الكثير من التساؤلات والأحاديث تقال وتكتب هنا وهناك حول العاصمة الثقافية لليمن ما بين التأييد والتمجيد والنقد.. ولا شك أن إعلان تعز عاصمة ثقافية لليمن رسمياً كان بمثابة إحقاق حق لهذه المدينة الثقافية على مدى التاريخ لهذا استحقت الإعلان بجدارة.. حول أهمية ذلك وما تحقق والواقع الثقافي الذي تعيشه مدينة تعز يتحدث عدد من المثقفين في سياق الاستطلاع التالي: مجرد اسم في البداية تحدثت الكاتبة والأديبة: أحلام المقالح فقالت: في بلاد تهمش دور الثقافة والمثقفين يصعب التمييز بين المثقف ومدعي الثقافة مع كثرة انتحال هويات المثقفين وخروجهم عن إطار تعزيز الثقافة في مدنهم، تعز التي عُينت بقرار رسمي عاصمة للثقافة اليمنية لم تنل من هذا الاسم سوى الغبار والضجيج الفارغ من النهضة الثقافية الحرة، والمسئولية تقع على عاتق الجميع بداية من المثقفين الذي يرسخون مبدأ (كم بتدفع) ووصولاً إلى مسئول الثقافة الذي يهمش دور المثقف الفعلي في رفع نسبة الرقي والحضارة في مدينته، بل ويدفعه أحياناً إلى عرض ثقافته بسوق النخاسة ليدفع إيجار البيت! الثقافة ليست قراءة وكتابة فقط، الثقافة سلوك حضاري مُشرّف يفضي إلى الحفاظ على واجهة اليمن واليمنيين في أعين العالم وهذا ما لم نلمسه في مدينتنا تعز، النظافة مثلاً أحد أوجه الثقافة التي تعكس نظافة عقول أبنائها، النظافة غابت ولم تعد بسبب تخاذل الجميع وإهمال المدينة وتركها عرضة للأمراض والمرضى وهذا أمر لا ينبغي السكوت عنه فكلما زادت حدة هذه المشكلة ماتت الثقافة في المدينة.. شيء آخر أشارت إليه يتمثل في التعليم فقالت: مسألة التعليم هي الأخرى تدهورت إلى حد الإطاحة بالمؤسسات التعليمية وجعلها متاجر دراسية لا يهمها سوى كيف تشتري وتبيع بالعلم، ولعل هذا سبب قوي بوجود جيل لا يهمه الثقافة بقدر ما يهمه مردود الثقافة، جيل يتلقن أساسيات التعليم تلقينا ليخرج الطالب أذنا من طين وأخرى من عجين، إذن فما فائدة التعليم إن لم يرفع مستوى الثقافة في المدينة بل ويزيدها سوءاً... اهتمام متكامل وأضافت أحلام المقالح قائلة: الحديث عن عاصمة للثقافة لابد أن يكون حديثاً عن مدينة وسلوك يليق بهذا الاسم.. لابد من نظافة وتعليم وسلوك راق واهتمام متكامل من الدولة وأبناء المدينة بالمدينة من حيث الاقتصاد والخدمات الأساسية ومن ضمنها الاهتمام بالثقافة ودور النشر التي تكاد تتوزع في العاصمة السياسية والاهتمام بالمثقفين الذين أيضاً يتجمهرون في صنعاء تاركين هذه المدينة الحالمة مسكونة بالوجع ومعجونة بالأحلام بوطن مشرق. سلة البلد الثقافية الدكتور: سامي عطا من جانبه قال: تعز محافظة لها إسهامها في العديد من المجالات، إلاّ أنها ثقافياً تعد المحافظة الأبرز وسلّة البلد الثقافية تتركز فيها، محافظة زاخرة بوفرة المثقفين والأدباء والأكاديميين وتكاد تكون المحافظة التي تتصدر بقية المحافظات في كنوزها الثقافية، وهذه السمة لها عمق تاريخي يمتد إلى أيام الدولة الرسولية.. ويستحيل أن تفكر بالثقافة والأدب دون أن يرد في ذهنك مثقف أو أديب من هذه المحافظة أو له