في سماء عالمنا ثمة نجوم غير تلك الساطعة والبعيدة عن كوكبنا نجوم قريبة منا أبدعتها يد الإنسان كل نجمة تشبه محيطها هذه النجوم التي أعنيها هي مدننا التاريخية التي تنبهت الدول والمنظمات الدولية إلى أهميتها وإلى ضرورة الحفاظ على تميزها و تفرد طابعها المعماري ولهذه الغاية تم إنشاء قائمة مدن التراث الإنساني أو العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” والتي تعنى بضم المدن التاريخية من جهات العالم الأربع ويشترط لدخول القائمة الهامة أن تكون المدينة مازالت محافظة على نمطها المعماري الأصيل وغير مهجنة بأسلوب البناء العصري أو أي من مواده التي لم تكن مستخدمة في السابق وأيضاً أن تكون عامرة بالحياة يمارس ناسها حياتهم بعفوية وتمازج يزاوج بين أصالة المكان و معاصرة الإنسان. ويعد انضمام مدينة ما إلى القائمة إنجازاً للدولة التي توجد بها يكون بمثابة الحدث الثقافي الأبرز باعتباره شهادة دولية لإنسان هذه الأرض الذي كان من الإبداع بحيث انتزع اعتراف العالم بمقدرته على الابتكار والاجتهاد في هندسة بيئته الجغرافية و ظروفها المناخية عبر نمط معماري متفرد بخصوصيته ومن هذا التفرد و بهذا التفرد استحق أن يكون ملكاً لكل الإنسانية لا للبلد الذي يتواجد فيه وحسب. و لوجود شرط الاستدامة في الحياة بهذه المدن فإن انضمام مدينة إلى قائمة مدن التراث الإنساني لا يعني صكاً نهائياً للحصول على المقعد بين المدن المدرجة فاليونسكو تعمل مع سلطات الدولة المعنية على الاهتمام والحفاظ على المدن التاريخية و مراقبة أي محاولات لتشويه النمط المعماري التقليدي ميدانياً و عند عجز الدول عن منع التشويه للعمران سواءً بالتشريع أو تطبيق التشريع إن وجد تكون هدة المدينة أو تلك عرضة للشطب من القائمة. وإذا كنا نفخر كيمنيين بتواجد ثلاث مدن تاريخية في قائمة اليونسكو هي صنعاء القديمة و شبام حضرموت وزبيد وهو أمر لا يعني عدم أحقية مدن يمنية تاريخية بالدخول إلى جانبها كناطحات السحاب الحجرية بيافع ومدينة صعدة و الجوف وجبلة و غيرها إلا أن ذلك ليس كل شيء فمنذ سنوات ترد التقارير والتحذيرات التي تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا من تعرض مدننا لعقوبة الشطب من القائمة الأشهر للمدن التاريخية ولاسيما مدينتي زبيدوصنعاء القديمة اللتين أصبحتا في منطقة الخطر مالم يتم تدارك الأمر من قبل الجميع و في المقدمة وزارة الثقافة و المجالس المحلية لمنع العبث الذي يتعرض له الطابع المعماري فيهما من قبل المواطنين أو حتي من قبل المؤسسات الحكومية و مشاريع البنية التحتية ذات التأثير الكارثي عليهم الغياب الدراية والوعي بأهمية دخول هذه المدن إلى قائمة اليونسكو وما توفره من ترويج مجاني على مستوى دولي لليمن وللمدن في سوق السياحة العالمي موفرة علىالجهات المعنية ملايين الدولارات وكثير من الجهد لإيصال هذا المخزون الحضاري للعالم كما هي دعم لا يقدر بثمن لإبداعات الإنسان اليمني والحضارة الإسلامية في هذا البلد وتسهل على باقي المدن التاريخية فرص الدخول للقائمة تباعاً والاستفادة من إمكانيات وخبرات ودعم اليونسكو للحفاظ عليها و حمايتها من الاندثار بفعل عوامل الطبيعة أو غيرها وهذا أمر تجهد الدول بمؤسساتها المختلفة للحصول على ربع الفرصة فيما نهدر نحن ما سبق وأنجزناه بصعوبة. إن أكثر ما يحز في النفس أن تتعرض هذه المدن للشطب من قائمة ندرك أهميتها في زمن ندعي توفر الوعي ووسائل التثقيف المختلفة بوجود الأجهزة الحكومية والمنظمات المدنية التي تعنى بهذا الجانب الحضاري من ثقافتنا التي نعتز بها في حين حافظت على أصالتها في أزمنة التخلف والجهل واحتلالاً وزيادة على ذلك فالمخالفات لا تقتصر على المواطن الفقير الذي لا يمتلك ما يعينه على الترميم والبناء التقليدي ولكن الأبشع من ذلك ممارسات المقتدرين و المؤسسات الحكومية ومن يطلق عليهم بالأعيان ومتقلدي المناصب الرفيعة إنه الفقر الأخلاقي والقيمي والافتقار إلى الإحساس بالجمال لدى هؤلاء. ومن ما سبق نصل إلى نتيجة مفادها إن كل الجهود المبذولة من الدولة أو من منظمات وطنية أو إقليمية أو دولية لن تجدي نفعاً في إنقاذ تلك المدن التاريخية وغيرها مالم تغرس قيمة الهوية وينشأ الناس على عشق الأصالة والانتماء لهذه المدن الساكنة فينا كما نحن نسكنها تماماً.