كثيرة هي المشكلات التي يتعرّض لها التعليم في بلادنا بين مباشرة وغير مباشرة، إذ مازال تقليدياً تحكمه منظومة من الفساد المتراكم منذ عقود طويلة, إضافة إلى غياب الوعي بأهميته ومكانته في نهضة المجتمع, لذا النتائج التي تم الإعلان مؤخّراً عنها, ورغم ضعف التحصيل وقلّة الاهتمام وانطفاءات الكهرباء؛ إلا أنها كانت صادمة للكثيرين كما كانت متوقّعة لآخرين, فهي طبيعية في ظل تسريبات حدثت هنا وهناك بطريقة خبيثة أرادت أن تنال من العلم والطالب معاً بل من الوطن ككل حاضره ومستقبله, فنسبة 83.46 بالمائة عالية جداً كما يرى مراقبون لكنها نسبة أوجدتها المرحلة الصعبة التي نمر بها.. تصدّرت أمانة العاصمة الترتيب الأول من أوائل الجمهورية للأقسام الثلاثة بعدد كبير، في حين حصدت محافظة حضرموت الترتيب الثاني من أوائل الجمهورية بنسبة عالية أيضاً, وحضرت محافظات بنسبة خافتة وغابت أخرى؛ وهو الأمر الذي يدلّل به البعض على عدم ارتياحه، فنتائج الامتحانات غير طبيعية البتّة كما يرى.. عن ذلك وعن تصدُّر الفتيات الكبير في أوائل الجمهورية، إضافة إلى مستقبل التعليم كان هذا الاستطلاع مع عدد من التربويين والمهتمّين.. طبيعي البداية كانت من حضرموت محمد عبدالله مخير, قال: في البدء نهنّئ كل من حقّق النجاح في الشهادة الثانوية بجهده وحرصه ومتابعته لدروسه بعيداً عن الغش وأساليبه، وحقيقة أن البنات دائماً ما يحقّقن قصب السبق في نتائج الامتحانات كالعام الماضي وهذا العام, والسبب واضح هو اجتهادهن لاستمرار التنافس بين الفتيات وحبّهن للعلم بعكس الأولاد الذين هم غير مبالين ولا مهتمّين بتحصيلهم العلمي إلا النزر اليسير من الطلاب؛ وهذا طبيعي. معالجة أما عن تفاوت النِسب بين محافظة وأخرى فيقول مخير: إن تركُّز النجاح على بعض المحافظات كونها مدناً كبرى؛ لكن أظن أن الكثير من المحافظات لها نصيب من الأوائل, لكن بعض المحافظات أخفقت بخصوص مستقبل التعليم؛ فهو لا يبشّر في اليمن, فنحن بحاجة إلى معالجة حقيقية ونهوض شامل في كل مفاصل العملية التربوية وإعداد موازنة كبرى للتعليم؛ إذ لا تنهض أمّة إلا بالتعليم, فللأسف مازلنا نبحث عن المنهاج كل عام دراسي, فالمعلّم سُلبت حقوقه, والمبنى المدرسي متهالك, فلن تقوم للتربية قائمة في ظل ظروف مجتمعية تحدُّ من التقدُّم بهذه العملية المهمّة جداً. قرار بدوره حسّان أحمد العمّاري يتحدّث عن التعليم قائلاً: إن مستقبل التعليم في بلادنا لا يمكن أن يُفصل عن المستقبل السياسي، فالتربية والتعليم تحتاج إلى بيئة صحيّة للتعلُّم, ونعني بها الاستقرار السياسي وتوفر الأمن ثم تأتي المطالب الأخرى الفنية والمادية للإدارات والمعلّمين والمناهج والبنية المدرسية المتكاملة, وهذا يحتاج إلى قرار سياسي وحوار مجتمعي للنهوض بالتعليم, ولن ننجح إلا بالتعليم، وبإذن الله المستقبل رغم الظروف يبشّر بخير بتعاون الجميع. تنافس أما عن تفوُّق