لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    نقابة الصحفيين تدعو إلى سرعة إطلاق الصحفي المياحي وتحمل المليشيا مسؤولية حياته    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر المناضل صالح سحلول ل «الجمهورية»:
من يحلم بعودة الإمامة كالحالم ببعث حمار عزير
نشر في الجمهورية يوم 03 - 10 - 2012

“على الرغم من أنه قد أخذ من الزمن كثيرا وأخذ منه الزمن أكثر إلا أن بين تجاعيد وجهه وهج الثورة حتى لكأنه الثورة ذاتها، فتح عينيه لأول مرة على بقايا دخان الحرب العالمية الأولى، عاش طرفا من أحداث النازية والفاشية في أرض المهجر، وتعرض للفحات الحرب الباردة بين قطبي الشرق والغرب، عمل مع ثورة 48 وثوارها في الشمال والجنوب.. اقترب من انقلاب 55م، أطل بطلعة الثائر العظيم منذ اندلاع شرارة ثورة 26 سبتمبر، وبين حشاه يقين ثوري بالنصر، ناضل كثيرا في جبهة الوساطات بين الجمهوريين والملكيين.. نظم الشعر بقدر ما كتبته القصيدة نفسها.. عاش أحلام الثورة ووهج النصر.. حلّق عاليا مع خطابات عبد الناصر الثورية خلال عقد الستينيات حتى منتهاه.. تبرعمت أحلامه الثورية مع فترة الرئيس الحمدي حالما بجنين الثورة الذي تشكل قليلا ثم أجهض..لكنه شهد فترة الانكسار وظل شاهدا حتى اللحظة ينز حروقا لاهبة.. يتنفس من أعماق الذكريات ألق الحلم الستيني ولكن لتجرجره مرارة الانكسار إلى قاعها المظلم المتفحم بنزق من أحالوا مروج الثورة بأهدافها اللازوردية من واحات خضراء إلى مفازات قاحلة تصفر بين جنباتها أنات الأرواح من أجداثها الغائرة وقد وهبت لليمن أغلى وأعز ما تملك..
إنه شاعرنا الأثير ومبدعنا الأصيل صالح سحلول صوت الثورة، وذو الثلاثة والتسعين ربيعا.. لا يزال يحتفظ بكامل قواه العقلية رغم كل تلك المسالك الغائرة في حياته التي اختطها باختيار يرسم بين فجاجها ملحمة المسير والمصير..
لم أكد أصدق وقدماي تدلفان عتبة الدار أن ذلك المنزل المتواضع جدا هو منزله على الرغم من كل نضالاته التاريخية مع إيماني أن الغنى ليس قرين النضال، لكن وقد تعودنا أن تذهلنا أبهة الأدعياء ومناظرهم الآسرة كان ذلك الاقتران.. الشاعر المناضل الوالد صالح سحلول في حوار سريع مع «الجمهورية».. استطعنا أن ننتزعه من بين جموع الحاضرين مقيله على الدوام..”
بداية نبذة مختصرة عن حياة ومسيرة الوالد المناضل صالح سحلول..؟
أهلا وسهلا بك في هذه الزيارة.. اسمي صالح أحمد سحلول، من مواليد 1918م في قرية بيت العميس، مخلاف العرش، محافظة البيضاء.. نشأت في القرية بداية كأي طفل في أسرة متوسطة الحال، و لها اهتمام بالشعر والأدب خلفاً عن سلف، وكان والدي مغتربا في الولايات المتحدة الأمريكية، في العشرينيات وما بعدها..
