لم يعد النضال السياسي يعبر عن مكنون الوعي العربي بشكل مباشر في الأعمال السينمائية، ولم يعد أمام الحائط السياسي المنصوب أمام خطواتنا، وتابوهات التقديس أي مشكلة مادامت هناك سلطات أمنية، تفرض على الفنون الإبداعية طوقها بداعي (الإخلال بالقيم الوطنية)، لذا تحاول النصوص السينمائية المراوغة هنا، والبحث عن مربعات للمناورة، ولو في مساحات ضيقة للعبور إلى ساحة السياسة الأخطر، وذلك بإضفاء الطابع الاجتماعي الذي ينجح في كثير من الأحيان في بلوغ هدفه، باستفزاز الوعي وتحريكه عبر القضايا اليومية، وهمومها، ونستطيع القول مقاربة إن المخرج المصري (خالد يوسف) قد استطاع من خلال أفلام مثل (حين ميسرة) (دكان شحاتة) وقبلهما الفيلم الذي تشارك في إخراجه مع المخرج المصري المثير للجدل (يوسف شاهين) في نقد النظم السياسية وذلك بصبغها بطابع اجتماعي، هو في الأصل قشرة لجوهر السياسة، في تناولات خالد يوسف على سبيل المثال فيلم (دكان شحاتة) كان دعوة لتعزيز مفهوم النضال السلمي، وكشف عورة النظم المستبدة بإسقاط الكثير من التجارب الواقعية التي التقطت من الحياة اليومية، وتفسير ما يحدث لل(كل) عبر عرض مشاكل البعض الذي يرزح تحت وطأة حب الامتلاك، والسيطرة، ليس على الجانب المادي للحياة وإنما على مستوى الجانب المعنوي حيث مثل- حسب رأيي الشخصي- الإخوة! الذين دارت حولهم أحداث الفيلم النظم السياسية التي تسعى إلى تثبيت قباحاتها بتشويه الجانب الجميل في الحياة، وإسقاط كل الأخلاقيات بغية الوصول إلى سيطرة ذاتية آنية..حتى ولو كان ذلك على حساب السلم الاجتماعي، واستمالة إرادة الآخرين بالتغريب، والترهيب، والتزوير وهذه الحلقات المفرطة في القسوة هي التي أوصلت (شحاتة) غياهب السجن، وجعلته يفقد حب حياته.حيث كان الصراع يستحضر قصة يوسف بتحولاتها الجوهرية التي ساهمت بعد حين في جعل يوسف عزيز مصر، فيما (شحاتة) هنا لم يكن سوى ضحية تم قتلها بدمٍ بارد من قبل إخوته الذين استولوا على كل حقوقه حتى حقه في الحب..وقد استخدم خالد يوسف في الفيلم (تقنية الكولاج)، وهي تقنية تستخدم في الرسم الزيتي، ودخلت في النص الروائي، تقوم على تجميع أخبار من الصحف ولصقها في الرواية كتدعيم لواقع الرواية، وجعلها خالد يوسف في أفلامه بمثابة صفارة إنذار أو صرخة محتومة لهذا الواقع المغرق في قسوته. نقطة: بعد كتابة هذا المقال شاهدت المخرج خالد يوسف على قناة العربية، وهو يتحدث عن التظاهرات في مصر حيث قال “هؤلاء هم نتاج العشوائيات التي طالما حذرت في أفلامي من أن تجاهل مشاكلها سيؤدي بهم للانفجار”.