عرفت مدينة عدن مظاهر التمدن بنواحيها المختلفة منذ فترة بعيدة, وصيدلية “النجم - الفارسية” تعد أحد أبرز تلك المظاهر، وهي أقدم صيدلية في الوطن وشبه الجزيرة, تأسست قبل تسعين عاماً تقريباً، يملكها كهل فارسي استقر والده في عدن مع مجيء الاحتلال البريطاني لعدن، قدمت خدمات جليلة للمواطنين، واشتهرت وذاع صيتها في الآفاق. الصيدلي الوحيد الطبيب السبعيني د . نوشير تانجري تحدث ل «الجمهورية » قائلا : هذه أول صيدلية في عدن عمل بها والدي، وبعد عودتي من بريطانيا حينها كنت أتعلم الطب هناك أتيت لمزاولة مهنتي كصيدلي في صيدلية النجم، حينها كانت الأولى على مستوى البلاد، ويضيف د . نوشير متحدثاً العربية ببطيء للغاية وهو آخر ممن تبقوا من الفرس في عدن: عملت على مدى أربعة عقود وكانت تجربتي رائعة في مدينة عدن التي الفتها وأحببتها منذ وقت مبكر، وكنت الصيدلي الوحيد الذي يقدم الاستشارات الطبية ويمنح العلاجات للناس. - تانجري لازال على الديانة الزرداشتية الفارسية القديمة والتي تعد من أقدم الديانات، فلها ما يقارب حوالي 3000 سنة على تأسيسها وتنسب لمؤسسها زرادشت، يقول: لازلت أمارس عبادتي ولا أحد يعترض عليّ، أمارسها بكل حرية منذ أن خلقتُ، فمدينة عدن هي مدينة للتسامح ويقول في معرض حديثه: اتسمت عدن بالتسامح والتعايش الديني وقبول الآخر، حيث تعايش الجميع مسلمون وفرس ومسيحيون ويهود، دون أن يتعرض أحد للآخر. صاحبة ريادة كل شيء في الصيدلية لم يتغير كثيراً منذ أمد بعيد، حتى رفوف الأدوية الخشبية العتيقة لا زالت باقية كما هي، نوتشير تانجري كان قد أحب البقاء في مدينة عدنالمدينة الجميلة والمجسدة للتعايش الإنساني، والتي شهدت مظاهر التمدن منذ فترة مبكرة في مختلف الجوانب الحياتية، وشهدت نشاطاً واسعاً في الحياة . يقول الصحفي نجيب يابلي: إن عدن صاحبة ريادة في مختلف القطاعات الحياتية المختلفة، فأول ملعب رياضي كان في عدن، وأول مسرح في عدن كذلك أول غرفه تجارية على مستوى الشرق الأوسط، وأضاف أن صيدلية الفارسي أو ما تعارف عليها بصيدلية “النجم” كانت تتميز في مطلع العشرينيات والثلاثينات والأربعينيات، كانت تصنع الأدوية عن طريق التحضير في معمل صغير جداً فيتم إنتاج دواء للسعلة وللإسهال وغيرها من الأمراض. ثقافة الكراهية ويبقى نوتشير تانجري آخر من تبقى من الفرس الذين كانوا قد قدموا إلى عدن قبل قرنين من الزمن تقريباً، وكانت جماعة منهم قد انتقلت إلى عدن مع الحملة البريطانية أثناء احتلالها عدن، ووصل عددهم حتى مطلع الستينيات إلى قرابة 1500 نسمة. إن كل من عاش وعرف عدن خلال العقود الماضية ورأى النسيج الاجتماعي الإنساني المتعايش برغم اختلاف الديانات والمذاهب والمناطق والثقافات المختلفة؛ ورأى وسمع صيحات البعض اليوم ممن يريدون وأد ذلك التعايش التاريخي لمدينة التعايش الأولى في المنطقة، يدرك أن ثقافة الكراهية لا تنتمي مطلقاً لعدن التحضر والتسامح والإنسانية.