كم عدد أفراد بيت آل سحلول؟
عائلة آل سحلول كبيرة وتفوق ثلاثمائة نسمة اليوم، إلا أن الشعر استقر في أسرتي فقط، وأرى أن هذا لم يكن من حسن الحظ.. طبعا ألحقني جدي وأعمامي بالكتّاب الخاص بالقرية، فتعلمت القرآن الكريم، ثم تعلمت بعده القراءة والكتابة والحساب، ولم يتركوني أكمل التعليم، لأنهم محتاجون من يرعى لهم الأغنام، وقد أجبروني على ترك التعليم وبقيت أرعى الأغنام حتى كان عمري خمسة عشر عاما، خاصة أنه لم يكن يوجد غير الكتاب فقط ولم تكن هناك مدارس في ذلك في الوقت.
عند عودة والدك من أمريكا في تلك الفترة واليمن بتلك الصورة بما كان يحدثكم عن أمريكا؟
في عام 1937م عاد والدي من الاغتراب من أمريكا إلى اليمن، وكان يحلم أو يتصور أنه سيرى أن البلاد قد تطورت ولو قليلا عما كانت عليه من قبل خلال السنوات السابقة، وإذا به يرى الوضع على ما هو عليه ولن يتغير شيء منذ فارقه وتأسف والدي كثيرا على ذلك، ولذا فقد أخذني معه في رحلته الثانية إلى أمريكا، وكانت المصادفة أنه بعد خروجنا من رداع ووصولنا إلى عدن أُعلنت الحرب العالمية الثانية، وتم منعنا من السفر إلى الخارج نحن وغيرنا طبعا، وقد بقينا في عدن لمدة شهر كامل أو أكثر ونحن منتظرون فتح الطريق إلى أمريكا أو غيرها، لكن كان هناك صديق لوالدي في عدن استطاع أن يسافر بنا إلى ميناء عصب في أرتيريا، وكانت حينها مستعمرة إيطالية، ركبنا جميعا في “سنبوق” وعانينا في رحلتنا البحرية الأمرين بحكم أن السنبوق الصغير هذا لا يقوى على مقاومة الرياح التي كانت تلعب بنا يمينا وشمالا، وواصلنا بعد ذلك رحلة الاغتراب إلى أثيوبيا حيث يوجد أحد أعمامي هناك، وجلست مع والدي وعمي هناك في الغربة طوال سنوات الحرب كاملة لمدة ست سنوات حتى احتلت بريطانيا أثيوبيا، وأخرجت الإيطاليين، ثم جاء بعد ذلك الملك “هيلاسيلاسي” ملكا لأثيوبيا.
هذا عن رحلتك وأسفارك ماذا عن الشعر وتجربتك معه وأولى محطاتك فيه؟
طبعا تعود أولى تجاربي مع الشعر منذ ذلك الوقت، أي وأنا في المهجر، حيث بدأت أنظمه وكان عمري 24 سنة وأنا في أديس أبابا العاصمة، لكن للأسف كنت أكتب أو حتى أنظم الشعر ولا أحتفظ بشيء منه، وكان في غالبه مجرد تسلية للنفس أخفف على نفسي وطأة الاغتراب وأتغنى بالعودة إلى البلاد، وقد قلت شعرا كثيرا لكن لم أدون منه شيئا خلال تلك الفترة.
ماذا عن العودة إلى اليمن بعد ذلك؟
عدت مع والدي إلى أرض الوطن وقد وصلنا أولا ميناء مصوع الارتيري القريب من ميناء الحديدة وعلمنا من بعض اليمنيين الوافدين منها أن الأمراض الفتاكة والمجاعة يعصفان بالناس فيها وفي غيرها من المدن والريف اليمني، ومن جملتهم أسرتنا التي لم يبق فيها غير اليتامى والأرامل، أما الرجال فقد مات أغلبهم. وكان مشهدا مؤسفا ومؤلما بالنسبة لنا أن نعود وقد فارقنا الأهل والأقارب في القرية وكذا الوضع العام كان مزرياً للبلاد لم يتغير الحال منذ غادرنا البلاد بل لقد ازداد سوءا، والإمامة لم تكترث لذلك أبدا أو حتى تقدم التعازي لأحد، ولم نستطع تحمل هذا العناء، فسرعان ما عاد والدي إلى بريطانيا مرة ثانية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية للاغتراب وبقيت أنا في القرية أقوم بواجب الأيتام والأرامل والإشراف على شئونهم وشئون الرعي والحقول وما يتصل بحياة أي مواطن ريفي بشكل عام حتى قامت ثورة 48م، وتشرفت في المشاركة فيها ولو أنها انطفأت شرارتها في وقت مبكر على قيامها بعودة الإمامة ثانية وزدت من قول الشعر حينها والتغني بها وقد بدأت أقرأ للشعراء الكبار كالزبيري وأحمد شوقي، مثلما قرأت أيضا للمتنبي وأبي تمام، وهؤلاء هم من أوقدوا فيّ شعلة الشعر ولهيبه وروح الشعر الثوري.
