لا يمكن تبرير أي عنف ضد الأطفال وخصوصاً حينما يكون في إطار الأسرة، فالطفل يعتمد في سنوات نموه الأولى على أبويه وعلى من حوله من أفراد الأسرة في تأمين احتياجاته الضرورية سواء المادية أو النفسية أو العاطفية، فبقدر ما يحتاج الطفل إلى الغذاء والكساء والمأوى، يحتاج أيضاً إلى الحب والعطف والحنان والحماية والرعاية المناسبة، وتختلف أساليب التنشئة الوالدية باختلاف الظروف والمجتمعات والثقافات، ومن الملاحظ تزايد العنف بشكل عام والعنف الأسري والعنف ضد الأطفال بشكل خاص.. فهل يمكن تفسير هذه الظاهرة التي تشكّل خطراً على تماسك المجتمع؟ وما هو رأي المختصين في علم الاجتماع.. والمسئولين في الجهات الضبطية والقضائية والإرشادية تجاه هذا الموضوع؟.. هذا ما نستطلعه تالياً: ظاهرة اجتماعية د. عادل الشرجبي- أستاذ علم الاجتماع قال: الأسرة أو العائلة – رغم طابعها الخاص – كغيرها من المؤسسات الاجتماعية تقوم بين أفرادها تفاعلات اجتماعية، وتسودها عمليات اجتماعية متعددة كالتعاون والتنافس والصراع..الخ، وبالتالي فإن العنف المنزلي ظاهرة ممكنة الحدوث في أي مجتمع وفي أية فترة تاريخية، والعنف المنزلي قد يكون موجهاً ضد النساء وقد يكون موجهاً ضد كبار السن و ضد الأطفال أو حتى ضد الرجال، ويتوقف ذلك على عدد من العوامل، أهمها: طبيعة الخصائص السيكولوجية للأفراد ومستوياتهم التعليمية وأوضاعهم الاجتماعية الاقتصادية، ويمكن أن نطلق على هذا النوع من العنف مصطلح «العنف الفردي أو العنف السلوكي» ويختلف جذرياً عما يمكن أن نسميه بالعنف الجماعي أو العنف الموجّه توجهاً ثقافياً، ومعظم مظاهر وأشكال هذا النوع الأخير من العنف مقبولة اجتماعياً ولا تصنّف من قبل ممارسيها والممارسة ضدهم باعتبارها عنفاً، وتمثّل النساء الفئة السكانية الأكثر تعرضاً لهذا العنف.. منوهاً إلى أن العنف العائلي في اليمن أقل أشكال العنف خضوعاً للدراسة والتحليل، وذلك بسبب طابع العلاقات العائلية غير الرسمية والتي غالباً ما يحتكم الأفراد حولها إلى الأطر والمرجعيات الثقافية وليس إلى الأطر القانونية، ونادراً ما يقبلون الحديث عنها أو يفصحون عنها للأغراب. خصائص ومظاهر من جانبه يؤكد الباحث الاجتماعي محمد هزاع سيف صعوبة الكشف عن كل مظاهر العنف الأسري الموجه ضد الأطفال.. موضحاً عوامل سوء المعاملة الأسرية وصفات مرتكبيها قائلاً: يكون الكشف عن إساءة معاملة الطفل صعباً للغاية في المجتمعات التي تنظر إلى تربية الأطفال باعتبارها مسألة شخصية لا تشغل الرأي العام، فقد لا يكون للأطفال أنفسهم مرجعاً يلجأون إليه ولا يدركون أن ما يتعرضون له هو أمر غير طبيعي.. ومن غير الممكن إعطاء تأكيد حاسم بشأن العوامل التي تكمن خلف السلوك المسيء تجاه الأطفال، لكنّ هناك توافقاً عاماً على أن سوء المعاملة ناتج عن تفاعل معقد بين ثلاثة عوامل مختلفة تتعلق بالخصائص الخاصة بالوالدين (أو الرعاة الآخرين)؛ والصفات الخاصّة بالطفل كفرد ونمط المحيط الخاص والضغوط الاجتماعية.. وتفيد البحوث التي أجريت في المجتمعات الغربيّة بأن الوالدين المسيئين غالباً ما يتصفان بالخصائص التالية الحرمان المادي والعاطفي؛ وضعف الوازع الديني وضعف آليات المعالجة وقابلية التعرض العالية للكرب والإجهاد؛ والافتقار إلى مهارات الأبوة؛ والعيش وفق نمط حياة غير منظم؛ وعدم النضج الشخصي الذي يتّسم في الغالب بالاندفاع وضعف تحمل الإحباط إلخ؛ وتوقعات عالية غير واقعية من الأطفال ومواقف متعتة تجاه سلوكهم؛ وإساءة استعمال المخدرات أو الكحول أو رداءة الصحة؛ وانخفاض احترام النفس أو الاكتئاب؛ وتشير البحوث إلى أن الوالدان الوحيدان يكونان في بعض الأوضاع أكثر نزوعاً إلى إساءة معاملة الأطفال أو إهمالهم بسبب ارتفاع الكرب والإجهاد مثلاً، وتدي الدخل.. لكن مع كل ذلك يجب التشديد على أنه رغم وجود بعض العوامل في الغالب بين الأسر التي تحدث فيها إساءة المعاملة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن وجود هذه العوامل يؤّي دائماً إلى إساءة المعاملة والإهمال، فما يمكن أن يكون سبباً في أسرة ما لن يكون سبباً في أسرة أخرى. منبع العنف الأسري أما العقيد محمد الصباري فيرى أن الحياة في