بعض الموضوعات لا يتنبه لها أحد، مع أنها مهمة عند بني البشر وتعتبر دليلاً على الرقي والتقدم والتحضر لدى المجتمعات، ومن تلك الموضوعات الحمامات العامة، أو ما يطلق عليها في الموروث الشعبي العربي (بيوت الراحة أو بيوت الأدب) حيث تعتبر الحمامات العامة من أهم المنشآت الخدمية، التي يجب ان تتوفر في المدن الحضرية في العالم، وفي العاصمة صنعاء توجد عدد من الحمامات العامة، التي يقصدها المارة في الشوارع الرئيسية، لكن بعض ساكني وزوار المدينة يشكون عدم وجودها في بعض المديريات والمناطق، والبعض الآخر له ملاحظات حول الحمامات الموجودة من حيث النظافة والإضاءة والتهوية.. تخيل عزيزي القارئ أنك فجأة أصبحت (مزنوق) وتريد قضاء حاجتك وأنت تمشي في أحد الشوارع سواء كنت راجلاً أم ماراً بسيارة ما, لكنك لم تجد مكاناً لقضاء حاجتك, وإن وجدت لا تستطيع أن تستخدمه بسبب أنه مكان غير مناسب لك من حيث النظافة المطلوبة, ووجدت حماماً في محل أو فندق قريب أو منشأة ما, وتريد الاستئذان من مدير تلك المنشأة، فإذا رفض عليك بالرجوع إلى مكانك، وذلك بحسب فتوى للشيخ إبراهيم الحواني أحد أئمة المساجد في العاصمة صنعاء، الذي قال لنا: لا يجوز استخدام مكان الغير لقضاء الحاجة إلا بإذنه، ما لم يكن مضطراً, فإذا كان أصحاب هذه المحلات لا يأذنون في استخدامها إلا لمن هو مقيم عندهم أو جرت العادة بذلك، فلا يجوز استخدامها. وإذا كانوا يأذنون فيها لكل أحد بتصريحهم أو عرف ذلك من حالهم، أو جرت به العادة جاز استخدامها، وهذا كله في حال السعة والاختيار، أما من اضطر إليها اضطراراً فله أن يستعملها ولو لم يأذنوا، لأن للضرورة أحكامها، وينبغي على الدولة أن تبني الحمامات العامة كواجب شرعي من واجباتها تجاه المواطن الذي يدفع الضرائب لها ويعمل على بنائها والحفاظ عليها. استهتار بالمال العام الناشط المدني خلدون خالد تحدث بالقول: كثير من مدن العالم توجد فيها حمامات عامة في الأماكن المزدحمة مثل: الأسواق والفرز الخاصة بالباصات الناقلة للناس, وأتذكر أنني (عزكم الله) دخلت أحد الحمامات العامة في أحد الشوارع، وقد ضقت ذرعاً بما يحدث فيها من قلة الاكتراث بالنظافة من القائمين عليها، أو المستخدمين أنفسهم الذين لا يمتلكون ثقافة تحضر في دخول الحمامات, أيضاً الاستهتار بالمال العام، وذلك بترك "صنابير" المياه مفتوحة أو غير محكمة الإغلاق، وأتساءل هل السبب أن تلك الحمامات ليست في منازلنا أو أملاكنا؟ أم كما أسلفت قلة وعي، للأسف لاحظت الفضلات في الأرض بدل من المكان المخصص, ومرة أخرى دخلت أحد الحمامات العامة فوجدت الأرض مليئة بالمناديل المستخدمة وسلة المهملات فاضية, هذا داخل الحمامات أما المصيبة أن هناك من يتبول ويقضي حاجته في أرصفة الشوارع، فالكثير منا يلاحظ هذه الظاهرة منتشرة في عدد من شوارع العاصمة مثلاً في باب اليمن جوار مسجد الشهداء، وفي باب اليمن جوار مستشفى الثورة، وبالقرب من مستشفى الكويت, أيضاً بالقرب من ميدان التحرير وفي سوق مشهد بمنطقة شعوب, ولا يدرك من يقوم بهذا العمل غير اللائق اجتماعياً وصحياً ولا دينياً.. إنه يدمر البيئة ويتسبب في مشكلات صحية للآخرين، كما أنه يعكس صورة سلبية للمواطن اليمني الشريف النظيف, أقول: ديننا دين نظافة وطهر لم يأمرنا إلا بكل ما هو جميل؛ فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام نهانا عن التنفس بالإناء، فما بالكم بأشياء أخرى أهم كالتبول وقضاء الحاجة . اهتمام بالربح فقط أما وليد الصديق فقد تحدث بالقول: لا توجد حمامات عامة في عدة مناطق بالعاصمة صنعاء, وإن وجدت فإن عليك أن تدفع من 50 إلى 100 ريال مقابل دخولك, وأغلب تلك الحمامات لا تنطبق عليها الشروط الصحية، ولا يهتم بها من قبل الدولة، التي تترك الإشراف