ماذا عن عملك في عدن واشتغالك بالتجارة؟
بعد هذه الفترة التي نكست فيها ثورة الشعب وعادت الإمامة من جديد تحصد الأرواح ذهبت إلى عدن مشتغلا بالتجارة لأني لم أعد أجد الأمان في الشمال كله، انشغلت بالتجارة فيها وكنت أوزع الصحف أنا وجبر بن جبر المناضل المعروف إضافة إلى منشورات حزب الأحرار اليمني الذي أسسه الزبيري والنعمان في عدن وكنا نرسل ببعض منها إلى ذمار ورداع وقد تم القبض مرة على الأخ جبر بن جبر ونجوت أنا من قبضة العسكر بأعجوبة وسُجن هو وأحد أصدقائه حتى قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م.
كيف تنظر إلى ثورة 48 أولا من حيث الوقت والتكتيك ومخرجاتها أيضا؟
كانت ثورة 48م تسمى ثورة الدستور أو الثورة الدستورية لأنهم قالوا بالملكية الدستورية، كما هو مذكور في مشروع الميثاق المقدس، أما عن الوقت فأرى أن الوقت لم يكن مناسبا حينها لأن أغلب الشعب ذلك الوقت كان جاهلا يعاني من الفقر والجهل والمرض ولا يعرف شيئا خارج حدوده إلا ما ندر جدا، ولا يعرف شيئا ايضا عن شيء اسمه الحرية والديمقراطية والدستور والنظام والقانون، وهذا هو الذي سبب نكسة أو نكبة ثورة 48م للأسف الشديد، وقد نجحت الإمامة وأتباعهم أنهم كانوا يصورون للشعب أن الدستور مخالف للإسلام كونه يقول باختصار القرآن، ويختصر الصلاة والصيام وأنه ضد دين الإسلام بشكل عام وهذا من الأراجيف والدعايات التي كان يستخدمها أزلام الإمامة وأتباعهم. ومن جهة ثانية فالثوار لم يحسبوا حسابهم من حيث التكتيك العسكري ودهاء السيف أحمد حينها ومكره ومدى التفاف بعض القبائل من الجهلة حولهم لأنهم يرونهم ورثة الله في الأرض وهذا من الجهل الذي كان مطبقا على الجميع. أيضا هناك عامل آخر وهو تفرد الإمام عبدالله الوزير وغروره في أيامه الأولى ولم يكن يعير الثوار من حوله أي اهتمام، وكان يعتمد على رأي نفسه كما هي طبيعة الأئمة عبر العصور، وهذه الأسباب مجتمعة هي التي أدت إلى فشل ثورة 48م التي أعقبها الكثير من المجازر الدامية والسجن في حجة وصنعاء وتعز وغيرها..
