لقيت حملة الاحتجاج ضد الانفلات الأمني في تعز تفاعلاً غير مسبوق من قبل المواطنين؛ حيث يشعر المتجول في شوارع المدينة أن الناس يتوحدون للمرة الأولى حول همّ جماعي دون دوافع حزبية، ويبدون استعداداً للذهاب إلى ما هو أبعد من رفع شارات الاحتجاج الحمراء ضد تفشي ظاهرة حمل السلاح والانفلات الأمني الذي تشهده محافظة تعز؛ لإجبار السلطات على اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة حالة الانفلات الأمني، وذلك من خلال مظاهر الرفض «الناعمة» التي يقبل عليها المواطنون بفاعلية استجابة لدعوة التنسيقية العليا للنقابات في محافظة تعز، والتي دعت أبناء المحافظة إلى رفع الشارات الحمراء منذ ال27 من أكتوبر الماضي. ويتخذ الناس من نظرية «العقد الاجتماعي بين السلطة الحاكمة والمواطن»، والتي تتلخص بالتزام المواطن بدفع الضرائب للحكومة مقابل قيام الحكومة بمسؤولياتها بحفظ الأمن وتوفير الخدمات العامة، حيث يرى كثير من المواطنين الذين التقتهم «الجمهورية» ضرورة تفعيل الدور الحكومي فيما يخص مسألة حفظ الأمن والسكينة العامة. يقول محمد القدسي - صاحب معرض ملابس في شارع «26»: «لقد عانينا كثيراً من حالة الانفلات الأمني وانتشار المسلحين، لم نعد آمنين في محلاتنا، وأصبح الخوف يطاردنا حتى إلى منازلنا، فلم يعد هناك رادع يحول دون حدوث الجريمة، ويجب على الدولة أن تبذل جهداً حقيقياً من أجل إعادة الاستقرار للمدينة»، فيما يقول نبيل العديني - بائع خضروات في شارع جمال بتعز - «لقد تأثرت أعمالنا بسبب عدم الإحساس بالأمان، وأصبحنا نضطر لمغادرة أعمالنا باكراً، خوفاً من تفشي المسلحين، مع كل يوم يمضي نسمع عن جرائم قتل وعمليات سطو مسلح، نحن نطالب الدولة بفرض سيادة القانون وعدم ترك فوضى السلاح تعيث فساداً في المدينة»، وتتزامن حالة الاحتجاج برفع الشارات الحمراء، مع تصريحات أطلقها شوقي هائل محافظ تعز الأحد الماضي خلال لقائه قيادات فروع الأحزاب والتنظيمات السياسية في المحافظة وأعضاء اللجنة الأمنية وممثلي الوسائل الإعلامية لفت فيها المحافظ الى أن «بعض الوزراء لم يكن دورهم على المستوى المطلوب في الدفع بعجلة التنمية بالمحافظة إلى الأمام», وقال: «للأسف أثروا بشكل سلبي على كثير من الإصلاحات في المجالات الأمنية والتنموية والخدمية وفي تحقيق طموحات أبناء المحافظة». ورغم أن محافظة تعز دشنت عدداً من حملات الانتشار الأمني، والتي كانت آخرها في ال27 من أكتوبر المنصرم، إلا أن ذلك لم يغير شيئاً في طبيعة الواقع الأمني المتردي بنظر بعض المواطنين. ويعتقد مصطفى اليوسفي - محامي وناشط حقوقي - «أن الجريمة في تعز تحظى بغطاء سياسي يحول دون ضبط مرتكبيها وإحالتهم للقضاء، الأمر الذي جعل الحملات الأمنية دون جدوى، بل على العكس عزز فشل الحملات الأمنية من جرأة البعض على ممارسة خرق القانون». وكانت محافظة تعز قد احتلت المرتبة الأولى بمعدلات حدوث الجريمة على مستوى المحافظات اليمنية خلال العام 2012 بحسب وزارة الداخلية، بينما أشارت إحصائية صادرة عن مركز الإعلام الأمني، وقوع 99 جريمة قتل عمد في 20 محافظة من محافظات الجمهورية في مارس الماضي جاءت محافظة تعز في مقدمتها بعدد 15 جريمة. ويرجع الباحث الاجتماعي هاشم المجيدي حالة الفوضى الأمنية وارتفاع معدلات الجريمة في تعز إلى تراجع مستوى الوعي الفكري الذي اتسمت به تعز في مرحلة من المراحل، ويضيف المجيدي: «إن إحساس أبناء تعز بالظلم خلال العقود التي مضت جعلهم يلجأون إلى أساليب أخرى في التعبير عن أنفسهم من خلال اللجوء إلى ثقافة السلاح التي لم تكن موجودة في تعز مقارنة ببقية المحافظات».