على تصنيف اليمن كواحدة من أكثر البلدان الأوسطية المنكوبة, بفعل الصراعات الداخلية التي لم تهدأ طوال الخمسة العقود الماضية والأوبئة التي تجتاح مساحات شاسعة في أرياف المحافظات النائية, وأزمات الغذاء وشحة المياه والفقر والألغام المزروعة وغيرها من المآسي التي تفتك بنسبة كبيرة من البشر بطول البلاد وعرضها سنوياً, إلا أن حرب المرور تظل الأسوأ والأكثر إلحاقاً للضرر داخل البلاد بما يجوز للمتابع وصفها ك” أشهر قاتل “ لليمنيين في التاريخ المعاصر.. وتحصد الحوادث المرورية عشرات الآلاف من الضحايا بين قتلى ومصابين بصورة سنوية وفقاً لإحصاءات الإدارة العامة للمرور التابعة لوزارة الداخلية, والتي تعتبر أن السرعة الزائدة وضعف التقيد بالإرشادات المرورية إضافة للسيارات والطرقات المتهالكة أكثر مسببات هذه الحوادث إضافة لمسببات تصنف ثانوياً في وقوع الحوادث ترتبط بأخطاء يرتكبها السائق كالانشغال بالهاتف الجوال أو تناول الطعام أو مغالبة النوم أثناء القيادة.. كنت قد سألت مدير عام المرور السابق العميد. عبدالله شبيل حول مدى إدراك اليمنيين على الصعيدين الرسمي والشعبي لخطورة “ حرب المرور” القاتلة, وتصاعدها في العقود الأخيرة, وكيفية التصدي لها, أجاب: “ من وجهة نظرنا في الإدارة العامة للمرور, أن هناك ثلاثة أضلاع للكارثة المرورية في بلادنا, بداية بالسائق نفسه الذي لا يلتزم بقواعد السير أو السرعة القانونية, ثم بالمركبة التي قد يكون من الخطر قيادتها بوصولها إلى مرحلة من التقادم وانتهاء الصلاحية أو الافتقار للصيانة الدورية. ثم الطرقات التي تشكو من الوعورة أو الضيق أو الهشاشة, طبعاً يلعب الوعي دوراً مهما في تقليل نسبة الحوادث, وبعيداً عن المناسبات الموسمية كأسبوع المرور تبقى وسائل الإعلام أكبر حليف للجهات المرورية في إيصال رسالة احترام القواعد المرورية إلى مرتادي الطريق, كما نحاول من خلال تقارير وتوصيات نقلها إلى الأشغال فيما يخص عيوب الطرقات, وهناك خطوات تتبع للكشف عن المركبات وملائمتها للسير دون ضرر أو مخاطر”.. مؤشرات خطيرة كشف تقرير عن الإدارة العامة للمرور أن الحوادث المرورية أودت بحياة 2494 شخصا خلال العام الفائت 2013 وهو رقم مخيف يتجاوز ضحايا الصراعات الداخلية والمواجهات القبلية والعمليات الإرهابية والعبث بالسلاح مجتمعة.. كما يظهر الرقم أرفع بقليل من عدد الضحايا للعام 2012 البالغ نحو 2462 قتيلا بحوادث المرور. وأضاف التقرير أن 8964 حادثاً مرورياً وقع خلال 2013, فيما أسفر عن إصابة أكثر من 12600 شخصاً بإصابات بين الخطيرة والطفيفة. وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن اليمن شهد منذ العام 2000 وحتى نهاية 2011 , قرابة 151 ألفاً و 253 حادثاً مرورياً نتج عنها وفاة 29 ألف شخص وإصابة 193 ألفاً آخرين ..