ماذا عن ثورة 26 سبتمبر 1962م والوضع العام للبلاد ومشاركتكم فيها؟
أولا كان الحكم الإمامي السائد قبل يوم 26 سبتمبر 1962م كهنوتيا رجعيا فرديا مستبدا، عمل على طمس معالم وحضارة اليمن واليمنيين وربط الإيجابيات التي حصلت بأجداهم الذين حطموا اليمن وحضارتها وجعلوا الشعب عبيدا لهم لا يملكون قراراً لأنفسهم. ولما تراكمت هذه الأخطاء والجرائم التي كان يقترفها بيت حميد الدين كان لابد للثورة أن تنفجر ولصوت الشعب أن يعلو، وأنا أنصح الشباب اليوم ألا يتأثروا بمن يغررون عليهم من الرجعيين الذين يريدون أن يعيدونهم إلى الوراء أعداء الثورة وأعداء الجمهورية، وأريد أن أقول لهم إن ثورة 26 سبتمبر قد لقيت مؤامرات لا حصر لها من الداخل والخارج إلا أنها انتصرت بحمد الله وإخلاص الكثير من أبنائها وأبناء اليمن، وأبناء مصر العروبة ولا زلت أذكر أني قلت للرئيس السلال إن المؤامرة شديدة وقوية علينا من الخارج وهي في أشد قوتها فقال: لا تخافوا إنها جمهورية وثورة الله. وهاهي الثورة والجمهورية تعيش حتى اليوم وأهنئ الشعب اليمني حكومة وشعبا وجيشا بالعيد الذهبي لهذه الثورة المجيدة وأقول بهذه المناسبة:
أهلا بذكراك يا سبتمبر الثوار
ذكراك تستاهل الإجلال والتقدير
ايلول مهما نعبر عنك بالاشعار
فأنت أسمى من الأشعار والتعبير
مهما نصور صفاتك بالكلام صوار
فأنت فوق الكلام والوصف والتصوير
أنت المشاريع والتخطيط والعمران
والكل فالكل يا سبتمبر التغيير
لولاك ما كان لا خطة ولا استثمار
ولا تقدم ولا نهضة ولا تطوير
أما عن أدوارنا قبل الثورة وبعدها فهي كثيرة ولا يسعني الوقت الآن للحديث عنها وهي مذكورة في بعض الكتب التي أشارت إليها، وفي مقدمات دواويني الشعرية، وقد كان لنا تواصل مع تنظيم الضباط الأحرار الذي تم إنشاؤه بعد عودة الضباط الأحرار من دراستهم في الخارج، وقد تعاون الجميع ضباطا ومدنيين من كل شرائح الشعب اليمني. وللأسف فما يحدث اليوم في صعدة ما هو إلا امتداد لتلك المحاولات الإمامية الرجعية البائدة التي عانينا منها نحن سابقا، هؤلاء يريدون إعادة عجلة التاريخ للخلف ناسين أن إرادة الشعب من إرادة الله وأنه من المستحيل أن يُرجعوا الإمامة من جديد مهما حاولوا أن يفعلوا ومهما زين لهم الشيطان أعمالهم.
ماذا عن دورك أنت شخصيا؟
جئنا إلى صنعاء وبقينا نتفرج على دور الإمامة التي بنيت من عرق الشعب وقوته، وقد أمسينا أنا وابن عمي في سمسرة الوقف بين البرد وفوق الرماد والتراب في سوق الملح وفي اليوم الثاني بحثنا عن بيت الحاج علي الرداعي في صنعاء القديمة ووجدنا الشيخ أحمد ناصر الذهب والشيخ الخضر عبد ربه، وقالوا لنا تعالوا معنا، وجلسنا فيها وكنا ندفع ريالا واحدا في اليوم مقابل الأكل والشرب والنوم حتى جاءت ليلة الخميس وبينما نحن نستمع للراديو وتحديدا لإذاعة صوت العرب من القاهرة إلا والمذيع يقول: دقت ساعة العمل الثوري، بعدها مباشرة سمعنا أصوات الانفجارات فارتحت كثيرا وتوقعت الثورة مباشرة..وصحت بصوتي قائلا: ثورة..ثورة.. فقال لي الشيخ الذهب: “اتمسى يا سحلول” فقلت: ثورة، ولا غيرها، وكانت السماء مشتعلة بالرصاص في الظلام الدامس، وكان لكل واحد تكهناته بسبب القوارح. فأمسينا ولكن بلا نوم، ولم نستطع الخروج لأن الأسوار مغلقة، فذهبنا لإحضار سلاحنا الذي كان مودعا بالباب، فحملنا بنادقنا وسرنا باتجاه ميدان شرارة و شارع البهمة “التحرير حاليا” وكان لا يزال حديقة واحدة بأشجار الفواكه وقد طلع الفجر، ونهب الناس دار البشائر حق البدر، وحتى ذلك الوقت لم تتكلم الإذاعة إلا بالصبح، وقد كتب البيان الدكتور عبد العزيز المقالح وأذاعه محمد الشرفي، وبعده ألقيت قصيدة بالمناسبة.
