بلا شك أن الفن اليمني له مميزاته التراثية في كل الجوانب، فيتميز بالأصالة والعذوبة، وتخليداً منا لأولئك العظماء؛ ممن تركوا للمكتبة الموسيقية اليمنية إرثاً كبيراً وجميلاً ينبغي المحافظة عليه وتخليده .. سنتناول بعضاً منهم في سطور كنوع من إحياء لسيرتهم العطرة. الفنان محمد حمود الحارثي .. رائداً كبيراً من رواد الفن اليمني الأصيل، عاش حياة حافلة بالعطاء والإبداع في مجال الأغنية التراثية الكوكبانية والصنعانية وجمع بين الأصالة والمعاصرة وكان يقدم الجديد والمتميز غنائياً وتلحيناً، شكلت أغانيه الراقية والأصلية رداً عملياً للذين يعادون الفن والموسيقى ويشككون في وجودهما.. كان دائماً يحرص على تقديم القصيدة ذات المضمون والرسالة السامية.. غنى للوطن وللأرض والإنسان والحب والجمال وساهمت أغانيه لنصرة الثورة والوحدة وتعميق قيمها وشحذ الهمم وبناء المعنويات العالية في نفوس أبناء شعبنا والمقاتلين على حد سواء.. مولده ونشأته: وُلد الفنان محمد حمود الحارثي في عام 1355 ه / 1935 م في مدينة (كوكبان) في محافظة المحويت، وفيها نشأ في حجر عمه ( علي يحيى( لأنّ أباه كان مسافرًا في بلاد الحبشة، فالتحق ببعض الكتاتيب، ثم انتقل إلى المدرسة العلمية في مدينة (كوكبان(، فدرس فيها علوم الفقه و اللغة العربية، و من مشايخه: العلامة (يحيى حسين علي شرف الدين)، و (محمد قاسم الشامي(، و قد اشتهر في هذه المدرسة بجمال صوته، وجودة ترتيله للقرآن الكريم.. عمل بعد تخرّجه في زراعة الأرض، ثم انتقل إلى مدينة صنعاء عام 1377ه/ 1957م، فتعيّن عضوًا في الفرقة الموسيقية التي تشكّلت بعد قيام الثورة الجمهورية عام 1382ه/ 1962م بأسابيع قليلة، ثم عمل أمينًا للمكتبة الفنية في إذاعة صنعاء، ثم أحيل إلى التقاعد. بدايته الفنية: بدأ الحارثي الغناء، وهو في العاشرة من عمره، فكان يغني لزملائه في الكتّاب، ولما عمل بالزراعة تأثّر كثيرًا بالأهازيج الشعبية التي تنشد في المواسم الزراعية المختلفة، وكانت تصل إليه سرًّا بعض أسطوانات غنائية بأصوات عدد من مطربي ذلك العصر في عدن مثل: (أحمد عبيد قعطبي)، و(علي باشراحيل)، و(إبراهيم الماس)، ولمّا انتقل إلى مدينة صنعاء تعرّف في مجالسها على عدد من الفنانين أمثال (علي بن علي الآنسي)، و(أحمد السنيدار)، فبدأ يمارس الغناء في هذه المجالس.. أغانيه: بعد قيام الثورة الجمهورية سجّل الفنان الحارثي لإذاعة صنعاء عددًا من الأناشيد الثورية مثل: (سحقنا الطغاة)، و(الجمهورية فيها الحرية)، و(يا سبتمبر يا مرج التاريخ الأخضر)، كما سجّل أولى أغانيه العاطفية، وهي أغنية (حُميّمةْ)، وفي عام 1390ه/ 1970م ذاعت شهرته بعد أن أنشد (هذه أرضي وهذا وطني)، ثم توالت بعد ذلك إصداراته الغنائية. . اشتهر إلى جانب أناشيده الثورية، وأغانيه الزراعية والعاطفية بأدائه للونين التراثيين: (الكوكباني)، و(الصنعاني)، وتعامل مع كثير من شركات الأسطوانات في صنعاءوعدن، وسجل عددًا كبيرًا من أشرطة الكاست، ومن أشهر أغانيه: (ردَّ السلام)، و(يا فرحتي للرعية)، و (ما أجمل الصبح)، و(الشوق أعياني)، و(عليك سمّوني وسمسموني)، و(جلَّ من نفّس الصباح)، و(خلّي جفاني بلا سبب ).. ارتبطت أغانيه بأجواء صنعاء القديمة الساحرة ومقايل الرجال والنساء على حد سواء لما تبث فيها من دفء مسكوب كلمة ولحن.. من أجمل أغانيه أغنية الشوق أعياني والذي يقول فيها : الشوق أعياني....يا قرة الأعيان والبين أوطاني....مواطئ الأشجان فدمع أجفاني....من فرقتك ألوان أضحى بأوجاني......كالدر والمرجان وفي بيت آخر من نفس الأغنية : طيري الف طيرك....يا قرة الناظر ولا الف غيرك.....غايب ولا حاضر كثِّر كُثُر خيرك.....من الوفا الوافر وليس لي ثاني...... يستوجب الإحسان ومن الشعراء الذين كتبوا له نصوصه الغنائية: (عبدالله عبدالوهّاب نعمان الفضول)، و(عثمان أبو ماهر)، و(مطهّر الإرياني)، و(محمد الذهباني)، و(أحمد العمّاري)، و(عبدالله هاشم الكبسي(. مشاركاته في المحافل: شارك في المهرجانات، والأسابيع الثقافية اليمنية في عدد من البلدان العربية والأجنبية، مثل: ليبيا، وتونس، والمغرب، والسعودية، ودول الخليج العربي، وأمريكا، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، ومنح عام 1425ه/ 2004م درع صنعاء عاصمة الثقافة، وهو عضو في لجنة تحكيم جائزة رئيس الجمهورية في الفنون. متزوّج وأب لأربعة أبناء، وبنتين، وله ثلاثون حفيدًا، وقد اشتهر من أبنائه عازف الكمان (عبدالباسط الحارثي). وفاته: تُوفي يوم الخميس الخامس من يوليو 2007 عن عمر ناهز الثانية والسبعين عاماً، ودفن في مقبرة شبام كوكبان في صباح اليوم التالي لوفاته.