تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    دولة الأونلاين    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    يافع تودع أحد أبطالها الصناديد شهيدا في كسر هجوم حوثي    سالم العولقي والمهام الصعبة    لليمنيّين.. عودوا لصوابكم ودعوا الجنوبيين وشأنهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراعات أعاقت بناء أسسها
دولة المؤسسات جوهر أهداف الثورة
نشر في الجمهورية يوم 26 - 09 - 2013

جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م من أجل بناء دولة المؤسسات التي يستطيع أن ينعم في ظلها الجميع بالعدل والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية.. كانت ثورة من أجل دولة القانون التي تشمل عناصرها الدستورية: فصل السلطات وخضوع الحكام للقانون وانفصال الدولة عن شخص الحاكم، وتدرج القواعد القانونية وإقرار الحقوق والحريات الفردية للمواطنين وتنظيم الرقابة التشريعية والقضائية على الهيئات الحاكمة، ولكن هذا لم يتحقق منه خلال العقد الأول من عمر الثورة السبتمبرية سوى الشيء القليل لأسباب عدة منها الصراع المرير بين أنصار النظام الجمهوري وعناصر الثورة المضادة إلى جانب الإرث الثقيل التي خلفه نظام الحكم البائد، وهو ما لابد أن يعرفه الناس والأجيال الجديدة من قراءة جيدة للتاريخ وعدم النظر إلى النتائج دون إدراك مقدماتها لاسيما ونحن ننتظر نتائج الحوار الوطني.
فعلى مستوى النظام البائد لم ينشأ أي تنظيم نيابي أو تشريعي حقيقي وعلى طول فترة حكم الأئمة لم يظهر أي تنظيم فعلي يسمح بالمشاركة السياسية أو أي شكل من أشكال الديمقراطية والعمل الشعبي المنظم، فالأمام كان هو الممسك بجميع السلطة ومصدر كل قرار صغر أم كبر وحكمه مطلق انعدمت معه المشاركة السياسية وأجهزتها وغابت الرقابة الشعبية وفرضت العزلة على البلد وانقطع الشعب عن القديم والحديث.
وعمد الإمام يحيى حميد الدين (1904م 1948م) إلى مخالفة النظرية الإسلامية التي وصل بها إلى الحكم عن طريق مبايعة العلماء له إماماً فتخلص منهم حفاظاً على سلطته وعين ولي عهد هو الإمام اللاحق الذي أصبح أكثر استبداداً من أبيه فعطلت الشورى وقلصت نفوذ الشخصيات الاجتماعية وعرف هذا العهد بإخفاء كبت الفكر وأقتصر التسليم على كتب العبادات وفي حدود ضيقة.
وبذلك أتسم النظام البائد بغياب كل أشكال التنظيم وامتد هذا الغياب إلى كل أوجه الحياة باستثناء جهاز الجباية والضبط، ولم يعرف اليمن خلال هذه الفترة دستوراً يحدد شكل النظام والسلطات ويحدد اختصاصاتها بل إنه لم يصدر قانوناً أو مرسوماً ينظم الإدارة ويحدد الاختصاصات.
إن التخلف الدستوري والتنظيمي الرهيب كان جزءاً من حالة التخلف العام في عهد آل حميد الدين فكانت أحادية القرار وسلطة الفرد سبباً في تكريس مزيد من التخلف بعد فشل ثورة 1948م التي عرفت بثورة الدستور والتي كانت نتاج مرحلة من الدعوات إلى الإصلاح السياسي وإيجاد دستور يقيد سلطة الإمام، هذه الثورة رغم فشلها أحدثت هزة عنيفة في أعماق الشعب اليمني واكتسب قوة دفع نحو التغيير وكانت محاولات من قبل الجيش وتمردات قبلية منها حركة عام 1955م وكانت ثورة 26 سبتمبر إعلان عن ميلاد فجر جديد لليمن.
ثورة 26 سبتمبر واجهت إرثاً ثقيلاً من الجهل والفقر والمرض.
كما واجهت الثورة ونظامها الجمهوري هجمة شرسة من قبل أعدائها شغل الثورة والثوار عن قضايا كثيرة وزاد من مشاكل السلطة صراع في داخلها، كل ذلك إلى جانب غياب الديمقراطية أسفر عن أخطار زادت بوصول عناصر انتهازية إلى السلطة استغلت انشغال القوى الوطنية بمعارك الدفاع عن النظام الجمهوري وكادت أن تؤدي إلى فشل الثورة، هذا المسار عكس نفسه أو انعكس سلباً على مسار التطور الدستوري ويمكن تتبع ملامح عدم الاستقرار الدستوري من خلال طبيعة الإعلانات والوثائق الدستورية التي صدرت عقب انفجار الثورة واتسمت غالبيتها بالتوقيت.
