات الأحكام) لأنها ما زالت مؤطرة به حتى يومنا (فقه المحكمة لا فقه الدولة والحضارة) إلى الإطار المعرفي القرآني (فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والحياة الإنسانية).
عندئذ سيدرك جميع البشر أن الإسلام والقرآن هو المنهج العلمي السنني الحق القائم على فهم القوانين العامة والحقائق الناظمة للحياة فيقع تأويل قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(فصلت:31).
ومن هنا يمكنني القول أن هذه الآية العظيمة {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}الروم30 هي المدخل المعرفي الحقيقي لفهم المضمون المعرفي القرآني ذو المنهجية العلمية الكلية التجريدية.
إن العقلية الإسلامية التاريخية انطلقت في فهم القرآن بنظرة جزئية منهجاً ومعرفة تبحث عن الأحكام التفصيلية المباشرة الناظمة لعلاقات الأفراد ولم تلتفت للقواعد والأسس الكلية المتعلقة بقيام المجتمعات والدول والحضارات فتم التركيز على أحكام المعاملات (القانون المدني) وأحكام الجنايات (القانون الجنائي) وأحكام الأسرة (قانون الأسرة) ولم يهتموا بفقه الدولة والحضارة بسبب الانحراف السياسي المبكر الذي لحق الدولة الإسلامية والهجمة الشرسة المعرفية والمنهجية التأويلية المجوسية واليهودية.
ولما تعاملت العقلية الإسلامية مع القرآن بهذه المنهجية الجزئية وكأن القرآن لائحة داخلية وليس دستوراً عاماً يضع القواعد العامة المجردة لا التفاصيل التطبيقية المجسدة لم يجد علماؤنا في القرآن من الأحكام التفصيلية المباشرة سوى خمسمائة آية والتي سميت (آيات الأحكام) ومن ثم انصرفت معظم الجهود العلمية إلى السنة النبوية لأن طبيعة السنة تفصيلية بحثاً عن أحاديث الأحكام وغدت آيات الأحكام وأحاديث الأحكام هي شروط الاجتهاد وهي الإطار المعرفي للعقلية الإسلامية.
وأنا لا أقصد بكلامي هذا التقليل من شأن التراث الفقهي التاريخي وإنما التأكيد على ضرورة الاستفادة منه وعدم التوقف عنده لأن موضوع آيات الأحكام وأحاديث الأحكام قد أشبعه تراثنا بحثاً ويجب الآن الانتقال إلى المنهجية القرآنية الكلية العلمية عندئذ سندرك أن القرآن كله أحكام وعلوم وسنن وقوانين وليس خمسمائة آية وسترتقي العقلية الإسلامية إلى المنهجية العلمية المنطلقة من القوانين العامة والسنن الناظمة للحياة الكونية والإنسانية فيكشف القرآن عن مكنونه المعرفي الحقيقي وهو الحكمة:
لأن الحكمة هي المضمون المعرفي للقرآن بدليل اقتران الحكمة مع الكتاب في العديد من آيات القرآن.
وبدليل جعل الحكمة هي الشرط الرئيسي للنجاح في عملية الدعوة والتغيير لأن الواقع يسير وفق سنن معينة ومن لا يفهمها لا ينجح في عملية التغيير.
أما الأدلة القرآنية على أن المضمون المعرفي للقرآن هو الحكمة.
* قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ}(آل عمران:48).
* قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}(آل عمران:164).
* وقوله تعالى: { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{268} يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ{269} (البقرة: 268-269).
* قوله تعالى{ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (النساء:113). والمقصود بالحكمة هنا ليس السنّة كما زعم بعض المفسرين بدليل قوله تعالى (يس{1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ{2}) فهذه الآية قطعية الدلالة في بيان أن المضمون المعرفي للقرآن هو الحكمة.
* ثم يخبرنا القرآن أن المسيح عليه السلام عند ظهوره آخر الزمان سيأتي ويكشف عن مكنون الحكمة بقوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{61} وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{62} وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{63} (الزخرف)
أما دليل جعل الحكمة أساس نجاح الدعوة وتغيير الواقع فهو قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل:125).
