قدم منتخبنا الوطني لكرة القدم أجمل مباراة له على الإطلاق في تاريخ مشاركاته بالبطولات الخليجية، واستطاع أن يحبس أنفاس جماهير المنتخب البحريني الشقيق طيلة 90 دقيقة، ليكتفي المنتخبان بنقطة واحدة خلال اللقاء الذي جمعهما مساء الخميس في الجولة الأولى من منافسات بطولة خليجي22 التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض.. وفاجأ لاعبونا جميع المتابعين ومن قبلهم لاعبو البحرين ومدربهم العراقي عدنان حمد بمستوى فني جريء ورائع، منحهم أفضلية الاستحواذ على جميع مساحات الملعب ومباغتة البحرينيين بهجمة منظمة في الدقيقة الأولى لم ينجح وحيد الخياط في ترجمتها إلى هدف مبكر.. ورغم ذلك واصل اللاعب علاء الصاصي ورفاقه سيطرتهم الكبيرة على فترات اللقاء عبر تناقلاتهم القصيرة للكرة بشكل سلس ومنظم، والتي غالباً ما كانت تبدأ من أقدام المدافعين قبل أن تتدحرج صوب منطقة المناورات البحرينية، لكن قلة الخبرة وانعدام الحظ الذي عاندهم منذ ما قبل انطلاق المواجهة حينما تأكد غياب المهاجم الأول “أيمن الهاجري” بداعي الإصابة، وقفا حائلين دون لدغ شباك الحارس السيد محمد جعفر. وحتى الساعة التاسعة والنصف من مساء الخميس الفائت كانت صورة المنتخب اليمني باهتة لدى المحللين الرياضيين باعتباره الحلقة الأضعف، عطفاً على النتائج السابقة له خلال ست مشاركات سابقة في هذه البطولة، غير أن تلاميذ التشيكي “سكوب” ومساعده الوطني “أمين السنيني” استطاعوا محو تلك الصورة التي طالما كانت مثاراً للسخرية والتندر، ليجبروا الجميع على رفع قبعات الاحترام ونثر عبارات الإطراء وفي مقدمتهم مدير الجهاز الفني للمنتخب البحريني الذي أكد قائلاً: “المنتخب اليمني قدم مستوى رائعا اتسم بالتنظيم الجيد والروح القتالية العالية”. وقال المدرب العراقي المخضرم عدنان حمد في حديث صحفي عقب المواجهة: “لقد استطاعوا أن يغلقوا جميع المنافذ أمامنا رغم محاولة تغيير الخطة وأسلوب اللعب في الشوط الثاني” وأضاف: “التعادل لا يقلل من شأن المنتخب البحريني وبإمكانه تقديم مستويات أفضل في المباريات القادمة.. علينا الآن أن ننسى هذه المباراة ونبدأ التفكير في المباراة القادمة أمام السعودية لكي نحافظ على حظوظنا في التأهل للدور المقبل”. ربما لم يكن أكثر المؤمنين بقدرات لاعبينا الواعدين يتوقع هذا المستوى وتلك الروح القتالية لمنتخب جُلّه من الوجوه الشابة الجديدة، وتلاحقه لعنة الإخفاقات المتكررة، غير أنه من الواضح جداً أن تلك الصورة المغايرة لوجه المنتخب الوطني لم تكن محض مصادفة. وتكمن كلمة السر الحقيقية لهذا الظهور المفاجئ في اكتمال مربع النجاح الذي قد يجهله كثيرون ممثلاً: بدهاء المدرب ميروسلاف سكوب.. صرامة المدرب المساعد أمين السنيني.. قدرة مدير المنتخب “جمال الخوربي” على التحفيز.. وحماسة اللاعبين أنفسهم، الطامحين بكتابة تاريخ جديد لكرة القدم اليمنية. رسمياً، تمكن منتخبنا الوطني بهذا التعادل الذي يحمل نكهة الانتصار من استعادة النقطة المفقودة منذ خليجي 19 في سلطنة عمان، غير أنه في حقيقة الأمر فتح أيضاً باب التفاؤل على مصراعيه أمام أمنيات الجمهور اليمني المتعطش لتحقيق أول فوز يمني في المحفل الخليجي. يقول نجيب هيكل، وهو معلم تربوي في إحدى مدارس تعز وشغوف بمتابعة الرياضة المحلية والعالمية: يحق لنا أن نفخر بهذا المنتخب الجميل وهؤلاء اللاعبين الواعدين الذين يمتلكون القدرة على مقارعة المنتخبات ومنحنا فرحة لطالما انتظرناها.. بوسعنا كيمنيين أن نرفع رؤوسنا ونصرخ في وجه الجميع: “انظروا.. إنه منتخبنا الوطني”. وغير بعيد منه يقف الشاب حسين الحتير فيما لاتزال ملامح الفرح بادية عليه يقول: منذ 10 سنوات وأنا أتابع أخبار منتخباتنا الوطنية، لم تربطني به سوى علاقة تمنحني الحزن غالباً لاسيما في دورات الخليج، لكن اليوم ينتابني شعور على نحو يقيني بأن هذا المنتخب قادر على تغيير هذه العلاقة ومنحي شيئاً من الفرح. قياساً بالمستوى الفني المتطور الذي جعل المحللين الرياضيين يجمعون على أن منتخب اليمن كان الأحق بالفوز وخطف نقاط المباراة كاملة، يؤكد خبراء كرويون أن هذه التطلعات باتت ممكنة التحقيق اليوم أكثر من أي وقت مضى، لكنهم أعربوا عن خشيتهم من أن يشكل هذا الطموح لدى الجمهور اليمني عامل ضغط نفسي يعود بمردود سلبي على اللاعبين الشبان، الذين تنتظرهم مباراتان قويتان أمام كل من قطر أحد أقوى المرشحين للفوز باللقب يوم غدٍ الأحد والسعودية مستضيفة البطولة يوم الأربعاء القادم. ولم يخفِ المراقبون قلقهم من انعكاسات الشحن النفسي الزائد على أداء ونتيجة منتخبنا غداً في اللقاء الذي سيجمعه مع نظيره القطري بعدما تناقلت وسائل الإعلام خبر منح وزير الشباب والرياضة ورئيس اتحاد الكرة لاعبي المنتخب حوافز مالية بواقع 2000 دولار لكل لاعب بعد التعادل مع البحرين، مشيرين إلى أن مثل هذا الإجراء قد يعطي مردوداً عكسياً وعاملاً آخر لتشتيت ذهنية اللاعبين. ولفت هؤلاء إلى أن الإجراء المثالي هو التحفيز المعنوي وتأجيل التكريم المالي إلى ما بعد انتهاء البطولة بصرف النظر عن نتيجة المباراتين القادمتين.. فالمستوى الفني لهذا المنتخب اليافع يجعلهم جديرين بالدعم والاهتمام المالي ولكن عقب انتهاء البطولة.