ومن خلال القراءات تبين لي أن النص الروائي الفارق، يناقش العنف والتطرف، والتسامح، وصراع الضعف والقوة، والتحول، وهذا طرح جريء وقضية نحياها اليوم وكانت صفة لمرحلة..، إعجابي بالنص وصاحبه فإذا المفكر والمبدع يطرح ويناقش قضايا مجتمعه وعصره بهذه الصورة، فإن أملنا بالنهوض سيزداد وهجاً واتقاداً ومن الخطأ أن يقرأ النص الإبداعي قراءة سياسية ظاهرية، صرفة بما يسيء لزمنه ومقاصده لاسيما إذا كانت القراءة سريعة، تحمل النص واقعية حقيقية غير مقاصده، ونحن نعلم أنَّ الشخصيات القصصية هي شخصيات ورقية لكنها في الوقت نفسه ليست مجازية، ولكنها تحقق الواقعية بوصفها تناقش قضية بعينها، لتقترب من الواقع، وإذ كانت رواية «مصحف أحمر» للغربي عمران، رواية تاريخية سياسية بامتياز بوصفها تناقش مرحلة زمنية امتدت من «1974 تقريباً 1982م» وهذه الفترة هي مرحلة الصراع السياسي بين شطري اليمن سابقاً والتي تميزت بعدم الثقة ورغبة الايدلوجيا السياسية فرض رؤيتها عن طريق العنف والقهر ويأتي الانحسار الايدلوجي والضعف 1982م، وكان الزمن بعد هذا الزمن قصيراً مكملاً للتغيير السياسي بتحقيق الوحدة. اعتمدت الرواية أسلوب الرسائل والمذكرات وهي الطريقة التي تناسب السرد للماضي والسيرة الذاتية، وكانت تحكي سيرة أحداث الوطن وتطرح رؤية التسامح والتعايش والتطرف والأسباب المتمثلة بالعنف والقهر والسيطرة، تحت غطاء الشعارات موضحاً منهجية التطرف الذي يفضي إلى تطرف مماثل آخذاً في ثناياه نتائج التطرف على الفرد والمجتمع والوطن والعالم، وفي هذه القراءة سوف أتناول محوري التسامح المتمثل ب«المصحف وشخصية العطوي» والتطرف المتمثل بالشخصية «تبعه حنظلة، مصادره» كما جاء في النص الروائي وأتمنى أن تصل قراءتي للجرأة والمسكوت عنه وهو «السلام والوحدة والاستقرار» وقد تكون قراءتي مجرد قراءة متلق، رأى كما يرى غيره جانباً وجانبا وغفل عن جوانب أخرى، ولكن تبقى الرواية مفتوحة على القراءات كلها ورسالة الرواية دعوة للمحبة والتعايش والتسامح والقبول بوحدة التعدد، والتي هي سمة يمنية متجذرة منذ الأزل وسوف أتناول في هذه القراءة المحاور التالية: المصحف (1) فإذا كانت رمزية «المصحف الأحمر» الذي جاء في الرواية استحضاراً للخصائص اليمنية من التاريخ القديم حيث أورد السرد «إنه من أعد محاكمة كل من كان على غير اليهودية، وكان «أخدود نجران» ومحرقة من تمسكوا بتعاليم يسوع المسطر في الكتب السماوية من أفكار، لذلك حلت لعنة الذكر الواحد على ذريته حتى اليوم» رواية مصحف أحمر ص «20». وبذلك فإن السرد الذي له مقصدية ورؤية يرغب بتأكيد التسامح خصوصاً الديني والأيدلوجي، لذلك أورد النص الروائي العلة من الغاية المتوخاة من المصحف لإزالة اللعنة «....إذ تجمعت الكتب السماوية في حروفها الأولى - أخذ أجدادك بالبحث في خزائن الكتب وجمعها في مصحف واحد» ص20، فإذا تقنية السرد تعكس رسالة أن الإنسان ذو فكر متعدد متعايش ومتسامح، فكان المصحف ترميزاً للفكر اليمني والإنسان والتاريخ، حتى يتلاشى العنف والقهر، من المجتمع والمعاناة من الناس. «آه» الروح التي تواجه الصعاب بالصلوات، واستيعاب العذاب بالتراتيل» (نفسه ص45). وبهذا يعكس النص الروائي أن التسامح وتعدد الفكر في ظل الوحدة، تآلف، وسعادة، تخلق السعادة من