انتشرت أبراج ومحطات التقوية التابعة لشركات الاتصالات بشكل كبير في بلادنا, والتي لجأت إلى إغراء أصحاب المباني والعمارات العالية بالمبالغ المالية الكبيرة, لتقام على أسطحها , كي تغطي المناطق والأحياء المستهدفة بخدمة الهاتف النقال, دون الالتزام بالمواصفات العلمية العالمية والتصاميم الهندسية التي لا يمكن الإخلال بها ، وذلك لضمان سلامة المواطنين.. هذا ما ناقشناه مع عدد من المهتمين والخبراء ومن زوايا متعددة, ملامسين حجم المشكلة. تتعدد مصادر التلوث التي يتعرّض لها المواطن, والتي تتسلّل إلى جسده محدثة عدداً من الأمراض العصرية والجديدة, وهي الأمراض التي تواكب التكنولوجيا التي نعايش عصرها.. ففي صنعاء كمثل بسيط, يبلغ عدد أبراج الهاتف النقال المنتشرة على أسطح المباني أكثر من 800 برج, بالإضافة إلى أجهزة البث الإذاعي والفضائي, دون تشريع أو تقنين لما قد يتعرّض له الإنسان من تأثير كهرومغناطيسي ينال من صحته وحياته.. ولعل التلوث الإشعاعي خطرها, إذ يحصد مئات الأرواح. وكثر الجدل في الآونة الأخيرة حول تأثير أبراج تقويه إرسال الهاتف المحمول على صحة الإنسان العامة, وما قد تسبّبه من أضرار على وظائف الدماغ والجهاز العصبي, خاصة أن هذه الأبراج تقام في المدن فوق سطوح المنازل ووسط الأحياء السكنية, ويكون البرج الواحد قادراً على تغطية الإرسال والاستقبال في دائرة نصف قطرها بضعه كيلو مترات ويتداخل مجال عمل كل برج مع مجالات عمل الأبراج الأخرى فتغطي المناطق المستهدفة بخدمة الخلوي بشبكة اتصالات هذه الأبراج, التي تعد موجات راديوية (لاسلكية) تحتوي على مجالات كهرومغناطيسية يصل ترددها إلى 1000 ميغا هيرتس. إعداد حمزة الجابري - المدير التنفيذي لمنظمة حماية البيئة عن الإشعاعات الكهرومغناطيسية تحدث قائلاً: نحن الآن في مرحلة الإعداد للمؤتمر الوطني الأول للوقاية من إشعاعات الهاتف المحمول, والذي يأتي انطلاقاً من الأهداف المرسومة, التي تكفل للمجتمع حقه في العيش الكريم بعيداً عن الملوثات البيئية, المهددة لحياته وصحته ونموه الطبيعي، وسيجسد هذا المؤتمر عملياً من خلال مخرجاته مخرجات الحوار الوطني الشامل بهذا الشأن، وقد أحببنا أن نمهّد لذلك من خلال سلسلة من الندوات وورش العمل وحلقات النقاش العلمية والتوعوية التي تصنع رأياً عاماً ووعياً مجتمعياً واسعاً. توعية وعن برامجهم في المنظمة قال الجابري: تسعى المنظمة من خلال برامجها المتعددة إلى خدمة المجتمع, من خلال رفع مستوى الوعي للحد من المخاطر الإشعاعية, التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من بيئتهم, كما تحرص على العمل الجاد مع الجهات الرسمية والوكالات الدولية ومنظمات المجتمع المدني من أجل إيجاد حلول بديلة وناجحة, تساعد على توطين التكنولوجيا الإشعاعية حسب المواصفات والمقاييس والمعايير المتفق عليها دولياً, من خلال عكس نصوص الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالقوانين المحلية وإيجاد لائحة تنفيذية, تضمن تنفيذه على الوجه الأكمل. مضيفاً: لذا نحن بصدد تنفيذ ثلاث ورش عمل تمهيدية للمؤتمر تتناول موضوعات عن: مدى مواءمة التشريعات المحلية للاتفاقيات الدولية الملزمة ومخرجات الحوار الوطني، ومعرفة آراء مقدمي خدمات الاتصالات حول الصحة والسلامة المهنية، والاتجاه نحو إيجاد المعايير والمواصفات العالمية لضمان صحة وسلامة المجتمع. نوعية بدوره مفيد الحالمي - رئيس هيئة تحكيم مجلس الوزراء العرب لشئون البيئة, ممثل اليمن بالاتحاد العربي للشباب والبيئة بدأ حديثه شاكراً منظمة حماية البيئة من الإشعاعات الكهرومغناطيسية، فهي كما قال نوعية؛ لأنها تسلّط الضوء بشكل خاص على واحدة من أبرز قضايا البيئة، وهي التلوث الإشعاعي ومصادره ومخاطرة, بغية حماية الصحة العامة والمجتمع من الأضرار الجسيمة، التي تحصد عشرات ومئات الأرواح، لا سيما أنها تنبثق من طبيعة الزمن