والآلية المعتمدة للوصول إلى هذا المضمون المعرفي القرآني (الحكمة) هو فقه السنن والقوانين العامة للحياة الكونية والإنسانية لا فقه آيات الأحكام لأن العلم منه الثابت ومنه المتغير والعلم الثابت الذي هو الحق هو السنن العامة والقوانين العامة التي لا تتبدل وهذه السنن والقوانين مكنونة في القرآن كتاب الله المسطور كما هي مكنونة في الكون كتاب الله المنظور وهذه السنن هي التي فصلها القرآن ولذلك اتسم بالعموم والتجريد أما العلم المتغير المتعلق بالتفاصيل المرتبطة بالجوانب التطبيقية المجسدة فقد ترك للسنة ثم لإجتهاد العقل البشري على ضوء القواعد العامة السننية وهديها لأن جزئيات كل عصر متغيرة وليست ثابتة.
- فقه آيات الأحكام هو الحد الأدنى من العلم الذي لا ينبغي جهله وفقه آيات الله في الآفاق والأنفس فقه السنن الثابتة التي لا تتبدل هي الحد الأعلى الذي يقود إلى الحكمة وإلى السقف المعرفي القرآني النهائي وهو الوعي الموضوعي المعادل لحقائق الكون والحياة البشرية بشموله واتساعه.
والدليل على كلامي هو حجم آيات الأحكام في القرآن من حجم آيات الله في الآفاق والأنفس.
ولو تأملنا في الآثار السلبية للمنهجية المعرفية التي اتسمت بها العقلية الإسلامية التاريخية لوجدنا أنه حصل نوع من الفصل بين الدين والدنيا وتم تفسير الإسلام بشكل عام وكأنه جاء لإصلاح آخرة الإنسان لا آخرته ودنياه ولم يتم إبراز الإسلام كمنهج شامل لإصلاح حياتنا في الدنيا والآخرة مما ساهم في تكريس واقع التخلف (سلبية الإنسان إزاء المجتمع والطبيعة) وعدم تحفيزه للفعل الحضاري مع أن القرآن أوضح لنا أنه منهج لإصلاح الحياة الدنيا والآخرة وإقامة جنات وفراديس أرضية وسماوية.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الأعراف الآية 32.
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} سبأ:15.
وحصل فصل بين علوم الشريعة وعلوم الطبيعة ولا فصل بينهما لأن علوم الطبيعة هي آيات الآفاق وهي مادة الإيمان لأنها الأثر الدال على المؤثر (البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا تدل على اللطيف الخبير)، ومن زاوية أخرى كل ما في الطبيعة والكون سخّره الله لمصلحة الإنسان فالكون فطرةً خاضع لقانون التسخير وقابل هذه السنة الفطرية سنة تشريعية دينية وهي قانون الإعمار.
لقوله تعالى (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}لقمان20
وقوله (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}هود61
كما حصل في تراثنا الفقهي نوع من الفصل بين العقيدة والشريعة وتم إبراز عقيدة التوحيد وكأنها لا علاقة لها بإصلاح حياتنا الدنيا وحصرت الشريعة في الأحكام التفصيلية الناظمة لعلاقات الأفراد في المجتمع والدولة المسلمة (فقه المحكمة) ولم يلتفت فقهاؤنا لأسس ومقاصد بناء الدولة والمجتمع (فقه الدولة).
حتى المقاصد العامة التي تكلم عنها علماء التراث الكليات الخمس (حفظ الدين –حفظ المال – حفظ العقل - حفظ النفس- حفظ العرض... الخ) جاءت من زاوية جزئية، صحيح أنها مقاصد عامة لكنها متعلقة بحقوق الأفراد وهي مقاصد استنبطها الفقهاء استنباطاً من خلال تتبع الآثار والنتائج التي تقود إليها آيات وأحاديث الأحكام.
وبالمقابل غفل تراثنا الفقهي التاريخي عن مقاصد وأسس بناء الدولة رغم أنها كليات وردت في القرآن بنصوص صريحة من ذلك:
(الحرية والشورى- الوحدة- العدل- السلام - الإصلاح وعدم الفساد) هذه هي مقاصد وأسس الدولة والحضارة في القرآن (فقه الدولة) ولا تجد لها في كتب الفقه أبواب ثابتة وشروح وتفاصيل وسأقوم بشرحها بإيجاز وأبين مدى ارتباطها بالعقيدة وأن فقه العقيدة هو فقه الدولة.
*مسؤول التخطيط السياسي سابقاً في التجمع اليمني للإصلاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.