فيما اعتبر متابعون أن الفترة ما قبل 2000 شهدت مصرع مالا يقل عن 20 ألف شخص بحوادث المرور التي وقعت في العقود الثلاثة ( السبعينات – الثمانينات – التسعينات ) من القرن الماضي.. وقد اعترفت الداخلية بالقات كأحد المسببات الرئيسة للحوادث المرورية, فضلاً عن السرعة الزائدة والأعطال المفاجئة والتغيرات الجوية وغيرها.. كما أفادت تقارير مرورية أن الفترة من 2002 إلى 2007 شهدت وفاة نحو 12 ألف شخص وإصابة نحو 86 ألفاً آخرين في 59 ألف حادث مروري في اليمن, في حين بلغت حصيلة الأضرار المادية نحو 11 مليار و 328 مليون ريال يمنى. وأوضح تقرير رسمي, أن نحو 33 ألف شخص أصيبوا بجروح بليغة فيما أصيب 41 ألف آخرين بإصابات طفيفة في حوادث المرور خلال نفس الفترة. الطرقات تزاحم الطرقات كل من السائق والسيارة في رفع فاتورة الدماء على الأرصفة.. قبل فترة فوجئ سائق سيارة أجرة لدى عودته من محل سوبر ماركت بشارع حدة بصنعاء باختفاء سيارته التي كانت تتواجد بداخلها امرأة عراقية كانت استقلتها لمشوار, قبل أن تطلب منه إيقاف السيارة وأن يأتي لها بغرض ما من البقالة, كانت دهشته أكبر عندما وجد مكان السيارة حفرة ضخمة اتضح أنها بيارة تهاوت لتغوص السيارة والمرأة بداخلها, في حين تحلق العشرات لإنقاذ المرأة وانتشال السيارة من الحفرة..وفي طرق جبلية شاهقة مثل تلك الموجودة بطرقات “حجة – عمران “ أو “ صنعاء – الحديدة “ وغيرها, تحدث انهيارات صخرية مفاجئة على الطرقات حال هطول الأمطار مسببة الكثير من الحوادث, في حين تعمل الوضعية الهشة للإسفلت والحفر والمطبات بالكثير من الطرقات وخاصة داخل المدن الرئيسة بالتسبب بحوادث مرور وخيمة.. قوانين على متن أحد باصات الأجرة, حديث عابر مع أحدهم في الكرسي المجاور فهمت أنه سائق سيارة, وقد قام مرور المنطقة بحجز سيارته؛ أما لماذا ؟ قد أتى على القصة من البداية فقال: كنت أقود سيارتي في المسار الصحيح على الطريق وكان خلفي باص نصف حافلة وسيارة نوع (دينا), سائق ال(دينا) أراد تجاوز الباص ولكنه أخطأ التوقيت فارتطم بالإطار الخلفي للباص الذي فقد التوازن ليرتطم بسيارتي, كان هناك أضرار بالمركبات الثلاث ولم يتضرر أحد من الأشخاص؛ وفي المرور حكموا عليّ بإصلاح الباص برغم أنني الضحية ولا علاقة لي بالحادث, أذعنت ودفعت ضرر الباص ثم عندما أردت إخراج سيارتي من حجز المرور قالوا لي عليك دفع 20 ألف ريال (حق عام) حتى يتم إطلاق السيارة؛ لقد حكموا عليّ بغرامتين وأنا الضحية وذلك بدلاً من إجبار من ارتكب الحادث بإصلاح ضرر سيارتي الذي تحملته أيضاً لتصبح ثلاث غرامات.. فأين القانون ؟! الحكاية مأساوية فعلاً بخلاف الشائعة الدارجة “ ثلثين بثلث “, في حال تحكيم المرور بالحوادث المرورية؛ المحامي والناشط الحقوقي خالد الآنسي قال قبل فترة في تعليقه على مثل هذه المسألة خلال استيضاحي منه حول مدى تفعيل قوانين المرور في بلادنا: القوانين وجدت حتى توضع في الأدراج بسبب عجز السلطات منذ عقود عن تجسيد هيبة واحترام القانون عامة, نعم هي تتشدد في تطبيق قوانين الجباية والإتاوات على المواطن, وبالمقابل لا تلقي بالاً للقوانين المتعلقة بحقوق الناس وحل مشاكلهم, وهذا يسري على قانون المرور فهناك تعمد في إضعاف تطبيق القانون, مقابل اللجوء إلى منطق “ القبيلة “ – بفتح الياء وتسكين الباء – حتى تظل الأمور عشوائية, فالقوانين تحتاج بالفعل إلى إعادة النظر في مسألة تفعيلها, وإنفاذها على أرض الواقع .. وللموضوع تتمة في عدد قادم