الذي نعيشه زمن التكنولوجيا, بل زمن الإفراط في استخدامها. مخاطر وعن الأمراض والأخطار التي تسبّبها الإشعاعات قال الحالمي: نحن اليوم كثيراً ما نشعر بالأعراض المرضية كالإرهاق النفسي , والإجهاد العصبي, والصداع والأرق دون إدراك المسببات الحقيقية والتي تكمن في مصادر الإشعاعات, إذ أننا معرضون للأسلاك والأبراج ومحطات الضغط الكهربائي العالي.. وأكدت العديد من الدراسات الطبية أن المعرضين لأسلاك الضغط العالي من أكثر الناس عرضة على المدى الطويل للإصابة بسرطان الدم والأوعية الليمفاوية لدى الصغار خاصة, والقلب وتشوّه الأجنة وسرطان الثدي, إضافة إلى تدمير البناء الكيميائي لخلايا الجسم والمادة الوراثية واضطراب إفراز الإنزيمات وإرباك معدلات الكالسيوم ناهيك عن الشرود والهذيان والكسل والخمول وغير ذلك. أمنيات وعن الخطط والبرامج الواجب اتخاذها يواصل الحالمي قائلاً: إزاء كل ذلك نحن بحاجة إلى أن نحذو حذو البلاد المتقدمة، التي سبقتنا إلى القيام بسن التشريعات المحددة لسقف الأمان بالنسبة للموجات الكهرومغناطيسية التي يتعرّض لها الإنسان البالغة كحد أقصى 200 ميكروات، كما نتمنى على شركات الكهرباء والاتصالات أن تبذل غاية الجهد في اتخاذ الحلول اللازمة للتعامل مع هذه المعضلة, وندعوها إلى أن تستشعر مسؤوليتها بأمانة أمام الله و أمام المجتمع، كما هو الأمر على وسائل الإعلام بأن تعمل على توعية الناس بالمخاطر الناجمة عن التلوث الإشعاعي. مصادر وعن مصادر التلوث الإشعاعي تحدّث الدكتور عبدالقادر عساج - نائب عميد كلية الآداب بجامعة ذمار والذي وصفه ب «وجود نشاط إشعاعي في بيئة ما فوق الحد المسموح به، بشكل يضر الحياة برمتها, وهي موجات تخترق الجسم على مستويات مختلفة فتؤثر في خلاياه على اختلاف أنواعها, ويتدرج باختلاف الموجات والجرعات الإشعاعية, من حيث التركيز وفترات التعرض»، مؤكداً: فهو يعد من أخطر أنواع التلوث في عصرنا، حيث لا يُرى ولا يُشم ولا يُحس به, ثم يتنقل بسهولة ويسر إلى الخلايا الحية دون مقاومة تُذكر ، لذا تتنوع مصادره من طبيعية، أي كونية, وهي التي تفد علينا من الفضاء الخارجي المحيط بالكرة الأرضية ومصدرها المجرات والشمس، ثم الأرضية, التي تأتي من القشرة الأرضية وتعطي جرعة إشعاعية للإنسان من اليورانيوم والثوريوم و مواد غازية مشعة مثل الكربون والرادون والثورون، ثم المصادر الصناعية والتي تتعدد بتعدد نشاطات الانسان في العلوم الذرية والنووية، ثم تلك المتصلة بالعلوم الطبية في التشخيص والعلاج بالأشعة السينية والعلاج الاشعاعي, بالإضافة إلى التصوير الإشعاعي وتعقيم الأدوية والأطعمة. سرعة وفى سياق الحديث فيما يخص السلامة وطرق التعامل مع الإشعاعات، تحدث دكتور عبد الصمد الحكيمي، الخبير الدولي في الصحة والسلامة المهنية, بالقول: تنتشر الإشعاعات في الفراغ بسرعة ثابتة هي سرعة الضوء, أي إنه حين الحديث عن هذه الانبعاثات فذلك يعني الحديث عن الهاتف السيار (الموبايل), والذي له أضرار كبيرة خصوصاً في غرف النوم, إذ يسبب الأرق، بل إن الإفراط في استخدامه يؤدي إلى تلف الدماغ وضعف القلب, وقد أكد العالم الألماني «فرايدلها يمفولنهورست» بأن هذه الموجات تعرّض جسم الإنسان إلى مخاطر عديدة، مشيراً إلى أن محطات التقوية تعادل في قوتها الإشعاعات الناجمة عن مفاعل نووي صغير. امتصاص وعن خطورة مثل هذه الانبعاثات يقول الدكتور الحكيمي: مع ثورة المعلومات والاتصالات بصفة خاصة, انتشرت الأجهزة المختلفة من تلفزيون وكمبيوتر وهاتف لاسلكي وأجهزة ليزر وميكروويف، كما تضاعفت أبراج البث الإذاعي والتلفزيوني ومحطات استقبال بث الأقمار الاصطناعية ومحطات الاتصالات اللاسلكية ومحطات الرادار وتقوية الاتصالات، وقد أوضحت الدراسات أن معدل امتصاص الجسم للطاقة الكهرومغناطيسية يعتمد بقدر كبير على توجّه المحور الأكبر لجسم الإنسان بالنسبة للمجال الكهربائي ويبلغ معدل