يأتي رمضان كل عام، وتأتي معه ذكريات الأيام الخوالي .. أيامنا الماضية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم ، عندما كان يأتي رمضان والناس أحوالهم الاقتصادية كانت أحسن حالاً من هذ الأيام النحسات!! كان لرمضان مذاق آخر. لم يكن الصائم آنذاك يتشتت بين ما يبثه حشد الفضائيات من مسلسلات وفوازير ومسابقات، كما هو الحال هذه الأيام ، بل كانت قناة واحدة - تلفزيون صنعاء - تجتهد لتقدم ما يسد أوقات البث من الفطور إلى السحور. أيامها كانت للبرامج نكهتها وذوقها، لأنها كانت برامج متنوعة وجادة استطاعت أن تقدم للمشاهد المتعة والفائدة معاً، فيتنقل المشاهد من «في رحاب القرآن الكريم» إلى “المسابقة العامة” إلى «فرسان الميدان» إلى غيرها مما ظل في الذاكرة من تلك السنين الخوالي. كان الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - ضيفاً عزيزاً على الخارطة البرامجية، يأتي في وقت الناس مترقبون حضوره، وليس سداً للفراغ كما تفعل بعض القنوات اليوم. اذكر أن والدتي - رحمها الله رحمة واسعة - كانت تترقب برنامج الشيخ الشعراوي لتستمع لخواطره القرآنية، تلك الخواطر التي استطاعت أن تنفذ إلى كل مستمع مهما كانت درجة تعليمه؛ فوالدتي لم تكن متعلمة بل كانت أميّة - مثل أغلب أمهات ذلك الجيل - لكنها كانت تستمع للشيخ الشعراوي بكل حرص وكأنها طالبة في جامعته المفتوحة التي تبث على الهواء! فقدنا في رمضان برنامجاً رحل برحيل معده ومقدمه الإعلامي القدير. يحيى علاو - رحمه الله ، إنه برنامج «فرسان الميدان» الذي لا زال في ذاكرة المشاهد اليمني رغم اختفائه، لما ترك من بصمة على كل من شاهده لسنوات. برنامج حمل المتعة من خلال الألعاب الشعبية التي كان يقدمها، وكذلك الفائدة من خلال تلك التساؤلات الجادة التي كانت تُطرح على المشاركين فيه، ولا أنسى الثقافة التاريخية التي يقدمها البرنامج عن معالِم وحضارة اليمن السعيد وجغرافيته التي تنقل فريق البرنامج عليها طولاً وعرضاً وهم يصعدون المرتفعات أو يهبطون الوديان والسواحل. رمضان أيام زمان كان شيئاً آخر لا نعرفه اليوم ، لأننا اليوم جعلنا من رمضان موسماً للاستهلاك في كل شيء من المأكولات والمشروبات وحتى البرامج التلفزيونية، فأصبح الشهر الكريم لا طعم له ولا نكهة، ولا يكاد يفرق عن باقي الشهور إلا بالامتناع عن الأكل والشرب في نهاره لا غير. وأخيراً : كِدنا نشيبُ ونحن نرتقبُ الحضورْ كم نطلبُ الأيامَ أن تمضي ونرجوها المرورْ حتى توافينا أيا خيرَ الشهورْ رمضانُ أنتَ حديقةٌ بالبِشْر تعبقُ والحبورْ في ملتقى الأرواح من بعد أنْ طال الغيابْ في ليل (قدرِكَ) قد تعالى قدرُك العالي بإنزال الكتابْ هذا هدىً للناس في كل العصورْ خذني إليك فإنني شبتُ انتظارْ خذني أرى (عينَ جالوتٍ) و(محموداً) يجلجلُ بالتتارْ خذني أرى تلك الرجال تجتاز خط النار في أرض القنال فتخطُ عيداً للعبورْ