العدم». وبذلك عكست العمق للرسالة في التسامح باعتبار أن العنف والقهر ليسا حلاً، باعتبار أن التحول والتغير سمة كونية «الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون» «سأخرب الأرض لكني لا أفنيها» وبذلك كان رمزية التسامح والتعايش من خلال «المصحف الأحمر» رغبة في العدالة حتى تتجذر وحدة القبول بكل من المجتمع، وأن استمراريته أزماناً يعد شيئاً مستحيلاً فهذه رسالة للنخبة الفكرية، وأن اليمن من أكثر المجتمعات تقبلاً للأفكار الأيدلوجية منذ الزمن القديم حتى اليوم، لذلك يصف النص صنعاء «بياض قبابها.. كان في البدء- ولدت يهودية.. ثم خالطتها المسيحية.. لا أحد يجزم ما تخبئ لها الأيام من مسرات» وهذه رسالة فكرية متنوعة وحضارية معروفة، وصنعاء استحضار رمزي لليمن كلها باعتبارها حاضنة الفكر اليمني... بأكمله حتى يتحقق الاستقرار والعمل الحضاري الخالد، من خلال تآلف وتسامح الناس، وقبولهم ببعضهم، لذلك كانت المشاهد التصويرية التي جاء بها السرد تعكس رؤية السارد «سرت عبر أزقة صنعاء العتيقة مررت جوار الجامع المقدس شدتني رائحة زكية.. تشبه رائحة المصحف». فإذا كان الفكر المتمثل بالصحف مصحوباً بالقداسة وذائباً بالروحانية والروائح العطرة فإنه معادل رمزي لإجماع الناس بوصفه يقترب من الفطرة والطبيعة الإنسانية، لذلك عندما حل العبث والتمزيق فإنه تمزيق وشتات للفكر والمجتمع واستبدال للعدالة مكاناً بالبشر «أمل لايزال يدعوني لمعاودة زيارة أمي فطمينا.. لأريها ماذا حلَّ بالمصحف من عبث» لذلك غاب الوضوح وحل مكانه السرية والتخفي بكثافة ملفتة للنظر لتعكس اضطراب الوضع وصراع الأفكار وغياب التسامح «تبعة لا أعتب عليه كثيراً.. وإن كان هجره لي يميتني، هو تترصده البنادق أكثر من عشرين عاماً، لم أعد أعرف ملامح حياته،. كنت أخطط لإبقائه إلى جواري في صنعاء..، أن يعيش معنا كنت أجزم أنه لن يغادرني، لكني لم أجد تبعة الذي كان، لقد غادرنا ليعود شخصاً آخر، أبحث له بداخلي عمن يشفع له» وبذلك عكس السرد الزمن المظلم وحالة الاغتراب الروحي، وعدم الطمأنينة، وتحول الحال والإنسان ليعكس شتاتاً يفتقر إلى الطمأنينة، والسعادة وذهاب الهم والحزن، ولا يتحقق إلا من خلال رؤية التسامح التي تفضي إلى استقرار شامل وعام، كما جاء على لسان السارد واقتباساً من المصحف «وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب». وبذلك بلغ رؤية التسامح ذروة غاياتها في الرضا الإلهي الموصل إلى السعادة الخالدة. وإذ تأمل القارئ شخصية «العطوي» المرتبط من حيث الطبيعة يلحظ ما يلي: 1 - شخصية عطوفة مترعة بالحنان والنور «رفع وجهه مبتسماً ينظر إلي بعطف، اعتراني خجل ممزوج بالفرح... قال لي تعالي: كررها عدة مرات أجلسني جواره، ثبت المؤشر وسط مصحفه وأغلقه، احتواني بين ذراعيه» لعل السرد يعكس رمزية الإلهام والطمأنينة التي تبعثها الشخصية في الإنسان، كي يدرك أثره ووجوده وسعادته، بوصف الشخصية معادلاً للإنسان اليمني ذي الفكر الحضاري. 2 - شخصية متحدية رافضة تحسن التصرف، مصدر ثقة للناس، لا يغادر وطنه، ومحل إجماع «من منكم راضٍ عن تبعة؟ كان جدك من بين الحضور.. أشار إليه الشيخ قائلاً: في تهكم وأنت ماذا تقول؟ خرج جدك من بينهم صامتاً - يسير مبتعداً في حيرة ودهشة صرخ فيهم الشيخ: أترونه كيف ينصرف متحدياً لكم!. هل شللتم؟! لا داعي لأن تعيدوني أنا منكم ولن أشذ عنكم» وبذلك امتلكت الشخصية الشجاعة والعقل الأريب، اكتسبها من معرفتها بالواقع وتحول الزمن، وبذلك اهتم النص كثيراً أن يصل بالقارئ إلى غاية الإقناع بالشخصية والحدث. 3 - ولأن السرد يجسد الواقع بصدق فقد كانت شخصية «العطوي» تلك الشخصية الرافضة للعنف وهدفها السلام والاستقرار، عن طريق استيعاب العقل للتعايش، لذلك لم ترفع السلاح «سجن حدك في صنعاء» (ص76). 4 - كانت الشخصية رمزية للفكر اليمني المؤمن الذي يعتنق الإسلام بعمق ويستحضر وجود الله في كل شيء «يصف نفسه بالمؤمن، وليس بالمسلم.، ويبرر لهم أن الإسلام جزء من الإيمان» وهذه الرؤية تعكس الالتزام الديني والخلقي، لذلك فهو وحدوي مؤمن بالوحدة، والتسامح، والتعايش فالسرد الروائي يأخذ منه هذه الصفة من خلال التبشير، والفرح، والسرور بتحققها «رحل التشطير ونستطيع أن نحتفل..، أليست هذه الوحدة هي التي ناضل الشعب من أجلها، وبذلك جاءت الحرية والسلام بالوحدة، وعادت الطمأنينة والاستقرار، بينما كانت شخصية «تبعة شخصية متمردة منفعلة عنيفة، رأى في المجتمع العدمية والقهر»، فرحل يبحث عن الحرية بسبب الاستبداد الاجتماعي، فكانت شخصية متنامية تتشرد من أجل الحب، والحرية وصبورة، ووفية، ترفض الخيانة وتتحول عن مبادئها عند التأكد من ذلك، كانت ترميزاً لفكر بعينه تحول ميزانه وسيطرته، وسوف نتحدث عن بعض خصائص الشخصيات في نهاية القراءة. وإذا الصراع الروائي يتحقق بدخول التناقضات الواقعية، فإن التسامح كان المحور الأول لهذه القراءة، والمحور الثاني هو «التطرف» ويأتي أولاً من القهر الاجتماعي بشخصية «الشيخ» الذي استغل بسطاء القرية وسامهم ظلماً وكأن النص الروائي يرغب بتدوين رسالة للمتلقي فحواها أن أي قهر وعنف يولد عنفاً واعتناقاً للشعارات «لأن الظلم والقهر مرتبطان بشهوة التملك والأنانية» والقوة والضعف محورا الصراع، لذلك يحاول السارد أن يناقش مرحلة زمنية بعينها هي عقد الثمانينيات أي «1970، 74: 1982م» وهي الفترة التي كانت فيها الأفكار الاشتراكية قوية، ومازال الشمال يعاني من تركة الإمامة، وقلت هذه السطور لأن القراءة السياسية والصرفة تسيء للنص، لاسيما إذا عممت على كل المراحل، بوصف الكاتب أشار للتحول السياسي واختلال موازين القوى منذ عام 1978م «قطعت عدن إمداداتها التموينية والعسكرية.، أوامر بإخلاء بعض المواقع العسكرية التي كانت للجبهة منذ منتصف 1978م، تسليم نقاط التفتيش بطول الطريق الرئيسة» وهذا السرد يشير إلى بدايات التحول حيث أصبح الشمال نداً لجنوبه ويشير إلى بدايات الحوار وبدايات تغير موازين القوى، فإن المتطرف وسمه النص كي يعكس المنطق داخل النص» سواءً للشخصية أو للشخصيات الأخر فتأتى «اشتد القحط، ولا يملك رعيتك قوت يومهم - وما هو المطلوب مني؟ - أتيناك لتقرضنا بعض الحبوب، - وكيف تسددونها مضاعفة - ظلم أن تعيدوها مضاعفة - ما أريد مقابل الحبوب أرضاً» (ص36). .. الهوامش: 1 رواية «مصحف أحمر». 2 السروري صلاح، دراسات في القصة والرواية. 3 عالم المعرفة، أنماط الرواية العربية الجديدة. 4 مجلة «علامات» السيرة الذاتية في الأدب السعودي»، الجزء «65». 5 الاقتباسات التي أخذت من الرواية كانت بلسان «سمبرية، تبعة، العطوي».