للتأريخ أبوابٌ واسعةٌ وسجلاتٌ كثيرةٌ، فهو يضع الرائع في أعاليه ولا ينقش على ألواحه إلا المبدعون، ويمكن القول إننا نحن العرب قد وضع الصفوة منَّا أقدامه على ثرى التاريخ ممن راحوا ورحلوا، وكانت صفحاتهم كالنجومِ إنارةً وضياءً وتوهّجاً، فهناك العديد من المفكرين والروائين والشعراء ووجوه الإبداع قد حطَّوا رحالهم في رحاب التاريخ وسكنوها، وارتقوا شواهقه، وألفوها فطاب مقامهم وطاب للرائعين من بعدهم أن يحذوا حذوهم وأن ينهلوا من فيض ما تركوا من معين وزلال. أما مصطفى لطفي المنفلوطي فقد كتب اسمهُ بحروفٍ من نُور، وطرَّزها بألوان من ذهب بعد أن أهدى الأجيال من بعدهِ عصارة أفكاره، وملكته الفكرية والروائية الخيالية، ووضعَ بصماته كواحد من أبرز رجالات الفكر، والحسّ الروائي الأدبي الذين عرفهم العرب. للمنفلوطي العديد من الأعمال الأدبية، ذات المقام الروائي كالنظرات والعبرات وغيرهما، ففي عبراته نجد التشويق يدفع خيال القارئ إلى المعرفة أكثر، ويبعث في مكامنه أشياء وأشياء كانت غائبة عن مخيّلته، لكنَّ العبرات بعثرتها ولملمتها وأخرجتها من جديد، في عبرات المنفلوطي يهيم القارئ باحثاً بشدة عن الجديد، ومصطفى لطفي يصبُّ في أذني قارئ روائعه قوالب من الإثارة والإبداع والتشويق، والعبرات تصوّر للقارئ معاني الشقاء والحرمان والبعد عن دروب الاستقامة ومدى خطورة ذلك في المآل والمنقلب. لقد عاش المنفلوطي كفريد جيله حاملاً مصباحه كهداية لمن حوله وباذلاً صميم إبداعه لعلَّ من يمرّ بالعبرات والنظرات يرى فيها العبرة والعظة، فيسرج دروبهُ بالقربِ من اللهِ سبحانه، وأنعم بهِ من جهد وأنعم بهِ من نعمة. رحم الله أديبنا الكبير مصطفى المنفلوطي، وأثابهُ على إبداعهِ، وأجزلَ لهُ المغفرة والرحمة لحملهِ منهاج الخير والفضيلة باذلاً وناصحاً.