باتت الأعياد السانحة الوحيدة لاستعادة شيء من دفء العلاقات الأسرية، التي خف وهجها في لجة شواغل الحياة الحافلة بالتعقيدات والتغيرات المتسارعة.. للعيد في الريف مذاق خاص.. ونكهة عابقة تفوح عطراً فتنتشي النفوس التواقة للحب حباً وصفاءً مصفى.. أيامه حافلة بالفرح.. ولياليه زاهية بالوصل.. جلها أوقات سعيدة ليت الزمن عندها توقف.. صدى تكبيرات العيد يحاصر الأرجاء، ونسائم الريف العليلة تأخذها لأبعد من ذلك.. تغذي القلب فينتشي سروراً وبهجة.. ومع انقضاء صلاة العيد يتجه الجميع لزيارة الأرحام والأقارب برفقة الأطفال “المتباهين” بملابسهم الجديدة و”عوادتهم “ الطرية التي تتوارد طوال ذلك اليوم الحافل.. عادات متشابهة - استقبال عيد الفطر المبارك في ضواحي صنعاء فيغلب عليها الطابع الريفي، الذي يتميز ببعض الفروقات في طريقة استقباله، ومعايشته للعيد .. فالمرأة الريفية لا تستعد للعيد إلا قبله بأيام فقط كونها مشغولة بأعمال المنزل في رمضان، إضافة إلى تربية الأطفال وتعمل في الأرض وقد تمتلك البعض منهن المواشي والأغنام، ولذا فالمرأة الريفية تقوم بجلب العلف والماء من أماكن خارج المنزل، كما تقوم بتوفير الحطب للوقود لعمل الأكل والخبز ك (الملوج والذمول والقفوع واللحوح) وغيره؛ ولذلك لا تهتم بالتفنن في عمل الحلويات والبسكويتات لعدم اتساع الوقت لديها، ونظرا للإرهاق والتعب غير أنها تمتاز بعمل الكعك البلدي وكافة المأكولات الشعبية وكلما كانت تلك المناطق قريبة من مدينة صنعاء كلما كانت العادات العيدية متشابهة ومتقاربة.. أجمل ما يكون.. - ومن عاداته في يوم العيد يقول الحاج محمد حسين الناخوذه من قرية (بيت زبطان) القريبة جداً من صنعاء نذهب نسلم على مكالفنا ومعنا أولادنا وأطفالنا ونسلم على من لقينا من الأصحاب والجيران ونعود إلى بيتنا لتناول الغداء واهم شيء الهريش والسمن والعسل واللحم البلدي ف (العيد عيد العافية عيد الهريش الدافية) وبعد الغداء نخزن ونشكر الله سبحانه على نعمة العافية.. - وفي ذات السياق وبفطرة الرجل البسيط يقول وفي صوته الطيبة والتواضع الحاج / أحسن عبدالله أبو علي من بني مطر إحدى ضواحي صنعاء وبرفقته زوجته أنهم في الريف يستعدون للاحتفال بالعيد منذ المساء بقيام الأطفال بجمع الحطب وإشعاله ابتهاجا. ويقول: بعد رجوعنا من صلاة العيد نضرب ألطاسه ونبترع ونتسالم إحنا وأهل القرية.. أما المكالف المتزوجات في قرى أخرى نسير ثاني العيد وقد تصرفنا لهن اللحمة والخضرة والمشبك ومن كل جعالة البلاد.. أما مكالفنا الموجودات في داخل القرية نسلم عليهن يوم العيد أو يحضرن يسلمن علينا هن والعيد في البلاد من أجمل ما يكون.. فطرة العيد - وتشارك في الحديث زوجة الحاج أحسن بأن العيد عيد العافية عيد القفوع الدافية.. وتقول: إن النساء والبنات المتزوجات في قرى بعيدة يأتين في العيد ويتجمعن ويتباسرين مابش معاهن إلا العيد.. أو في المناسبات كما أن الناس ليسوا كلهم يتشاركوا فرحة العيد فهناك من يحرم من فرحة العيد.. كما قالت أن العيد جاء للسالين سلاهم والغاثين يبكوا ما حد يراهم .. - وما لفت انتباهنا قول احد المارة من المواطنين الذي تفاعل وهو يستمع لزوجة الحاج أحسن أبو علي أن لديه قصة يعرفها من الآباء والأجداد عن العيد حيث قال : انه كان هناك رجل معدم في ليلة العيد حزين متكئ على نافذة غرفته يأكل القلى ويرمي بقرشها ويقول يارب ليلة العيد وعبدك يأكل القلى بدل الزبيب واللوز، فأجابه رجل من تحت نافذته وقال عاد الذي بيأكل الِقرَشْ, في إشارة إلى من يوجد في ليلة العيد من أفقر منه, ولهذا فان من عادات العيد التي سنها الله للمسلمين هو إخراج فطرة العيد قبل الصلاة للمساكين وحتى المساكين يقومون بإخراجها أيضا للمساكين عن كل نفس. موسم العودة - يقول فارس محمد: العيد عندي فرصة للهروب من حياة المدينة القاسية من خلال العودة الموقتة إلى القرية، لأنعم بشيء من الراحة وأستقبل العيد وسط لفيف من الأهل والأصدقاء.. فارس- وهو الموظف باحدى شركات القطاع الخاص - سمى العيد بموسم العودة إلى الريف «وعرفها» بأنها هجرة عكسية مؤقتة يحكمها العيد فقط، فهؤلاء العائدون إلى قراهم ليسوا من سكان المدينة أصلاً، لكنهم جزء من ظاهرة الهجرة الداخلية التي تنامت خلال السنوات الماضية. - نتيجة لتلك العودة تشهد مواقف السيارات والفرزات ازدحاماً شديداً خلال اللحظات الأخيرة التي تسبق العيد.. أفواج العائدين يستقبلهم الريف ويضمهم بين أحضانه من بعد طول غياب.. تنوع ثقافي - وتعيش مدينة صنعاء قبل العيد بيوم أو يومين حالة من الهدوء النسبي نتيجة سفر بعض الأسر منها إلى القرى والأرياف لقضاء إجازة عيد الفطر هناك فتخف منها زحمة الناس والمواصلات وتقل الضوضاء, أما من بقي فيها من أهلها الأصليين وبعض ساكنيها فهم يتزاورون فيما بينهم والبعض يخرج إلى الحدائق والمتنزهات وأيضا المطاعم التي تزدحم ازدحاماً شديداً. - والحديث عن العيد وعادات الناس فيه يطول ويتنوع من مكان إلى أخر فاليمن زاخرة بتنوعها الثقافي والقيمي، أما الديني فهم فيه سواء صلة الأرحام والعطف على المساكين في يوم العيد وتعظيم شعائر الله, حتى الأطفال الذين يجوبون البيوت للسلام على أهلها ويحصلون على عسب العيد يمثلون لوحة عيدية تدخل البهجة إلى قلوب الكبار وكأنهم إحدى طرق العيد وسفرائه للدخول إلى قلوب الناس وإنعاشهم بمزيد من السرور, ومن العايدين عادكم الله من السالمين.