وقد صعدت ومعي بندقيتي على ظهر دبابة باتجاه العرضي، بعد أن سألنا العسكر الذين عليها، أنتم ثوار أو مع الإمام؟ فقلنا لهم: ثوار. فقالوا: اطلعوا. ولما وصلنا العرضي كتبت إلى القيادة وأنا لم أعرف من هو القائد الأعلى للجيش ومن هو الرئيس حتى اللحظة، لأن الإذاعة بقيت ثلاثة أيام تقول القيادة العليا للجيش ولم تذكر اسم أحد، بأننا وصلنا حسب وعدكم إلى صنعاء، فوصلت إلى يد السلال وتذكرني مباشرة، إلا أني لم أستطع مقابلته لانشغاله، وقد رأيت إعدام يحيى محمد عباس رئيس الاستئناف وولده، ثم إعدام أولاد الإمام الاثنين علي وإسماعيل وأتوا بآخرين أيضا تم إعدامهم، وذهبت مع المصفحة التي سارت لإحضار عاطف المصلي الذي كان يلقب قارورة عقل البدر. وتم إحضاره إلى الساحة وإعدامه لأنه الذي كان قد عمل على تهريب البدر..
بعدها عدنا إلى ذمار ورداع مع الشيخ أحمد ناصر الذهب والخضير وعلاو وآخرين كان عددنا 40 شخصا في ثلاثة بوابير بتوجيه من السلال أن نقوم بواجبنا مع الثورة، ووصلنا إلى حزيز والناس هناك متجمعون لا يدرون بحقيقة ما يجري بصنعاء فسألونا كيف هي صنعاء؟ فقلنا لهم: صنعاء بخير.. فردوا: كيف صنعاء بخير وقد قتلوا البدر وقد هي “جرهومية” (لم يستوعبوا الاسم بعد)!! فقلنا لهم: جمهورية والبدر قد مات، فبكى بعضهم وردد بعضهم كيف نوقع بعده؟ وكيف هو حال الدين بعده؟ وواصلنا السير وقضينا ليلتنا في وعلان حتى الصباح وواصلنا السير نحو ذمار وعاد الإمامة في عروقهم وكنا أول من أعلن الثورة فيها وأودعنا رموز الإمامة في السجن، ومما أذكره أنه خلال الأيام الثلاثة الأولى كان الراديو يردد “إذاعة الجمهورية اليمنية العربية” وقد رددنا زاملا ودخلنا به المدينة:
يا شعبنا قد قامت الثورة
تنصف لنا من باطل الماضي
بانحكم انفسنا بأنفسنا
لا عاد لا سيّد ولا قاضي
وكان لهذا الزامل أثره الكبير حتى إن كثيراً من أصحاب العمايم أخفوه!! ووصلنا رداع ونفس المشهد تقريبا، وتولى أحمد ناصر الذهب مهمة عامل رداع وكنت نائبا له. وكان أن قال لنا أحد القضاة من أتباع الإمامة مهدد: «لو واحد منكم يقول جمهورية بايقع طعن لما تحمر البلاد» فكان أول من أدخلناه السجن! وجلست قليلا في رداع ثم رجعت إلى صنعاء والتقيت السلال وقدمت له تقريرا شفويا عن الوضع في ذمار ورداع فقال لمن حوله: امنحوا سحلول باسم قيادة الجيش لقب شاعر الثورة، وبعدها دخلنا في حرب مع مشايخ كانوا «منافقين» من ضمنهم الغادر وأحمد علي الزايدي إلى عند السلال وقالوا: نحن مع الثورة، فأمر لهم السلال ثمانمائة مجرى جرمل جديد في شحمها، مع ثمانية ألف ريال أخذوها على اعتبار أنهم مساندون للجمهورية، فأخذوها من العرضي وما وصلوا باب اليمن إلا وهم ملكيون! فأعدم الزايدي وعلقوا راسه في باب اليمن، وفر الغادر.