عليها للمستثمر الذي يقوم ببنائها، ولا يهتم إلا بالربح فقط, لذا يجب على السلطة المحلية أن تؤدي دورها المناط لهذا الموضوع. أمراض وعن الرأي الصحي حول الموضوع قال الدكتور محمد مقبل: في حال عدم الاهتمام بالنظافة داخل الحمامات العامة تنشأ الجراثيم القاتلة، التي يمكن أن تزدهر حيث تعيش البكتيريا على الرطوبة والغذاء العضوي أو (النفاية) التي يمكن أن تكون وفيرة في الحمامات العامة. إن الخوف من الإصابة بمرض جنسي من الحمام العام يتعلق بالخوف من المرض أكثر من إمكانية التقاطه في الحمام العام, حيث لا تعيش العديد من هذه البكتيريا والفيروسات لمدة طويلة بما فيه الكفاية خارج الجسم حتى تكون سهلة الانتقال، والخوف يصبح عندما يكون هناك احتمال الإصابة بعدوى “الحلأ” الهربس أو القراض التي يمكن أن تنتقل في هذه الظروف. لذا يجب استخدام المطهرات وأدوات التعقيم المتنوعة في تنظيف الحمامات والحمامات العامة على وجه الخصوص. 5000 ريال متوسط يومي سامي واصل مشرف على أحد الحمامات العامة في صنعاء يقول: تعتبر الحمامات العامة أمكنة أو مستراحات قابلة لقضاء الحاجة بأمن واستقرار وهي صالحة للاستخدام الآدمي بشكل طبيعي حيث إننا نهتم بالنظافة العامة، وعلى أدق التفاصيل، لأنه ببساطة إذا لم نهتم بذلك فلن يدخل أحد تلك الحمامات، وقد قمنا بتطوير بعض مرافق الحمامات، وذلك بتوفير المياه الساخنة عن طريق السخانات الخاصة وبناء استراحات خاصة خارجيه، أيضا مُصلى والأسعار التي تؤخذ من المواطن زهيدة جداً حيث تتفاوت من 50-30 ريالاً, حيث لا يوجد سعر ثابت, و"الترويش" يكون من 100إلى 200ريال بحسب الوقت, ونقوم بتعبئة خزانات الحمام بواسطة وايتات المياه الصالحة للشرب, وأنا أقوم في نهاية اليوم تسليم ما يقارب 5000 ألف ريال كمتوسط يومي للمقاول المستثمر، والذي بدوره يسلم ما عليه من إيجارات لأمانة العاصمة أو المجلس المحلي، وأحياناً يأتون إلينا من البلدية كي يأخذوا مبالغ معينة ونعطيهم تفادياً للمشكلات. تداخل الاختصاصات عند بحثنا عن الجهة المشرفة للحمامات العامة في العاصمة صنعاء وجدنا أن قسم الإيرادات الجهة المختصة, التقينا بالأخ مطهر الواحدي رئيس قسم الإيرادات بأمانة العاصمة حيث قال لنا: قسم الإيرادات ضمن الموارد المالية، حيث يقوم القسم بمراجعة وتحديد عقود إيجارات الحمامات العامة التي يتم بناؤها خدمة للمواطن سواء من قبل الدولة أم من المستثمر الذي تمنح له الأرض الخاصة ببناء الحمام.أما بالنسبة لقلة تواجد الحمامات في العاصمة صنعاء فنهيبكم أن الحمامات العامة تتواجد في معظم مديريات الأمانة مديريات: الصافية، التحرير، أزال، الثورة، وكذلك مديرية بني الحارث, ومع ذلك نعترف بأن هناك نقصاً في عدد الحمامات العامة في بعض المديريات, وذلك لأسباب تتعلق بالمواقع المخصصة لبنائها، فبعض الأماكن غير مناسبة لبعدها عن تجمعات المواطنين، أو لأن المواطنين القريبين من بعض المساحات التي تنوي الدولة تخصيصها لبناء حمامات تتمنى وجود مواقع بديلة, فهناك إشكاليات تخص موضوع الإشراف على تلك الحمامات، منها التداخل في الاختصاصات، فتارة تكون على المديريات و تتداخل مع مكتب الاستثمار وأحياناً إدارة الحدائق وصندوق النظافة، وهذا خطأ كبير يضعف عملية الإشراف على الحمامات العامة. خدمة للمواطن ورسوم غير محددة ويتابع الواحدي حديثه بالقول: حقيقة السلطة المحلية لم تفرض رسوماً محددة لأن الموضوع يعتبر خدمة للمواطن قبل كل شيء، وتفرض رسوماً رمزية على المواطن يدفعها مقابل خدمات النظافة، وهي رمزية جداً حتى أن الإيجار الشهري الذي يدفع لديوان الأمانة رمزي جداً ولا يذكر. وأتمنى أن تتواجد الحمامات العامة في معظم مناطق العاصمة، بشرط أن لا تكون تلك الأماكن عبئاً على الآخرين وأن تكون مجانية.