أعتذر بداية عن توقف عمود “ ترحال “ عن صفحتنا الرائعة سياحة وآثار لأكثر من شهر لوعكة صحية ألمت بي وها هو عمود ترحال يعاود الطواف عبر الزمان والمكان وكلي أمل أن يجد القارئ اللبيب والقارئة اللبيبة ما يستحق عناء القراءة من فائدة.. قد يستفز عنوان مقالتي هذه الكثير من الأصدقاء عدا الآخرين من القّراء الذين يكتفون بكسل أصيل لديهم يبررونه بعذر أكثر قبحاً من ذنبهم وهو قدرتهم الهائلة على فهمها وهي طائرة.. قبل كل شيء لابد من الاعتراف بأني ممن خرجوا إلى الساحات والميادين ولا سيما في الأشهر الأولى لثورة فبراير 2011م وأني لازلت مؤمناً بعدالة أهدافها ووطنيتها. إذن طالما والحال كذلك لماذا القيام بوضع عنوان كهذا والحقيقة إن ما دفعني إلى ذلك ليس موقفاً شخصياً ولا لمز وطنية الثوار بل أكاد أجزم بأن هاجساً كهذا طاف في تفكير البعض لكن ما دفعني إلى ذلك هي المآلات المأساوية بل والكارثية التي غاصت في وحلها الكثير من الثورات ومنها ثورات سورية وليبيا ومصر واليمن وسأكتفي هنا بالحديث عن الدمار الذي لحق بالكنوز الأثرية النادرة والفريدة التي كانت ولا تزال هي من أكثر الشواهد الماثلة أمام المتابع الحصيف للجرائم المنظمة التي تتعرض لها الآثار بأنواعها. مدن تاريخية مدرجة ضمن قائمة اليونسكو لمدن التراث العالمي مواقع أثرية وقطع أثرية ومخطوطات ولفائف ترجع معظمها إلى ما قبل التاريخ مروراً بالحقب اللاحقة لها وحتى يكون طرحنا واقعياً فهناك العديد من التقارير الخاصة بهذا الموضوع التي تؤكد تعرض الآثار في سوريه مثلاً للنهب المنظم الأمر الذي أدى إلى إغراق أسواق تركياوالأردن بالقطع السورية المسروقة عدا عن تعرض المواقع الأثرية لأضرار جسيمة يصعب إصلاحها ومن اللافت هنا تفاخر الكيان الصهيوني بأنه تم (استرجاع) عدد من اللفائف النورانية القديمة من سوريه عن طريق تجار وسراق آثار وقد صار معروفاً بأن الدول المجاورة السورية ازدهرت كسوق لبيع الآثار السورية وتسويقها وتصل إلى الكيان المحتل عبر الأردن كما أن الحال في مصر لا يختلف كثيرا عن ما هو حاصل في العراق واليمن ولبنان من الرواج لظاهرة العبث بالمواقع الأثرية من قبل عصابات الآثار في ظل غياب الرقابة وضعف سلطة الدولة. لقد عملت إسرائيل على جمع الآثار من الدول العربية عبر السرقة المصاحبة لاحتلالها لسيناء ولبنان واستفادت من الاحتلال الأمريكي للعراق عبر دخول بعثات للتنقيب عن الآثار ونقلها إلى تل أبيب لتصنع لها تاريخاً هو مسروق كالأرض المغتصبة تماماً. وبذلك نجد أن الأكثر استفادة من حال اللا استقرار في دول الربيع العربي هو الكيان المحتل.