في مخيمات مخصصة للسعادة أنشأتها منظمة اليونيسف في أربع مدارس بمدينة تعز، يمكن مشاهدة الأطفال يسرحون ويمرحون، وقد سكنت كل آلام الإنسانية في عيونهم، لكنها آلام سقطت من حسابات المكاسب والخسائر السياسية لأي طرف، في بلاد لا يوجد فيها ما هو أسهل من تجاهل الأضرار المعنوية لقذيفة سقطت على نفسية طفل أثناء المواجهات المسلحة لتنتزعها من البراءة، وتلقي بها في براثن الأرواح المضطربة. معظم أطفل تعز بلا أمان فقد أظهرت نتائج مسح ميداني أجرته منظمة اليونيسف أن “98” بالمائة من أطفال مدينة تعز تأثروا بمشاعر انعدام الأمن أثناء المواجهات المسلحة التي شهدتها المدينة العام الماضي، وهي مسألة تتطلب تدخلاً عاجلاً بحسب المختصين في علم النفس، لمساعدة الأطفال الذين تضرروا بمشاعر الخوف؛ نظراً لنتائجها المستقبلية الخطيرة على الصحة النفسية للإنسان. تشنجات طفل خائف المستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة بمدينة تعز يعد المكان الأبرز لرصد التأثيرات التي عانى منها الأطفال خلال فترة المواجهات والقصف الذي تعرضت له المدينة، حيث استقبل المستشفى من “15 20” حالة يومياً لأطفال مصابين برهاب الأصوات المرتفعة على حد تعبير الدكتور أحمد غالب حزام اختصاصي طب الأطفال في المستشفى، والتي قال الدكتور أحمد إنها كانت تظهر على شكل “اضطرابات في السلوك، مع أعراض عصابية تتجلى بتشنجات هستيرية، ناتجة عن رهاب الأصوات المرتفعة، وأحياناً تكون تلك الحالات مصحوبة بأعراض معوية (مغص معوي حاد، وغثيان) ناتج عن تهيجات في القولون العصبي، وأحياناً أخرى إسهالات معوية، إضافة إلى أمراض حمى ناتجة من عزوف الطفل عن الطعام والشراب مع اضطراب في النوم، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بشكل غير طبيعي، وهي أمراض ناتجة عن الشعور بالخوف عند الأطفال، ولم يسبق أن سجل لها مثيلاً بين الأطفال في المدينة، وخصوصاً في المناطق السكنية التي دارت فيها المواجهات”. الموت وأشياء أخرى تلك الأمراض التي تفشت بين الأطفال لم تكن سوى نتائج آنية للرعب من القذائف، ويبدو أن المسألة لم تنته بانتهاء الانفجارات بالنسبة للأطفال، فهناك كثير من الآباء والأمهات يشكون من حدوث تغير في طبائع أطفالهم قبل وبعد حدوث المعارك، والتي يقول بعض الآباء إن حالات الفزع تتخذ شكلاً أكثر حدة بمجرد سماع أبنائهم لأصوات الرصاص وانفجارات الألعاب النارية أثناء حفلات الأعراس. طفل على هامش قذيفة ويقول مروان العامري المعيد في قسم علم النفس بجامعة تعز أن إحساس الطفل بانعدام الأمن قد يخلق لديه مشاكل نفسية كثيرة مثل “أن الطفل قد يصاب باضطرابات النوم، والفزع الليلي والكوابيس وصعوبات الدخول في النوم، وقد تصاحبه حالة خوف من المدرسة، والتبول اللا إرادي، وصعوبات التركيز وشرود الذهن، إضافة إلى حالة من العدوانية تنتاب الطفل نتيجة مشاعر الخوف من إحساسه بانعدام الأمن، وإذا لم يتم تدارك هذه الحالة عند الطفل بشكل سريع فإنها تتحول إلى كبت نفسي يظهر على شكل سلوكيات مضطربة تتمثل بجنوح أحداث وانحرافات سلوكية، قد تتطور إلى حد ارتكاب الجريمة، ومشاعر عزوف عن الدراسة، والاهتمام بالمثيرات السطحية والعنف والهروب من تحمل المسئولية”. جمهوريات للأطفال منظمة اليونيسف كانت هي الجهة التي بادرت لمساعدة