إن للثقافة جينات تتخلق في رحم الحضارة تحمل خصوصية وصفات المنابع الأولى للخلق والإبداع, هذه الجينات لها قدرة الاحتفاظ بمكنونات وأسرار المنابع حتى وإن تقادم عليها الزمن أو توحشت الحياة ضدها, فهي أصيلة في التركيب الوجداني والسلوكي للإسنان, تنتظر الظروف المؤاتية للخروج تنتظر البئية والمناخ الإنساني الفاعل في إنبات تلك الطاقة الخلاقة في تشكيل الإنسان ودوزنة إيقاع حياته وتقدمه, وكانت تعز أحد مكنونات الثقافة العربية منذ الزمن الذي ليس ببعيد, ففي حبات ترابها تشربت الثقافة فكراً وسلوكاً.. تعز عاصمة للثقافة اليمنية ليست مشروعاً سياسياً وليد للحظة, بل هو تاريخ وتراكم معرفي غيب بفعل الغباء والعقم السياسي, فهي عاصمة للثقافة بما تملكه من طاقات بشرية ورصيد حضاري وتاريخي, وما يتم اليوم بإعلانها عاصمة للثقافة اليمنية هو إعادة الاعتبار للتاريخ وأعاد الفعل الحضاري إلى مساره الصحيح, لكن كل هذا لا يعد هو جوهر المشروع بل روافد ومنطلقات.. حين نتكلم عن مشروع ثقافي فنحن نتحدث عن أدوات ومعطيات ونتائج وليس مرموزاً تاريخياً أو قراراً سياسياً, فهذا يعني أن تكون في رأس السرب وقائداً للمسيرة الحضارية في الوطن, ليس بالتمني تعود تعز إلى ممارسة دورها كعاصمة, تعز بحاجة قبل أعادت الاعتبار لها بقرار سياسي كعاصمة للثقافة, بحاجة إلى بنية تحتية تسند وتفعل وتخلق وسط ثقافي فالثقافة ليست بحاجة إلى قرار , بل السياسي بحاجة إلى فعل ثقافي, تعز تحتاج إلى منشآت ثقافية خطاب إعلامي جماهيري ذو توجه للفعل الثقافي, القيادة الشابة للمحافظة معول عليها الكثير, لأن تقود ذلك المشروع, وهذا هو المؤمل في المرحلة القادم, وعلى مستويين يسيران بالتوازي بنية تحيتة منشأت ومنهجية برامجية لمختلف مناشط الفعل الثقافي وبمفهومه الواسع السلوك والممارسة, سلوكنا اليومي من برميل القمامة حتى الوقوف على خشبة المسرح, العمل على تشجيع التكوينات الثقافية والإبداعية الشبابية وبإشراف مباشر من محافظ المحافظة.. فهذا يعد أخطر مشروع يشكل وجه اليمن ككل وليس تعز فحسب, وكمهتم ومنتمي للوسط الإبداعي – أو كما ادعي - فهناك مساحات مشعة نستطيع من خلالها أن ننشر الضوء لمشروعنا القائم والقادم, لقد تأهت خطواتنا منذ زمن لننقب بين حطام السنين الماضية سنجد قامات ومشاريع ثقافية إبداعية في ذاكرة هذه المدينة نبدأ منها, مشروع أكاديمية للفنون لنخرجه من غيابات الإدراج, ولنبحث على ما تبقى من الفرقة الموسيقية للمحافظة وعازفيها, إعادة الاعتبار لخشبة المسرح من خلال أساتذة هذا الفن المهمشين في تعز, إطلاق مبادرات شبابية إبداعية وتشجيها, استقدام رموز للفعل الثقافي والإبداعي على المستوى العربي والعالمي, جذب الانتباه لتعز, تنفيذ مجموعة من المهرجانات الثقافية والفنية في تعز, استضافة مؤتمرات وورش عمل فيها, فرض موضوعات السياحة الداخلية على كافة القطاعات, تفعيل جميع الجهات وإلزامها بالمناشط الثقافية في برامجها, جامعة تعز, الجامعات الخاصة, مكتب الثقافة, مكتب الأوقاف, مكتب السياحة ... ألخ , النبش في تاريخ المدينة وإظهار تجربتها الثقافية والحضارية, الاهتمام بتقديم عمل سياحي حقيقي.. هناك مساحات في تعز على مستوى الأرض تحتاج إلى أن تستثمر بفعل ثقافي إبداعي خيراً من أن تكون مقرات لمعسكرات, وهذا جزء من سوء التوزيع المفرط في الخارطة الجغرافية والإعمارية لتعز, تشجيع الاستثمار في الجانب الثقافي, لابد من خطة استراتيجية لإعادة تعز إلى صف الفعل الثقافي, ففي أحشاء هذه المدينة معجزة تحتاج لنبي يخرجها بل أنبياء, وهم منتشرون على امتداد الأرض اليمنية والعالم.. لا بد من إيجاد بيئة وقاعدة لانطلاق المشروع الثقافي.. هنا نحن نحتاج إلى ثورة, بتلك الجماهير الغاضبة التي خرجت لإسقاط النظام نحتاجها لصناعة الثقافة والتي بدورها تشكل الوعي الذي يصنع التغيير, لا أتمنى فقط بل نبدأ من الآن لنقدم كشف حساب بعد عام لعاصمة الثقافة ماذا أضفتنا ....!