غريب محمد السياغ.. رباعي الأبعاد يمارس الخط العربي ويحترف التصميم، ويعشق التصوير، ويتماهى في الرسم الرقمي، السياغي مغامر في الولوج إلى الرسم الرقمي، كمشروع فني واستثماري في وقت واحد، “غريب” يتمنى أن يكون في بلادنا يوماً وطنياً يسمّى ب(يوم الشباب)، تُعرَضْ فيه مواهب الشباب في كل الميادين، وتخصص جوائز رمزية من الحكومة لهذا الإبداع.. وكان لنا معه هذا اللقاء. .. حدّثنا عن بدايتك مع الخط العربي؟ البداية كانت مع الوالد وكنت من طفولتي شغوفاً بالرسم والخط، وهذا الشَغفْ هو ما دفعني إلى الاقتراب من الوالد والاستمتاع بمشاهدة أعماله، وما زلت أتذكر موقفاً حصل لي في الابتدائية، وهو أن أحد الطلاب عمل لوحة عند أحد الخطاطين، فجلستُ أتأمل تلك اللوحة بشغف عجيب وكنت أجلس أسرح فيها سرحاناً عجيباً، وأنا أتأمل الخط، ولا أبالغ إذا قلت لك إني من شدّة حبي للخط كنت أجلس أرسمها بعيني، أرسم الحروف كي أُتقنها، وما زلت احتفظ بكراسة رسم حصلت عليها في الصف السادس، المهم إنني كنت أشعر بصوت يهزّني من الأعماق وهو هذه الموهبة. .. ما أطرف ما تذكره من طفولتك متعلق بهذه الموهبة؟ أتذكر وأنا في الصف السادس، جاء إلى المدرسة ذات يوم الخطاط المشهور خالد الورد، فسأل: هل لديكم خطاطون؟ قالوا له: نعم معنا غريب السياغي، فسألني: ما الخط الذي تتقنه؟ فقلت له النسخ، وكنت حينها لا أعلم غيره، ولم يكن لي علم ببقية الخطوط (الرقعة والديواني والفارسي والكوفي) فأخذ الطبشور وكتبَ على السبورة (بسم الله الرحمن الرحيم) بكل الخطوط فبقيتُ أنظر إلى السبورة وخرج كل الطلاب وأنا متسمّرٌ في مكاني أنظر إلى السبورة، متسائلاً: أين أنا وأين الخطاطون؟! فاكتشفتُ أن الفرق كبير، فيما أنيِّ كنتُ أظن أنيِّ وحيد زماني، وكان الطلاب في الحارة يأتون إليّ أعمل لهم لوحات، وكنت المشهور حينها. .. ماذا عن موهبة الرسم؟ كنت أرسم منذ الطفولة شخصيات كرتونية، مثل عدنان ولينا، وكنت حينها أبيع ذلك للطلاب. .. الكمبيوتر وفرَّ على الإنسان هذه الأيام الكثير في جانب الخط؟ برغم أنه خدم الإنسان، لكنه في المقابل دمّر إبداعه في هذا الفن، وقتل المواهب، وقتل أيادي الخطاطين. .. الخط لم يعد يحتلّ مكانة مهمة كما كان، لماذا؟ الخط العربي هذه الأيام أعتقد أنه مُهاجم ومحارب، لغرض تدمير التراث الإسلامي، فهنالك برامج في الخط مثل برنامج (كالك CALK)، تكتب بالخط العربي، وهذا يعني هجر الخط عن طريق اليد، وهنالك أسباب أخرى مثل عدم اهتمام الأسرة والإعلام، والمدرسة والمجتمع بهذا الفن، إذا كان الابن يأتي إلى أبيه، بدفتر غير منظم ولا مرتب والأب لا يُعدَّل عليه ولا يُنبهه، هنا تكمن المشكلة، وكذلك المعلم، والإعلام لم يعد مهتم كما كان، فلو تذكرنا حلقات زمان مثلْ (أفتح يا سمسم) كانوا يكتبوان الحروف كتابة، وكانت تنغرس في القلب أنا أذكرها إلى الآن، هذا كان يُعلِّمْ الطفل كيف يرسم الخط، فأصبحتْ المسلسلات اليوم قتل للمواهب؛ لم تعدْ هنالك لمسات تهدف إلى غرس قيمة تعليمية، ومعظمها كالسحر، عندما يتم تجاهل الأمور الفنية في التعليم كالرسم والخط، ويجب أن يكون الخط مادة مقرّرة في المدارس. .. الخط يُدرّس ضمن مادة اللغة العربية؟ ما المانع أن يدرّس كمادة مستقلة، يُدرّسهُ معلمون أكفاء، لأن الخط مكرّم فهو يستمدّ التكريم من القرآن. .. تحترف الخط، والرسم الرقمي، ولديك خبرة جيدة في احتراف التصوير، وأنت مصمم (جرافيكس) ألا يكفي أن تحترف تخصصاً واحداً؟ هنالك ترابط وثيق بين هذه الفنون، واهتمامي بالكلّ أعطاني تكاملاً، وكله في الأخير عمل فني. .. كيف كانت البداية مع التصاميم؟ كان فضولي الشديد هو التعرف على الكمبيوتر، وكنت اشتري سيديهات برامج، ووجدت برنامج الفوتوشوب الخاص بالتصاميم فنزلته، وكنت لا أعرف حتى قائمة “ابدأ”، وكنت أنزّلْ ذلك في جهاز الشركة التي كنت أعمل فيها آنذاك. .. متى بدأت في الرسم الرقمي؟ بداية دخولي في الرسم الرقمي كان نتيجة الوضع. .. كيف ذلك؟ الوضع السيئ، لاسيما مع كثرة انطفاء الكهرباء عقب اندلاع الثورة، حيث أوجد بداخلي سلبية كبيرة، فكنت أجلس مع نفسي كثيراً، وقلتُ: لماذا لا أحوّل هذا الوضع السلبي إلى نجاح، فهل لو إطفاء الكهرباء نهاية العالم؟ فليطفئوا وأنا أتجه نحو إبداع آخر لا يعتمد على الكهرباء ولا على الكمبيوتر، وإن أطفأوا الكهرباء لن يطفئوا قدراتي، فعند انعدام الكهرباء كنتُ آخذ الورقة وأرسم على الشمع، فكنت أرسم عن الواقع الذي كنا نعيشه. .. ما مدى علاقة الفنان بالواقع؟ على الفنان أن يعيش بإحساسه وإبداعاته مع المجتمع أياً كان هذا الفن، فهو من يرسم واقع المجتمع بريشته ويجسّد ذلك في إبداعاته الفنية، والفن الذي لا يخاطب الواقع ولا يعيش هموم الإنسان فلا يعد فناً. .. ما أثر تذوّق الفن على حياة الفرد؟ للفن أثر داخلي على النفس، واللهُ عزّ وجل غرس في فطرتنا هذا الميول، والتأثر بالجمال يعتبر إجماعاً عالمياً لو جئت ببشر من أجناس متعددة، ومتفاوتين بين القدرات والتخصصات وسألت كل واحد عن انطباعه نحو هذا المنظر ستجد الكل يجمع بأنه جميل، فطرة الجمال موجودة في الإنسان أياً كان، الله خلق الكون من حولنا متفاوت يُشكّلْ أيقونة جميلة لا تمل منه العين، لأن التنوع هذا يُعطِي راحة نفسية للإنسان. .. أنت كمصمم ورسام هل تستفيد من هذا التنوع؟ نعم استفيد منه بشكل كبير جداً، وأنا أربط ذلك بالتصاميم الإعلانية التي أصممها، وأحاول توزيع العناصر بشكل متنوع حتى يظهر الإعلان بشكل جيد. .. كيف تقرأ هذا التنوع؟ التنوع يعط الحياة جمالاً، حتى على مستوى الشجرة - هي آية في الجمال- الله قادر أن يخلقها بزوايا حادة أو قائمة، لكن التنوع الموجود فيها يعطيها جمالاً، التنوع في الكون يعطي استمرارية في تلمس الجمال فتظل العين يقظة توزع نظراتها باستمتاع، فلو كانت كل الأشياء متساوية لما حدث هذا التذوق، السحاب تتبدل في السماء لا تثبت في مكانها، كل ذلك لحكمة حتى لا تَملّ العين منه فتظل العين تَسبحْ وراء الخبايا والخفايا الموجودة. .. هل يستطيع المصمم الاستغناء عن الرسم على الورق؟ المصمم الناجح هو الذي يرسم تصميمه على الورق ثم في الكمبيوتر. .. كيف كانت بدايتك مع التصوير؟ أنا لا أعتبر نفسي إلا هاوياًٍ لهذا الفن، وقادني فضولي الدائم إلى استخدام الكاميرا، وأضف إلى ذلك استخدامي للكاميرا الرقمية التي بدأت أتجول معها كي أعرف أسرارها، وكان الغالب على تصويري هو تلك الأحاسيس التي كنت وما زلت أشعر بها، عند مشاهدتي من خلال عدسة الكاميرا، قد يمتلك الجميع آلة التصوير، لكن لا يمتلك الجميع تلك الأحاسيس الجميلة التي تراودك عند التقاط صورة معينة تعبر عنك، والذين يمتلكون ذلك هم قليل، وهذا هو سر تميز البعض في هذا الفن. .. من الذي شجعك على هذا الفن؟ حبي المتواصل لهذا الفن الرائع، ومشاهدتي الدائمة لأعمال الفنانين حول العالم، وتلمّسي للجمال في تلك الصور الرائعة، التي يلتقطها العديد من المحترفين وبالذات تلك الصور التي لا يتداخل مع إنتاجها الضوء الصناعي أو المؤثرات التقنية، فقط هي صورة رائعة تلك التي تمت عن طريق العدسة المباشرة فصورة واحدة قد تساوي ألف كلمة. .. كم عدد الصور التي التقطتها؟ التقطت العديد من الصور منها في صنعاء وعدن وفي تعز والمحويت، وبمعنى أوضح أينما ذهبت في رحلة وكانت لدي كاميرا فأنا أحاول توثيق تلك الآيات الربانية الجميلة من حولنا، ولكن يبقى لدَّي حلم هو الذهاب إلى كل قرية وجبل وسوق في بلادنا الجميلة، لألتقط أكبر عدد من الصور، التي تحكي تاريخ هذا الشعب العريق. .. هل حصلت على جائزة في هذا الجانب؟ كانت هنالك مسابقة لأجمل صورة أقيمت في صحيفة يمن تايمز في 2005م، رأيت الإعلان في الصحيفة وأنا في عملي وأخذتها للبيت وأخبرت أبي وأمي والجميع أن الجائزة هذه ستكون من نصيبي إن شاء الله، لا أدري عن ذلك التفاؤل الذي كان بداخلي لكني ذهبت متوكلاً على الله في رحلة إلى صنعاء القديمة أنا ووالدي، وكان ذلك بعد العصر في 29 من رمضان من تلك السنة، وتجوّلنا مع الصائمين داخل تلك المدينة التي طالما أبهرتني بأجوائها، وبفنها المعماري، وتراثها المدهش، وقمت بالتقاط العديد من الصور، للمباني ولحركة الناس في الأسواق وغيرها، كانت لدي مجموعة أخرى من الصور العادية التي شاركت بها في المسابقة ودخلت المسابقة ب (21) صورة ترشحت منها أربع صور للنهائي وأقرت لجنة التحكيم ترشيح صورتي التي كانت لشخص عجوز يقرأ القرآن داخل الجامع الكبير، بالقرب من البوابة الشرقية للجامع، وكانت فرحتي غامرة عند فوزي بالمركز الأول. .. عندما تمر بموقف جميل وأنت لا تحمل كاميرا بماذا تشعر حينها؟ حقيقة أشعر بالحزن، لأنني أرى أن ذلك الموقف أو تلك الصورة لو سجلتها لكان باستطاعتي أن أريها للآخرين، وأن أعيد التأمل فيها مراراً وتكراراً، فالصورة كما قلت قد تعني آلاف الكلمات. .. ما العوائق التي كانت تقف أمامك وأنت تمارس هذه الهواية؟ للأسف.. نعيش غرباء في بلادنا، وأتذكّر موقفاً حصل معي عند قيامي بتصوير جامع الصالح، حيث ترجلت من سيارتي في ميدان السبعين مساءً، وعندما حاولت التقاط بعض الصور للجامع، فوجئت بأحد الجنود المرابطين هناك يصرخ في وجهي، “ماذا تفعل؟” فأخبرته أنني أريد أن ألتقط بعض الصور للمسجد، فأجابني بأن التصوير ممنوع لأن هذا موقع حيوي، طبعاً دهشت من هذا المنع، واضطررت لأن أريه ما كنت أصور حتى يسمح لي بالذهاب، في المقابل سنجد سائحاً أجنبياً يتجوّل في أي مكان وأي زمان، ويصوّر كل ما يريد دون أن يكلّمه أحد، بل سنجد ذلك الجندي يأخذ صورة تذكارية بعدسة المصور. C.V غريب محمد السياغي تاريخ الميلاد: 29 إبريل 1980م. مدرب جرافيكس، مصمم (2D- 3D). مصمم إعلانات تلفزيونية، ممنتج، وخطاط. مصمم حملات دعائية، مصور فوتوغرافي، ورسام رقمي.