الأطفال المتضررين من حروب الكبار، وذلك عبر برنامج يشمل عدة أنشطة، يأتي من ضمنها مشروع المساحات الصديقة والذي تم تدشينه في بداية يناير الماضي بالتعاون مع مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، ومنظمة صناع الحياة، ويهدف المشروع إلى إعادة الصغار إلى أجواء الطفولة، من خلال نصب أربعة مخيمات في أربع مدارس للبنين والبنات في المدينة وجد فيها الأطفال متسعاً صغيراً يحتمل طفولتهم وسط محيط يتسم بالقسوة لا يجد فيه الأطفال سوى المزيد من العذاب كلما اشتد خناق الأزمات على الكبار. السعادة في المخيمات أماني أحمد سعيد منسقة برنامج المساحات الصديقة في مدرسة سبعة يوليو للبنات قالت: “الطالبات الصغيرات يبدين حماساً جيداً في التفاعل مع أنشطة البرنامج الذي يمكن القول إنه وفر مساحة طالما افتقر إليها الأطفال للتعبير عن أنفسهم واحتياجاتهم” وتضيف أماني “حالة السعادة التي أوجدها المشروع ستنتهي في يونيو القادم، وبعد ذلك سيعود الأطفال إلى واقعهم المحبط من جديد، وكم نرجو أن يحظى الأطفال باهتمام يلبي احتياجاتهم الطفولية المهملة. ويقوم مشروع المساحات الصديقة بتنفيذ أنشطة ترفيهية مثل الألعاب، إضافة إلى الأنشطة الثقافية والفنية، يقول يحيى علي أحمد، الشباب المتطوعون للعمل في مشروع المساحات الصديقة بمدرسة محمد الدرة للبنين: “اكتشفنا مواهب كثيرة بين الطلاب، إلا أنها مواهب لا تحظى بأي تشجيع، مما يهدد بقتل هذه المواهب، وقد حاولنا منح الأطفال دفعة ثقة ليستمروا في إبداعاتهم الفنية والثقافية”. التمرد تعبير عن الذات التمرد وعدم الانصياع للتعليمات من قبل بعض الطلاب وخصوصاً أبناء الفئات المهمشة كان إحدى الملاحظات التي تم رصدها على سلوكيات الطلاب؛ الأمر الذي فسرته نادية قائد المعيدة بقسم علم النفس جامعة تعز بالقول: “إن سبب عدم اتباع الفئات المهمشة للتعليمات يأتي كردة فعل عدائية على شعورهم بعدم الانتماء، وعدم حصولهم على الرعاية اللازمة، ومن أجل لفت انتباه الآخرين باستخدام سلوك عدائي، كما تلعب النظرة الدونية التي توجهها الأكثريات للأقليات دوراً محفزاً للشعور بالعدائية لمواجهة نظرة الدونية الموجهة من قبل الأكثريات، والتي تنبع من إحساس الأقليات أنها المخرج الوحيد للبقاء في المجتمع، وإذا لم يتم الاهتمام بالفئة المهمشة قد يتحولون إلى فئات انتقامية”. أعباء كبيرة على طفل صغير كما لاحظ العاملون في مشروع المساحات الصديقة، انتشار العنف بين بعض الطلاب، إلى جانب انشغال البعض بهموم تلبية احتياجات أسرهم من المياه وتعبئة أنابيب الغاز وغير ذلك من المشاغل التي يتم إلقاء مسئوليتها على عاتق الطفل، مع إمكانية تعرض الطفل للعقوبة في حال لم يتمكن من إنجاز تلك الأعباء. ألوان الأزمة يستضيف بين الفن في تعز الكثير من الطلاب الأطفال لتعليمهم فن الرسم، لكن الأستاذ عبدالله المرور المعلم في بيت الفن لاحظ أن هناك الكثير من الأطفال الذين تعبر ألوانهم عن أزمات نفسية والتي يدل عليها استخدام الطفل لنوعيات محددة من الألوان مثل اللون الأسود أو الأحمر وهي ألوان في تفسير علم النفس تعبر عن الكآبة والاضطراب والنزعات العدوانية لدى الطفل أو الرسومات للمعدات العسكرية والجنود والقتال والتي يفسرها عبدالله على أنها مسائل مكبوتة ناتجة عن أزمات نفسية لدى الأطفال.