الطالبات وظهورهن بهذا الشكل اللافت فيعود إلى ثلاثة أمور كما يقول العماري وهي متابعة الأسرة والمدرسة الجيّدة وهمّة الطالبة، وندرك أن مدارس البنات أكثر استقراراً وترتيباً وتنافساً, ورغم وجود مدارس للبنين متقدّمة ونموذجية؛ إلا أن من أهم المعوّقات التي تواجهها الزحمة غير الطبيعية داخل الفصل إلى جانب وجود نوع من الضعف الإداري وقلّة المتابعة. غير طبيعية محمد صالح الرميم، رئيس نقابة المعلمين في مديرية المظفّر – تعز يؤكد: نتائج الثانوية العامة لهذا العام كانت غير طبيعية, فهي تثير السخط عند الكثيرين ممن تابعوا النتائج للكثير من الطلاب والطالبات؛ وذلك يرجع إلى ما حصل من غش فاضح في المراكز الامتحانية في تعز خصوصاً وفي الجمهورية عموماً، فكل من تمكّنوا من الغش واعتمدوا عليه, وكان هناك من يسهّل لهم ذلك فقد حصلوا على معدّلات خيالية أكبر من مستواهم بكثير, وفي المقابل هناك من اعتمد على نفسه فأصابه الإحباط كون من هم أقلّ منه مستوى حصل على نتائج عالية..!!. تفرُّغ أما بالنسبة للإناث وقضية حصولهن على النصيب الأكبر؛ فهو أمر طبيعي كما يرى الرميم كونهن أكثر تفرُّغاً للمطالعة من الأولاد وأكثر اهتماماً، كما لا ننسى ما حصل من تسريب للامتحانات من بعض مرضى النفوس من العاملين في سلك التربية والتعليم والذين بحمد الله تم كشفهم بالاسم وإحالتهم إلى النيابة لأخذ جزائهم العادل، فالتعليم يمرُّ بمرحلة حرجة في البلد, لذا نحن بحاجة إلى تكاتف الجميع من أجل النهوض به ومعالجة الظواهر السلبية التي تصاحبه وأن ننأى به عن السياسة وإقحامه في الصراعات السياسية؛ لأن له مفسدة وأيما مفسدة, وما حصل في الامتحانات الأخيرة للشهادة الثانوية أكبر مثال على ذلك. شكلية نتائج الاختبارات لشهادة الثانوية لهذا العام هي عملية شكلية رقمية كالأعوام السابقة لا تعكس الفكرة الرئيسة للاختبارات التي تتمثّل في تقييم حصيلة ما أنجزه الطالب وما اكتسبه من معارف وعلوم وما تعلّمه من خبرات ومعلومات بهدف إعداد الجيل المسلّح بالعلم والمعرفة والقادر على تحمُّل المسؤولية في القيادة والبناء والإنتاج وتحقيق أهداف المجتمع عبر نظم ومؤسّسات التعليم، هذا ما يراه جواد الحوفكي “تربوي وإعلامي” ويقول: إن نتائج الشهادة الثانوية وحتى الأساسية هي نتائج تقييم لثقافة الفساد المتجسّدة في المؤسسات التعليمية, وهو نجاح لظاهرة الغش أثناء سير العملية الامتحانية التي لم تعد ظاهرة فحسب بل صارت ثقافة يمارسها الطالب والمعلّم والمدير والمسؤول وولي الأمر، كما علينا ألا نغفل الصراع السياسي الذي انعكس على سير العملية الامتحانية بل التعليمية ككل..!!. تقليدية يوافقه كثيراً عبدالفتاح الكهلاني والذي يرى أنه في ظل المحاصصة والفساد لن نجد التعليم الجيد الذي يفي باحتياجات العصر, عصر الثورة المعلوماتية، فالعلوم في بلادنا تُدرّس بالطريقة التقليدية التي تعوّد الطلاب فيها على