الامتصاص قمته عندما يكون طول الجسم مساوياً ل 4.0 تقريباً من طول الموجة وعند ذبذبات تترواح قيمتها ما بين 7080 ميجا هرتز، فيكون التأثير في الصداع المزمن، والتوتر، والرعب، والانفعالات غير السوية، والإحباط، وزيادة الحساسية في الجلد والصدر والعين، والتهاب المفاصل، وهشاشة العظام، والعجز الجنسي، واضطرابات القلب، وأعراض الشيخوخة المبكرة. ويضيف الحكيمي: أما العلاقة بين محطات المحمول والصحة، فأكدت التقارير أن معظم الدول الكبرى, التي أدخلت هذه التقنية أجرت خلال أعوام طويلة أبحاثاً مستفيضة, حول الآثار الضارة التي ستنتجها عوامل التعرض للموجات الصادرة من المحطات, وقد انتهت إلى طرق يتم فيها القياس للجرعات, التي يمكن للجسم أن يتحمّلها. دراسات نفسية «في العالم المتقدم لا يقدمون على خطوة علمية إلا بعد معرفة مدى خطورتها على الإنسان, لذا تعد الدراسات والأبحاث في كل العلوم ومنها التوعية الإرشادية النفسية بمخاطر التلوث الإشعاعي، ذلك ما قاله دكتور محمد عامر ذمران من مركز الإرشاد التربوي والنفسي جامعة صنعاء ، والذي يضيف: هناك عدد من الدراسات التي أجريت في بلدان مختلفة توصلت إلى أن لهذه الأشعة تأثيراً مباشراً وغير مباشر على الصحة النفسية - علماً بأن الصحة النفسية تعني حالة من العافية الجسدية والنفسية والاجتماعية وليس خلو الإنسان من المرض والعجز- والتأثير المباشر يتمثّل على الدماغ مما ينتج بعض المشكلات والأعراض النفسية منها الأرق والصرع والزهايمر والقلق النفسي، أما غير المباشرة فتتمثل في قائمة الضغوط النفسية التي بدورها تؤثر على توازن الفرد النفسي, والضغوط النفسية عبارة عن حالة نفسية تنتاب الفرد نتيجة تعرّضه لمواقف ضاغطة داخلية وخارجية تهدّد توازنه النفسي والشخصي مما ينجم عن ذلك آثار سلبية على المستوى الانفعالي والاجتماعي والجسمي التي تعيق توافقه السليم في المواقف المختلفة. ضغوط وعن الضغوط المختلفة يواصل الدكتور محمد عامر قائلاً: تتعدّد هذه الضغوط والتي تمثّل عبئاً جديداً تثقل كاهل الإنسان اليمني، إلى جانب الأعباء الأخرى السياسية والاقتصادية, فالإصابة بالصداع المزمن والإرهاق والخمول والإحساس بالانزعاج الناتج من طنين الأذن, يجعل الشخص في النهاية يصل إلى مرحلة الضغط النفسي, فيفقد توازنه مما يُضعف تكيفه مع معظم جوانب حياته. ويشير ذمران إلى أن التقنيات الإرشادية للحد من أضرار الإشعاعات يكون الهدف الأول منها وقائياً وذلك بتشخيص الضغوط والأزمات النفسية والمشكلات, واكتشافها في وقت مبكّر ومساعدة الناس في التغلب عليها قبل أن تتعقد ويزداد خطرها أوتسبب إعاقة أو اضطراباً , والأساس الثاني الذي تقوم عليه هذه الجهود هو توضيح الطرق والوسائل, التي توفر للفرد الظروف المناسبة التي تجعله ينعم بالصحة النفسية. مضيفاً: إذن فنحن بحاجة إلى رفع الوعي بمخاطر هذه الإشعاعات وتثقيف الناس بتلك المخاطر وما تسببه من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على مستوى الصحة النفسية والجسدية واكتشاف الحالات التي لم تصل إلى مستوى الاضطراب النفسي, وتعليمهم كيفية إدارة تلك الطرق والتكيف معها والتقليل من درجة خطورتها، أما الهدف العلاجي فبتشخيص وعلاج ورعاية المضطربين نفسياً وعقلياً بهدف التقليل من الآثار السلبية لهذه الاضطرابات وإيقاف التدهور فيها إلى أقل حد ممكن وتنمية ما لدى الأفراد من قدرات واستعدادات مما يقلل من احتمال عودتهم مرة أخرى إلى المرض ويقلل من انتشار الاضطرابات. تشريع وينفي سلطان محمد سعيد - مدير عام لجنة النقل والاتصالات بمجلس النواب وجود أية تشريعات خاصة بالإشعاعات حتى الآن، مشيراً الى أن مشروع قانون الاتصالات وتقنية المعلومات لا يزال قيد الدراسة والنقاش لدى اللجنة المختصة في مجلس النواب, مؤكداً إن إقرارها ووجودها هو من الأهمية بمكان إضافةً إلى ا لاحتياج لأجهزة قياس الإشعاعات بشكل دوري.