زحام المدينة واشتداد المنافسة على فرص العمل وازدياد الاستهلاك مع ضعف الموارد وانخفاض الدخول وتراكم الديون على الأفراد وعجزهم عن تلبية متطلباتهم الأساسية وضعف الروابط الأسرية، كلها مجتمعة تعد المنبع لنهر العنف الأسري.. والعنف داخل الأسرة هو واحد من أشكال العنف التي توجه نحو واحد من أفراد الأسرة وإيقاع الأذى عليه بطريقة غير شرعية، ويتباين العنف الأسري في درجة الإيذاء النفسي والبدني ويراوح ما بين البسيط الذي يؤدي إلى غضب الضحية والشديد الذي قد يودي بها.. كما يعتقد الصباري أنه من الضروري تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون إلى الأسر التي ينتشر فيها العنف، إضافة إلى وجوب تدخل الدولة في أمر نزع الولاية من الشخص المكلف بها في الأسرة إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك وإعطائها إلى قريب آخر مع إلزامه بدفع النفقة، وإذا تعذر ذلك يمكن إيجاد ما يسمى الأسر البديلة التي تتولى رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسري. ويبين الصباري أن من الحلول التي تساهم في التخفيف من العنف الأسري في المجتمعات وجود صلة بين الضحايا وبين الجهات الاستشارية المتاحة وذلك عن طريق إيجاد خطوط ساخنة لهذه الجهات يمكنها تقديم الاستشارات والمساعدة إذا لزم الأمر. حقوق دستورية وقانونية القاضي زيد حنش عبد الله - عضو المحكمة العليا وفي بحث له بعنوان إسهام القضاء في إرساء دعائم الأمن الاجتماعي في مجال الأسرة أكد فيه أن تشريعاتنا الوطنية اليمنية الأخرى قد كفلت رعاية وحماية حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة، بما فيها العيش والاستقرار في كنف الأسرة. حيث يقول: لقد كفل الدستور والقوانين والتشريعات اليمنية رعاية وحماية حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة، في عيش واستقرار الطفل في الأسرة.. ولقد صدرت العديد من القوانين اليمنية ومنها قانون الطفل عام 2002م نصت مواده على أن حق الطفل في الحياة حق أصيل لا يجوز المساس به إطلاقاً، ومراعاة مصلحته في القرارات والإجراءات، وحق التمتع بكل حقوقه الشرعية في الحصول على الاسم والجنسية وثبوت النسب والرضاعة والحضانة والنفقة والرؤية والحق في التنشئة، والاعتزاز بالشريعة والعقيدة الإسلامية، وحق الوطن والولاء... ولقد صادقت بلادنا على اتفاقية حقوق الطفل في 1 مايو 1991م، وصادقت على معظم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.. ويؤكد ذلك نص المادة (6) من الدستور الوطني لبلادنا، والتي تضمنت الالتزام بالاتفاقيات الدولية والمصادقة عليها، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين بخصوص الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقيات الأخرى. اختلالات تشريعية وأكد القاضي حنش أن الاهتمام الوطني المحلي بتطوير منظومة التشريعات المتعلقة بحماية الطفولة موجود ولكنه يسير، إذ لا تزال بحاجة إلى مزيد من التقييم واكتشاف اختلالاتها والعمل على إصلاحها.. حيث قال: يجب الاهتمام بالمساعدة والتطوير واكتشاف الاختلالات والمحاولات بتسويتها.. وكذلك الاختلالات التشريعية حول سن الطفل.. حيث أتت أهمية التقييم باستمرار وللمساعدة والتطوير ورفع مستوى التطبيق واكتشاف الاختلالات أياً كان اتجاهها أو مصدرها ومحاولة إصلاحها.. ومن ذلك الاختلالات التشريعية، واستدراكها بالتعديل، أو تقديم مشاريع قوانين جديدة.. حيث توجد الفجوة التشريعية في تحديد عمر الطفل بخمسة عشر عاماً خلافاً للاتفاقية الدولية والمحدد فيها سن الطفل بثمانية عشر عاماً، واحتمال أن يوجد تعديل جديد قريباً لقانون رعاية الأحداث.. إن كل هذه الأهداف صعبة ولا يمكن أن تتحقق إلا عبر أزمان وبقناعات الدول والحكومات، وبإيمان صادق وراسخ من المجتمعات بضرورتها وبجهود من الدول والحكومات والمجتمعات المختلفة، وبإمكانيات لتأسيس وتأهيل التشريعات الوطنية والتي تتضمن ضمانات لتحقيق تلك الأهداف البناءة وبوعي مجتمعي، وقد أدرك المجتمع الدولي أهمية الحماية القانونية لكل متطلبات العمل مع الأطفال.. وأول المبادئ الأساسية لحقوق الطفل – حماية من الاستغلال – وإنشاء قضاء خاص وتشريعات خاصة