امتداد فيها أو تركت أثرها عليه، فهناك كثير من الأسماء الكبيرة من محمد عبدالولي إلى محمد عبدالباري الفتيح وعبدالفتاح إسماعيل وعبدالله عبدالوهاب نعمان وأيوب طارش عبسي وسلطان الصريمي وعبدالباسط العبسي، والفنان هاشم علي ووووووو... ولا يكاد مجال من مجالات الإبداع والثقافة إلاّ وتجد له فرسانا يتصدرون الصفوف. إعادة الاعتبار الإعلامي عزوز السامعي يرى أن دوافع اختيار تعز عاصمة للثقافة مقومات عديدة بعضها يتعلق بالبنى الثقافية كالأماكن الأثرية والتاريخية والمكتبات العريقة الكبيرة والشخصيات المؤثرة والفاعلة ثقافياً, وأيضاً النشأة الخاصة بإنسان تعز؛ وقال: كانت تعز عبر تاريخها الحديث والقديم مدينة للثقافة والمثقفين؛ وكانت في خمسينيات القرن الماضي بمنتدياتها ومكتباتها ومراكزها الثقافية منطلقا لصناعة الحدث الثقافي والتغييري الذي ساهم بقوة في خلق وعي عام عزز من شرعية الثورة على التخلف والرجعية. إن اختيار تعز عاصمة للثقافة يأتي في سياق المحاولات الجارية لإعادة الاعتبار لمدينة همشت ثقافيا طيلة العقود التي مضت ضمن حالة من التهميش العام لدورها الريادي في عملية التنوير وخلق الوعي الثقافي الذي تستقي منه شجرة المدنية والوعي والالتزام الوطني. هدف رئيس واحد عبدالهادي العزعزي وكيل وزارة الثقافة قال: أعتقد أن إعلان تعز عاصمة ثقافية له هدف رئيس واحد من الجانب النظري أو التخطيطي وهو كيف يمكن تأصيل ما نسميه صناعة الثقافة وهي عملية طويله تبدأ أولاً بتبني استراتيجية ثقافية لتنمية الكادر البشري أولاً، وتنمية الكادر البشري تحتاج بنى تحتية وهذه البنى التحتية تقتضي وجود معهد واحد على الأقل للفنون ومكتبة وطنية كبرى ومكاتب أخرى في المديرات، وكذلك إعادة الاهتمام بالطباعة والنشر وتبني مهرجانات للقراءة وإعادة الاعتبار ذهنياً للسينما والمسرح وإنشاء شركات للإنتاج الإعلامي, وأيضاً الاهتمام بالجانب البيئي والسياحي للمدينة والريف والعمل على إنشاء قرى سياحية في المناطق التي تملك جاذبية لذلك وهذا العمل يحتاج خطة طويلة وعملا إعلاميا ومكثفا وحوارا مع اتحاد الأدباء والتربية وبالذات المعلمون وتنشيط السياحة الداخلية خصوصاً بين الطلاب و تدعيم الاستقرار والبنى الفندقية وإعادة بناء الجماعات الثقافية في المدارس والجامعة وخلق نوع من التسليح للمنتج الثقافي, هذا الأمر لا يعنى إيجاد هياكل لا تستخدم، بالإضافة إلى إشراك المجتمع في هذا العمل بدرجة أساسية. وأشار العزعزي إلى أن الوضع العام في تعز مزر جداً على المستوى الثقافي الفنان في نظر الناس لأنه في بيئة فقيرة يكافأ بأحسنت وأحسنت لا تبيع الدقيق كما يقول المثل, أيضاً هناك قيم ثقافية وسلوكيات اتجهت في السنوات الأخيرة كأنها تحتقر الفن عموماً.. وقال التسويق الفني غائب لا تعرف كم الفرق الفنية وهي إن أنتجت بعض الأعمال لا تسوق لم يتم تجريب مسرح الشارع والمسارح الموجودة ، المهرجانات الفنية متقطعة وعادة تكون مهرجانات سياسية, الحديث عن التنمية الثقافية هنا هو الأساس تحتاج تعز خطة طويلة الأمد لبناء قاعدة من