فبعد نحو أسبوعين من قيام ثورة 26 سبتمبر وتحديداً في 13 أكتوبر 63م صدر الإعلان الدستوري الذي نص على أن مصدر السيادة هو الشعب بعد أن كانت في العهد الإمامي متعلقة بإرادة الحاكم الفرد وقد أعاد الإعلان الحق إلى أصحابه أي الشعب وجاء مبشراً بتحقيق ما ناضل الشعب من أجله ألا وهو الديمقراطية «الشورى» في ظل النظام الجمهوري الفتي ومن عيوب الإعلان الذي ظل وثيقة نظرية أنه لم يوضح تنظيماً مفصلاً لنظام الحكم وقد انتهى العمل به بإعلان الدستور المؤقت في 8 مارس عام 1963م والذي نص على إقامة حياة نيابية، وتأكد على إقامة حياة برلمانية يعني تطوراً في اتجاه تحقيق أهداف كبرى رفعت منذ ثورة 1948م كما يعني من الناحية الدستورية أن الحياة النيابية هي التي تتحقق بها سيادة الشعب باعتباره مصدر السلطات إلا أن هذا الدستور المؤقت أغفل تنظيم السلطة التشريعية بل لم يشر إلى تشكيل مجلس نيابي وإنما اسند عمل السلطة التشريعية لمجلس الرئاسة ورئيس الجمهورية.
وفي نفس الوقت لم يوضح طريقة تكون مجلسي الرئاسة وعدد أعضائه وشروط العضوية أيضاً صفة التوقيت في هذا الدستور عبرت عن ظروف المرحلة والتركة الثقيلة الموروثة عن الحكم البائد.
وحسب رأى المختص في نظم الحكم لا يكفي النص أو إقامة مجلس نيابي لقيام الديمقراطية سواء كان مجلس شورى أو مجلس شعب أو مجلس أمة وليست المشكلة في التسمية ولكن المقياس هو أن المجلس النيابي هو سلطة تشريعية ورقابية لا يمكن ممارستها إلا في مجتمع يتمتع بدرجة مناسبة من الحريات العامة، ورغم ما تغير في وجه الحياة اليمنية بعد الثورة إلا أن مستوى التخلف ظل قائماً ومسار حركة التاريخ ظلت بطيئة في ظلمة وأوار الحروب والصراعات.
في 27 إبريل 1964م أصدر رئيس الجمهورية الدستوري الدائم الذي لقى انتقادات كانت قد وجهت لسابقه المؤقت وقد نص دستور 64م على ضرورة وجود مجلس نيابي منتخب تحت اسم مجلس الشورى وترك للقانون تحديد التفاصيل، لكن هذا الدستور أيضاً لم يطبق واعتبر في نفس الوقت خطوة إلى الإمام ،حيث منح المجلس حق مراقبة السلطة التنفيذية وحق السؤال والاستجواب وسحب الثقة عن أحد الوزراء.
د. أحمد الكبسي أستاذ نظام الحكم اعتبر أن هذا الدستور مثل خطوة إلى الإمام لأنه جاء في ظروف كتلك التي عصفت بالبلاد في فترة إصداره.
بل وفي الفترة من 26 سبتمبر 62م وحتى حركة
«انقلاب» 5 نوفمبر 1967م شهدت البلاد 8 تغييرات وزارية كان متوسط حكم الوزارة الواحدة 7 أشهر.
هذه الحالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي أثرت سلباً بطبيعة الحال على واقع الحياة وعلى مسار التطور الدستوري حسب رأي د. محمد الغابري أستاذ القانون الدستوري بجامعة صنعاء الذي رأى بأن كل طرف من الأطراف في إطار حكومة الثورة ونظامها الجمهوري كان يعمل على تغيير ما يريده ويأتي التغيير اللاحق على حساب سابقه وكانت المسألة الأبرز أن القواعد الدستورية والقانونية لم تكن تطبق حتى بعد أن اتفقت الأطراف المتصارعة على حل خلافاتها وتصالحت.