هل تحققت أهداف ثورة 26 سبتمبر 62م ؟
تحقق منها ما تحقق والباقي سوف تحققه ثورة الشباب اليوم لأن أذناب الإمامة بقوا ينخرون في جسد الشعب إلى اليوم، وقد قلت في ذلك:
وما كانت الثورة هدفنا ولا طرف هدفنا ولا كانت هي المطلب الأخير
ولكنها كانت وسيلة إلى الهدف وسيلة إلى الغاية وسيلة إلى المصير
وقد أصبحت غاية لمن قصده الترف وجلسة على الكرسي ورقدة على السرير
ماذا عن الدور المصري في ثورة 26 سبتمبر 1962م؟
الدور المصري عظيم وكبير وأكبر من أن نتكلم عنه في هذه العجالة ويأتي على رأس هؤلاء الأبطال الزعيم جمال عبد الناصر رحمه الله، وهو دور عظيم سجله التاريخ ولا يسعنا إلا أن نشكرهم على ذلك الموقف التاريخي العظيم ونتمنى لمصر الشقيقة النجاح في كل ظروفها وفي كل مراحلها. وقد التحمت القبائل اليمنية أو بالأصح أغلب القبائل الملكية بهذه القوى العظيمة بإخوانهم من المصريين وساروا جنباً إلى جنب لأنهم عاشوا الظلم وعرفوه عن قرب.
فيما أعرف أن لك قصيدة رائعة قلتها أثناء زيارة الزعيم جمال عبد الناصر إلى اليمن تعتبر من أروع القصائد التي قلتها حبذا لو سلطنا الضوء عليها ولو على عجالة؟
القصيدة التي ألقيتها أمام الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله كانت تعبّر عن أوضاع الماضي والحاضر والمستقبل في اليمن وقد أعجب بها الرئيس عبد الناصر وأحبها وبقي يردد بعض مقاطع منها، وبالأخص:
بلادنا ما هي مقر للغزاة
بل هي مقابر من غزاها
من يستطيع غزو اليمن
من أبوه لا بد أن نحمي حماها
بلاد فيها الموت مفتوح فاه
ومن يريد الموت أتاها
ماذا عمن يريد اليوم أن تعود الإمامة من جديد؟
من يقول اليوم بعودة الإمامة من جديد مثل الذي يقول ببعث حمار عزير، هؤلاء يتوهمون فقط هم يستغلون الأخطاء التي حصلت خلال المرحلة السابقة ويعملون عليها ولذا نحذر الشباب منهم ومن أهوائهم الرجعية والمتخلفة، ما ذا يريدون من هذا الشعب المناضل؟ عليهم أن يعتبروا بالماضي وبتاريخ آبائهم وأجدادهم الذين ذهبوا إلى مزبلة التاريخ أما الشعب اليمني فله رب يحميه. وله إرادة أبنائه الشرفاء الذين سيحمونه بآخر قطرة دم يحملونها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.