وتأخذ بمبدأ الخصوصية، في مبدأ الإرادة والإدراك والتكوين النفسي والقدرات البدنية عنده. ضمانات اجتماعية وحول موقع الطفولة والأسرة ككل في منظومة التشريعات اليمنية قال: “لقد تضمّن القانون اليمني للأسرة (قانون الأحوال الشخصية رقم 20/ 1992م) بأن الأسرة هي أساس المجتمع، وأوجب حماية القانون لها وتقويتها وأن قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، وتهتم الدولة بأساس المجتمع، وتحمي الأمومة والطفولة، فالأطفال هم شباب المستقبل، وتكفل الدولة توفير الضمانات الاجتماعية لكافة المواطنين، كما جاء في الدستور اليمني.. فقد نص الدستور في مادته (26) (على أن الأسرة هي أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ويحافظ القانون على كيانها، ويقوي أواصرها). كما نصت المادة (30) منه على: (أن تحمي الدولة الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وهناك العديد من القوانين، منها قانون حقوق الطفل عام 2002م، تضمنت حق الطفل في الحياة حق أصيل، لا يجوز المساس به إطلاقاً، ومراعاة مصلحته الفضلى في القرارات والإجراءات وحق التمتع بجميع حقوقه الشرعية في الحصول على الاسم والجنسية وثبوت النسب والرضاعة والحضانة والنفقة، ورؤية الوالدين، وأيضاً الحق في التنشئة والاعتزاز بالعقيدة الإسلامية وحب الوطن والولاء). أدوار هامة مضيفاً عن أهمية دور الأسرة في حماية الطفل ودور العوامل الأخرى المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية: “إن الطفل قليل الخبرة، وهو في أمسّ الحاجة إلى دليل يرشده وتوفير حاجياته لفهم محيطه وبيئته، ولعل الأسرة هي خير ما تقوم بهذا الدور وهنا يتّضح لنا دور الأسرة في رعاية وحماية حقوق الطفل في الكثير من أمور الحياة في كل مراحل حياته، منها: التنشئة الاجتماعية، وحمايته من الانحراف، والحماية من الأخطار، وكشف المواهب، وتوجيهه وإرشاده.. وإن الطفولة هي من أهم المراحل تأثيراً في حياة الإنسان التي تبدأ بعد الولادة وحتى البلوغ والاستقلال عن الأسرة وتوجد العديد من العوامل والأسباب تلعب دوراً في التنشئة الاجتماعية للطفل إلى جانب دور الأسرة، منها الرفقاء، الشارع، المدرسة، وسائل الإعلام ويكون دورها إما سلبياً وإما إيجابياً”. موقف الدين الوعظ والإرشاد الديني جانب مهم لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري، الشيخ أيوب مهيوب مرشد وواعظ تحدث عن موقف الإسلام من العنف الأسري وحرصه الشديد على العناية والاهتمام بالأطفال قائلا: نظراً لكون الأسرة نواة المجتمع فإن أي تهديد سيوجه نحوها - من خلال العنف الأسري- سيقود بالنهاية، إلى تهديد كيان المجتمع بأسره فإن الإسلام شدد على نبذ العنف ضد الأطفال في العائلة، ومن الأحاديث التي تروى في هذا المجال حديث الرسول (ص): (عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش)، وحديث: (علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف). وحديث: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه).. مؤكداً أن معاملة الأطفال في الإسلام تمتاز بالرقة والحنان والشفقة والعناية والتوجيه.. وأن التربية والتوجيه لا تقتصر على حب الأبناء الذكور، ولكن تتعداه إلى حب البنات وعدم التضجر من ولادتهن، وقد حث النبي (ص)على تربية البنات والإحسان إليهن وجعل من يحسن إلى اثنتين أو ثلاث منهن رفيقه في الجنة، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله (ص) قال: ( من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين . وضمّ أصبعيه.. مضيفاً: “إن الدين الإسلامي هو الدين الذي ينبذ العنف بكافة أنواعه، وعلى جميع الأصعدة، وخصوصاً على صعيد الأسرة، هذه المؤسسة التي حرص الدين الإسلامي أشد الحرص على حمايتها من الانهيار وذلك منذ كونها مشروعاً قيد الدرس، إلى حين صيرورتها كياناً قائماً.. كما أن تعاليم الدين الإسلامي توضح أهمية التراحم والترابط الأسري، وهناك العديد من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة التي تظهر منها أهمية ذلك الأمر منها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: “ليس منّا من لا يرحم صغيرنا ولا يوقر كبيرنا”.