في الجانب الشعبي كانت تعقد مؤتمرات عديدة الكل فيها يجتهد من أجل مصلحته ويطالب بما يريده في ظل صراع مرير وفي هذا السياق جاء مؤتمر خمر من 25 مايو 65 وتوالت مؤتمرات للعديد من التكوينات السياسية والشعبية على هيئة مؤتمرات نوعية وعامة حيث انعقد المؤتمر العام للاتحاد الشعبي الثوري في صنعاء في الفترة من 18 20 يناير 1967م ومؤتمر سبأ في 3 مارس 1967م ومؤتمر لعلماء اليمن في يناير 1967م ومؤتمر المقاومة الشعبية بصنعاء في 4 مارس 1968م ومؤتمر القوات المسلحة في صنعاء في 11 مارس 69 والمؤتمر الشعبي في صنعاء في 14/3/69 وغيرها من المؤتمرات منها قبل ذلك مؤتمر عمران والجند ومؤتمر الشباب في صنعاء.
المؤتمر الأخير انعقد في مقر المجلس الوطني الذي جاء في ظل حركة 5 نوفمبر وكل تلك المؤتمرات تدارست أوضاع المرحلة الجديدة ووضعت تصوراتها ومقترحاتها لصياغة المستقبل ووضع قواعد للحكم الشعبي الشوروي.
وكانت متغيرات إيجابية على الأرض، فانتصار ثورة سبتمبر ودحر أعدائها مضت عملية لتأسيس قواعد الدولة المركزية فكانت خطوات على طريق الديمقراطية حسب رأي د. أحمد الكبسي أبرزها وجود دستور دائم للبلاد هو دستور عام 1970م، وقيام مجلس «شورى، ومجلس التأسيس فيما بعد» عام 78 وبعد توقف من عام 75 78 بدون مجلس نيابي.
دستور عام 70 الدائم جاء بفعل عوامل المصالحة بين الأطراف اليمنية المتصارعة إثر المؤتمرات المذكورة سلفاً، ومنها مؤتمر خمر عام 65، وكان من أهم قراراته ما ورد في المادة الخامسة ما رفعت من مطالب عام 1964م وهي مطالب له:
تعديل الدستور إنشاء مجلس جمهوري تأليف مجلس شورى إعلان قيام تنظيم شعبي تكوين جيش وطني قوي تأليف مجلس دفاع محكمة شرعية عليه تتولى محاكمة العابثين بمقدرات الشعب.
وجاءت مرحلة الميثاق الوطني بعد أن شهدت اليمن صراعات وانقلابات دموية وحروب في مناطق هيمن عليها مناخ الوضع التشطيري وأجواء الأزمات السياسية والأمنية.. رغم أن الدستور الدائم والميثاق الوطني كانا ثمرة حوار بين مختلف الأطراف، وعلى بناء دولة حديثة واشتركا في خصائص أهمها:
الحكومة المقيدة حق سحب الثقة من الحكومة حق المحكمة الدستورية العليا في محاكمة رئيس وأعضاء المجلس الجمهوري ورئيس الوزراء والوزراء.
فقد نص الميثاق الوطني على أن الديمقراطية تتنافى مع تركيز السلطة في بدء فرد أو مجموعة ونص على مبدأ السيادة الشعبية، حق لجميع أفراد الشعب والسيادة مصدرها الشعب إلى جانب إقرار مبدأ فصل السلطات مع التعاون فيما بينها.. واتفقا الدستور والميثاق على حظر الحزبية ورغم حضور مفردات ومفاهيم شكلت مخاوف لطرف ما في الحوارات بين شطري الوطن عام 1972م، تتعلق بدور القبيلة وتأثيرها السلبي على السلطة ونظام التعليم، وكيفية مواجهة التخلف في مجالات منها الإدارة وإدارة الاقتصاد والتطرف، وثقافة الاستعلاء كمعوقات ومصدر خوف من الوحدة الاندماجية التي كانت حكومة صنعاء تطالب بها، الأمر الآخر ظلت هواجس في هذا الطرف من فكرة وحدة العمل الثوري للقضاء على ما كان يسمى «الرجعية» رغم ذلك كان هدف تحقيق الوحدة هو الهدف الأسمى لكل اليمنيين، وجاء إعلان الجمهورية اليمنية في 22مايو 1990م تجسيداً لأهداف الثورة اليمنية وتأسيساً لدولة طالما انتظرها اليمنيون كونها جاءت وحدة مقترنة بالديمقراطية والتعددية السياسية.