أسلوب الحفظ والتلقين وترك البحث والمطالعة للمعلومة, وهذا جعل الكثيرين منهم يركن إلى الغش إضافة إلى غياب الضمير التربوي إن صحّ التعبير لدى معلّمي هذا الجيل, وكذلك الفساد التربوي المتراكم منذ عقود طويلة, كل هذا جعل الحالة التعليمية مُزرية في بلادنا, إضافة إلى الحالة المادية الصعبة للكثير من الأسر وكذلك غياب الوعي بأهمية التعليم ومكانته في نهضة المجتمع وأيضاً المخلّفات الاجتماعية الموروثة التي تقلّل من شأن التعليم ومكانته في تنمية المجتمع ثقافياً وحضارياً وفكرياً وحتى اقتصادياً واجتماعياً. تميُّز أما داؤود العريقي “مدرس لغة عربية” فيبدأ من تقدُّم الفتيات الذي يراه طبيعياً وهو ما يستحقينه؛ لأنها أي الفتاة مثابرة وجادة في تحصيلها العلمي, إضافة إلى أنها تتميّز بقوة الحفظ, كما أن وقتها يسمح لها بالمذاكرة أكثر، أما من حيث غياب بعض المحافظات وظهور الأمانة فربما أن وضع الامتحانات فيها كان فيه نوع من التسهيل، إما من قبل الوزارة أو من قبل اللجان الإشرافية ولجان الامتحانات. انتكاس من جانبه محمد الشميري يتحدّث عن محافظة تعز والتي ابتعدت كثيراً عن المقدّمة كما يرى فيقول: الكارثة ممنهجة ومدروسة بعناية فائقة, ساعد على تفاقمها أبناؤها أنفسهم الذين “تمشيخوا” بدلاً من تمسُّكهم بمدنيتهم وتفوُّقهم التعليمي والثقافي, وهكذا طغت ثقافة الغش كبديل مريح عن الاجتهاد؛ أيضاً وضع مكتب التربية المخزي، وما حدث فيه من تجاذبات وصراع على حساب العملية التعليمية التي تأثّرت كثيراً، فحدث هذا التراجع الكبير لمحافظة تعز تعليمياً. مقارنة وهو الآخر صخر المنصري يرى أنّ امتحانات الثانوية عامةً كانت منذ البدء تسير في الاتجاه الخاطئ؛ بدءاً من تسريب نماذج الاختبارات وصولاً إلى النتائج الّتي تركّزت كثيراً حول حصول الإناث على نصيب الأسد منها، رغم أني أرى أنّ معدّلات الطُلاب كانت كبيرَة مقارنةً بالسنوات التي سبقَت, وهذا يعود إلى عدم التكافؤ التعليمي لدينا. أمّا عن مستقبل التعليم؛ فبالرغم من أننا استطعنا أن نلمس أنّ التعليم بدأ بالحياة من جديد في الفترة الأخيرة إلا أنهُ أيضاً بالجهة الأخرى جرى مجرى خاطئاً؛ وهذا يشكّل خطراً كبيراً على مستقبل التعليم. نهوض وأخيراً مع جمال العامري، وكمتابع يقرّر أن التعليم في بلد متخلّف كاليمن في غاية الأهمية خاصة أن الإناث لم يحصلن عليه إلا بالكاد؛ ولكن كما تُشير كل المعطيات على الأرض فإنهن أي الفتيات, حصلن على مراتب متقدّمة في المدارس أو الجامعات بما يدلُّ على أن الفتيات يرغبن في التعليم ويثابرن على تحصيله, لذا لابد من توافر شروط ضرورية للنهوض بالعملية التعليمية وأولها الأسرة التي لابد أن تكثّف من اهتمامها, ثم المجتمع الذي لابد أم يكون أكثر وعياً وإدراكاً لهذه الرسالة الجليلة, ثم يأتي دور الدولة الذي يجب أن يتزايد ويكون هناك اهتمام أكثر بالتعليم لأنه سر النهوض والتقدّم والبناء.