تعد التقارير اليمن واحدةً من أشد دول العالم فقراً في مجال المياه, بالنظر إلى نصيب الفرد البالغ 125متراً مكعباً سنوياً ,حيث تنعدم المقارنة بالمعيار الدولي لنصيب الفرد السنوي والمقارب 7500 متر مكعب.. ووفقاً لأحدث تقرير حول مؤشر الوضع المائي باليمن والصادر عن الهيئة العامة للموارد المائية “فإن المواطن اليمني لم يعد بمقدوره الحصول على مياه تكفي لتغطية حاجاته الأساسية في مختلف أحواض البلاد التي أصبحت مهددة بالاستنزاف ؛حيث تركزت الدراسة المعدة على 4 أحواض هي : صنعاء, عمران, ذمار وتهامة . مؤكدة أن حصة الفرد السنوية المتجددة من المياه في نطاق هذه الأحواض الأربعة, على الترتيب لا تتجاوز (34م,100م,171م,190م)وهذه النسب لا تمثل شيئاً مع مقارنتها بنصيب الفرد عند خط الفقر المائي المقدر دولياً بنحو 1000 متر مكعب في السنة, والذي تعد المنظمات الدولية الوصول إلى مستواه ب(الكارثة), كما أن التقرير رصد مستويات الاستنزاف للمياه في الأحواض الأربعة على الترتيب ( 68 %,61 %,60 %,75 ٪ 85 % ) ,حيث تستغل المياه عشوائياً ولأغراض غير مجدية وتظل الفجوة متسعة بين المسحوب والمتجدد بمياه هذه الأحواض من عام لآخر مما قد يؤدي إلى نضوبها بعد سنوات قلائل.. نزوح وحروب داخلية سببها المياه وفي تقرير أممي جديد, أطلقت المنظمة الدولية تحذيرات من تغيرات ديموغرافية مرتقبة لتركيبة السكان ,في 6محافظات يمنية بسبب الجفاف الذي يتهددها والذي قد يؤدي إلى عملية نزوح جماعي للسكان عن هذه المحافظات وفي مقدمتها البيضاءوعمران , في حين احتدمت الصراعات الداخلية بشدة رغبة في السيطرة على تجمعات المياه, وكان قبل عدة أعوام تحدث أكاديميون عن ما نسبته 40 %من إجمالي الاحترابات الداخلية باليمن , تعود إلى الاستحواذ على المياه, وليس أكثر دلالة على ذلك حروب منطقتي صبر والمرزوح الطاحنة في محافظة تعز التي نشبت بهدف سعي المتقاتلين إلى تملك مورد مائي صغير يتخلل المنطقتين اللتين أعلنتا منكوبتين لسقوط عشرات القتلى والجرحى من أبنائهما في هذه الحرب. قضية وطنية تشكو التهميش و إذا كان باحثون رفعوا مطالبتهم للحكومة بتجسيد “ندرة المياه” كقضية وطنية تحظى بأولوية الاهتمامات, فهذا بعيد عن المبالغة, حيث تشير الدراسات إلى تصدر أزمة المياه للمشهد المستقبلي القريب على الخارطة اليمنية لتتقدم في خطورتها وتراكماتها بمراحل من أزمات الانفلات الأمني والاضطراب السياسي وتدهور الاقتصاد وتفشي الصراعات الداخلية التي تكتوي بها البلاد فالأرقام التي تتخلل أزمة المياه مخيفة وكارثية, فمن إجمالي 25 مليون نسمة تعداد سكان البلاد ,هناك 40 %منهم لا يتمتعون بربطيات شبكات المياه في الحضر وترتفع النسبة إلى70 % في المناطق الريفية, في حين لا ينعم 4,5 مليون طفل بمياه صالحة للشرب, ويفتقر5،5 مليون من هذه الشريحة إلى خدمات صرف صحي ملائمة, وسط معاناة البلد من اتساع العجز السنوي لكمية المياه وبلوغه 1،3مليون متر مكعب نظراً لزيادة مسحوب المخزون الجوفي عن الكميات المتجددة سنوياً ولاستخدامات لا علاقه لها بالتنمية. الحلول والمعالجات والنقطة المؤكدة أن تركيز قطاع المياه بات يعطي أولوية لإنجاز أول مشروع لتحلية مياه البحر، يستهدف سد النقص الحاد الذي تواجهه محافظتا إبوتعز، في ظل تكفل خليجي بتمويل وإنفاذ هذا المشروع الذي يعد الأول من نوعه في اليمن, وبالنظر إلى هذا الحل الطارئ والذي سيكون مصدر إرهاق مادي للسكان الفقراء, فإن هناك حلولاً أخرى قد تخفف من خطورة الأزمة وحدتها؛ وفي هذا السياق يؤكد الدكتور نايف أبو لحوم – المدير العام لمشروع حصاد الأمطار التابع للأمم المتحدة عن الحلول الممكنة لمشكلة “شحة المياه” , ودور مشروع حصاد الأمطار : “ المشروع يرتكز على توجيه جهود السكان لاستغلال مياه الأمطار التي تعتبر المصدر الوحيد للمياه حالياً في بلادنا, وذلك عبر القيام ببناء تجمعات أو خزانات طبيعية لحجز المياه وبناء كرفانات وحواجز وكذلك استغلال المياه المتجمعة على أسطح المنازل وغيرها, والأمر يتطلب توعية المجتمعات المحلية وتقديم الإمكانات اللازمة التي تفيد هذه المجتمعات في حجز وتوفير المياه بدلا من تبخرها وتبددها وعودتها مرة أخرى إلى البحر دون الاستفادة منها؛ والمؤكد أيضاً أن من ضمن الحلول إنفاذ الحكومة وتفعيلها للتشريعات المتعلقة بمنع الحفر العشوائي للآبار والذي يستنزف المياه الجوفية وهو السبب الأبرز لمشكلة المياه الراهنة في اليمن“. ويتفق الأكاديمي بمركز المياه والبيئة بجامعة صنعاء الدكتور فضل النزيلي مع هذه الرؤية حيث يرى في الاستنزاف الجائر للمياه عبر الحفر العشوائي السبب الأهم لشحة المياه في اليمن... مضيفاً بأن وقف هذا الاستنزاف بالإضافة إلى اتباع طرق حديثة واقتصادية في ري المحاصيل الزراعية وانتهاج حصاد الأمطار كوسيلة للاستفادة من مياه الأمطار التي يتم إهدارها في الغالب, ويتابع : “حصاد مياه الأمطار” طريقة مثلى لاستغلال المياه, لكنها عند التنفيذ على أرض الواقع تحتاج منهجية علمية واستثمارات كبيرة.. الوعي.. قضية ضرورية يؤكد المختصون في الشأن المائي بوجود ضعف في الوعي الجمعي بأهمية ترشيد استخدام المياه, وهذا يلعب دوراً كبيراً في استشراء أزمة المياه في بلادنا, بدءاً من الاستخدام المنزلي ووصولاً إلى الاستخدام لأغراض الزراعة, وفي هذا السياق أوضح مختصون في حديثهم للصحيفة أن قضية التوعية برغم أهميتها واستراتيجيتها في حل جزء من أزمة المياه, إلا أنها ما زالت قضية هامشية وأن جهود الجهات المختصة بالمياه في بلادنا تتصف بعدم الشعور بالمسؤولية إزاء الاهتمام بالجانب التوعوي حيث يدار الحديث حول هذه القضية في الإطار المناسباتي لا أكثر..