يرى أ. د أحمد الكبسي أن ثورة 26سبتمبر 62كانت ثورة من أجل بناء دولة المؤسسات التي يستطيع أن ينعم في ظلها الجميع.. ثورة من أجل بناء دولة القانون التي تشمل عناصرها الدستورية الفصل بين السلطات، خضوع الحكام للقانون، انفصال الدولة عن أشخاص حكامها، تدرج القواعد القانونية، إقرار الحقوق الفردية للمواطنين، تنظيم الرقابة الشرعية والقضائية على الهيئات الحاكمة.
ويعرض د. الكبسي خلاصة دراسته لمرحلة ما قبل إقرار الدستور الدائم لعام 70بقوله:
أن البرلمان هو سلطة تشريع ورقابة ولا يمكن ممارستها إلا في مجتمع يتمتع بدرجة مناسبة من الحريات العامة، وفي هذا الشأن كان الملاحظ أنه ونتيجة الأوضاع الاستثنائية التي عاشتها الجمهورية العربية اليمنية منذ ولادتها لم يطبق أياً من الدساتير والإعلانات الدستورية المعلنة، ولذا فإن ظروف تلك المرحلة بما تعنيه من سيطرة السلطة التنفيذية على سلطات الدولة الأخرى قد استمر حتى قيام المصالحة اليمنية بين الأطراف المتنازعة وبعدها انتقلت السلطة التشريعية من النظرية إلى التطبيق، ولو جزئياً وذلك بإعلان تشكيل المجلس الوطني المؤقت الذي يمارس أعمال مجلس الشورى المنصوص عليه في الدساتير السابقة والذي أنيط به القيام بإعداد دستور دائم للبلاد “الدستور الدائم لعام 1970م”.
ومثلت المؤتمرات الشعبية التي سبقت المصالحة الوطنية أهم العوامل التي دفعت بدستور عام 70 للظهور.
وحسب رأى أ. د أحمد قاسم الحميد عميد كلية الحقوق “جامعة تعز” فإن مشكلتنا في العالم الثالث هي أننا لا نبحث عن التأصيل ولا الأصول وعندما نسأل: لماذا تفشل كل تجاربنا الديمقراطية؟
الأمة العربية منذ الأربعينيات لماذا فشلت في تأسيس الديمقراطية بينما إسبانيا وكوريا خاضتا التجربة بعد عقود مقارنة بدولنا العربية المستقلة عن الاستعمار ونجحت إسبانيا وكوريا بعكس العرب لماذا؟
لأن عملية بناء الدستور أو الدسترة، وتنظيم الانتخابات هي نتائج لم يشترك الجميع في صياغة مقدمتها من خلال حوار وقناعات بأن السلم الاجتماعي والاستقرار الأمني والسياسي هو نتيجة الحوار.. العقد الاجتماعي ومجمل الآليات التي تطورت على أساسها النظم الديمقراطية، ولو نظر إلى تجربة الغرب وما أشرنا إليه سابقاً من تجارب قريبة العهد أنتجها العقل بعد أن تحاورت العقول واقتنعوا بأن هذه الآليات التي تحكم العلاقات بين المجتمع والدولة إنما جاءت عبر الحوار.
وبالنسبة لليمن والحراك الديمقراطي الذي حصل في الساحة السياسية بل وعملية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كانت نتيجة حوار.
وقال د. أحمد الحميدي لو أن أي طرف حاول فرض وجهة نظره بالقوة لما استطاع وسيفشل لكن بالحوار والتفاهم، وبعد الوحدة وفي بداية القرن ال21كان يتردد كلام أحياناً عن شرعية النظام، وأحياناً عن كيفية تجسيد الوحدة الوطنية وغير ذلك لأننا دائماً نتحدث عن النتائج وليس على المقدمات.
واليوم الحوار الوطني الشامل يقترب من الهدف الكبير وهو إنشاء الدستور وهو بالضرورة لابد أن يكون نتيجة لتوافق حقيقي ويخضع لاستفتاء شعبي وهذه النتيجة أيضاً ستكون بناء على مقدمات تجسدت من خلال الحوار الوطني في شكل اتجاهات عامة ونصوص ستخضع للتوافق النهائي أي التصويت ليكون العقد الاجتماعي، وما سيأتي به من آليات لأسس تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع هو الإنجاز الأهم الذي ستقوم عليه دولة مدنية ديمقراطية أتفق المجتمع على أسسها عبر المشاركة في الحوار على المقدمات في مؤتمر الحوار الوطني.