البنية التحتية في الجانب البشري والمادي وهو يقتضي حشد قوى المجتمع ذات العلاقة بالتنمية البشرية وصناعة الثقافة بما فيها إنشاء استديوهات للفنون ومهرجانات موسمية تعمل على خلق سوق للمنتج الثقافي وقبلها تعزيز البيئية الحاضنة للثقافة، وأيضاً خلق منتج لديه القدرة على المنافسة. وقال وكيل وزارة الثقافة: الثقافة سلعة لا قيمة لها إذا لم يكن لديها جمهور مستهلك من الناس منتجات صناعة الثقافة من السلع ذات القيمية المادية الكبيرة.. وأنا لأني جديد على وزارة الثقافة لا أعرف بدقة كيف تجري الأعمال في مشروع تهيئة تعز كعاصمة ثقافية لكني وما أقوله بثقة و بصراحة إن الإشراف الوزاري ضعيف. قبلة القلوب أما الكاتب: عبدالرحمن غيلان قال: من الصعب أن نتحدث عن تعز وما نريده من ثقافة بينما تعيش أوضاعاً صعبة. في إبريل 2013م تم الإعلان رسمياً عن مدينة تعز عاصمة للثقافة اليمنية.. ومنذ ذلك الحين لم نسمع بحدث ثقافي يليق بذلك التدشين أو تلك المدينة التي ضاعت آمالها في دهاليز الفيس بوك.. ما عدا بعض الفعاليات المتناثرة والتي في حقيقتها قائمة بغضّ النظر عن الحدث الكبير. .تعز الحبيبة لا تحتاج مني إلى مديح وإطناب يسموان ببهاء مكانتها وموضعها في قلب كل يمنيّ بل وعربيّ مرّ منها أو مرّت منه.. لكنها تظل رغم تعثّر الكثير من زهو خطابها الثقافي والإنساني مؤخراً.. قبلة القلوب المتوضئة بيقين المعرفة والنهل من معين حدقات آمالها.. تعز للأسف تاهت في معترك سطور «الفَرغْ» بالفيس بوك .. وكأنّ كل واحدٍ فيهم معنيّ باتهام الآخر وتبديد جهوده والنيل من قدرته على العطاء مهما كان ذلك العطاء بسيطاً أو يقوم به مواطن عاديّ لا حول له ولا قوّة لكنه بلا شك سيصنع الكثير بسلوكه وإرادته بعيداً عن حماقة الهذيان الكيبورديّ الذي جعل من تعز عبارة عن مناوشات عدائية لا حلول ثقافية على أرض الواقع ينتظرها الجميع ولا مفرّ منها سوى الإعلان الرسمي والشعبي عن فشل إثبات عطائها الثقافي. سمعنا الكثير عن منجزاتٍ ثقافية ستكون.. وذلك أمر عفوي وحديث مقايل.. لكن تمرّ السنة وتتبعها الشهور دون تحقيق حدث مميز ومختلف يرتبط بثقافة تعز فذلك هو الخسران الماحق، ماذا مثلاً عن إطلاق قناة تعز الثقافية؟ ألم يتحدث الكثير عنها من قبل وتم تشكيل إدارة لها وإطلاق موقع إلكتروني يهتم بتفاصيلها..! فهل من المعقول أن تظلّ عاصمة الثقافة اليمنية عاجزة عن إطلاق قناة ثقافية تليق بهذا الحدث الكبير؟ وما الذي ينقصها والمادة البرامجية متوفرة بل وفائضة؟ ولماذا يقف البعض حجر عثرة أمام مشروع هذه القناة التي أعتقد أنها ستنقل الثقافة الحقيقية لبلدٍ بأكمله بعيداً عن السياسة العوجاء والمناطقية الرعناء. . اليوم تعز بحاجةٍ ماسّة لصدق أبنائها معها قبل صدق الحكومة.. تحتاج لإرادة حقيقية ممن يتحدثون باسمها قبل إرادة محافظها الذي خذلته الأحزاب والرؤى المتناقضة على نفسها وذاتها.. بل تحتاج تعز لوقفة جادة من الجميع لإنقاذ ما تبقى من ثقافة الوطن قبل أن يزداد التنازع على اللا شيء ونفقد الشيء العظيم بقلوبنا لهذه المدينة الأبيّة