حوار شامل
د. أحمد الحميدي أكد أيضاً أن بناء الدولة الحديثة والتوافق على النظام الديمقراطي أو عملية الدسترة بكل مقدماتها إنما هي نتيجة حوار مجتمعي، وهذا ما نحن بصدده اليوم في اليمن.. الحوار الوطني الشامل تتفاعل فيه أطراف ومكونات مختلفة لكل طرف معتقداته وفلسفته وقناعاته، ولا يستطيع مكون أن يفرض فيه أهدافه ومبادئه وقناعاته الخاصة حزبية مناطقية مذهبية أو غيرها، وإنما ينطلق على متحاور من رؤيته، وفي المقابل للآخرين رؤاهم ولا أحد يملك حق إلغاء الآخر والجميع يقدمون تنازلات معينة ليصلوا إلى قواسم مشتركة وحلول ومعالجات متفق عليها للقضايا المطروحة وبلا غالب أو مغلوب، وهذا مالم يكن يتحقق في الحوارات السابعة في زمن التشطير ولا بعدها.
وما حصل بعد ثورة 26سبتمبر 62 هو أن الدولة كانت في بناء أسسها وتنظيم سلطاتها وتطور العملية الدستورية يتم بلا مقدمات يشارك الشعب في تحقيق نتائجها، وكانت الدساتير تمنع من الطبقة السياسية.
وبمعنى آخر عندما لا يشارك المجتمع في إنشاء العقد الاجتماعي وفقاً لمستوى وعي معين فإن الدستور أو الإعلان الدستوري والقرارات وحتى القوانين، إنما تأتي لتنظيم العلاقات بين الطبقات السياسية وبما يخدم مصالحها، بينما العقد الاجتماعي ينظم العلاقات بين مختلف الطبقات.
ومن المهم القول أن قوى المجتمع ومكوناته عندما تختلف أو تتحاور إنما تتخذ مواقف وتعكس قناعات فلسفية أو دينية أو مذهبية وطائفية ومناطقية أو حزبية أو قناعات سياسية، ولأن الجميع يريدون السلم الاجتماعي والتنمية الشاملة فليس من الممكن أن نجعلهم جميعاً في بوتقة واحدة ولكن التقائهم على قيم ومبادئ وتحقق السلم الاجتماعي وتضمن العيش المشترك في ظل دولة ضامنه لحقوق وحريات الجميع، فمن الطبيعي أن التوافق على أسس ومعايير وآليات تحقق هذا الهدف يتم من خلال الحوار والوصول إلى أهداف مشتركة أو قواسم مشتركة تتطلب تنازلات متبادلة للصالح العام، وعملياً ما يتنازل عنه طرف ليس مكسباً لطرف آخر بقدر ما هو مكسب للجميع أي للوطن كي يتطور ويتقدم ويعم الخير جميع أبنائه.
ويقول د. أحمد بالنظر إلى تطور الأوضاع وكيفية تطورها عبر مسار ما بعد ثورة 26سبتمبر والثورة اليمنية عموماً نجد أن الحوار الدائر اليوم هو أداة السلم الاجتماعي ونجاحه ضرورة لبناء دولة يمنية حديثة، وينبغي الإشارة إلى أن أمور كثيرة كان يمكن أن تتحقق ومشكلات كان يمكن تجاوزها لو تم الحوار بشأنها أولاً فأولاً، لكن الشرط المهم لقيام حوار جاء ولضمان مخرجاته المنشودة وتطبيقها هو الاعتراف بالآخر وقبوله والاقتناع بوجوده، وهذا الآخر ليس شرطاً أن تكون وجهة نظره متطابقة أو متقاربة مع وجهة نظري وإلا لما افتقدنا أداة السلم الاجتماعي.. والحوار ليس مجرد كلام، وإنما تفاعل بنوايا طيبة ونظر إلى المشكلات من زوايا مختلفة يراها كل طرف من الزاوية التي ينظر منها تبعاً لمعتقداته وقناعاته وفلسفته، ويأتي بعد ذلك مواقف محددة مبنية على تكافل الرؤى والوصول إلى القاسم المشترك، وعندما نتفق على عملية ديمقراطية أو إنشاء عقد اجتماعي بناء على حوار واسع وشامل فإن النتائج تأتي على قدر وضوح المقدمات.
وهذا مالم نصل إليه في الماضي لا نحن في اليمن ولا في دول عربية كثيرة طالما حلم الناس فيها بالدولة العصرية والديمقراطية والإنجاز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.